المقام الثاني : صيغة الأمر 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 6469


ــ[216]ــ

صيغة الأمر

المقام الثاني : في هيئة افعل ، وما يضاهيها .

ويقع البحث عنها من جهات :

الجهة الاُولى : في معنى صيغة الأمر ، وهل هو واحد أو متعدّد ؟ وعلى الثاني فهل الصيغة في الجميع حقيقة ، أو في البعض حقيقة وفي الآخر مجاز ؟

ذهب المشهور إلى الالتزام بالتعدّد ، وقد عدّ منها الطلب ، والتهديد والإنذار  ، والإهانة ، والتعجيز ، وغيرها .

ولكن صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(1) التزم بوحدة المعنى ، وادّعى أنّها مستعملة في معنى واحد ، وهو إنشاء الطلب ، ولكن دواعي الإنشاء تختلف ، فقد يكون الداعي طلباً جدّياً حقيقياً ، وقد يكون تهديداً ، وقد يكون إهانة ، وغير ذلك  ، واختلافه لا يضرّ بوحدة المستعمل فيه . مثلا القيام وضع للكيفية الخاصّة واختلاف الدواعي كالتعظيم إذا قصد به ، أو الإهانة ، لا يوجب اختلافاً في مفهومه وما يستعمل فيه .

وقد التزم (قدّس سرّه) بهذا المعنى في سائر الصيغ الإنشائية من أدوات الاستفهام ، والتمنّي ، والترجّي ، وتوابعها ، فاعتبر أنّ أدوات الاستفهام مستعملة في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 69 .

ــ[217]ــ

معنى واحد ، وهو طلب الفهم إنشاءً ، مع اختلاف الدواعي ، كطلب حقيقة الفهم تارةً ، وداعي الإنكار اُخرى . وهكذا الحال في التمنّي والترجّي .

وربما يقال : إنّ الصيغة مستعملة في حصّة خاصّة من الطلب ، وتلك هي إنشاء الطلب بداعي الطلب الحقيقي ، فلو اقترن بداع آخر صار الاستعمال مجازاً فكان اختلاف الداعي مضرّاً بوحدة المستعمل فيه .

وغير خفي أنّ ما ذكره صاحب الكفاية (قدّس سرّه) يتمّ على مسلك المشهور من تفسير الإنشاء بإيجاد المعنى باللفظ ، فيكون الاستعمال في جميع الموارد حقيقة لوحدة المستعمل فيه ، وإن اختلفت الدواعي .

أمّا على مسلكنا من أنّ الإنشاء هو إبراز الاعتبار أو غيره من الاُمور النفسانية بمبرز ما ـ كما عرفت فيما تقدّم(1)ـ فالمعاني متعدّدة ، فقد يبرز المتكلّم ما في نفسه من اعتبار الفعل على ذمّة الغير بصيغة خاصّة ، فيكون إبرازه ذلك طلباً حقيقياً  . وقد يبرز ما في نفسه من السخرية أو التعجيز أو ما شاكلهما ، فيكون الإبراز مصداقاً للسخرية أو التعجيز . فالصيغة في كل مورد من هذه الموارد تبرز معنى يختلف عن الثاني ويغايره ، ويلزمه أن يكون المعنى المستعمل فيه متعدّداً كما ذهب إليه المشهور ، دون أن يكون واحداً .

ثمّ بعد أن كانت الصيغة مستعملة في معان متعدّدة ـ كما عرفت ـ فهل هي على نحو الاشتراك اللفظي ، أو موضوعة لمعنى واحد وتستعمل في الباقي مجازاً ؟

الظاهر هو الثاني ، وفاقاً للمشهور ، وذلك فإنّ المفهوم من الصيغة عند إطلاقها هو الطلب الحقيقي الجدّي ، وهو يحصل بدون قرينة . أمّا بقيّة المعاني غير الطلب الجدّي ففهمها من الصيغة يتوقّف على قرينة خاصّة تدلّ عليه . فهذا دليل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص68 .

ــ[218]ــ

على أنّ صيغة الأمر حقيقة في معنى واحد ، ومجاز في الباقي من المعاني .

الجهة الثانية : أنّ الأوامر التي اشتمل عليها الكتاب العزيز والسنّة النبوية وغيرهما من الأوامر العرفية على قسمين : تارةً يراد منها الإلزام والحتم ، على نحو يمنع العبد من مخالفتها ، واُخرى يراد منها البعث مقروناً بالترخيص ، بحيث لا يقف شيء أمام العبد لو أراد مخالفتها . ويسمّى الأول بالوجوب ، والثاني بالندب .

والقرينة الحالية أو الكلامية إن قامت على تعيين أحدهما لزم اتّباعها ، لأنّها دليل على تعيين المراد ، وهذا لا إشكال فيه . إنّما الإشكال فيما لو فقدت القرينة ، فهل للصيغة ظهور في المعنى الأول ، ليكون المعنى الثاني مفتقراً إلى القرينة . أو بالعكس بأن يكون لها ظهور في الثاني ، وهو الندب ، فيكون المعنى الأول محتاجاً إلى القرينة . أو يتوقّف فلا يصار إلى أحدهما إلاّ بالقرينة ؟ نزاع بين القوم .

ذهب صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(1) إلى الأول ، وادّعى أنّ صيغة الأمر حقيقة في الوجوب ، ومجاز في غيره . ولازم ذلك حملها على الإلزام عند تجرّدها عن القرينة . واستدلّ على ذلك بحصول التبادر عرفاً ، وأيّد مدّعاه بقيام السيرة العقلائية على ذمّ الموالي عبيدهم عند مخالفتهم لامتثال ما أمروا به ، وعدم صحّة الاعتذار عن ذلك باحتمال إرادة الندب مع فقد الدليل عليه ، وقيام السيرة على ذلك دليل الحقيقة .

ثمّ أشكل (قدّس سرّه) على نفسه بأنّ استعمال الصيغة في الندب أكثر من استعماله في الوجوب ، فكان الندب مجازاً مشهوراً ، أو أرجح من الوجوب ، ومعه كيف يمكن حمل الصيغة على الوجوب عند إطلاقها مجرّدة عن كل قرينة .

وأجاب عن ذلك أوّلا : بمنع الصغرى ، وأنّ الاستعمال في الندب لا يزيد على الاستعمال في الوجوب .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 70 .

ــ[219]ــ

وثانياً : لو سلّمت الكثرة في الندب ، فهي مع القرينة لا بدونها ، ومعه لا يمنع من الحمل على الوجوب عند التجرّد عن القرينة.

ثمّ أيّد ذلك بحديث العموم والخصوص ، حيث ادّعى كثرة الاستعمال في الخصوص حتّى قيل : ما من عام إلاّ وقد خصّ ، ومع هذه الكثرة لا ينثلم ظهور العموم لو ورد في الكتاب أو السنّة ، ما لم تقم قرينة على الخصوص . وعليه فصيغة الأمر حقيقة في الوجوب ، ومجاز في الندب .

وغير خفي أنّ التبادر لدى العرف إلى الوجوب خاصّة دون الندب لم يعلم استناده إلى نفس حقيقة اللفظ ، بل لعلّه من أجل تمامية مقدّمات الحكمة ، أو لحكم العقل بذلك . ومتى ما احتمل استناد التبادر إلى أحد هذين الأمرين لا يكون دليلا على الحقيقة ، لعدم إحراز استناده إلى حقيقة اللفظ .

وأمّا دعوى قيام السيرة العقلائية على الذمّ عند المخالفة فمسلّم بلا ريب ، إلاّ أنّه ليس لأجل ظهور الصيغة في الوجوب بسبب التبادر ، بل لعلّه لحكم العقل بذلك . ونحن لا نمنع من قيام سيرة على ذلك ، ولكن قيامها على ذلك لا يكشف عن ظهور الصيغة في الوجوب .

وأمّا دعوى الكثرة في جانب الندب فهي غير بعيدة ، لوجود ذلك في سائر كتب الأدعية المعتبرة .

وأمّا دعوى أنّ الاستعمال المجازي وإن كثر مصحوباً مع القرينة لا يمنع الحمل على الحقيقة إذا تجرّد الكلام عن القرينة فهو مسلّم كبروياً ، إلاّ أنّ الاستشهاد عليه بمثل العموم والخصوص في غير محلّه ، وذلك لاختلاف أدوات العموم بعضها عن بعض بحسب الوضع الشخصي . مثلا لو كثر استعمال كلمة (جميع) في البعض مجازاً على وجه قلّ أن يكون هناك مورد استعملت في تمام معناها ، فهو لا يوجب التوقّف في بقية الأدوات كـ (ـكل) والمحلّى بالألف واللام وغيرهما ، من حيث حملها على تمام

ــ[220]ــ

المعنى . ولا يقاس على ذلك مثل هيئة اضرب التي هي موضوعة بوضع واحد والمفروض أنّها استعملت في غير معناها الموضوع له كثيراً .

مضافاً إلى ذلك أنّه يأتي منه (قدّس سرّه) في بحث العموم والخصوص(1) من التزامه بكون استعمال العام في الخاص ليس بمجاز ، بل هو من قبيل التوسعة والضيق  .

وقد تقرّب دلالة صيغة الأمر على الوجوب بمقدّمات الحكمة(2)، ببيان : أنّ الوجوب والاستحباب قسمان من الإرادة ، يختلفان بحسب الشدّة والضعف ، فإنّ الإرادة الصادرة من المتكلّم المتعلّقة بفعل غيره تارةً تكون شديدة وأكيدة ، بنحو لا يريد المولى تخلّف المراد عن إرادته ، ولا يريد تخلّف العبد عن الامتثال ، فيطلب ذلك طلباً شديداً على سبيل الحتم والإلزام ، وهذا هو الوجوب . واُخرى تكون ضعيفة ، بنحو لا يمنع العبد من تخلّف ذلك ، فله أن يشاء الفعل وله أن يشاء الترك فهو مرخّص من هذه الجهة ، فيطلب ذلك طلباً ضعيفاً على سبيل الندب .

وهذا الاختلاف في الإرادة أمر وجداني حقيقي ، ولكن شدّة الإرادة ليست بأمر زائد على الإرادة ، بل نفسها . فما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز ، بخلاف صفة الضعف ، فإنّها زائدة على الإرادة ، وتحتاج في بيانها إلى مؤونة اُخرى في مقام الإثبات .

فلو أمر المولى بشيء ، وكان في مقام البيان ، وعلمنا عدم إرادته لجامع الإرادة بين الشدّة والضعف ، لأنّ الإرادة الشخصية لابدّ وأن تتّصف إمّا بالشدّة أو الضعف ، فمع انتفاء القرينة على الإرادة الضعيفة نستطيع أن نحمل كلامه على إرادة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 218 .

(2) نهاية الأفكار 1 : 162 .

 
 

ــ[221]ــ

المرتبة الشديدة ، ونثبت بذلك إرادة الوجوب . هذا كلّه إذا كان في مقام البيان .

وأمّا إذا لم يكن في مقام البيان ، وأرسل خطابه نحو المكلّفين ، فالمستفاد منه مجرّد المحبوبية للفعل ، دون استفادة أحد الأمرين .

وقد اتّضح من هذا : أنّ صيغة الأمر ليست موضوعة للوجوب ، بل موضوعة للطلب ، وقد استفيد الوجوب من مقدّمات الحكمة .

والجواب عنه أولا : أنّ الدليل المذكور ليس تامّاً على إطلاقه ، فإنّ ملاك الشدّة والضعف تَزايدُ المصلحة في الفعل وعدم تزايدها ، وهو في الأوامر العرفية يعود نفعه إلى نفس المولى ، وأمّا في الأوامر التشريعية أو أوامر الطبيب فمصلحتها تعود إلى البشر نفسه ، دون المولى . وليس في البين احتياج بالإضافة إلى المولى ليكون الطلب متفاوتاً تبعاً لحاجته ، وإذا انتفى شدّة الطلب أو ضعفه تعذّر الأخذ بالإطلاق والحمل على الوجوب . إذن فالدعوى ثابتة بنحو الموجبة الجزئية ، وهي لا تكفي في إثبات المدّعى .

ثانياً : لو فرض الاختلاف بين المرتبتين بالشدّة والضعف ، لكن دعوى أنّ الإرادة الشديدة لا تزيد على الإرادة بشيء ـ فهي إرادة صرفة ، بخلاف الإرادة الضعيفة فإنّها زائدة على الإرادة بصفة الضعف ـ غير صحيحة ، وذلك لأنّ كلا من الشدّة والضعف أو فقل كلا من الوجوب والندب محدّد بحدّ خاص ، فالإرادة الشديدة محدودة بحدّ ، وكذلك الإرادة الضعيفة ، نظراً إلى أنّ الإرادة من الاُمور الممكنة ، وسائر الممكنات محدودة بحدّ ، غاية الأمر يزيد الوجوب على الندب بشدّة الإرادة .

ومع فرض التحديد لكل منهما لا يمكن التمسّك بالإطلاق ، والحمل على الوجوب عند عدم بيان على الإرادة الضعيفة ، بل لابدّ من التوقّف ، لاحتياج كل منهما إلى بيان كما عرفت .

ــ[222]ــ

ثالثاً : لو تمّ الاختلاف بين المرتبتين ، وأنّ الإرادة الشديدة هي صرف الإرادة ، بخلاف الإرادة الضعيفة ، فمع ذلك لا يمكن التمسّك بالإطلاق والحمل على الوجوب ، لأنّ بساطة الإرادة الشديدة وتركّب الإرادة الضعيفة ليستا بأمر عرفي يلتفت إليها كل أحد ، ومعه لا يستطيع المتكلّم أن يطلق كلامه ويترك بيانها اعتماداً على فهم العرف .

مثلا لو أطلق المتكلّم كلمة الوجود أو الموجود ، ولم يبيّن ما يدلّ على إرادة سائر الموجودات ، أفهل يحمل كلامه على إرادة واجب الوجود ، نظراً إلى عدم تحديده بحدّ ؟ كلاّ ، فإنّ المعنى المذكور ليس بأمر عرفي .

فالصحيح أن يقال : إنّ الفرق بينهما في مقام الثبوت من حيث المبدأ ، وذلك بشدّة المصلحة وضعفها ، بناءً على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد .

وأمّا في مقام الإثبات فالفرق بينهما من حيث مقارنة أحدهما للترخيص دون الآخر ، وذلك فإنّ الطلب ـ كما عرفت(1)ـ عبارة عن إبراز ما في نفس المتكلّم من اعتبار كون المادّة على رقبة المخاطب .

فالعقل يرى بمقتضى قانون العبودية والمولوية لزوم المبادرة على العبد نحو ما أمره به مولاه ، وأنّ تخلّفه عن ذلك وعدم قيامه بالامتثال غير صحيح ، فلو عصى فقد استحقّ العقاب ، اللهمّ إلاّ أن يرد ترخيص من المولى نفسه ، بأن ينصب قرينة على أنّ العبد له الإشاءة في الفعل أو الترك ، وحينئذ لا مانع من تركه للمطلوب  .

فكان الوجوب على هذا مستفاداً من دليل العقل ، دون مقدّمات الحكمة أو كون الصيغة موضوعة له  . فإرادة الندب تحتاج إلى مؤونة زائدة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص217 .

ــ[223]ــ

استعمال الجمل الخبرية في الطلب(1)

إنّ الجمل الخبرية ـ ككلمة يعيد ، أو أعاد ـ إذا استعملت في الطلب والإنشاء ولم تستعمل في الإخبار ، فهل لها ظهور في الوجوب ؟

ذهب صاحب الكفاية (قدّس سرّه) إلى ذلك وقال : بل يكون أظهر من الصيغة(2). ثمّ قرّبه ـ بعد أن أكّد على مبناه السابق من أنّ المستعمل فيه في أمثال هذه الجمل واحد ، وإنّما يأتي الاختلاف بينها من ناحية الدواعي ، فإذا كان الداعي هو الإعلام والإخبار كانت الجملة خبرية ، وإن كان هو البعث والطلب كانت الجملة إنشائية ـ بأنّ هذه الجمل إذا جيء بها للإنشاء دلّت على أنّ داعي البعث فيها كان بنحو آكد ، باعتبار أنّ الآمر حين أظهر طلبه بهذا النحو فقد دلّ على عدم رضائه بترك الفعل من العبد ، وكأنّه أصبح مشتاقاً إليه بشدّة ، حتّى نزّله منزلة الواقع واعتبره متحقّقاً ، لشدّة إرادته بتعلّق وقوعه ، ولذا عبّر عن ذلك بالجملة الخبرية .

وهذا بخلاف صيغة الأمر ، فإنّها لا تدلّ إلاّ على إرادة الفعل ، دون الخصوصية المتقدّمة . ولا يلزم الكذب من الاستعمال المذكور ، لعدم قصده ثبوت النسبة حقيقة ليلزم ذلك ، بل قصده الإخبار بداعي البعث ، وهذا نظير الكناية حين يقال : زيد كثير الرماد ، فإنّ المتكلّم ربما لم يقصد من ذلك الإخبار واقعاً عن كثرة رماده ، وربما لا يتأتّى الطبخ منه ، بل قصده الانتقال إلى معنى آخر ، وهو الكرم والسخاء ، فإنّه لازم لكثرة الرماد . فكانت شدّة الطلب في الجملة الخبرية هي التي أوجبت الظهور في الوجوب دون الندب .

ثمّ ذكر (قدّس سرّه) بعد ذلك : أنّ الجملة المذكورة لو لم تكن ظاهرة في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذه هي الجهة الثالثة من جهات البحث المشار إليها في صدر البحث .

(2) كفاية الاُصول : 71 .

ــ[224]ــ

الوجوب ، فلا أقل من تعيّنها فيه من بين سائر المحتملات بواسطة مقدّمات الحكمة إذا كان المتكلّم في مقام البيان ، فإنّ المناسبة المتقدّمة ـ التي هي شدّة الطلب ـ توجب التعيين في الوجوب عند عدم البيان ، بخلاف غير الوجوب ، فإنّه محتاج إلى مؤونة زائدة . فإذا كان المتكلّم في مقام البيان ، ولم يبيّن شيئاً في خطابه ، لزم الحمل على الوجوب دون غيره .

وغير خفي أنّ الوجوب يستفاد من الجملة المذكورة بالطريقة التي استفيد بها من صيغة الأمر ، وذلك بحكم العقل ، فإنّ المتكلّم عندما يتصدّى لطلب الفعل بهذه الجملة ، ويبرز ما في نفسه من الطلب ويلقيه على عاتق العبد ، فإنّ العقل يرى بمقتضى قانون العبودية والمولوية أن يسعى العبد نحو ما أمره به مولاه ، ولا يتخلّف عن الامتثال ، إلاّ أن يقوم دليل مرخّص على ذلك من المولى ، فيجوز للعبد مخالفته .

وبهذا علم أنّ المستعمل فيه متعدّد ، لأنّه عبارة عن إبراز الطلب بصورة الإخبار ، بخلافه هناك ، فإنّه إبراز لقصد الحكاية عن ثبوت النسبة أو عدم ثبوتها .

نعم على مسلك صاحب الكفاية (قدّس سرّه) لابدّ من التوقّف ، دون الحمل على الوجوب ، لأنّ الجملة الخبرية بعد أن علمنا عدم استعمالها في معناها الحقيقي بداعي الحكاية عن ثبوت النسبة ، أصبحت جميع الدواعي الاُخر محتملة في نفسها ومع انتفاء القرينة على التعيين لابدّ من التوقّف ، ومن هنا أنكر جماعة منهم صاحب المستند (قدّس سرّه)(1) دلالة الجملة الخبرية على الوجوب .

أمّا المناسبة ـ وهي شدّة الطلب التي ذكرت وجهاً لحمل الجمل الخبرية على إرادة الوجوب ـ فهي لا تعيّن الوجوب ، إذ لو كانت معيّنة له لجرى الأمر في الجمل الاسمية حين يقال : زيد قائم ، ويقصد بها الطلب ، وكذا الجمل الخبرية الماضوية في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مستند الشيعة 1 : 74 .

ــ[225]ــ

غير الجمل الشرطية ، مع أنّه لم نر أحداً ادّعى ذلك ، سواء في اللغة العربية أم الفارسية .

فعلم من هذا أنّ للجمل الفعلية من المضارع والماضي في الجمل الشرطية خصوصية ، بها يصحّ استعمالهما في الطلب ، ولم يجز استعمال غيرهما في الطلب ولو مجازاً ، فضلا عن أن يكون الاستعمال حقيقياً كما يدّعيه صاحب الكفاية (قدّس سرّه)  .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net