المقدّمة الموصلة (نظرية صاحب الفصول) 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4077


ــ[399]ــ

المقدّمة الموصلة

أمّا صاحب الفصول (رحمه الله)(1) فقد ذهب إلى اختصاص الوجوب الغيري بالمقدّمة الموصلة ، التي هي عبارة عن الحصّة الخاصّة المترتّب عليها ذوها وهو الواجب النفسي ، دون مطلق المقدّمة وإن لم توصل إلى الواجب النفسي . وادّعى البداهة على ذلك ، بأنّ العقل يرى محبوبية المقدّمة الموصلة التي يترتّب عليها الواجب خارجاً ، أمّا المقدّمة التي لا توصل إلى الواجب النفسي فلا يرى محبوبيتها وللآمر أن يصرّح بعدم إرادته لها .

وأورد عليه شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) وادّعى أنّ الالتزام باختصاص الوجوب بالمقدّمة الموصلة مستلزم للدور أو التسلسل ، وكلاهما محالان .

أمّا بيان الدور فحاصله : أنّ ترتّب الواجب النفسي إن اُخذ قيداً في اتّصاف المقدّمة بالوجوب ، فلازمه أن يترشّح وجوب غيري من المقدّمة إلى الواجب النفسي ، باعتبار أنّ الواجب النفسي اُخذ قيداً في الواجب الغيري ، وقد فرض أنّ الوجوب قد ترشّح من ذي المقدّمة على مقدّمته ، فهذا دور .

والجواب عن ذلك : أنّ اتّصاف المقدّمة بالوجوب الغيري موقوف على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفصول الغروية : 86 ، التنبيه الأول .

(2) أجود التقريرات 1 : 344 .

ــ[400]ــ

اتّصاف ذيها بالوجوب النفسي ، إلاّ أنّ ذا المقدّمة لا يتوقّف اتّصافه بالوجوب النفسي على اتّصاف المقدّمة بالوجوب الغيري ، بل هو تابع لدليله ، ولكنّه في نفس الوقت لا ينافي ترشّح الوجوب الغيري من المقدّمة على ذيها ، فيجتمع على ذي المقدّمة وجوبان ، نفسي وغيري ، ولا محذور فيه ما دام الالتزام بالاندكاك ممكناً .

والتحقيق أن يقال : إنّ القول باختصاص الوجوب بالمقدّمة الموصلة لا يقتضي اعتبار الواجب النفسي قيداً للواجب الغيري أصلا ، فإنّ الغرض من التقييد بالإيصال إنّما هو الإشارة إلى ذات المقدّمة التي تقع في سلسلة علّة وجود الواجب النفسي ، فالقائل باختصاص الوجوب الغيري بالمقدّمة الموصلة إنّما يدّعي الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّماته الملازمة له في الوجود ، وأمّا المقدّمات المفارقة له في الوجود فلا مقتضي لإيجابها أصلا . وعليه فلا يتّصف الواجب النفسي بالوجوب الغيري ليتوهّم الدور .

وأمّا بيان التسلسل فحاصله : أنّ الواجب لو كان خصوص المقدّمة الموصلة فذات المقدّمة كانت من مقدّماتها ، باعتبار أنّ ذات المقدّمة مقدّمة للمقدّمة الموصلة وحينئذ فذات المقدّمة إمّا أن تجب على الإطلاق بلا قيد انضمام جزئها الآخر وهو الإيصال ، وهو خلاف ما التزم به من اختصاص الوجوب بالمقدّمة الموصلة ، بل لازمه وجوب جميع المقدّمات بلا خصوصية لواحدة منها . أو تجب مع قيد الانضمام فحينئذ لابدّ من ملاحظة ذات هذا المقيّد بالانضمام ، باعتبار أنّ الذات قد صارت مقيّدة بقيد الانضمام . فكل مقيّد له ذات ، وتلك الذات إمّا أن تجب على الإطلاق وهو خلاف الملتزم به ، أو تجب على نحو التقييد ، فينقل الكلام إلى ذاتها ، وهكذا إلى ما لا نهاية له .

والجواب عنه يظهر ممّا تقدّم من أنّ الإيصال لم يؤخذ قيداً في الواجب ، بل الغرض من التقييد بالإيصال هو الإشارة إلى الحصّة الخاصّة من المقدّمة الملازمة

 
 

ــ[401]ــ

للواجب النفسي في الوجود ، وعليه فذات المقدّمة لا تغايرها في الوجود لتكون مقدّمة للمقدّمة ، ويلزم من اعتبار الإيصال في اتّصاف المقدّمة بالوجوب التسلسل .

ثمّ إنّ هنا ثلاثة إيرادات أوردوها على الفصول .

الإيراد الأول : ما ذكره صاحب الكفاية(1)، وشيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2)وحاصله : أنّ إيجاب خصوص المقدّمة الموصلة يستلزم الأخذ بمقالة صاحب المعالم (رحمه الله)(3) من إيجاب خصوص الأسباب التوليدية التي لا يتخلّف المسبّب عنها دون سائر المقدّمات ، مع أنّه لا يلتزم بذلك (قدّس سرّه) .

والجواب عنه : أنّ المراد بالإيصال هو كل ما وقع في سلسلة علل وجود الشيء وينتهي بالأخرة إليه ، وذلك هو الذي يتّصف بالوجوب ، وأمّا ما خرج عن تلك السلسلة فلا يتّصف بالوجوب ، ومن البديهي أنّ المعنى المذكور لا يختصّ بالأسباب التوليدية فقط .

الإيراد الثاني : ما جاء به صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(4) من أنّ الغرض الداعي إلى إيجاب المقدّمة هو تمكّن العبد من الإتيان بذيها ، ومعنى ذلك هو أنّ العبد لمّا لم يكن ابتداءً متمكّناً من امتثال الواجب النفسي ، احتاج إلى وسيلة يقتدر بسببها على امتثال ذلك الواجب ، وتلك الوسيلة هي المقدّمة ، فكان الغرض من إيجاب المقدّمة هو التمكّن من وجود ذيها ، وهذا المعنى حاصل في مطلق المقدّمة ، دون خصوص الموصلة منها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 116 .

(2) أجود التقريرات 1 : 345 .

(3) معالم الدين : 61 ـ 62 .

(4) كفاية الاُصول : 115 .

ــ[402]ــ

والجواب عنه : أنّ الغرض من إيجاب المقدّمة ليس هو حصول التمكّن من امتثال الواجب النفسي ، فإنّ ذلك حاصل حتّى في صورة عدم الإتيان بالمقدّمة فإنّ التمكّن من الإتيان بالمقدّمة يكفي في القدرة على امتثال الواجب النفسي ، بلا حاجة إلى إتيان نفس المقدّمة . ولو كان التمكّن من الواجب متوقّفاً على الإتيان بالمقدّمة لجاز تفويت الواجب بترك مقدّمته ، فإنّ القدرة ليست بواجبة التحصيل .

بل الغرض من إيجاب المقدّمة إيصالها إلى الواجب ، بمعنى أنّ المولى يوجب كل ما يقع في سلسلة علل الواجب النفسي ، لأنّ الاشتياق إلى شيء لا ينفك عن الاشتياق إلى ما يقع في سلسلة علّته ، دون ما لا يقع في سلسلتها . فلا وجه للإيراد .

الإيراد الثالث : ما ذكره صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(1) من أنّ الإيصال لو اعتبر قيداً في المقدّمة ، فالمكلّف لو جاء بالمقدّمة مع عدم الإتيان بذيها ـ وهو الواجب النفسي ـ فالأمر لا يخلو : إمّا من الالتزام بسقوط الأمر الغيري عنه ، أو الالتزام بعدم السقوط . ولا مجال للثاني ، لأنّه موجب للتكرار .

وعلى الأول : فامّا أن يكون السقوط للعصيان ، أو لفقد الموضوع ، أو لموافقة الخطاب . والعصيان غير حاصل ، لفرض الإتيان بالمقدّمة . وفقد الموضوع كذلك فلابدّ من تعيّن الثالث ، وهو السقوط موافقة للخطاب والامتثال ، وهذا هو المطلوب  . فالمكلّف يكون ممتثلا بالإتيان بهذه المقدّمة وإن لم توصل إلى ذيها فالوجوب الغيري متعلّق بمطلق المقدّمة ، دون ما ترتّب عليها ذوها .

والجواب عنه أولا بالنقض بأجزاء الواجب المركّب ، فإنّ الأمر لو تعلّق بالمركّب فكل جزء من أجزائه يكون مأموراً به بالأمر الضمني النفسي ، فلو جاء المكلّف بأوّل جزء ولم يأت ببقية الأجزاء فلا يخلو الأمر الضمني المتعلّق بذلك الجزء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 117 .

ــ[403]ــ

إمّا من الالتزام بسقوطه ، أو بقائه . والثاني غير ممكن ، لاستدعائه التكرار . والأول أيضاً كذلك ، لأنّ لازمه أن يكون الجزء وحده مأموراً به دون بقية الأجزاء  ، وهو خلاف المفروض من كونه جزءاً دون أن يكون واجباً مستقلا .

وثانياً بالحل ، وحاصله : أن يلتزم بسقوط التكليف عنه مراعى باتيان جميع الأجزاء ، دون ما إذا استقلّ الجزء في الوجود ، وذلك فإنّ الأمر المتعلّق بالمركّب أمر بكل جزء بشرط انضمام الباقي من الأجزاء إليه ، وأمّا الجزء المجرّد عن بقية الأجزاء فلا أمر به من الأول ليسأل عن سقوطه وعدم سقوطه . فإذا جاء المكلّف بجزء ، ثمّ أتى بالباقي ، كشف ذلك عن سقوط التكليف ، وإلاّ فلا .

ومقامنا كذلك ، فإنّ الواجب من المقدّمة إنّما هو الحصّة التي يترتّب عليها ذوها ، وأمّا مجرد الإتيان بالمقدّمة بلا ترتّب ذيها عليها فلا أثر له . فسقوط الأمر عن المقدّمة إنّما يكون حيث ينضمّ إليها ذو المقدّمة ، وأمّا التي لا يترتّب عليها ذوها فلا تتّصف بالوجوب من الأول .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net