معروفيّة حرمة استعمال أواني النّقدين خلافاً للخلاف 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8144


ــ[278]ــ

   [ 401 ] مسألة 4 : يحرم استعمال((1)) أواني الذّهب والفضّة في الأكل والشرب(1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) المعروف بل المتسالم عليه بين الأصحاب حرمة استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب، وحكي عن الشيخ في الخلاف القول بكراهته(2) وقد حملوا الكراهة في كلامه على الحرمة بقرينة دعواهم الاجماع على حرمته وتصريحه بالتحريم في محكي زكاة الخلاف(3) ولعله إنما عبّر بالكراهة تبعاً لبعض النصوص . وقد وردت حرمته في رواياتنا وروايات المخالفين ففي الحدائق(4) أن الجمهور رووا عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال : «لا تشربوا في آنية الذهب والفضّة ولا تأكلوا في صحافها فانّها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» وعن علي (عليه السلام) : «الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» . وفي تعليقته أن الرواية الأخيرة أعني الرواية عن علي (عليه السلام) لم توجد في طرقهم .

   وأما الأخبار الواردة من طرقنا في الأواني والآلات المتخذة من الذهب والفضة فهي من الكثرة بمكان ، وقد جمعها صاحب الحدائق (قدس سره) ونقلها في الوسائل في أبواب مختلفة وهي في الأواني على طوائف ثلاث :

   الاُولى : ما اشتملت على النهي عن استعمالهما في الأكل والشرب كمصحّحة محمّد ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «لا تأكل في آنية ذهب ولا فضّة»(5)وصحيحته المرويّة في المحاسن عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنه نهى عن آنية الذهب والفضّة»(6) وحسنة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا تأكل في آنية من فضّة ولا في آنية مفضّضة»(7) وغير ذلك من الأخبار .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحكم بالحرمة في غير الأكل والشرب مبني على الاحتياط .

(2) الخلاف 1 : 69 المسألة 15 .

(3) الخلاف 2 : 90 المسألة 104 .

(4) الحدائق 5 : 504 ـ 507 .

(5) الوسائل 3 : 508 / أبواب النجاسات ب 65 ح 7 .

(6) الوسائل 3 : 506 / أبواب النجاسات ب 65 ح 3 .

(7) الوسائل 3 : 509 / أبواب النجاسات ب 66 ح 1 .

ــ[279]ــ

   الثانية : الأخبار المشتملة على الكراهة كصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن آنية الذّهب والفضّة فكرههما ..»(1)وموثقة بريد عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أنه كره الشرب في الفضّة وفي القدح المفضّض»(2) وصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أنه كره آنية الذهب والفضّة والآنية المفضّضة»(3) وقد ذكروا أن الكراهة في تلك الطائفة بمعنى المرجوحية المطلقة لا المعنى المصطلح عليه ، فلا تنافي الطائفة الدالّة على حرمة استعمالهما في الأكل أو الشرب لأن الحرمة تجتمع مع المرجوحية المطلقة ، هذا .

   ولكن الصحيح أن تلك الطائفة أيضاً تدل على الحرمة مع قطع النظر عن الطائفة المتقدِّمة ، وذلك لأن الكراهة التي هي في قبال الأحكام الأربعة اصطلاح مستحدث وأما بحسب اللّغة فهي بمعنى المبغوضية لأن معنى كرهه : ضد أحبه ، أي أبغضه . وعلى ذلك فالكراهة تدل على الحرمة ما دام لم تقم قرينة على خلافها ، إذ الدليل قد يدل على الحرمة نفسها وقد يدل على الحرمة بالدلالة على منشئها الذي هو البغض .

   هذا ، وقد استعملت الكراهة بمعنى الحرمة في بعض الأخبار أيضاً فليراجع (4)ويؤيد ما ذكرناه صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «سألته عن المرآة هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة فضّة ؟ قال : نعم ، إنما يكره استعمال ما يشرب به ...»(5) إذ الكراهة في قوله (عليه السلام) إنما يكره بمعنى الحرمة ، وذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 505 / أبواب النجاسات ب 65 ح 1 .

(2) الوسائل 3 : 509 / أبواب النجاسات ب 66 ح 2 .

(3) الوسائل 3 : 508 / أبواب النجاسات ب 65 ح 10 .

(4) كما في رواية سيف التمار قال : «قلت لأبي بصير : اُحب أن تسأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل استبدل قوصرتين فيهما بسر مطبوخ بقوصرة فيها تمر مشقق قال : فسأله أبو بصير عن ذلك ، فقال (عليه السلام) هذا مكروه ، فقال أبو بصير : ولِمَ يكره ؟ فقال : إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يكره أن يستبدل وسقاً من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ، لأن تمر المدينة أدونهما ولم يكن علي (عليه السلام) يكره الحلال» الوسائل 18 : 151 / أبواب الربا ب 15 ح  1 .

(5) الوسائل 3 : 511 / أبواب النجاسات ب 67 ح 5 .

ــ[280]ــ

لأن معنى تلك الجملة حسبما يقتضيه الفهم العرفي أنه لا يصلح استعمال أواني الفضة لأن مقابل يصلح هو لا يصلح ، فكأنه (عليه السلام) قال : لا بأس بالتصرف في المرآة التي فيها حلقة من فضة وإنما المحرم ما إذا كانت الآنية فضة ، هذا على أن الكراهة في الاناء لو كانت بمعنى الكراهة المصطلح عليها كما في المشطة والمدهن ونحوهما لم يتم الحصر في قوله : «إنما يكره» لثبوت الكراهة في غير الآنية أيضاً . وعليه فالصحيحة تدلنا على أن المراد بالكراهة المنحصرة في الاناء هو الحرمة .

   والطائفة الثالثة : ما اشتمل على كلمة «لا ينبغي» كموثقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا ينبغي الشرب في آنية الذهب والفضة» (1) .

   قالوا إن لفظة لا ينبغي غير مستعملة في الاُمور المحرمة على ما هو الشائع المتعارف من استعمالاتها ، وإنما يستعمل في الاُمور غير المناسبة فهي على هذا تؤول إلى الكراهة ، بل ربما تؤخذ هذه الموثقة قرينة على التصرف في الأخبار الناهية المتقدِّمة وحملها على الكراهة لولا الاجماع .

   ولا يمكن المساعدة على شيء من ذلك لأن «الانبغاء» في اللغة بمعنى التيسّر والتسهّل ، فمعنى لا ينبغي الشرب : أنه لا يتيسّر ولا يتسهّل ولا يمكن للمكلّفين وحيث إن الأكل والشرب من أواني الذهب والفضة أمر ميسور لهم فلا يكاد يحتمل أن يراد منها في الرواية معناها الحقيقي الخارجي ، فلا مناص من أن يراد بها في المقام عدم كون الأكل والشرب منهما ميسراً لهم في حكم الشارع ، وهذا لا يتحقق إلاّ في المحرّمات .

   ويؤيِّد ذلك أن كلمة «لا ينبغي» قد استعملت في غير موضع من الكتاب العزيز بمعناها اللغوي كما في قوله عزّ من قائل : (قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنبَغِي لَنا أَن نَتَّخِذَ مِن دُونِكَ أَوْلِياءَ )(2) وقوله : (لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَها أَن تُدْرِكَ القَمَرَ )(3) وقوله :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 507 / أبواب النجاسات ب 65 ح 5 .

(2) الفرقان 25 : 18 .

(3) يس 36 : 40 .

 
 

ــ[281]ــ

(قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنبَغِي لاَِحَد مِن بَعْدِي )(1) وغير ذلك من الآيات، لأنها إنما استعملت فيها بمعنى ما لا يتيسر ، لا بمعنى ما يكره وما لا يليق ، فهي على ذلك قد استعملت في الموثقة بمعنى الحرمة كما قد استعملت بهذا المعنى في قوله (عليه السلام) «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً» (2) أي لا يتيسر لك نقض اليقين بالشك لا أنه لا يناسبك ولا يليق لك .

   نعم ، يمكن أن يقال إنها وإن كانت بمعنى الحرمة لغة إلاّ أنها ظاهرة في عصرنا في المعنى المصطلح عليه أعني الكراهة والأمر غير المناسب ، وبما أن تاريخ النقل إلى المعنى المصطلح عليه غير معيّن ولا ندري أنه كان متقدماً على عصر الصدور أم كان متأخراً عنه فلا محالة تكون مجملة . والمتلخص أن الرواية إما ظاهرة في الحرمة أو أنها مجملة وعلى كلا التقديرين لا مجال لدعوى كونها قرينة على التصرف في الأخبار الناهية المتقدِّمة وحملها على الكراهة ، هذا والذي يسهّل الخطب أن المسألة متسالم عليها بين الأصحاب ولا خلاف في حرمة الأكل والشرب في أواني النقدين .

   بقيت شبهة وهي أن مقتضى الأخبار المتقدِّمة حرمة الأكل في أواني الذهب والفضة وحرمة الشرب في آنية الفضة ، وأما الشرب من آنية الذهب فلم يصرح بحرمته في الأخبار المتقدِّمة حتى بناء على أن «كره» بمعنى أبغض . نعم ورد ذلك في الطائفة الثالثة إلاّ أنكم ناقشتم في دلالتها بامكان دعوى إجمالها ، فما ادعيتم من أن الطائفة الاُولى والثانية تدلان على حرمة الأكل والشرب من أواني الذهب مما لا دليل عليه .

   والجواب عنها مضافاً إلى أن المسألة متسالم عليها بينهم ، أن قوله (عليه السلام) «نهى عن آنية الذّهب والفضّة» وقوله : «عن آنية الذّهب والفضّة فكرههما ـ  أي أبغضهما  ـ  » وغيرهما من الأخبار المتقدِّمة في الطائفتين مطلق ، فكما أنها تشمل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ص 38 : 35 .

(2) كما في صحيحة زرارة المروية في الوسائل 3 : 477 / أبواب النجاسات ب 41 ح 1 ، 3 : 482 / أبواب النجاسات ب 44 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net