الطلب والإرادة 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5273


اتّحاد الطلب والإرادة

الجهة الرابعة : في اتّحاد الطلب والإرادة . ويقع البحث عنه في اُمور :

الأول : هل الإرادة والطلب بحسب المعنى متّحدان ، أو مختلفان ؟

الثاني : هل مداليل الجمل الخبرية والانشائية من الاُمور النفسية ؟ وعلى تقدير ذلك فهل من سنخ الكلام النفسي ؟

الثالث : هل الإرادة المفسّرة بالشوق المؤكّد علّة تامّة في إيجاد الفعل بعدها أو هناك واسطة بينها وبين الفعل تسمّى بالاختيار ؟ وعلى هذا الأمر يبتني حديث الجبر والتفويض .

أمّا الأمر الأول : فقد ذهب صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(1) إلى القول بالاتّحاد ، وأنّ الطلب هو عين الإرادة مفهوماً ومصداقاً ، فإنّ الطلب الحقيقي عين الإرادة الحقيقية ، كما أنّ الطلب الإنشائي عين الإرادة الإنشائية ، غاية الأمر المنصرفُ من لفظ الطلب عند الإطلاق هو الإنشائي ، ومن لفظ الإرادة هو الإرادة الحقيقية ، ولا يضرّ هذا بوحدة المعنى .

وقد يقال(2) بتغاير الطلب والإرادة مفهوماً ، واتّحادهما مصداقاً ، كالإنسان والناطق ، حيث اتّحدا بتمام مصاديقهما ، وإن اختلفا مفهوماً .

وغير خفي أنّ المعنى المذكور ـ وهو القول بالعينية على كلا المعنيين ـ لا يساعد عليه الدليل ، بل الذي يساعد عليه هو ما ذهب إليه الأشاعرة من القول بالتغاير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 64 ـ 65 .

(2) درر الفوائد 1 : 72 ـ 73 .

ــ[194]ــ

فإنّ الإرادة المعبّر عنها بالشوق المؤكّد من الصفات النفسية القائمة بالنفس ، كالحبّ والشجاعة والفراسة وغير ذلك . أمّا الطلب فهو من مقولة الأفعال الخارجية ، لأنّ حقيقته التصدّي إلى إيجاد شيء في الخارج بعد أن يشتاق إليه ، فهو في رتبة متأخّرة عن الشوق المؤكّد . فلا يقال لمن كان مشتاقاً إلى تحصيل الدراسة والتعليم أنّه طالب علم ما لم يتصدّ إلى تحقيق ذلك ، غاية الأمر أنّ الطلب قد يتعلّق بفعل الغير ، وقد يتعلّق بفعل نفس الشخص ، والجامع بينهما هو التصدّي نحو الشيء .

وإذا عرفت أنّ الطلب من مقولة الأفعال ، وفي رتبة متأخّرة عن الإرادة التي هي من صفات النفس ، فلابدّ من الحكم باعتبار التغاير بينهما ، وأنّ أحدهما ليس عين الآخر .

ومن هنا ظهر ما في القول الثاني من دعوى التغاير بينهما مفهوماً لا مصداقاً فإنّك بعد أن عرفت الفارق بينهما ، وأنّ الإرادة من الصفات النفسية والطلب من الأفعال الخارجية المتأخّر رتبة عن الإرادة ، فكيف تتمّ دعوى الاتّحاد بينهما مصداقاً .

والخلاصة : أنّ الطلب والإرادة متغايران مفهوماً ومصداقاً .

وأمّا الأمر الثاني(1): فالمعروف بين العلماء القول بأنّ الجمل الخبرية تدلّ على ثبوت النسبة أو عدمها ، وقد عبّر بعضهم عن ذلك بالنسبة الثبوتية أو السلبية . وأمّا الجمل الإنشائية فإنّها تدلّ على إيجاد المعنى في الخارج .

وقد سبق(2) أن ذكرنا هذا القول ، والإشكالات عليه ، وانتهينا إلى أنّ الجمل الخبرية إنّما تدلّ على قصد المتكلّم الحكاية عن ثبوت النسبة أو عدم ثبوتها ، وليس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وسيقع البحث عن الأمر الثالث في ص198 .

(2) في ص65 وما بعدها .

ــ[195]ــ

الثبوت وعدمه من مداليل الجملة أصلا ، فإنّ حالة السامع قبل الإخبار وبعده على حدّ سواء ، وغاية ما يحصل في ذهن السامع نسبة القيام إلى زيد إذا قيل ـ مثلا ـ زيد قائم . ولكنّها نسبة تصوّرية ، وليست بتصديقية .

وأمّا الجمل الإنشائية فحقيقتها إبراز ما هو كائن في النفس من اعتبار خاص أو أمر حقيقي ، كالترجّي والتمنّي . وهذا وسابقه من الاُمور النفسية ، لأنّ قصد الحكاية أو أمر آخر ثابت في اُفق النفس من الاُمور القائمة بالنفس ، فكان على هذا كل من مدلول الجملتين أمراً نفسياً قائماً بالنفس .

وأمّا دعوى أنّ ذلك هو الكلام النفسي ، كما يبدو من شبهة الأشاعرة ، في قبال الكلام اللفظي ، فغير ثابت ، إذ لا مانع من صيرورته أمراً نفسياً وليس من الكلام النفسي . ولبيان ذلك وإيضاحه لابدّ من عرض شبهة الأشاعرة في الكلام النفسي ، والإجابة عليها . ولهم في ذلك أدلّة أربعة :




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net