غسل موضع البول بالماء وتطهيره 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 15767


 فصل في الاستنجاء

    يجب غسل مخرج البول بالماء (3)

ـــــــــــــــــــــ
 فصل في الإستنجاء

    (3) الكلام في ذلك يقع من جهات :

   الجهة الاُولى : وجوب غسل المخرج بالماء . وقد تكلمنا في كبرى ذلك في مباحث المياه ، وقلنا إن المتنجِّس لا يطهر إلاّ بالغسل ولا يكفي فيه المسح والدلك ، كما أن الغسل لا بدّ أن يكون بالماء ولا يكفي الغسل بالمضاف أو بغيره من المائعات وإنما الكلام في المقام في مخرج البول بخصوصه ، وأنه كمخرج الغائط يطهر بالتمسّح أو أنه كسائر المتنجسات التي لا تطهر إلاّ بالغسل بالماء ؟ يظهر من عدة روايات كفاية التمسّح في مخرج البول .

ــ[351]ــ

   منها : رواية سماعة «قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) إني أبول ثم أتمسح بالأحجار فيجيء مني البلل ما يفسد سراويلي ، قال : ليس به بأس» (1) .

   ومنها موثقة حنان بن سدير قال : «سمعت رجلاً سأل أبا عبدالله (عليه السلام) فقال : إني ربما بلت فلا أقدر على الماء ويشتد ذلك عليَّ ، فقال : إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك ، فان وجدت شيئاً فقل هذا من ذاك»(2) .

   ومنها : خبر عبدالله بن بكير قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يبول ولا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط ، قال : كل شيء يابس زكي» (3) .

   هذا والصحيح عدم كفاية التمسح في تطهيره ، وذلك لأن أقصى ما يستفاد من الروايتين الأوليين عدم تنجيس المتنجِّس ، وأن الذكر المتنجِّس بالبول لا ينجس الريق أو البلل الخارج منه ، كما أنهما لا ينجسان السراويل وغيره من ملاقياتهما ، فلا دلالة لهما على طهارة مخرج البول بالتمسح .

   مضافاً إلى أن الرواية الاُولى ضعيفة السند بحكيم بن مسكين والهيثم بن أبي مسروق لعدم توثيقهما . على أنهما معارضتان في موردهما بصحيحة عيص بن القاسم قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر ... قال : يغسل ذكره وفخذيه ...»(4)  لدلالتها على عدم طهارة الذّكر بالمسح وتنجيس المتنجِّس ، ومن هنا أمر بغسل فخذيه لملاقاتهما مع المتنجِّس وهو الذّكر .

   وأمّا رواية ابن بكير فهي مضافاً إلى ضعف سندها بمحمد بن خالد ، قاصرة الدلالة على المدعى ، لأنها ظاهرة في أن مخرج البول بعد ما يبس لا ينجس ما لاقاه لا أنه يطهر بيبوسته ، فان مجرد اليبوسة لو كان كافياً في تطهير المتنجِّس لم يحتج في تطهير الفرش والثياب والبدن وغيرها إلى الغسل ، مع وضوح عدم طهارتها إلاّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 1 : 283 / أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 4 ، 7 .

(3) ، (4) الوسائل 1 : 351 / أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 5 ، 2 .

ــ[352]ــ

مرّتين ((1)) (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالغسل بالماء ، فالعموم في قوله : «كل شيء ...» بمعنى أن كل يابس لا تسري نجاسته لما لاقاه لا أنه يطهر باليبوسة ، هذا .

   مضافاً إلى صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال «لا صلاة إلاّ بطهور ويجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنّة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأما البول فانّه لا بدّ من غسله» (2) ورواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال «يجزئ من الغائط المسح بالأحجار ولا يجزئ من البول إلاّ الماء»(3) .

   فالمتحصل : أن مخرج البول كسائر المتنجسات لا يطهر إلاّ بالغسل بالماء ، هذا كلّه في الجهة الاُولى .

   (1) هذه هي الجهة الثانية من الجهات التي يتكلم عنها في المقام ، ويقع فيها الكلام في أن الغسل مرة واحدة هل يكفي في تطهير مخرج البول أو يعتبر فيه التعدّد ؟

   قد يقال بكفاية الغسل مرة ويستدل عليها بجملة من الأخبار :

   منها : موثقة يونس بن يعقوب قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) الوضوء الذي افترضه
الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال ؟ قال : يغسل ذكره ويذهب الغائط ثم يتوضّأ مرّتين مرّتين»(4) لأنه (عليه السلام) على ما هو ظاهر الموثقة بصدد بيان ما هو المعتبر في الاستنجاء ، ومع ذلك ترك التقييد بمرتين ، فظهورها في كفاية المرّة قوي غايته . ويزيدها ظهوراً أنه (عليه السلام) قيّد الوضوء بمرتين ، فان التعرض للتعدّد في الوضوء مع استحبابه دون المقام ، أظهر في الدلالة على عدم اعتبار التعدّد في مخرج البول .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط في الماء القليل في الموضع الطبيعي .

(2) ، (3) ، (4) الوسائل 1 : 315 / أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 1 ، 6 ، 5 .

ــ[353]ــ

   ويرد على هذا الاستدلال أن الموثقة إنما وردت لبيان ما هو المعتبر في الوضوء وذلك بقرينة السؤال لأن السائل إنما سأله عن الوضوء الذي افترضه الله على العباد وليست بصدد بيان ما يجب في تطهير مخرج البول ، فلو دلّت الموثقة فانّما تدل على اشتراط الاستنجاء في صحّة الوضوء ، كما يأتي عند التعرّض لتلك المسألة .

   اللّهمّ إلاّ أن يقال إن السؤال فيها وإن كان عن الوضوء إلاّ أنه (عليه السلام) تصدّى لبيان ما يعتبر في الوضوء ، وما هو مقدمة له من غسل الذّكر وتطهير موضع الغائط أيضاً تفضّلاً ، إذن الموثقة مطلقة والجواب عنها على ذلك يأتي في الجواب عن رواية نشيط فانتظره .

   ومنها : حسنة ابن المغيرة عن أبي الحسن (عليه السلام) قال «قلت له : للاستنجاء حد ؟ قال : لا ، ينقي ما ثمة ...»(1) لأنها تقتضي باطلاقها كفاية مجرّد النقاء في الاستنجاء ، سواء أ كان بالغسل بالماء أم بغيره ، وعلى تقدير الغسل بالماء غسل مرّة أو مرّتين .

   وفيه : أن الاستنجاء لغة بمعنى إنقاء موضع الغائط بالغسل أو المسح ، لأنه من النجو فلا يشمل موضع البول بوجه ، وإن كان في كلمات الفقهاء (قدس سرهم) يستعمل بالمعنى الأعم . على أنه لو كان شاملاً لغسل موضع البول في نفسه ففي الرواية قرينة على عدم إرادة المعنى الأعم ، وذلك لما ورد في ذيله من قوله : «قلت ينقي ماثمة ويبقى الريح ؟ قال : الريح لا ينظر إليه» ومن الظاهر أن الريح يختص بالغائط ، فالمراد بالاستنجاء في الحسنة هو إنقاء موضع الغائط فحسب .

   ومنها : صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا انقطعت درّة البول فصبّ الماء» (2) لأن قوله : «صبّ الماء» باطلاقه يقتضي جواز الاقتصار بالصب مرّة واحدة .

   ويندفع بأن الصحيحة بصدد بيان أن الاستبراء من البول غير معتبر في طهارة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 322 / أبواب أحكام الخلوة ب 13 ح 1 .

(2) الوسائل 1 : 349 / أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 1 .

ــ[354]ــ

المحل بالغسل ، بل إذا صبّ الماء عليه بعد انقطاع الدرة طهر ، وليست ناظرة إلى بيان عدم اعتبار التعدّد في تطهير مخرج البول .

   ومنها : رواية نشيط عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته كم يجزئ من الماء في الاستنجاء من البول ؟ فقال : مثلا ما على الحشفة من البلل» (1) وهذه الرواية هي العمدة في المقام ، لاشتمالها على السؤال عن كم الماء ومقداره اللاّزم في غسل مخرج البول ، وقد دلت على أن كمه مثلا ما على الحشفة ، وتقريب دلالتها على المدعى : أن مثلي البلل الموجود على رأس الحشفة إما أن يصبا عليها دفعة واحدة أو دفعتين لا  سبيل إلى إرادة الثاني بوجه ، لأن مثل البلل إذا صبّ على المحل خرج عن كونه ماء مطلقاً لامتزاجه بالبول المساوي معه بحسب الكم ، ومن الظاهر أن المضاف لا يكفي في تطهير المتنجِّس ، فارادة الشق الأوّل هي المتعينة .

   والجواب عن هذه الرواية أنها ضعيفة السند بهيثم بن أبي مسروق ، بل يمكن المناقشة في سندها بغير ذلك أيضاً فليراجع .

   ثم لو أغمضنا عن ذلك وبنينا على صحّة سندها لكون الرواية مورداً لاعتمادهم (قدس سرهم) حيث أدرجوا عباراتها في كتبهم وفتاواهم وقالوا : يجزئ في الاستنجاء من البول مثلا ما على الحشفة ، فهي قابلة للمناقشة في دلالتها ، وذلك لأن أقصى ما  هناك أن الرواية باطلاقها يقتضي كفاية الغسل مرة وليست صريحة في ذلك ، لأن مثلا ما على الحشفة قد يصبا مرة واحدة وقد يصبا مرتين ولا تقييد في الرواية بأحدهما .

   ودعوى أن القطرة الاُولى بملاقاتها مع البلل الكائن على الحشفة يخرج عن كونها ماء مطلقاً مما لا يصغى إليه ، لأن القطرة إذا وصلت إلى الحشفة سقطت عنها القطرة العالقة على المحل ، كما أن القطرة الثانية إذا وصلت إليها سقطت عنه القطرة الاُولى لا  محالة ، ومعه لا تجتمع القطرتان في رأس الحشفة ليخرج الماء عن إطلاقه بالامتزاج ، بل لولا انفصال البول بالصبة الاُولى عن المحل لم يمكن الاقتصار بصب مثلي ما على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 344 / أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 5 .

ــ[355]ــ

الحشفة دفعة واحدة أيضاً ، وذلك لأن الماء إذا امتزج بشيء آخر بمقدار الثلث خرج عن إطلاقه، فلو امتزج كرّان من الماء بمقدار كر من البول سلب إطلاقهما لأن الثلث لا يندك في الثلثين حتى لا يؤثر فيهما .

   فالمتحصل أن كفاية المرة إنما تستفاد من إطلاق الرواية . إذن لا مانع من تقييدها بغيرها مما دلّ على اعتبار التعدّد في البول ، لصحيحة البزنطي قال : «سألته عن البول يصيب الجسد ؟ قال : صب عليه الماء مرتين» (1) وغيرها من الأخبار الدالّة على المراد ، ومقتضى الجمع العرفي بينهما حمل المطلقة على بيان كم الماء اللاّزم في غسل مخرج البول ، من دون أن تكون متعرضة لكيفيته من أن المثلين يصبان مرة أو مرتين فان المدار في كيفية الغسل على المقيدات وهي تقتضي لزوم الصب مرتين .

   هذا وقد يقال ـ كما عن غير واحد ـ إن صحيحة البزنطي وغيرها من المقيدات المشتملة على كلمة «الاصابة» منصرفة عن مخرج البول ، لأن ظاهر الاصابة إصابة البول للجسد من غير الجسد ، ولا تشمل البول الخارج من الجسد .

   وهذه الدعوى لا يمكن تتميمها بدليل ، وذلك لأن الاصابة بمعنى الملاقاة وهي تعم البول الواصل من الجسد إلى الجسد ، فلو ورد : إغسل بدنك مما يصيبه من النجاسات ، فهل يشك في شموله للدم أو المني أو غيرهما من النجاسات الخارجة من البدن . على أن العمل بظاهر الرواية غير ممكن في نفسها ، لأنها تدل على كفاية مثلي ما على الحشفة من البلل ، وهو عبارة عن الأجزاء اللطيفة المتخلِّفة في المحل ، ونسبة البلل الموجود على الحشفة إلى القطرة كنسبة الواحدة إلى العشرة ، إذ القطرة الواحدة يمكن أن تبلل بها الكف مثلاً ، ونسبة مخرج البول إلى الكف كنسبة الواحد إلى العشرة أو ما يقاربها ، فما على الحشفة من البلل عشر القطرة تقريباً ، ولا شبهة في أن مثلي عشر القطرة لا يستوعب مخرج البول استيعاباً يصدق عليه الغسل عرفاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 396 / أبواب النجاسات ب 1 ح 7 ، 1 : 345 / أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 9 .

ــ[356]ــ

   مع أن مقتضى الأدلّة ومنها موثقة يونس بن يعقوب المتقدِّمة (1) المشتملة على قوله (عليه السلام) «يغسل ذكره» اعتبار الغسل في تطهير مخرج البول فظاهر الرواية مما لا يمكن العمل به ، وأما العمل على خلاف ظاهرها بحمل البلل على القطرة ـ  كما عبرنا بها آنفاً  ـ فهو أمر يحتاج إلى دليل ، لعدم حجية الرواية فيما يخالف ظاهرها . هذا كله في رواية نشيط ، وقد ظهر بذلك الجواب عن موثقة يونس المتقدِّمة أيضاً ـ  بناء على أنها مطلقة  ـ إذ لا بدّ من تقييدها بصحيحة البزنطي وغيرها من المقيدات .

   ثم إن لنشيط رواية اُخرى في المقام وهي مرسلة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «يجزئ من البول أن تغسله بمثله» (2) وهي مضافاً إلى إرسالها قاصرة الدلالة على المدعى ، لأن الضمير في «بمثله» غير ظاهر المرجع ، فهل يرجع إلى ما على الحشفة وهو غير مذكور في الرواية ، أو يرجع إلى البول ومعناه إنه لا بدّ من غسل البول بمثله من الماء ، والظاهر أنها بصدد بيان أن البول كالماء ، فكما أن غسل الماء المتنجِّس لا يحتاج إلى مسح أو دلك ونحوهما فكذلك البول يرتفع بصبّ الماء عليه من دون حاجة إلى دلكه ، وهذا بيان للحكم المترتب على البول على نحو الاطلاق فلا  اختصاص له بمخرج البول ، لأن الوارد في الرواية مطلق البول ، وقد صرح بذلك في مرسلة الكليني : «وروي أنه يجزئ أن يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة وغيره»(3) كما صرح بعدم اعتبار الدلك فيه في مرسلته الثانية : «روي أنه ماء ليس بوسخ فيحـتاج أن يدلك»(4) فالضـمير على ما ذكرناه راجع إلى البول بالمعنى المتقدِّم ، فلا دلالة لها على كفاية المرّة بوجه .

   ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «لا صلاة إلاّ بطهور ويجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأما البول فانّه لا بدّ من غسله» (5) لأن مقتضى إطلاقها جواز

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المتقدِّمة في ص 352 .

(2) الوسائل 1 : 344 / أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 7 .

(3) ، (4) الوسائل 1 : 343 / أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 2 ، 3 ، الكافي 3 : 20 / 7 .

(5) الوسائل 1 : 315 / أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 1 .

ــ[357]ــ

الاقتصار على الغسل مرة واحدة .

   والجواب عن ذلك ، أن الصحيحة إنما سيقت لبيان الفارق بين المخرجين وأن مخرج الغائط يكفى فيه التمسح بالأحجار دون مخرج البول ، ولم ترد لبيان كفاية المرة في البول . هذا مضافاً إلى أنها على تقدير إطلاقها كرواية نشيط المتقدِّمة وغيرها لا بدّ من أن يقيد بما دلّ على لزوم التعدّد في البول كما مر .

   وعلى الجملة : أن التعدّد في غسل مخرج البول لو لم يكن أقوى فلا أقل أنه أحوط .

   تتميم : لقد تلخص عمّا سردناه أن الأخبار المستدل بها على كفاية المرة بين ما  ليس بصدد البيان من تلك الناحية كصحيحة زرارة وغيرها ، وبين ما لا يعتمد على سنده على تقدير دلالته . بقي الكلام في صحيحة البزنطي المتقدِّمة وغيرها من الأخبار الواردة في تعدد الصب أو الغسل فيما أصابه البول ، فان منعنا دعوى انصرافها إلى إصابة البول للجسد من غير الجسد ـ  كما عرفت  ـ فلا كلام فيما قويناه آنفاً من اعتبار التعدّد في مخرج البول ، وأما لو قلنا بانصراف الأخبار إلى إصابة البول من غير الجسد ـ  كما لعلّه معنى الاصابة في صحيحة داود بن فرقد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض ....» (1) لوضوح أن الاصابة لا يمكن أن يراد بها ما يعم إصابة البول الخارج من الجسد للجسد ، حتى يشمل مخرج البول ، فان قرضه بسبب البول يستلزم انعدامه متدرجاً  ـ  فيمكننا الاستدلال على اعتبار التعدّد بأن الأمر بالغسل إرشاد إلى النجاسة ـ  كما مرّ غير مرّة  ـ  ولا فرق في نجاسة البول حسبما هو المرتكز في الأذهان بين مخرج البول وغيره .

   ثم لو تنزلنا عن ذلك أيضاً ومنعنا ارتكاز التسوية بين البول الخارج من الجسد والطارئ من غيره ـ  ولو باحتمال الفرق بينهما لدى العرف  ـ فلا محالة تصل النوبة إلى الاُصول العملية ، لعدم جواز التمسك باطلاق الأدلّة الدالّة على كفاية الغسلة الواحدة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 133 / أبواب الماء المطلق ب 1 ح 4 ، 350 / أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 3 .

ــ[358]ــ

والأفضل ثلاث (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في مطلق النجاسات ، وذلك لما فرضناه من أنها كالأدلة الدالّة على التعدّد منصرفة إلى النجاسات الخارجية ، ولا تشمل البول الخارج من الجسد ، فاذا وصلت النوبة إلى الاُصول العملية ، فعلى ما سلكه المشهور من جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية لا بدّ من الالتزام بالتعدد ، إذ بعد الغسلة الواحدة نشك في طهارة مخرج البول وعدمها ومعه يجري استصحاب النجاسة ما لم يقطع بالارتفاع ، وأما بناء على مسلكنا من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام لابتلائه بالمعارض دائماً ، فبعد الغسلة الواحدة إذا شككنا في نجاسة المخرج رجعنا إلى قاعدة الطهارة ، وبها يقتصر في تطهير مخرج البول على الغسل مرة .

   (1) لما رواه زرارة قال : «كان يستنجي من البول ثلاث مرات ومن الغائط بالمدر والخرق» (1) وعن المنتقى أن ضمير «كان» عائد إلى أبي جعفر (عليه السلام) (2) وقوله «كان» يدل على أنه (عليه السلام) كان مستمراً على الثلاث ، وهذا يكشف عن رجحانه لأنه لولاه لم يكن وجه لاستمراره (عليه السلام) عليه ، نعم لو كان صدر ذلك منه (عليه السلام) مرة أو مرتين لم يستكشف به الرجحان أبداً .

   ثم إن المدرك في إسناد الرواية إلى أبي جعفر (عليه السلام) شـهادة المنتقى كما مرّ ولا ندري من أين جاء به ، لأن زرارة لجلالته وعلو منزلته وإن كان لا يروي عن غير المعصوم (عليه السلام) إلاّ أن تعيينه في أبي جعفر (عليه السلام) يحتاج إلى قرينة ، لأنه عاصر كلاًّ من الباقر والصادق (عليهما السلام) ولا دليل على تعيين المروي عنه في أحدهما (عليهما السلام) وربما احتمل رجوع الضمير في «قال» إلى أبي جعفر (عليه السلام) وفي «كان» إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا نرى لهذا الاحتمال وجهاً يقتنع به ، لأن الرواية مروية عن زرارة وظاهرها أنه الفاعل لـ «قال» فارجاع الضمير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 344 / أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 6 .

(2) منتقى الجمان 1 : 106 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net