اختلاف مبادئ المشتقات - دخول أسماء الآلة والمفعول في محل النزاع 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4643


اختلاف مبادئ المشتقّات

إنّ اختلاف المواد في سائر المشتقات لا مدخلية له في البحث عن الهيئة النوعية للمشتق من حيث الوضع للأعم أو للخصوص ، فإنّ بعض المواد ـ كالقيام والقعود ، والتكلّم من الأفعال الخارجية ـ يكون انقضاؤها برفع اليد عنها آنياً كعدم التكلّم مثلا ، فالمعتبر فيها التلبّس الفعلي .

وبعضها ـ كالاجتهاد مثلا ـ اعتبر فيه القوّة والشأنية ، والانقضاء فيه لا يكون إلاّ بزوال تلك القوّة والملكة ، لا بزوال الاستنباط فعلا .

وبعضها الآخر ـ كما في البناء ، والحداد ـ اعتبر فيه الحرفة والصناعة وانقضاؤها يكون بتركها واتّخاذ حرفة اُخرى . فليس الحداد من اشتغل بعمله فعلا بل من اتّخذ هذا العمل حرفة وصنعة له .

وعلى جميع التقادير فالهيئة صالحة للبحث عن وضعها لخصوص المتلبّس بالمبدأ أو للأعم ، وإن اختلفت أنحاء التلبّس .

ثم إنّ السعة التي كانت بلحاظ الشأنية والقوّة ربما تستفاد من نفس المادّة كما مرّ ، واُخرى تستفاد من الهيئة كما في المفتاح ، فإنّ الفتح وإن ظهر في الفعلية ، إلاّ أنّ

ــ[154]ــ

هيئة مفعال تدلّ على إرادة الشأنية والقوّة . فالمفتاح اسم لكل ما من شأنه الفتح ولو لم يفتح به بالفعل ، نعم لو زالت عنه الشأنية ـ كما لو انكسر بعض أسنانه ، وصار غير قابل للانتفاع به ـ كان ذلك من الانقضاء ، فبناء على الأعم يقال له مفتاح ، وعلى الأخص لا يقال له على نحو الحقيقة ، ويصح استعماله فيه مجازاً .

ومن هنا يظهر ما في كلام شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) تبعاً لصاحب الفصول (قدّس سرّه)(2) من خروج أسماء الآلات وأسماء المفعولين عن محل النزاع من مواضع للتأمّل والإشكال .

أمّا اسم الآلة فقد ذكر في وجه خروجه : أنّه يصحّ صدق المفتاح ـ مثلا ـ حقيقة ولو مع عدم التلبّس بالفتح فعلا .

ولكنّه غير خفي أنّ الهيئة فيه موضوعة للدلالة على قابلية الذات وشأنيّتها للاتّصاف بالمبدأ ـ وهو الفتح في المثال ـ لا للاتّصاف الفعلي ، إذ يصدق المفتاح عليه ولو لم يفتح به شيء أصلا . فالانقضاء فيه إنّما يكون بزوال شأنية الفتح دون فعليّته
كما إذا انكسر أحد أسنانه ، فيجري فيه النزاع من وضعه للمتلبّس بالفعل أو للأعم بعد الاتّفاق على أنّه مجاز فيما لم يتلبّس بعد ، كما إذا اُطلق المفتاح على حديدة تصير مفتاحاً بعد ذلك . وأمّا إطلاقه على ما هو آلة الفتح بالفعل وإن لم يفتح به شيء بالفعل ولا فيما مضى ، فهو من الإطلاق على المتلبّس كما عرفت .

وأمّا اسم المفعول فقد ذكر في وجه خروجه عن حريم النزاع : أنّ الهيئة فيه تدلّ على وقوع المادّة على الذات ، فلا يتصوّر الانقضاء في ذلك بمعنى انقضاء كونه ممّن وقع عليه الضرب ـ مثلا ـ لأنّ الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه ، فهو دواماً ممّن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 1 : 123 ـ 124 .

(2) الفصول الغروية : 60 .

ــ[155]ــ

وقع عليه الفعل . فصدق المشتق حال تلبّسه وانقضائه على نحو واحد .

وغير خفي أنّ ما أفاده (قدّس سرّه) غريب ، إذ لو صحّ هذا لجرى في أسماء الفاعلين أيضاً فيقال : هيئة فاعل تدلّ على صدور الفعل من الفاعل ، فالانقضاء لا يتصوّر هنا ، لأنّ الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه ، والمادّة الواحدة لا يفترق حالها وإن كانت بالإضافة إلى أحدهما بالصدور ، وإلى الآخر بالوقوع عليه .

فالحلّ الصحيح : هو أنّ الألفاظ وضعت للمفاهيم الكلّية ، لا الموجودات الخارجية ، فلذا يحمل على الموضوع له الوجود تارةً فيقال : الضارب أو المضروب ـ  مثلا ـ موجود ، واُخرى يحمل عليه العدم فيقال : الضارب أو المضروب معدوم . وهكذا الإنسان وضع بازاء مفهوم الحيوان الناطق ، لا الحيوان الناطق الموجود خارجاً . فالمشتقّات كذلك .

وهل وضعت بازاء مفهوم لو تحقّق خارجاً كان مصداقه خصوص المتلبّس بالفعل ، أو بازاء مفهوم لو تحقّق خارجاً كان مصداقه الأعم من المتلبّس بالفعل ، أو المنقضي عنه .

وهذا المعنى بنفسه جار في أسماء المفعولين . وليس الموجود الخارجي هو الموضوع له ليتوهّم أنّ انقضاءه من باب انقلاب الشيء عمّا وقع عليه . إذن فاسم الآلة واسم المفعول داخلان في محل النزاع .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net