صلاحية وقوع الجزء مقدّمة للكل- اتّصاف الأجزاء بالوجوب الغيري 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4037


أمّا البحث عن الجهة الاُولى : فقد يراد من المقدّمية توقّف شيء على شيء خارجاً ، بحيث يكون في الخارج وجودان متغايران ، أحدهما للمقدّمة ، وثانيهما لذي المقدّمة ، ويتوقّف وجود الثاني على الأول بلا عكس .

وقد يراد منها ما هو أوسع من ذلك ، وهو كل شيء توقّف عليه وجود شيء آخر ، بمعنى أنّ المقدّمة هي التي لا تتوقّف في وجودها على وجود ذيها ، بخلاف العكس ، فإنّ ذا المقدّمة موقوف في وجوده على المقدّمة ، كالواحد والاثنين .

والمقدّمة بالمعنى الأول لا تصدق على الأجزاء ، إذ ليس للجزء وجود مغاير لوجود الكل ، بل وجود الكل عين وجود أجزائه ، نعم بالمعنى الثاني تتّصف الأجزاء بها قطعاً .

وأمّا الجهة الثانية : فقد ادّعى صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(1) وجود المانع من اتّصاف الأجزاء بالوجوب الغيري ، وهو اجتماع المثلين ، فإنّ كل جزء باعتباره نفس الكل مع باقي الأجزاء فهو واجب نفسي ، وباعتباره مقدّمة للكل فهو واجب غيري ، واجتماع الوجوبين في أمر واحد محال ، لأنّه من اجتماع المثلين . وهذا لا ينافي القول بجواز اجتماع الأمر والنهي ، فإنّ ذلك فيما إذا كانت الجهتان فيهما تقييديتين وأمّا في المقام فالجهة تعليلية ، لأنّ الواجب بهذا الوجوب الغيري ما كان بالحمل الشايع مقدّمة ، لأنّه المتوقّف عليه ، لا عنوان المقدّمية .

ولكنّه علّق (قدّس سرّه) على هامش الكفاية(2) نفي الاقتضاء لاتّصاف الأجزاء بالوجوب الغيري ، باعتبار أنّ مورد الوجوب الغيري ما كان له وجود

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 90 .

(2) كفاية الاُصول : 91 .

ــ[312]ــ

مستقل يغاير وجود المأمور به بالأمر النفسي ، ويتوقّف هو عليه ، والأجزاء ليس كذلك ، فإنّ وجودها عين وجود الكل . فالاقتضاء منتف عنها .

وغير خفي أنّ ما جاء به (قدّس سرّه) من نفي الاقتضاء للاتّصاف متين جدّاً ولكن ادّعاء وجود المانع من الاتّصاف على تقدير ثبوت المقتضي غير مسلّم  ، لأنّ اجتماع الحكمين في مورد واحد لا يؤدّي إلى اجتماع المثلين ، بل يندكّ أحدهما بالآخر  ، ويتأكّد الحكمان بالضرورة .

مثلا صلاة الظهر في حدّ ذاتها واجبة نفساً ، وبإضافتها للعصر واجبة غيراً فهي ذات ملاكين ، فلو قدّر أنّ شخصاً علم بعدم تكليفه بصلاة العصر ـ لموت أو غيره ـ فلا ريب في لزوم إتيان الظهر ، لاشتماله على ملاك الوجوب النفسي . كما أنّه لو نذر الإتيان بواجب فلابدّ من الالتزام بالتأكّد .

وقد اعترض على حديث الاندكاك بعض الأساطين (قدّس سرّه)(1) بأنّ الاندكاك لا يتم إلاّ في مورد اتّحاد الحكمين رتبة ، وموردنا ليس ممّا اتّحد الحكمان فيه بحسبها ، فإنّ اتّصاف الجزء بالوجوب الغيري لكونه مقدّمة متأخّر عن اتّصافه بالوجوب النفسي ، لأنّ الوجوب النفسي علّة لترشّح الوجوب الغيري ، ومع الاختلاف في المرتبة لا يحصل الاندكاك بالضرورة .

وغير خفي أنّ ما جاء به (قدّس سرّه) إنّما هو من الخلط بين أحكام الرتبة والزمان ، فإنّ الموجب للتأكّد والاندكاك هو اجتماع الحكمين زماناً ، لا اجتماعهما رتبة ، سواء اتّحدا في الرتبة أم اختلفا فيها . مثلا لو فرضنا أنّ جسماً اتّصف ببياض مولّد لبياض آخر ، فالبياضان وإن اختلفا رتبة ، إلاّ أنّ اتّحادهما زماناً يوجب الالتزام بالاندكاك . وكذا لو نذر الصلاة جماعة مع اعتبار الرجحان في المتعلّق قبل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نهاية الأفكار 1 : 268 .

ــ[313]ــ

النذر ، فهو ممّا اتّحد الحكمان فيه زماناً ، وإن اختلفا رتبة ، ولابدّ من تأكّد الحكمين في ذلك .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net