ترجمة القرآن وشروطها - قصه قريش في محاولتهم لتعجيز النبي (ص) 

الكتاب : البيان في تفسـير القرآن - خطبـة الكتاب   ||   القسم : التفسير   ||   القرّاء : 4671

ــ[510]ــ

التعليقة(5)
ـــــــ
ص 46


ترجمـة القرآن
وشروطها

لقد بعث الله نبيه لهداية الناس فعززه بالقرآن، وفيه كل ما يسعدهم ويرقى بهم إلى مراتب الكمال، وهذا لطف من الله لا يختص بقوم دون آخر بل يعم البشر عامة، وقد شاءت حكمته البالغة أن ينزل قرآنه العظم على نبيه بلسان قومه، مع أن تعاليمه عامة، وهدايته شاملة، ولذلك فمن الواجب أن يفهم القرآن كل أحد ليهتدي به.
ولا شك أن ترجمته مما يعين على ذلك، ولكنه لا بد وأن تتوفر في الترجمة براعة وإحاطة كاملة باللغة التي ينقل منها القرآن إلى غيرها، لأن الترجمة مهما كانت متقنة لا تفي بمزايا البلاغة التي امتاز بها القران، بل ويجري ذلك في كل كلام إذ لا يؤمن أن تنتهي الترجمة إلى عكس ما يريد الأصل.
ولا بد - إذن - في ترجمة القرآن من فهمه، وينحصر فهمه في أُمور ثلاثة:
1 ـ الظهور اللفظي الذي تفهمه العرب الفصحى.
2 ـ حكم العقل الفطري السليم.
3 ـ ما جاء من المعصوم في تفسيره.
وعلى هذا تتطلب إحاطة المترجم بكل ذلك لينقل منها معنى القرآن إلى لغة أخرى.

ــ[511]ــ

وأما الآراء الشخصية التي يطلقها بعض المفسرين في تفاسيرهم، لم تكن على ضوء تلك الموازين فهي من التفسير بالرأي، وساقطة عن الاعتبار، وليس للمترجم أن يتكل عليها في ترجمته.
وإذا روعي في الترجمة كل ذلك فمن الراجح أن تنقل حقائق القرآن ومفاهيمه إلى كل قوم بلغتهم، لأنها نزلت للناس كافة، ولا ينبغي أن تحجب ذلك عنهم لغة القرآن ما دامت تعاليمه وحقائقه لهم جميعاً.

***

ــ[512]ــ

التعليقة(6)
ــــــــ
ص 114

قصة قريش
في محاولتهم لتعجيز النبي (صلى الله عليه وآله)

ويرشد إلى ما أوضحناه في معنى الآيات الكريمة المتقدمة: الروايات التي وردت في شأن نزولها. ففي "تفسير البرهان" عند تفسير هذه الآيات:(1)
"أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قاعداً ذات يوم بمكة بفناء الكعبة، إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش، منهم الوليد بن المغيرة المخزومي، وأبو البختري بن هشام، وأبوجهل بن هشام، والعاص بن وائل السهمي، وعبداللّه بن أبي أُمية المخزومي، وجمع ممن يليهم كثير، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله، يذكرهم عن الله أمره ونهيه. فقال المشركون بعض لبعض: قد استفحل أمر محمد وأعظم خطبه. تعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه، والاحتجاج عليه، وإبطال ما جاء به ليهون خطبه على أصحابه، ويصغر قدره عندهم، فلعله أن ينزع عما هو فيه، ومن غيِّه وباطله، وتمرّده وطغيانه، فإن انتهى وإلا عاملناه بالسيف الباتر.
فقال أبوجهل: فمن ذا الذي يلي كلامه ومحاورته؟ قال عبدالله بن أبي أمية المخزومي: أنا إلى ذلك، أما ترضاني له قرناً حسيباً ومحاوراً كفياً؟ قال أبوجهل: بلى. فأتوه جميعاً فابتدأ عبدالله بن أبي أُمية المخزومي فقال: يا محمد لقد ادعيت دعوى عظيمة، وقلت مقالاً هائلاً. زعمت أنك رسول الله رب العالمين، وما ينبغي لرب العالمين،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير البرهان، ج 1 ص 46 ـ 2 5.

ــ[513]ــ

وخالق الخلق أن يكون مثلك رسولاً له بشراً مثلنا، تأكل كما نأكل، وتشرب كما نشرب، وتمشي في الأسواق كما نمشي. فهذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولاً إلا كثير مال، عظيم حال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدم.
ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم وهم عبيده..لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولاً لبعث أجلّ من فيما بينا مالاً، وأحسن خالاً. فهلا انزل هذا القرآن - الذي تزعم أن الله أنزله إليك وبعثك رسولاً - على رجل من القريتين عظيم، إما الوليد بن مغيرة بمكة، وإما عُروة بن مسعود الثقفي بالطائف.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : فهل بقي من كلامك شيء يا عبدالله. قال: بلى لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً بمكة هذه، فإنها ذات أحجار وعرة وجبال، تكسح أرضها وتحفرها، وتجري فيها العيون فإنا إلى ذلك محتاجون، أو يكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمها، وتفجر الأنهار خلالها تفجيراً، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً، فانك قلت لنا: {وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم}، فلعلنا نقول ذلك.
ثم قال: ولن نؤمن لك أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً تأتي بهم وهم لنا مقابلون أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا فلعلنا نطغى فإنك قلت لنا: {كلا إن الإنسان ليطغى ان رآه استغنى}.
ثم قال: أو ترقى في السماء ولن نؤمن لصعودك حتى تنزل علينا كتاباً من الله العزيز الحكيم، إلى عبدالله بن أبي أُمية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، فإنه رسولي، وصدقوه في مقاله فإنه من عندي.
ثم لا ادري يا محمد إذا فعلت هذا كله اؤمن بك أو لا اؤمن بك، لو رفعتنا إلى السماء، وفتحت أبوابها، ودخلناها لقلنا إنما سكّرت أبصارنا وسحرتنا...

ــ[514]ــ

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم أنت السامع لكل صوت، والعالم بكل شيء، تعلم ما قاله عبادك..
وأما قولك: إن هذا ملك الروم، وملك الفرس لا يبعثان رسولاً إلا كثير المال.. فإن الله له التدبير والحكم، لا يفعل على ظنك وحسابك واقتراحك، بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.. فلو كان النبي صاحب قصور يحتجب فيها، أو عبيد وخدام يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ.
وأما قولك لي: ولو كنت نبياً لكان معك ملك يصدقك ونشاهده فالملك لا تشاهده حواسكم، لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه، ولو شاهدتموه بأن يزاد في قوى أبصاركم لقلتم: ليس هذا ملك بل هذا بشر لأنه إنما كان يظهر لكم بصورة البشَر الذي ألفتموه لتفهموا عنه مقاله..
وأما قولك: ما أنت إلا رجلاً مسحوراً فكيف أكون كذلك وأنتم تعلمون أني في التمييز والعقل فوقكم، فهل جربتم علي مذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة جريرة أو كذبة أو خنى، أو خطأ من القول أو سفهاً من الرأي؟ أتظنون أن رجلاً يعتصم طول هذه بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته…؟
وأما قولك: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم … فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت، ولا خطر له عنده كما له عندك.. وليس هو عزوجل مما يخاف أحداً كما تخافه لما له وحاله.
وأما قولك: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً، إلى آخر ما قلته، فإنك اقترحت على محمد رسول الله أشياء: منها ما لو جاءك به لم يكن برهاناً لنبوته، ورسول الله يرتفع أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتج عليهم بما لا حجة فيه.

ــ[515]ــ

ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك، وإنما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الإيمان، لئلا يهلكوا بها، فإنما اقترحت هلاكك، ورب العالمين أرحم بعباده، وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما يقترحون، ومنها المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه.. ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنك فيه معاند متمرد لا تقبل حجة، ولا تصغي لبرهان..!
فأما قولك: يا عبدالله لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً فإنك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله، أرأيت لو فعلت هذا كنت من أجل هذا نبياً ؟.. فما هو إلا كقولك لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الأرض.. أو ليس لك ولأصحابك جنان من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها، وتفجرون خلالها تفجيراً، أفصرتم أنبياء بهذه؟..
وأما قولك: أو تسقط السماء كما زعمت كسفاً.. فإن في سقوط السماء عليكم موتكم وهلاككم، فإنما تريد بهذا من رسول الله أن يهلكك ورسول رب العالمين أرحم بك من ذلك ولا يهلكك، لكنه يقيم عليك حجج الله، وليس حجج الله لنبيه وحده على حسب الاقتراح من عباده، لأن العباد جهال بما يجوز من الصلاح وما لا يجوز من الفساد.. وهل رأيت يا عبدالله طبيباً كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحهم؟.. فمتى رأيت يا عبدالله مدعي حق من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضى بيّنة على دعواه على حسب اقتراح المدعى عليه..!
وأما قولك: أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً يقابلوننا ونعاينهم، فان هذا من المحال الذي لا خفاء به إن ربنا عزوجل ليس كالمخلوقين يجيء ويذهب يقابل ويتحرك، ويقابل شيئاً حتى يوتى به، فقد سألتم بهذا المحال..
وأما قولك: يا عبدالله أو يكون لك بيت من زخرف - وهو الذهب - أما بلغك

ــ[516]ــ

أن لعظيم مصر بيوتاً من زخرف؟ قال: بلى. قال أفصار بذلك نبياً. قال: لا. قال (صلى الله عليه وآله) فكذلك لا يوجب ذلك لمحمد لو كان له نبوة، ومحمد لا يغتنم جهلك لحجج الله..!
وأما قولك: يا عبدالله: أو ترقى في السماء، ثم قلت: ولن نؤمن لرقيك حتى تنزيل علينا كتاباً نقرؤه، يا عبدالله الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها، فإذا اعترفت على نفسك أنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم نزولي، ثم قلت: حتى تنزل علينا كتاباً نقروه، من بعد ذلك لا أدري اؤمن بك.. فأنت يا عبداللّه مقر بأنك تعاند حجة الله عليك.. وقد أنزل الله تعالى علي كلمة جامعة لبطلان ما اقترحته فقال: "قل يا محمد سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً.. وليس لي أن آمر ربي ولا أنهى ولا أُشير..".
والحديث يشتمل على فوائد كثيرة فليراجعه المتتبع، وفي شأن نزول هذه الآيات روايات عديدة ذ كرها "الطبري" عند تفسير الآيات المباركة.

***




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net