الاجتهاد بالقوّة والملكة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:التقليد   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 10522

  1 ـ الاجتهاد بالقوة والملكة

   والكلام فيه من جهات :

   الاُولى : في جواز رجوعه إلى الغير .

   الثانية : في جواز الرجوع إليه .

   الثالثة : في نفوذ قضائه وجواز تصدّيه للاُمور الحِسبية .

   أمّا الجهة الاُولى : فلا يترتب على البحث عنها أية ثمرة إلاّ بالإضافة إلى نفس من له الملكة ليفتي في تلك المسألة بالحرمة أو الجواز ، وذلك لأن صاحب الملكة ليس له أن يقلّد في مسألة جواز رجوع من له الملكة إلى الغير وعدمه ، فإن مشروعية التقليد

ــ[17]ــ

بالإضافة إليه أول الكلام ، فلا مناص من أن يرجع إلى الأدلة حتى ينتهي نظره إلى جواز رجوع مثله إلى الغير أو حرمته ، فتكلمنا عليه وإثباتنا جواز تقليده أو حرمته لا يكاد أن تترتب عليه ثمرة سوى أن تترجح عنده أدلة الجواز أو التحريم ليفتي على طبق الاُولى أو الثانية ، هذا .

   وقد يقال بجواز رجوعه إلى الغير نظراً إلى أن الاجتهاد بالقوة والملكة ليس بعلم فعليّ للأحكام ، بل صاحبها جاهل بها بالفعل وإن كان له ملكة الاستنباط والاجتهاد ، ولا مانع من رجوع الجاهل إلى العالم . وهذا القول منسوب إلى صاحب المناهل (قدّس سرّه) (1) .

   وعن شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في رسالته الموضوعة في الاجتهاد والتقليد دعوى الاتفاق على عدم الجواز لا نصراف الاطلاقات الدالة على جواز التقليد عمّن له ملكة الاجتهاد ، واختصاصها بمن لا يتمكن من تحصيل العلم بها (2) .

   وما أفاده (قدّس سرّه) هو الصحيح وذلك لأن الأحكام الواقعية قد تنجزت على من له ملكة الاجتهاد بالعلم الاجمالي أو بقيام الحجج والأمارات عليها في محالّها وهو يتمكن من تحصيل تلك الطرق ، إذن لا بدّ له من الخروج عن عهدة التكاليف المتنجزة في حقه ولا يكفي في ذلك أن يقلّد الغير ، إذ لا يترتب عليه الجزم بالامتثال فإنه من المحتمل أن لا تكون فتوى الغير حجة في حقه لوجوب العمل بفتيا نفسه ونظره ، فلا يدري أنها مؤمّنة من العقاب المترتب على مخالفة ما تنجز عليه من الأحكام الواقعية والعقل قد استقل بلزوم تحصيل المؤمّن من العقاب ومع الشك في الحجية يبني على عدمها ، فإن الشك في الحجية يساوق القطع بعدمها على ما بيّناه في محله (3) .

   ولا يقاس صاحب الملكة بمن ليست له ملكة الاجتهاد بالفعل إلاّ أنه يتمكن من تحصيلها لاستعداده وقابليته ولو بالاشتغال بالدراسة سنين متمادية ، وذلك لأنه غير متمكن حقيقة من تحصيل العلم التعبدي بالأحكام ولا يحتمل حرمة التقليد عليه بأن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المناهل : 699 سطر 11 .

(2) الاجتهاد والتقليد : 53 .

(3) مصباح الاُصول 2 : 111 .

ــ[18]ــ

يحتمل وجوب الاجتهاد في حقه ، كيف فإن الاجتهاد واجب كفائي وليس من الواجبات العينية كما هو مقتضى قوله عزّ من قائل : (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون )(1) . لدلالته على أن الاجتهاد وتحصيل العلم بالأحكام إنما يجب على طائفة من كل فرقة لا على الجميع . وهذا بخلاف صاحب الملكة إذ من المحتمل أن يجب عليه الاجتهاد وجوباً تعيينياً لتمكنه من تحصيل العلم بالأحكام ويحرم عليه التقليد لانصراف أدلة الجواز عنه ، حيث إن ظاهرها أن جواز التقليد يختص بمن لا يتمكن من تحصيل العلم بالأحكام فمثل قوله عزّ من قائل : (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )(2) يختص بمن لا يكون من أهل الذكر ولو بالقوة ، لوضوح أنه لو كان خطاباً للمتمكن من تحصيل العلم بالأحكام لم يناسبه الأمر بالسؤال بل ناسب أن يأمره بتحصيل العلم بها فإن مثله لا يخاطب بذلك الخطاب . وهكذا الكلام في بقية أدلته لوضوح اختصاصها بمن لا يتمكن من تحصيل الحجة على الحكم حتى السيرة العقلائية الجارية على رجوع الجاهل إلى العالم .

   ودعوى : أن السيرة شاملة للمقام لأن صاحب الملكة ليس بعالم بالفعل ، مما لا يمكن التفوّه به أصلاً ، لأنه كيف يسوغ دعوى أن العقلاء يُلزمون صاحب الملكة بالرجوع إلى من يحتمل انكشاف خطئه إذا راجع الأدلة . بل قد يكون قاطعاً بأنه لو راجع الأدلة لخطّأه في كثير من استدلالاته ، ومثله لا يكون مشمولاً للسيرة العقلائية يقيناً ولا أقل من احتمال اختصاصها بمن لا يتمكن من الرجوع إلى الأدلة .

   والمتحصّل : أن من له ملكة الاجتهاد ـ سواء لم يتصدّ للاستنباط أصلاً أو استنبط شيئاً قليلاً من الأحكام ـ لا بدّ له من أن يتّبع نظره ويرجع إلى فتيا نفسه ولا يجوز أن يقلد غيره ، والاجماع المدعى في كلام شيخنا الأنصاري(قدّس سرّه) أيضاً مؤيد لما ذكرناه ، لعدم كونه إجماعاً تعبدياً .

   أمّا الجهة الثانية : فالصحيح عدم جواز الرجوع إليه لأن الأدلة اللفظية المستدل بها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التوبة 9 : 122 .

(2) النحل 16 : 43 .

ــ[19]ــ

على جواز التقليد من الآيات والروايات ، اُخذت في موضوعها عنوان العالم والفقيه وغيرهما من العناوين غير المنطبقة على صاحب الملكة ، إذ لا يصدق عليه العالم أو الفقيه لعدم كونه كذلك بالفعل . نعم ، له قدرة المعرفة والعلم بالأحكام . وكذلك الحال في السيرة العقلائية لأنها إنما جرت على رجوع الجاهل إلى العالم ، وقد عرفت أن صاحب الملكة ليس بعالم فعلاً فرجوع الجاهل إليه من رجوع الجاهل إلى مثله ، هذا إذا لم يتصد للاستنباط بوجه .

   وأمّا لو استنبط من الأحكام شيئاً طفيفاً فمقتضى السيرة العقلائية جواز الرجوع إليه فيما استنبطه من أدلته ، فإن الرجوع إليه من رجوع الجاهل إلى العالم حيث إن استنباطه بقيّة الأحكام وعدمه أجنبيان عمّا استنبطه بالفعل . نعم ، قد يقال إن الأدلة اللفظية رادعة عن السيرة وأنها تقتضي عدم جواز الرجوع إليه ، إذ لا يصدق عليه عنوان الفقيه أو العالم بالأحكام . أللّهمّ إلاّ أن يستنبط جملة معتداً بها بحيث يصح أن يقال إنه عالم أو فقيه . ولكنه يأتي أن الأدلة اللفظية لا مفهوم لها وأنها غير رادعة عن السيرة فانتظره .

   وأمّا الجهة الثالثة : فالصحيح عدم نفوذ قضائه وتصرفاته في أموال القصّر وعدم جواز تصدّيه لما هو من مناصب الفقيه ، وذلك لأن الأصل عدمه لأنه يقتضي أن لا يكون قول أحد أو فعله نافذاً في حق الآخرين إلاّ فيما قام عليه الدليل ، وهو إنما دلّ على نفوذ قضاء العالم أو الفقيه أو العارف بالأحكام أو غيرها من العناوين الواردة في الأخبار ، ولا يصدق شيء من ذلك على صاحب الملكة كما يأتي تفصيل هذه الجهة وسابقتها عند التعرض لأحكام التقليد والقضاء إن شاء الله ، هذا كلّه في إحدى مرحلتي البحث في المقام .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net