ثمرة النزاع \ الثمرة الاُولى : الرجوع إلى البراءة بناء على القول بالأعم 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4729


ثمرة النزاع

وقد ذكروا لهذا النزاع ثمرات عديدة مترتّبة عليه ، وربما ظهر من بعضهم أنّها ثمرات للمسألة الاُصولية . والحقّ أنّها ليست كذلك ، لما سيأتي . وهذا البحث ليس بحثاً اُصولياً ، وإنّما هو من مبادئ علم الاُصول :

الثمرة الاُولى : الرجوع إلى البراءة بناءً على القول بالأعم ، عند الشكّ في جزئية شيء للمأمور به أو شرطيته ، باعتبار أنّ ما عدا هذا الجزء أو الشرط المشكوك فيه لمّا كان مصداقاً للمسمّى ، والشكّ إنّما هو في اعتبار أمر زائد على ما يصدق عليه ، كان مجرى للبراءة ، لكون الشكّ بالنسبة إلى الزائد شكّاً في أصل التكليف .

وهذا بخلاف القول بالصحيح ، فإنّ نتيجته الرجوع إلى الاشتغال ، لأنّ الشكّ في جزئية شيء شكّ في صدق المسمّى إذا جيء به خالياً من ذلك المشكوك فيه . ومتى كان الشكّ في المحقّق كان مجرى للاشتغال .

ولا يخفى أنّ الثمرة المذكورة ـ كما تعرّض لها الشيخ الأنصاري (قدّس سرّه)(1)ـ لا ترجع إلى محصّل .

أمّا بناءً على الوضع للأعمّ : فلأنّ الشكّ في اعتبار الأمر الزائد على ما يصدق عليه المسمّى يرجع إلى الشكّ في أنّ الأمر المتعلّق بالأجزاء ، التي هي عبارة عن الركوع والسجود وغيرهما ممّا كان يصدق عليها الصلاة ، هل اعتبر بنحو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع فرائد الاُصول 2 : 472 .

ــ[120]ــ

الإطلاق واللاّ بشرط ، أو اعتبر بنحو التقييد وبشرط شيء ، وهذا من دوران الأمر بين الإطلاق والتقييد . والقول بالبراءة فيه مبتن على انحلال العلم الإجمالي في مثل ذلك ـ دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين ـ كما أنّ القول بالاشتغال يبتني على عدم انحلال العلم الإجمالي في ذلك .

فإن قلنا هناك بانحلال العلم الإجمالي إلى معلوم تفصيلي وهو القدر المتيقّن وإلى شكّ بدوي ، فلابدّ من إجراء البراءة في الزائد .

وإن لم نقل بالانحلال ، وقلنا بأنّ هناك علماً إجمالياً قد تعلّق بوجوب أحد الأمرين : إمّا المطلق ، أو المقيّد ، حيث إنّ الإهمال في الواقع مستحيل ، وكل منهما مشكوك أمره ، فلابدّ من الاشتغال دون البراءة .

فالقائل بالأعم لا يستطيع التمسّك بالبراءة مطلقاً ، بل تمسّكه بها يبتني على القول بانحلال العلم الإجمالي في موارد الأقل والأكثر الارتباطيين . أمّا على القول بعدمه فلابدّ من الاشتغال .

وأما بناءً على الوضع للصحيح : فلأنّ الصحّة لمّا كانت من الاُمور الانتزاعية التي تنشأ من مطابقة المأتي به للمأمور به في مرحلة الامتثال ، كما أنّ الفساد عبارة عن عدم المطابقة بالمعنى المذكور ، كانت من شؤون الامتثال لا الأمر إذ لا معنى للصحّة فيه ، فأنّ معنى المطابقة يعطي أنّ هناك أمراً متعلّقاً بشيء ، والعبد قد يمتثله وقد لا يمتثله ، وبناءً على هذا فلابدّ من تعيين متعلّق الأمر على القول بالصحيح ، ليكون الإتيان به موافقاً للمأمور به ، وهو إمّا أن يكون مركّباً أو بسيطاً .

فإن كان مركّباً ، وكانت الأجزاء مع القيود بأنفسها متعلّقة للأمر ، بأن كان الجامع بين الأفراد الصحيحة مركّباً ـ مع الغضّ عمّا بيّناه سابقاً من عدم إمكانه ـ فعند الشكّ في اعتبار شيء في المأمور به زائداً على المقدار المتيقّن يرجع إلى البراءة بناءً على صحّة الانحلال ـ فيما إذا دار أمر المأمور به بين الأقل والأكثر الارتباطيين ـ لأنّ

 
 

ــ[121]ــ

الأمر حسب الفرض قد تعلّق بذوات الأجزاء ، وقد علم تعلّقه بمقدار منها وشكّ في الباقي . فالمرجع البراءة .

وإن كان بسيطاً ، وكانت الأجزاء والقيود محصّلة له ، بأن كانت نسبة الأجزاء والقيود إليه نسبة السبب إلى المسبّب ، فالشكّ في انضمام شيء إلى الأجزاء المتيقّنة يكون شكّاً في المحصّل ، والمرجع فيه الاشتغال ، إذ لا شكّ في تعلّق الطلب بالأمر البسيط ، وإنّما الشكّ في محصّله .

وإن كان الجامع بسيطاً ، وكانت نسبته إلى الأفراد نسبة الماهيات الحقيقية المتأصّلة ، كماهية الإنسان إلى الأفراد ـ مع الغضّ عمّا أشكلناه من عدم إمكان الجامع البسيط ـ فلا محالة يكون الجامع موجوداً بوجود أفراده . فالأمر المتعلّق به متعلّق بالأجزاء والشرائط ، بلا فرق بين القول بتعلّق الأحكام بالطبائع والقول بتعلّقه بالأفراد ، إذ على الأول يكون الأمر المتعلّق بالطبيعي متعلّقاً بالأفراد لاتّحاده معها ، غاية الأمر أنّه لا دخل في ذلك حينئذ للخصوصيات الفردية . وعلى الثاني يكون متعلّق الأمر نفس الأفراد ، ويكون للخصوصيات الفردية دخل في ذلك .

وعلى كلا التقديرين تكون الأفراد متعلّقة للأمر . فلو شكّ في زيادة جزء أو قيد على ما علم تعلّق الأمر به ، فيرجع إلى البراءة بناءً على الانحلال في الأقل والأكثر الارتباطيين .

وإن كان الجامع البسيط من العناوين الانتزاعية التي لا وجود لها إلاّ بوجود منشأ الانتزاع فالأمر أوضح ، لأنّ الاُمور الانتزاعية لا يتعلّق بها الأمر ، لعدم وجودها واقعاً ، إذ الموجود أولا وبالذات هو منشأ انتزاعها ، وإن نسب إليها الوجود ثانياً وبالعرض ، ومثل هذا الوجود لا يصلح أن يكون متعلّقاً للأمر ، فالأمر في الحقيقة متعلّق بمنشأ الانتزاع ، وهو نفس الأجزاء والشرائط ، ومع الشكّ في 

ــ[122]ــ

تقييدها بقيد أو جزء زائداً على المقدار المعلوم يكون الأصل هو البراءة ، بناءً على الانحلال في الأقل والأكثر الارتباطيين . وعلى هذا فالقول بالصحيح لا يلازم ـ  دواماً ـ جريان الاشتغال عند الشكّ .

وممّا ذكرنا يظهر عدم صحة ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) من أنّ القول بالصحيح ملازم للقول بالاشتغال ، باعتبار أنّ الوضع على الصحيح ملازم لتقييد المسمّى ، لما عرفت من أنّ المتعلّق إمّا أن يكون مركّباً ، أو بسيطاً . والبسيط إمّا أن يكون من الماهيات الحقيقية المتأصّلة ، أو يكون من الاُمور الانتزاعية . وعلى جميع هذه الصور فهي مجرى للبراءة على القول بالانحلال ، لا الاشتغال .

اللهمّ إلاّ أن يكون الأمر متعلّقاً بعنوان بسيط ، والأجزاء والشرائط محصّلة له  ، فالأصل هو الاشتغال . إلاّ أنّ هذا الوجه ليس بمراد للقائل بالصحيح ، لأنّ غرضه من دعوى الوضع على الصحيح هو أن تكون الصلاة مثلا اسماً لما يصح انطباقه على تلك الأجزاء الخارجية ، فيقال : إنّ هذا الركوع والسجود والقراءة صلاة ، لا أنّ الصلاة اسم لأمر بسيط ، لا يصدق على تلك الأفعال ، وإنّما تكون هذه الأفعال محقّقات لها فحسب .

فما أفاده في الكفاية(2) من عدم ابتناء البراءة والاشتغال على القول بالأعم والصحيح هو الصحيح .
ــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 1 : 66 .

(2) كفاية الاُصول : 28 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net