7 ـ الانتقال 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5905


   السابع : الانتقال كانتقال دم الانسان أو غيره مما له نفس إلى جوف ما لا نفس له كالبق
والقمل(2)، وكانتقال البول إلى النبات والشجر ونحوهما (3) ولا بدّ من كونه على وجه لا يسند إلى المنتقل عنه وإلاّ لم يطهر كدم العلق بعد مصّه من الانسان(4) .

 ــــــــــــــــــــــــ

 مطهِّريّة الانتقال

    (2) والمراد به انتقال النجس إلى جسم طاهر وصيرورته جزءاً منه .

   (3) الظاهر أن ذلك من سهو القلم ، لأن المنتقل إلى النبات أو الشجر إنما هو الأجزاء المائية من البول لا الأجزاء البولية بأنفسها ، وهو معدود من الاستحالة وليس من الانتقال في شيء . نعم يمكن أن تنتقل الأجزاء البولية إلى الشجر بجعله فيه مدّة ترسب الأجزاء البولية فيه ، إلاّ أنه لا يحتمل أن يكون مطهراً للبول الموجود في الشجر ، فالأنسب أن يمثل بانتقال الماء المتنجِّس إلى الشجر أو النبات .

   (4) وتفصيل الكلام في ذلك أن النجس كدم الانسان أو غيره مما له نفس سائلة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25 : 355 / أبواب الأشربة المحرمة ب 24 ح 6 .

ــ[192]ــ

قد ينتقل إلى حيوان طاهر ليس له لحم ولا دم سائل كالبق والقمل ، أو أن له لحماً ولا نفس سائلة له كالسمك على نحو تنقطع إضافته الأولية عن المنتقل عنه ، وتتبدل إلى إضافة ثانوية إلى المنتقل إليه ، بحيث لا يقال إنه دم انسان مثلاً بل دم بق أو سمكة ونحوها لصيرورته جزءاً من بدنهما بالتحليل ، بحيث لا يمكن إضافته إلى الانسان إلاّ على سبيل العناية والمجاز ، فالدم وإن كان هو الدم الأوّل بعينه إلاّ أن الاضافة إلى الانسان في المثال تبدلت بالاضافة إلى البق أو السمكة ، فهو ليس من الاستحالة في شيء ، لأنه يعتبر في الاستحالة تبدل الحقيقة إلى حقيقة اُخرى مغايرة مع الاُولى والحقيقة الدموية لم تتبدل بحقيقة اُخرى في المثال بل تبدلت إضافته فحسب ، ولا إشكال حينئذ في الحكم بطهارة ذلك النجس لأنه دم حيوان لا نفس له ، ومقتضى عموم ما دلّ على طهارة دمه أو إطلاقه هو الحكم بطهارته .

   وقد ينتقل النجس إلى حيوان طاهر من دون أن تنقطع إضافته الأولية إلى المنتقل عنه ولا يصح إضافته إلى المنتقل إليه ، كما إذا انتقل دم الانسان إلى بق أو سمكة وقبل أن يصير جزءاً منهما عرفاً شق بطنهما ، فان الدم الخارج حينئذ دم الانسان ولا يقال إنه دم البق أو غيره ، وجوف السمكة أو البق وقتئذ ليس إلاّ ظرفاً لدم الانسان ونظيره ما لو أخذ الانسان دم السمكة في فمه وطبقه فان الدم الخارج من فمه دم سمكة وإنما كان ظرفه فم الانسان . ومن هذا القبيل الدم الذي يمصّه العلق من الانسان ولا شبهة حينئذ في نجاسة ذلك الدم لأنه مما له نفس سائلة ، وإنما تبدل مكانه من دون تبدل في حقيقته وإضافته ، فمقتضى عموم ما دلّ على نجاسة دم الانسان أو إطلاقه هو الحكم بنجاسته .

   وثالثة ينتقل النجس إلى حيوان طاهر ولكنه بحيث يصح أن يضاف إلى كل من المنتقل عنه والمنتقل إليه إضافة حقيقية ، لجواز اجتماع الاضافات المتعددة على شيء واحد لعدم التنافي بينها ، والاضافة أمر خفيف المؤونة وتصح بأدنى مناسبة ، فترى أن دم الانسان بعد ما انتقل إلى البق أو السمكة ـ  في زمان قريب من الانتقال  ـ وإن صار جزءاً منهما ، يصح أن يضاف إلى الانسان باعتبار أنه منه كما يصح أن يضاف إلى البق نظراً إلى أنه جزء من بدنه ، بل لا يستبعد اجتماع الاضافتين قبل صيرورة الدم جزءاً

ــ[193]ــ

من البق أو السمكة ، فيضاف إلى الانسان لأنه منه كما يصح أن يضاف إلى البق لأنه في جسده ، فهل يحكم بطهارة الدم وقتئذ ؟

   فيه إشكال وكلام ، والذي ينبغي أن يقال : إن نجاسة دم المنتقل عنه وطهارة دم المنتقل إليه إما أن تثبتا بدليل لبي من إجماع أو سيرة ، وإما أن تثبتا بدليل لفظي اجتهادي ، وإما أن تثبت إحداهما باللبي وثانيتهما باللفظي .

   فان ثبت كل منهما بالأدلة اللبية فلا إشكال في عدم امكان اجتماعهما في ذلك المورد لاستحالة اتصاف الشيء الواحد بالنجاسة والطهارة الفعليتين من جهتين ، فالدليلان لا يشملان المورد بوجه فيفرضان كالعدم ، ولا بدّ معه من مراجعة الأصل العملي من قاعدة الطهارة أو استصحاب النجاسة كما يأتي عن قريب .

   وأما إذا ثبت أحدهما باللفظي وثبت الآخر باللبي فلا بد من رفع اليد عن عموم الدليل اللفظي أو إطلاقه بقرينة الاجماع مثلاً وحمله على مورد آخر ، هذا فيما علم شمول الاجماع لمورد الاجتماع وإلاّ فيؤخذ بالقدر المتيقن ـ  وهو غير مورد الاجتماع  ـ ويرجع فيه إلى الدليل اللفظي من إطلاق أو عموم .

   وأما إذا ثبت كل منهما بدليل لفظي ، فان كان أحدهما بالاطلاق والآخر بالوضع والعموم فقد بيّنا في محلِّه (1) أن الدلالة الوضعية متقدمة على الاطلاق ، فالمقدم هو ما ثبت بالوضع والعموم . وإذا كان كلاهما بالاطلاق فلا محالة يتساقطان لأنه مقتضى تعارض المطلقين ويرجع إلى مقتضى الأصل العملي ، ولو ثبت كلاهما بالعموم فهما متعارضان ومعه لا بدّ من الرجوع إلى المرجحات كموافقة الكتاب ومخالفة العامّة إن وجدت ، وإلاّ فيحكم بالتخيير بينهما على ما هو المعروف بينهم .

   وأما على مسلكنا فلا مناص من الحكم بتساقطهما والرجوع إلى الأصل العملي وهو استصحاب نجاسة الدم المتيقنة قبل الانتقال وهذا هو المعروف عندهم ، إلاّ أنه يبتني على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وقد ناقشنا فيه في محله لأنه مبتلى بالمعارض دائماً ، حيث إن استصحاب نجاسة الدم قبل الانتقال معارض باستصحاب عدم جعل النجاسة عليه زائداً على القدر المتيقن وهو الدم ما لم ينتقل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في مصباح الاُصول 3 : 377 .

ــ[194]ــ

ومعه تصل النوبة إلى قاعدة الطهارة وبها يحكم بطهارة الدم في مفروض الكلام ، هذا كله إذا علمنا حدوث الاضافة الثانوية وعدم انقطاع الاضافة الأولية .

   وأما لو شككنا في ذلك فلا يخلو إما أن يعلم بوجود الاضافة الثانوية لصدق أنه دم البق أو البرغوث مثلاً ، ويشك في انقطاع الاضافة الأولية وعدمه ، وإما أن يعلم بقاء الاضافة الأولية لصدق أنه دم الانسان مثلاً ويشك في حدوث الاضافة الثانوية ، وإما أن يشك في كلتا الاضافتين للشك في صدق دم الانسان أو البق وعدمه ، وهذه صور ثلاث :

   أمّا الصورة الاُولى : فان كانت الشبهة مفهومية كما إذا كان الشك في سعة مفهوم الدم ـ أي دم الانسان مثلاً ـ وضيقه من غير أن يشك في حدوث شيء أو ارتفاعه فلا مانع من التمسك باطلاق ما دلّ على طهارة دم المنتقل إليه أو عمومه . ولا يجري استصحاب بقاء الاضافة الأوّلية ، لما مرّ غير مرّة من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية ، لا في الحكم لعدم إحراز موضوعه ولا في الموضوع لعدم الشك في حدوث شيء أو ارتفاعه .

   وأمّا إذا كانت الشبهة موضوعية ، كما إذا بنينا على بقاء الاضافة الأولية حال المص والانتقال كما أن الاضافة الثانوية موجودة على ما تأتي الاشارة إليه ، فانّه على ذلك قد يشك في أن الدم الذي أصاب ثوبه أو بدنه هل أصابه بعد الانتقال ليحكم بطهارته لأنه دم البق أو أنه أصابه حال مصه ليحكم بنجاسته ، فلا مانع من استصحاب بقاء الاضافة الأوّلية ، وبذلك يشمله إطلاق ما دلّ على نجاسة دم المنتقل عنه أو عمومه ولكن يعارضه العموم أو الاطلاق فيما دلّ على طهارة دم المنتقل إليه ويدخل المورد بذلك تحت القسم الثالث من أقسام الانتقال ، وذلك للعلم بصدق كلتا الاضافتين لأجل إحراز أحدهما بالوجدان وثانيهما بالتعبّد ، ولا بدّ حينئذ من ملاحظة أن دلالة دليليهما بالاطلاق أو بالعموم أو أن إحداهما بالعموم والاُخرى بالاطلاق ، إلى آخر ما قدّمناه آنفاً .

   لا يقال : إن الاستصحاب الذي هو أصل عملي كيف يعارض الدليل الاجتهادي من عموم أو إطلاق .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net