إجزاء المأمور به الظاهري عن المأمور به الواقعي 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4595


ــ[288]ــ

إجزاء الأمر الظاهري عن الأمر الواقعي

ويقع البحث عن المسألتين الثالثة والرابعة . ولقد اختلف القوم في إجزاء المأتي به بالأمر الظاهري عن الأمر الواقعي إذا انكشف الخلاف بعلم وجداني ، أو تعبّدي . فمن قائل بالإجزاء مطلقاً ، أو فيما إذا كان انكشاف الخلاف بغير العلم الوجداني . وآخر بالتفصيل بين القول بالسببية والقول بالطريقية في جعل الأحكام الظاهرية فالتزم بالإجزاء على الأول دون الثاني . وثالث ذهب إلى عدم الإجزاء على الطريقية وعلى القول بالسببية ببعض أقسامها ، وإلى الإجزاء على السببية ببعض معانيها الاُخر .

وقبل أن نبدأ بتحقيق الحقّ في المسألة نقول : لقد تسالموا على خروج الأمارات الشرعية الجارية في الشبهات الموضوعية عن البحث ، كالبيّنة ، وقاعدة اليد ، وغيرهما ممّا يجري في تنقيح الموضوع ، وذلك لأنّ قيامها على شيء لا يوجب قلب الواقع عمّا هو عليه ، باعتبار أنّ القائلين بالتصويب في الأحكام الشرعية لم يقولوا به في الموضوعات الخارجية . وسيجيء إن شاء الله تعالى عدم معقولية الإجزاء إلاّ مع الالتزام بذلك .

مثلا لو قامت البيّنة الشرعية على أنّ الدار لزيد ، فنقلت بناقل شرعي إلى غيره ، ثمّ بعد ذلك انكشف الخلاف ، لم يكن مجزياً ، لأنّ البيّنة لا تغيّر الواقع عمّا هو عليه ، ولا توجب قلب ملكية زيد إلى عمرو . وكذا لو قامت البيّنة على أنّ المائع

ــ[289]ــ

الخارجي ماء ، فتوضّأ به ثمّ انكشف خلافه ، لم يكن مجزياً  ، لما قلناه .

كما أنّهم تسالموا على خروج موارد كشف الخلاف لو كان ما تصوّره المكلّف من قيام الدليل خيالا وأوهاماً ، مثل ما لو استظهر معنى من لفظ ، وعمل على مقتضاه استناداً إلى حجّية الظهورات ، ثمّ بعده انكشف الخلاف وعدم ظهور له في المعنى المعيّن ، فلا ريب في عدم حجّية المعنى الأول ، لعدم اندراجه تحت حجّية الظهورات .

وكذا لو وجد في سلسلة الرواة ابن سنان ، فاعتقد أنّه عبدالله الثقة ، فعمل على طبق خبره ، ثمّ بان له أنّه محمّد بن سنان ، المطعون فيه ، فإنّ الاعتقاد الأول باطل لأنّه صرف خيال وتوهّم لا واقعية له .

وإنّما اختلفوا في الموارد التي قامت الحجّة المعتبرة فيها على ثبوت حكم شرعي كلّي ، ثمّ انكشف خلاف الواقع فيها بعلم وجداني ، أو بحجّة معتبرة ، بلا فرق في ذلك بين موارد الاُصول اللفظية والعملية . ومن هذا القبيل تبدّل رأي المجتهد إلى رأي آخر ، لانكشاف خلاف ما استند إليه في فتواه السابقة .

ولقد ذهب المشهور إلى عدم الإجزاء إذا انكشف الخلاف فيها بالعلم الوجداني ، وذلك فإنّ الأمارات حجّة من باب الطريقية ، ولابدّ من الالتزام فيها بعدم الإجزاء ، من جهة انكشاف عدم امتثال ما هو المأمور به واقعاً .

وأمّا لو انكشف الخلاف بأمارة شرعية وحجّة معتبرة ، فربما ذهب بعضهم إلى الإجزاء ، باعتبار أنّ الاجتهاد الثاني والاستقرار عليه لا يصيّر المجتهد عالماً بالواقع فعلا ، إذ كما يحتمل مطابقة الثاني للواقع يحتمل مطابقة الأول له ، وبما أنّ الاجتهاد الأول كان في وقته مستنداً إلى حجّة معتبرة كان صحيحاً لا محالة ، وهو لا ينافي أن تكون الحجّة المعتبرة فعلا هي الاجتهاد الثاني .

وبعبارة اُخرى : قيام الأمارة الثانية على الخلاف لا يعيّن الواقع الحقيقي

ــ[290]ــ

بمؤدّاها ويخطئ الاُولى باعتبار عدم مطابقتها للواقع ، بل وظيفتها إلزام المكلّف بالعمل على طبقها فعلا . فكما يحتمل خطأ الاُولى يحتمل خطأ الثانية ، وحيث استند العمل السابق في حينه إلى حجّة معتبرة حكم عليه بالصحّة ، ولازمه أن تكون الأعمال السابقة التي جيء بها على طبق الاجتهاد الأول مجزية ، بلا حاجة إلى إعادة أو قضاء .

توضيح ذلك : أنّ الحجّة القائمة على الخلاف التي أدّت إلى الاجتهاد الثاني لو بنينا على حجّيتها من الأول وإن لم تكن الحجّية محرزة إلى زمان الاجتهاد الثاني فلازمه عدم الإجزاء ، لأنّ الثابت بالاجتهاد الثاني حجّيته حتّى في ظرف الاجتهاد الأول ، وأنّ الحكم الواقعي هو ما أدّى إليه هذا الاجتهاد ، دون ما أدّى إليه الاجتهاد الأول ، غاية الأمر أنّ الحكم الواقعي لم يكن منجّزاً ، باعتبار عدم العلم به ولو تعبّداً ، وبه لا يسقط الواقع عن واقعيته ، فإذا انكشف الخلاف وظهر خطأ الاجتهاد الأول أصبح الحكم الواقعي منجّزاً على طبق الاجتهاد الثاني ، اللهمّ إلاّ أن يستمر الاشتباه للأخير ، فيكون ما حصل بيده حجّة مجزياً عن الواقع .

فالقول بأنّ العمل السابق في وقته كان على طبق الحجّة غير تامّ ، لأنّ الأمارة التي قامت أخيراً قد انكشفت حجّيتها حتّى في الزمن السابق ، وأنّ المأتي به على طبق الحجّة الاُولى ليس بحكم واقعي .

لكن هذا القول بمراحل عن الواقع ، فإنّ قيام الحجّة على خلاف الاجتهاد الأول لا يكشف عن عدم حجّية سند الاجتهاد الأول ، وإنّما يرتفع به حجّيته من حينه . فإذا أفتى المجتهد على طبق عام بعد الفحص عن مخصّصه وعدم الظفر به ، فقد كان افتاؤه على طبق حجّة معتبرة ، ولا يكون الظفر بالمخصّص بعد ذلك كاشفاً عن حجّية الخاص قبل وصوله وعن عدم حجّية العام قبل ذلك ، وإنّما يرتفع به حجّيته من حين وصوله .

ــ[291]ــ

أو أنّ المجتهد إذا أفتى بطهارة شيء بقاعدة الطهارة ، ثمّ وجد ما يدلّ على نجاسته ، فلا يكشف ذلك عن عدم حجّية القاعدة في ظرف الشكّ وعدم دليل على نجاسة ذلك الشيء ، وإنّما يوجب سقوط القاعدة من حين قيام الدليل على النجاسة هذا .

وغير خفي أنّه مع ذلك لابدّ من القول بعدم الإجزاء ، فإنّ سند الاجتهاد الأول إذا ارتفعت حجّيته فقد قامت الحجّة بلا معارض على مخالفة العمل المأتي به للواقع ، ولم يدلّ دليل على إجزائه عن الواقع ، فيحكم العقل بلزوم تداركه في الوقت إن أمكنه ذلك ، وإلاّ ففي خارجه ، نعم ما دام الأمر غير منكشف لدى المكلّف كان العذر معه ، أمّا بعد انكشافه فالمطلوب هو موافقة عمله للواقع . فلو انكشف الخلاف في الوقت وجبت عليه الإعادة ، وإن كان خارجه وجب عليه القضاء ، باعتبار صدق فوت الواقع ، هذا كلّه بناءً على الطريقية .

أمّا بناءً على السببية ، فيختلف الأمر في ذلك باختلاف الأقوال ، فعلى السببية بالمعنى الأول ـ التي نسبت إلى الأشاعرة على تقدير صحّة النسبة ـ فالمتعيّن فيها هو الإجزاء ، لأنّ حقيقة السببية على هذه الطريقة تعود إلى نفي وجود حكم واقعي في الشريعة المقدّسة وفي اللوح المحفوظ قبل تأدية نظر المجتهد إلى شيء ، وإنّما يدور الحكم مدار نظر المجتهد ورأيه ، فمتى أدّى نظره إلى شيء بسبب أمارة أو أصل كان ذلك هو الواقع ، فلو تبدّل الرأي إلى رأي آخر كان من تبدّل الموضوع . فليس في البين حكمان ظاهري وواقعي ليبحث عن إجزاء الأول عن الثاني ، بل هو حكم واحد مجز عن الواقع قطعاً .

أمّا على السببية بالمعنى الثاني ـ التي نسبت إلى المعتزلة ـ فالمتعيّن فيها أيضاً الإجزاء ، لأنّ حقيقتها على هذا المعنى هو الاعتراف بوجود حكم واقعي في اللوح المحفوظ قبل تأدية نظر المجتهد إلى شيء ، والمجتهد يمكن أن يصيبه فيكون منجّزاً عليه

ــ[292]ــ

ويمكن أن يخطئه وحينئذ ينقلب الواقع عمّا هو عليه ، ويكون مطابقاً لما أدّى إليه نظر المجتهد . وعلى هذا ففي مورد المخالفة لا يبقى واقع ليبحث عن إجزاء الأمر الظاهري عنه ، بل هو كالأمر الاضطراري ، لأنّ محصّله ـ مثلا ـ وجوب الصلاة مع الطهارة الترابية ، فيكون من قبيل الحكم الواقعي الثانوي .

وأمّا السببية بالمعنى الثالث ـ وهي السلوكية التي ذهب إليها بعض الإمامية(1)ـ فيختلف الحال فيها بمقدار سلوك الأمارة ، فإنّ حقيقتها هو بقاء الواقع على واقعيته في صورتي الإصابة والخطأ ، غاية الأمر أنّه في مورد الخطأ يفوت بعض من المصلحة ، ولكن يتدارك الفائت بسبب سلوك تلك الأمارة والأخذ بها ، فيكون بذلك قد أدرك تمام المصلحة ، وهذا لا يغيّر الواقع عمّا هو عليه .

بيان ذلك : أنّ المجتهد إذا أفتى بوجوب القصر في موضع يجب فيه الإتمام واقعاً  ، من جهة قيام أمارة على ذلك ، وجاء بالعمل على طبق ذلك ، فالمصلحة إنّما تكون بالمقدار الذي استمرّ سلوكه بها ، وهو الزمان الذي لم ينكشف الخلاف . فلو انكشف الخلاف أثناء الوقت أو خارجه ، وظهر الخطأ ، فمصلحة الواقع لم يذهب جميعها لإمكان الإتيان بالواقع فعلا ، بل الفائت بعض من المصلحة الواقعية ، وهي الفضيلة أوّل الوقت في الاُولى ، ومصلحة نفس الوقت في الثاني ، وبأي مقدار فات منه يكون سلوك الأمارة معوّضاً عنه .

وعليه لا مانع من الالتزام بالسببية بهذا المعنى ، وتنجّز الواقع في صورة انكشاف الخلاف . فقيام الأمارة على شيء بهذا المعنى لا يقتضي الإجزاء عن الواقع  ، وإنّما يتدارك بقيامها وسلوكها مقدار الفائت ، أمّا الواقع فهو على واقعيّته .

ومن هنا اتّضح عدم الفرق بين السببية بهذا المعنى والطريقية التي يدّعيها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لكن المذكور في أجود التقريرات 3 : 117 نسبتها إلى جماعة من العدلية .

ــ[293]ــ

القوم ، فإنّ النتيجة واحدة ، هذا ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1).

ولكن التحقيق : هو التفصيل في المقام ، والالتزام بالإجزاء من جهة القضاء وعدم الإجزاء من جهة الإعادة . أمّا عدم الإجزاء من جهة الإعادة فلما ذكر وأمّا الإجزاء من جهة القضاء فلأجل أنّ مصلحة أصل الصلاة لا تغاير مصلحة الوقت ، ولذا التزمنا بأنّ وجوب القضاء إنّما هو لأمر جديد ، لا من جهة الأمر الأول  ، وعليه فإذا فرضنا أنّ سلوك الأمارة في مجموع الوقت واف بمصلحة الصلاة في الوقت ـ كما هو مقتضى القول بالسببية ـ فكيف يمكن الالتزام بعدم الإجزاء .

ثمّ إنّ القول بالسببية بهذا المعنى أيضاً لا يمكن الالتزام به ، فإنّه أيضاً يستلزم التصويب وتبدّل الحكم الواقعي ، وذلك فإنّنا لو فرضنا أنّ سلوك الأمارة أوجب تدارك مصلحة الواقع فالإيجاب الواقعي تعييناً غير معقول .

مثلا : إذا فرضنا أنّ مصلحة إيقاع صلاة الظهر في وقتها يقوم بها أمران أحدهما : نفس فعلها في الوقت ، وثانيهما : سلوك الأمارة الدالّة على وجوب صلاة الجمعة في مجموع الوقت لمن لم ينكشف له الخلاف فيه ، امتنع للشارع الحكيم تخصيص الوجوب الواقعي بخصوص الأول ، لقبح الترجيح بلا مرجّح ، فانحصر الأمر في كون الواجب الواقعي في حقّ من قامت الأمارة عنده على وجوب صلاة الجمعة أحد الأمرين على التخيير ، إمّا الإتيان بصلاة الظهر ، أو سلوك الأمارة المزبورة . فلم يكن الحكم الواقعي مشتركاً بين العالم والجاهل ، فإنّه في حقّ العالم تعييني ، وفي حقّ الجاهل تخييري ، وهو خلاف الإجماع والأدلّة الدالّة على الاشتراك في التكليف .

فالذي تحصّل ممّا قلناه : عدم إجزاء المأتي به بالأمر الظاهري عن الأمر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 1 : 293 .

ــ[294]ــ

الواقعي ، سواء انكشف الخلاف بيقين وجداني ، أو بأمارة شرعية بناءً على الطريقية  ، وكذلك على السببية بالمعنى الثالث بالإضافة إلى الإعادة دون القضاء وأمّا السببية بالمعنيين الأوّلين فالالتزام بها يستلزم الإجزاء مطلقاً .

وقد فصّل صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(1) تفصيلا آخر بين الأمارات والاُصول ، وملخّص كلامه : أنّ الدليل الذي أفاد الحكم الظاهري تارةً يثبت حكماً يكون النظر فيه إلى الواقع ، كمفاد الأمارات الشرعية ، التي يكون مفاد دليل حجّيتها هو الوصول إلى الواقع ، ولازم هذا قابلية الدليل للاتّصاف بالصدق والكذب ، من حيث مطابقة الدليل للواقع ومخالفته له . فلو انكشف الخلاف فيها حكم بعدم الإجزاء . واُخرى يثبت حكماً في مورد الشكّ ، لا نظر له إلى الواقع كقاعدتي الطهارة والحلّية ، بل واستصحابها في وجه قوي . باعتبار أنّ مبناه (قدّس سرّه) في الاستصحاب جعل حكم في مورد الشكّ مماثل للحكم الواقعي .

والفرق بين الحكمين أنّ المجعول في الصورة الاُولى قابل لأن يتّصف بالصدق والكذب ، لأنّه ناظر إلى الواقع وكاشف عنه ، وهذا بخلاف المجعول في الصورة الثانية  ، فإنّه لا يقبل الاتّصاف بهما ، لعدم كونه كاشفاً عنه ، نعم يمكن أن يتّصف بالمطابقة وعدمها للواقع ، وهذا غير الاتّصاف بالصدق والكذب . وعليه فلا معنى لكشف الخلاف فيها أصلا ، لما عرفت من أنّها ليست بناظرة إلى الواقع . فلو علم بعدم المطابقة بعد ذلك كان من قبيل تبدّل الموضوع ، ويرتفع الحكم الظاهري من حينه .

ومن هنا يعلم أنّ هذا الدليل الظاهري حاكم على دليل الواقع ، وموجب لتوسعة الشرط بنحو الأعم من الواقعي والظاهري ، وإلاّ لكان الدليل لغواً . ولابدّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 86 .

ــ[295]ــ

من الحكم بالإجزاء فيه حينئذ ، لأنّ العمل واجد للشرط حين وقوعه ، والشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه . بخلاف الأمارات ، فإنّ مفادها ثبوت الحكم في الواقع ، فلو انكشف الخلاف بعد ذلك حكم بعدم الإجزاء فيها ، لعدم واجدية العمل للشرط .

والحاصل : أنّ المجعول في باب الاُصول هو الحكم في مورد الشكّ ، بلا نظر فيه إلى الواقع ، وهو حاكم على دليل الواقع نفسه ، ومبيّن لتوسعة الشرط ، فليس فيه انكشاف الخلاف أصلا ، مثال ذلك : أنّ الطهارة من الخبث التي اُخذت قيداً في الصلاة ، إذا تردّد المكلّف في واجديته لها فاستصحب بقاءها بعد علمه السابق بها ثمّ دخل في الصلاة وانكشف له الخلاف ، فلا ريب أنّ ما أتى به كان مجزياً ، لكونه محرزاً لشرطها ، نظراً إلى أنّه حين الشكّ كان محكوماً عليه بالطهارة ، فلا يجب عليه الإعادة بعد ذلك .

ولا يخفى ما في كلامه (قدّس سرّه) نقضاً وحلا .

أمّا النقض : فبأنّه لا يمكن الالتزام بما أفاده (قدّس سرّه) في غير باب الصلاة من أبواب العبادات والمعاملات ، فلو توضّأ بماء مشكوك الطهارة ، وقد حكم بطهارته إمّا لقاعدة الطهارة أو للاستصحاب ، ثمّ انكشف نجاسته ، لم يلتزم أحد من الفقهاء بالإجزاء فيه ، ولم يحكم بصحّة هذا الوضوء .

وكذا لو غسل ثوبه بهذا الماء ثمّ انكشف نجاسته ، لا يحكم أحد بطهارة الثوب فعلا . مع أنّ لازم ما أفاده (قدّس سرّه) هو الحكم بالطهارة ، لأنّه غسل بماء طاهر حقيقة ، والمفروض أنّ موضوع الحكم أعمّ من الطهارة الظاهرية والواقعية .

وكذا لو كان زيد يملك داراً معيّنة ، ثمّ حصل لنا الشكّ في بقاء ملكيته ، فأخذنا بالاستصحاب ونقلناها إلى شخص آخر ، ثمّ انكشف لنا خلاف ذلك ، وظهر أنّ زيداً لم يكن يملكها ، فمقتضى ما أفاده (قدّس سرّه) هو الحكم بصحّة البيع ، لأنّ الاستصحاب أفاد التوسعة في الشرط ، وأثبت الملكية لزيد ، وهي أعمّ من الملكية

ــ[296]ــ

الواقعية والظاهرية ، مع أنّه لا يلتزم به . هذا كلّه في النقض .

وأمّا الحل : فهو أنّ كلا من قاعدتي الطهارة والحلّية تفيد جعل الحكم في مورد الشكّ ، مع المحافظة على الواقع من دون تبديل وانقلاب ، ولا مانع من الالتزام بجعل حكمين على المكلّف ، أحدهما : ظاهري وموضوعه الجهل بالواقع ، ثانيهما : واقعي غير مقيّد بشيء ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل هذا القول في بيان الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية(1). وفي المقام كما أنّ الطهارة الظاهرية موجودة كذلك النجاسة الواقعية موجودة ، ونتيجته أنّه إذا انكشف الخلاف وظهر أنّه متوضّئ بالماء المتنجّس الواقعي مثلا ، وجب عليه الإعادة .

وأمّا حديث الحكومة والتوسعة التي تقدّم ذكرها فلا يفيد ، لأنّها حكومة ظاهرية مقيّدة بالجهل بالواقع ، وليست بحكومة واقعية ، ونتيجة هذه الحكومة ترتيب الآثار عليها ما دام لم ينكشف الخلاف . نعم في خصوص باب الصلاة قام الدليل على الاكتفاء بالطهارة أو الحلّية الظاهرية ، أمّا غيرها فمقتضى ما قلناه عدم الاكتفاء في مورد انكشاف الخلاف .

فظهر ممّا ذكرنا أنّ التفصيل المذكور غير تامّ .
ـــــــــــــــ

(1) راجع مصباح الاُصول 2 (موسوعة الإمام الخوئي 47) : 126 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net