5 ـ الانقلاب \ كون الانقلاب من مصاديق الاستحالة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7876


ــ[159]ــ

   الخامس : الانقلاب كالخمر ينقلب خلاًّ، فانّه يطهر(1) سواء كان بنفسه أو بعلاج كالقاء شيء من الخلّ أو الملح فيه

 ـــــــــــــــــــــــ

 مطهِّريّة الانقلاب

    (1) التحقيق أن الانقلاب من أحد أفراد الاستحالة وصغرياتها ، وإنما أفرده بعضهم بالذِّكر وجعله قسماً من أقسام المطهرات لبعض الخصوصيات الموجودة فيه .

   أمّا أنّ الانقلاب هو الاستحالة حقيقة ، فلأن تبدل الخمر خلاًّ وإن لم يكن من التبدل في الصورة النوعية لدى العقل لوحدة حقيقتهما ، بل التبدل تبدل في الأوصاف كالاسكار وعدمه ، إلاّ أنه من التبدل في الصورة النوعية عرفاً ، إذ لا شبهة في تغاير حقيقة الخلّ والخمر لدى العُرف . على أن الحرمة والنجاسة قائمتان في الأعيان النجسة بعناوينها الخاصة من البول والدم ونحوهما ، فاذا زال عنوانها زالت حرمتها ونجاستها وحيث إن الحرمة والنجاسة في الخمر مترتبتان على عنواني الخمر والمسكر ـ  الذي هو المقوم للحقيقة الخمرية  ـ فبتبدِّلها خلاًّ يرتفع عنها هذان العنوانان فيحكم بطهارة الخلّ وحلِّيّته .

ــ[160]ــ

   وأمّا الخصوصية الموجبة لافراد الانقلاب بالذكر فهي جهتان :

   الاُولى : أن الاستحالة وإن كانت من أقسام المطهرات بالمعنى المتقدم في محله ، إلاّ أنها في تبدل الخمر خلاًّ لا تقتضي الحكم بطهارتها وحليتها ، وذلك لأن الخمر من المائعات وهي تحتاج إلى إناء لا محالة ، وهذا الاناء قد تنجس بالخمر قبل صيرورتها خلاًّ ، فاذا تبدلت خلاًّ فلا محالة يتنجّس بانائها ثانياً ، فان الاستحالة إنما هي في الخمر لا في الاناء . نعم ، الاستحالة تقتضي ارتفاع نجاسة الخمر وحرمتها الذاتيتين ، إلاّ أنها تبتلي بالنجاسة والحرمة العرضيتين ، وفي النتيجة لا يترتب على استحالة الخمر خلاًّ شيء من الحلية والطهارة الفعليتين ، ومن ثمة نحتاج في الحكم بهما إلى الأخبار الواردة في المقام وهي كافية في إثباتهما ، وذلك لأنها دلت بالدلالة المطابقية على طهارتها وحليتها الفعليتين كما دلت بالدلالة الالتزامية على طهارة إنائها بالتبع ، لعدم إمكان الطهارة والحلية الفعليتين مع بقاء الاناء على نجاسته .

   الثانية : أن الاستحالة تقتضي الطهارة والحلية مطلقاً سواء حصلت بنفسها أم بالعلاج ، مع أن انقلاب الخمر خلاًّ إذا كان بالعلاج كما إذا اُلقي في الخمر مقدار ملح من دون أن يندك فيها وتزول عينه لا يوجب الحكم بحليتها وطهارتها ، وذلك لأن الاستحالة إنما هي في الخمر لا فيما عولجت به من ملح أو غيره ، وحيث إن ما به العلاج لاقته الخمر ونجّسته قبل استحالتها فهو يوجب تنجسها بعد إستحالتها خلاًّ فلا  تحصل لها الطهارة والحلية بالانقلاب ، وهذه أيضاً جهة تحوجنا إلى التشبت بالأخبار وهي قد تكفّلت بطهارة الخمر وحلِّيتها ولو كان بعلاج ، والأخبار على طوائف ثلاث :

   الاُولى : المطلقات الدالّة على طهارة الخلّ المتبدل من الخمر سواء أ كان ذلك بنفسها أم بالعلاج ، كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه قال : «سألته عن الخمر يكون أوّله خمراً ثم يصير خلاًّ ، قال : إذا ذهب سكره فلا بأس ...»(1) وموثقة عبيد بن زرارة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25 : 372 / أبواب الأشربة المحرّمة  ب 31  ح 10 .

 
 

ــ[161]ــ

عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أنه قال في الرجل إذا باع عصيراً فحبسه السلطان حتى صار خمراً فجعله صاحبه خلاًّ ، فقال : إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس به» (1) وفي بعض الأخبار أن الخلّ المستحصل من الخمر تقتل دواب البطن ويشد الفم(2) وفي آخر أنه يشد اللثة والعقل (3) .

   الثانية : ما دلّ على طهارة الخمر وحليتها فيما إذا انقلبت خلاًّ بالعلاج ، كما عن السرائر نقلاً عن جامع البزنطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أنه سئل عن الخمر تعالج بالملح وغيره لتحول خلاًّ ، قال : لا بأس بمعالجتها ...»(4) وما رواه عبدالعزيز بن المهتدي قال : «كتبت إلى الرضا (عليه السلام) جعلت فداك العصير يصير خمراً فيصب عليه الخلّ وشيء يغيره حتى يصير خلاًّ ، قال : لا بأس به»(5) وحسنة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن الخمر العتيقة تجعل خلاًّ ، قال : لا  بأس»(6) وذلك لأن قوله تجعل خلاًّ ظاهره جعل الخمر خلاًّ بسبب وعلاج .

   الثالثة : الأخبار الواردة في أن الانقلاب بالعلاج لا تترتب عليه الطهارة وهي في قبال الطائفة الثانية : منها : موثقة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سئل عن الخمر يجعل فيها الخلّ ، فقال : لا إلاّ ما جاء من قبل نفسه»(7) . ومنها : موثقته الاُخرى قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخمر يصنع فيها الشيء حتى تحمض ، قال : إن كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فيه فلا بأس»(8) . وهاتان الطائفـتان متعارضـتان ، وحيث إنّ الطائفة الثانية صريحة في طهارة الخلّ المنقلب من الخمر بالعلاج والطائفة الثالثة ظاهرة في نجاسته ، فيتصرف في ظاهر الطائفة الثانية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25 : 371 / أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 5 .

(2) ، (3) الوسائل 25 : 93 / أبواب الأطعمة المباحة ب 45 .

(4) الوسائل 25 : 372 / أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ، ح 11 .

(5) الوسائل 25 : 372 / أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 8  .

(6) الوسائل 25 : 370 / أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 1 .

(7) الوسائل 25 : 371 / أبواب الأشربة المحرّمة  ب 31 ح 7 .

(8) الوسائل 3 : 525 / أبواب النجاسات ب 77 ح 4 .

ــ[162]ــ

سواء اسـتهلك أو بقي على حاله(1) ويشترط في طهارة الخمر بالانقلاب عدم وصول نجاسة خارجية إليه فلو وقع فيه ـ  حال كونه خمراً  ـ شيء من البول أو غيره أو لاقى نجساً لم يطهر بالانقلاب ((1)) (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بحملها على الكراهة . وعلى الجملة إن الأخبار تقتضي حلية الخلّ المستحيل من الخمر بالمعالجة أو بغيرها .

   (1) لما عرفت من أن الأخبار الواردة في المقام دلت على طهارة الخلّ وحليته الفعليتين فيما إذا انقلب من الخمر بنفسها أو بالعلاج ، كما أنها باطلاقها دلت على أنه لا يفرق الحال في ذلك بين أن يكون ما به العلاج مستهلكاً في الخمر وبين ما إذا لم يكن كما إذا اُلقي عليها قطعة ملح أو ملح مدقوق إلاّ أنه لم تضمحل فيها بتمامه ، بل بقي منه مقدار من الخليط كالتراب أو الرمل أو نحوهما ، وهذا يدلنا على أن ما به العلاج في مفروض الكلام لا يمكن أن يكون باقياً على نجاسته ، لأن الطهارة الفعلية لا  تجتمع مع نجاسته ، حيث إن ما به العلاج لو كان باقياً على نجاسته لتنجس به الخلّ ولم يمكن الحكم بطهارته بالانقلاب .

   (2) لعلّه بدعوى أن الأخبار المتقدِّمة ناظرة بأجمعها إلى النجاسة الخمرية فحسب وقد دلّت على أنها ترتفع بالانقلاب ولا نظر لها إلى غيرها من النجاسات .

   وفيه : أن الخمر من النجاسات العينية وهي غير قابلة لأن تتنجس ثانياً بملاقاة الأعيان النجسة أو المتنجسات ، كما أن نجاستها غير قابلة للاشتداد بالملاقاة ، لأن الغائط مثلاً لا تزيد نجاسته بملاقاة البول أو غيره ، وعليه لو صبّ بول أو نجس آخر على الخمر لم تزد نجاستها عما كانت ثابتة عليها قبل الصبّ وإنما نجاستها هي النجاسة الخمرية فحسب ، ومعه لا مانع من أن تشملها الأخبار ، فان نجاستها هي النجاسة الخمرية فقط ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر حصول الطهارة به إذا استهلك النجس ولم يتنجّس الاناء به .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net