التنبيه على اُمور \ 1 ـ ترجيح رواية الإمام (عليه السلام) على حديث النبي (صلّى الله عليه وآله) 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4141


 وينبغي التنبيه على اُمور:

 الأمر الأوّل: أ نّه قد ورد في بعض الروايات ما ربّما يستظهر منه أ نّه لو تعارض الخبر المروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) والخبر المروي عن الإمام (عليه السلام) فالترجيح للثاني، وهو موثقة محمّد بن مسلم نقله في الكافي عن العدة عن أحمد بن محمّد عن عثمان بن عيسى عن أبي أيوب الخزاز عن محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «قلت له: فما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولا يتهمون بالكذب، فيجيء منكم خلافه؟ قال (عليه السلام): إنّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن»(2).

 وكذلك ورد في بعض روايات اُخر ما يستظهر منه أ نّه لو وقع التعارض بين الخبر المتقدم زماناً والخبر المتأخر بحسب الزمان فالترجيح للثاني، كصحيحة أبي عمرو الكناني رواها الكليني (قدس سره) عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي عمرو الكناني قال: «قال لي أبو عبدالله (عليه السلام): يا أبا عمرو، أرأيتك لو

ــــــــــــ
(2) الكافي 1: 64 / باب اختلاف الحديث ح 2، الوسائل 27: 108 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 4.

ــ[500]ــ

حدثتك بحديث العام ثمّ جئتني بعد ذلك فتسـألني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك، أو أفتيتك بخلاف ذلك، بأ يّهما كنت تأخذ؟ قلت: بأحدثهما وأدع الآخر، فقال (عليه السلام): قد أصبت يا أبا عمرو، أبى الله إلاّ أن يعبد سراً، أما والله لئن فعلتم ذلك إنّه لخير لي ولكم، أبى الله (عزّ وجلّ) لنا في دينه إلاّ التقية»(1).

 أقول: أمّا الرواية الاُولى، فلا يصح التمسك بها للترجيح، إذ لو كان المراد من النسخ في هذه الرواية هو النسخ الاصطلاحي ـ بناءً على إمكانه بعد انقطاع الوحي أيضاً، لكونه بمعنى بيان أمد الحكم لا ارتفاع الحكم المستمر ـ فلا بدّ من أن يكون المراد من الحديث الناسخ للحديث النبوي مقطوع الصدور، فان ضرورة المذهب قاضية بعدم نسخ الكتّاب والسنّة بالخبر الظني، بل هذا مما اتفق عليه الفريقان. فاذن لو كان المراد من النسخ هو النسخ الاصطلاحي، فلا بدّ من أن يكون المراد من الناسخ المقطوع الصدور، وهو خارج عن محل الكلام. وإن كان المراد من النسخ معناه اللغوي ليشمل التخصيص والتقييد ـ كما قد اُطلق عليهما في بعض الأخبار ـ فكان المراد تخصيص العموم المروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) بالمخصص المروي عن الإمام (عليه السلام) أو تقييده به، ولا مانع منه ولكنّه أيضاً خارج عن محل الكلام، لأنّ الكلام في المتعارضين اللذين لا يكون بينهما جمع عرفي كما تقدّم(2).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 2: 218 / باب التقية ح 7، الوسائل 27: 112 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 17.

(2) في بداية بحث التعادل والترجيح فراجع.

 
 

ــ[501]ــ

 وأمّا الرواية الثانية الدالة على وجوب الأخذ بالمتأخر من المتعارضين، فموردها المكلف العالم بصدور كلا الحكمين عن الإمام (عليه السلام) المعاصر له، ولا بدّ له من العمل بالمتأخر، لأنّ المتقدّم لو صدر عن تقية لكان المتأخر صادراً لبيان الحكم الواقعي، ولو كان المتأخر صادراً عن تقية يجب الأخذ به أيضاً، لوجوب رعايتها، فانّ الإمام (عليه السلام) أعرف بمصالح الوقت، وهذا غير جار في حقنا، فانّ المتقدّم والمتأخر بالنسبة إلينا على حد سواء، إذ لا علم لنا بصدورهما، ونحتمل أن لا يكون شيء منهما صادراً، وعلى تقدير صدورهما واقعاً، لا نعلم أنّ أياً منهما صدر لبيان الحكم الواقعي ليكون عملنا عليه مع عدم المقتضي للتقية في حقنا، فلا بدّ حينئذ من الرجوع إلى مرجح آخر.

 مضـافاً إلى أ نّه لو كان المراد في هذه الرواية كون التأخر مرجحاً لأحد المتعارضين، لكانت منافية لجميع أخبار الترجيح، ضرورة تأخر صدور أحد المتعارضين عن الآخر، فلا بدّ من طرح هذه الرواية، إذ لو عمل بها لم يبق مورد للعمل بأخبار الترجيح. نعم، مجهولي التاريخ خارج عن مفاد هذه الرواية، ولكن لا يعمل بسائر الترجيحات فيهما، لأ نّا نعلم بتأخر أحدهما عن الآخر وقد اشتبه علينا المتأخر، فيكون من باب اشتباه الحجة بغير الحجة، فلا يمكن الأخذ بواحد منهما.

 اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ بقاء جميع الأخبار العلاجية بلا مورد على تقدير العمل بهذه الرواية قرينة على اختصاص هذه الرواية بصورة العلم بتاريخ المتعارضين، وأمّا مع الجهل بالتاريخ كان المرجع بقية الروايات، فلا يلزم حينئذ طرح هذه الرواية لمنافاتها معها.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net