وجوب البدأة بالأعلى في غسل الوجه 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7440


ــ[49]ــ

   ويجب الابتداء بالأعلى (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وعلى الجملة فاللازم أن يكون الماء مستولياً على البشرة والبدن من دون اعتبار انفصال الغسالة عنها بوجه ، وتدلّ على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الوضوء قال : إذا مس جلدك الماء فحسبك» (1) ، لظهورها في أن مجرّد وصول الماء إلى البشرة كاف في صحة الوضوء وإن لم ينفصل عنها كما لا يخفى ، وهي حاكمة على ما دلّ على اعتبار جريان الماء أو الغسل في الوضوء ، بحيث لولا هذه الصحيحة لقلنا باعتبار تحقق الغسل والجريان أعني انفصال الغسالة في صحّته ، لأنه معنى الغسل على ما عرفت .

   ولكن هذه الصحيحة قد دلّتنا على أن الغسل الواجب في الوضوء إنما هو بمعنى وصول الماء إلى البدن لا بمعنى انفصال الغسالة عنه ، وقد عرفت أن الأخبار الواردة في كفاية مثل الدهن من الماء أيضاً ظاهرة في هذا المعنى ، ولا أقل من أنه القدر المتيقن من التشبيه دون إيصال مجرد النداوة إلى البشرة باليد .

    وجوب البدأة بالأعلى :

   (1) على ما هو المعروف بين المتقدمين والمتأخرين ، وخالفهم في ذلك السيد المرتضى (قدس سره) وذهب إلى جواز النكس(2) وتبعه الشهيد(3) وصاحب المعالم (4) والشيخ البهائي(5) وابن
ادريس(6) وغيرهم (قدس الله أسرارهم) واستدل على ما ذهب إليه المشهور بوجوه :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 485 / أبواب الوضوء ب 52 ح 3 .

(2) نقل عنه في المعتبر 1 : 143 .

(3) لاحظ البيان : 46 .

(4) حكى عنه في المستمسك  2 : 335 .

(5) حبل المتين : 12 .

(6) السرائر 1 : 99 .

ــ[50]ــ

   الوجه الأوّل : أن ذلك مقتضى أصالة الاشتغال ، لعدم العلم بالفراغ فيما إذا لم يبتدأ من الأعلى إلى الأسفل ، وهذا الاستدلال يبتني على أمرين :

   أحدهما : أن لا يكون هناك دليل دل باطلاقه على جواز الغسل بأية كيفية كانت لوضوح أن مع وجود الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة إلى التمسك بالأصل .

   وثانيهما : عدم جريان البراءة في الطهارات الثلاث ، بدعوى أن المأمور  به فيها إنما هو تحصيل الطهارة وهو أمر معلوم ، وإنما الشك في أسبابها ومحصلاتها ، إذن فالشك في المكلف به دون التكليف ، ولا تجري معه أصالة البراءة في شيء من الطهارات .

   والأمران كلاهما ممنوعان ، أما الأول فلأن الآية المباركة : (إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) (1) مطلقة وقد دلتنا على وجوب غسل الوجه واليدين ولزوم مسح الرأس والرجلين من غير تقييدها الغسل بأن يبتدأ من الأعلى الى الأسفل ، فمقتضى إطلاقها جواز النكس في الغسل .

   ودعوى أن الآية بصدد التشريع وبيان أصل الحكم في الشريعة المقدسة ، وليست ناظرة إلى كيفياته وخصوصياته ، مما لا شاهد له لوضوح أنها قد وردت بصدد البيان وبيّنت حدود الغسل والمسح الواجبين ، وأنه لا بدّ من أن يكون الغسل في اليدين من المرفق ، وأن محله إنما هو في الوجه واليدين كما أن المسح في الرأس والرجلين ، وحيث لم يقيد فيها الغسل بكيفية معينة فيستفاد منها كفاية الغسل على وجه الاطلاق كما هو المدعى .

   وكذلك الأخبار الواردة في كيفية وضوء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو بعض الأوصياء (عليهم السلام) كالروايات المشتملة على أنه (عليه السلام) دعا بماء وأخذ كفاً منه فغسل به وجهه ويديه (2) فانها كما ترى مطلقة وليست مقيّدة بكيفية دون كيفية ، هذا كله في الأمر الأوّل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .

(2) الوسائل 1 : 387 / أبواب الوضوء ب 15 .

ــ[51]ــ

   ثم لو سلمنا ذلك وقلنا إن الآية ليست بصدد البيان ، وأنه لا دليل في المقام يتشبث باطلاقه ، فللمنع عن الأمر الثاني مجال واسع ، وذلك لأن الطهارة ليست مسببة عن الغسلتين والمسحتين ، وإنما هي عبارة عن نفس الأفعال ، لأن لها بقاء في عالم الاعتبار والتعبير بـ «إنه على وضوء» كثير في الروايات (1) وعليه فاذا شككنا في أن الوضوء الواجب هل هو الأفعال فقط ، أعني الغسلتين والمسحتين ، أو يعتبر فيه شيء زائد عليهما ، فلا مانع من أن تجري البراءة عن التكليف بالزائد ، لأنه من الشك في التكليف ، بناء على ما هو الصحيح من جريان البراءة في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيّين كما هو الصحيح . نعم بناء على القول فيه بالاشتغال فللمنع من جريان البراءة في المقام وجه ، إلاّ أنه على خلاف الواقع كما عرفت .

   الوجه الثاني مما استدل به على مذهب المشهور : رواية قرب الاسناد عن أبي جرير الرقاشي قال : «قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) كيف أتوضأ للصلاة ؟ فقال : لا تعمق في الوضوء ولا تلطم وجهك بالماء لطماً ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحاً ، وكذلك فامسح الماء على ذراعيك ورأسك وقدميك» (2) لدلالتها على الأمر بغسل الوجه من الأعلى إلى الأسفل .

   وقد نوقش في الاستدلال بهذه الرواية تارة من جهة السند واُخرى من جهة الدلالة .

   أمّا من جهة السند ، فلأجل اشتماله على أبي جرير الرقاشي ، وهو مهمل في الرجال ، وذلك لأن الرقاشي عنوان لشخصين ليس منهما أبو جرير ، وهما الحسين بن المنذر ومحمد بن درياب ، كما أن أبا جرير كنية لجماعة ليس منهم الرقاشي ، فأبو جرير الرقاشي مهمل والسند ضعيف .

   ودعوى أن كتاب قرب الاسناد من الاُصول المعتبرة فلا يضره ضعف السند كما في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منها صحيحة زرارة قال : «قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء ...» الوسائل 1 : 245 / أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1 .

(2) الوسائل 1 : 398 / أبواب الوضوء ب 15 ح 22 ، 435 / أبواب الوضوء ب 30 ح 3 .

ــ[52]ــ

الحدائق(1) ساقطة ، لأن كون الكتاب من الاُصول المعتبرة لا يقتضي اعتبار كل رواية من رواياته ، وكيف لا فان كتاب قرب الاسناد لا يزيد في الاعتبار على كتاب الكافي مثلاً ، فانه مع كونه من الكتب المعتمد عليها عند الأعلام لا يسوغ الاعتماد على كل رواية مندرجة فيه إلاّ بعد ملاحظة سندها وتماميته ، إذن فهذه المناقشة مما لا مدفع له .

   وأمّا من جهة الدلالة ، فقد نوقش فيها بأن الرواية قد نهت عن التعمق في الوضوء على ما هو دأب الوسواسين ، كما نهت عن التلطم بالماء ، والنهي عن ذلك يحتمل أمرين :

   أحدهما : أن يكون النهي تنزيهياً باعتبار استحباب المسح في غسل الوجه وإيصال الماء إلى تمام أطرافه بامرار اليد عليه ، فيكون اللطم في مقابله مكروهاً لا محالة .

   وثانيهما : أن يكون النهي عن التلطم مستنداً إلى عدم إحراز وصول الماء بذلك إلى تمام الوجه ، ومعناه أنه لا تلطم وجهك بالماء ، لأنه لا يوجب إحراز الغسل الواجب في الوضوء . وعلى هذا الاحتمال يبقى ظهور القيد ، أعني قوله « ... مسحاً» في الاحترازية بحاله ، لأن معناه أن التلطم بالماء غير كاف في الوضوء ، بل لا بدّ فيه من غسل الوجه ولو مسحاً حتى يصل الماء إلى تمام أطرافه وأجزائه ، ومعه لا بدّ من الحكم بوجوب المسح .

   وهذا لا لأجل أن له موضوعية في صحة الوضوء ، بل من جهة طريقيته إلى ما هو المعتبر من وصول الماء إلى جميع أجزاء الوجه ، فالأمر بالغسل مسحاً أمر وجوبي من دون أن يكون للمسح خصوصية وموضوعية ، وإنّما اُخذ على وجه الطريقية ، فعلى هذا الاحتمال لا ترد المناقشة على الرواية من تلك الجهة . وأما على الاحتمال الأوّل وهو أن يكون النهي تنزيهياً فلا يمكن التحفظ معه على ظهور القيد في الاحترازية ، وذلك لعدم وجوب المسح في غسل الوجه قطعاً ، لضرورة كفاية الغسل بالارتماس أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 2 : 233 .

ــ[53]ــ

بماء المطر ، ولأن التفصيل قاطع للشركة وقد فصّل الله سبحانه بين الوجه واليدين والرأس والرجلين ، فأمر بالمسح في الثانيتين ، وهذا يدلنا على عدم وجوبه في الاُوليين ، وعليه يكون الأمر بالغسل مسحاً محمولاً على الأمر باختيار أفضل الأفراد فهو أمر استحبابي لا محالة . والنتيجة أنه لم يدلنا دليل على وجوب كون الغسل من الأعلى إلى الأسفل .

   هذا ولكن الصحيح عدم ورود هذه المناقشة على الاستدلال بالرواية ، وذلك لما بيّناه غير مرة من أن الوجوب والاستحباب خارجان عن مدلول الصيغة ، فان صيغة الأمر لا تستعمل في معنيين ، بل إنما تستعمل في معنى واحد دائماً ، والعقل ينتزع منها الوجوب مرّة والاستحباب اُخرى ، وخصوصية الاستحباب إنما تنتزع من اقتران الصيغة بالترخيص في الترك كما ينتزع الوجوب من عدم اقترانها به ، فاذا استعملت ولم تكن مقترنة به فالعقل ينتزع منها الوجوب ويستقل باستحقاق العقوبة على الترك .

   ومن هنا قلنا إن الأمر بغسل الجمعة والجنابة في رواية واحدة «اغتسل للجمعة والجنابة» (1) قد استعمل في معنى فارد ، ولكن القرينة قامت على الترخيص في الترك في أحدهما فحكمنا باستحبابه ، ولم تقم في الآخر فحكمنا بوجوبه ، وقيام القرينة على الترخيص في الترك في أحدهما غير مانع عن دلالة الأمر بالوجوب ـ على التقريب المتقدِّم ـ في الآخر ، لوجود الفارق بينهما وهو قيام القرينة على الترخيص في الترك وإن كان المستعمل فيه في كليهما شيئاً واحداً ، هذا كلّه في حال الأمر بالاضافة إلى الأفراد .

   ومنه يظهر الحال بالنسبة إلى الأجزاء والقيود ، كما إذا أمر المولى باكرام جماعة من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لم نعثر على هذه الرواية في مظانها ، نعم هناك رواية اُخرى وهي صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «اغتسل يوم الأضحى والفطر والجمعة . وإذا غسلت ميتاً ، ولا تغتسل من مسه إذا أدخلته القبر ، ولا إذا حملته»  المروية في الوسائل 3 : 306 / أبواب الاغسال المسنونة ب 1 ح 9 وغيرها .

ــ[54]ــ

العلماء وقامت القرينة على الترخيص في ترك الاكرام لبعضهم ، فلا محالة يكون الاكرام بالنسبة إلى ذلك البعض مستحباً وبالنسبة إلى البقية محكوماً بالوجوب ، وفي المقام لما قامت القرينة على الترخيص في ترك المسح الذي هو قيد المأمور به كان الأمر بالاضافة إليه استحبابياً لا محالة . وأما بالنسبة إلى المأمور به وهو الغسل من الأعلى إلى الأسفل فهو أمر وجوبي ، لعدم قيام القرينة على الترخيص في تركه ، فعلى تقدير تمامية الرواية بحسب السند لا ترد عليها المناقشة بحسب الدلالة ، إذن فالعمدة هي المناقشة فيها بحسب السند .

   الوجه الثالث ممّا استدل به للقول المشهور هو : الروايات البيانية الواردة في حكاية وضوء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منها : صحيحة زرارة قال : «حكى لنا أبو جعفر (عليه السلام) وضوء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فدعا بقدح من ماء فأخذ كفاً من ماء فأسدله على وجهه من أعلى الوجه ، ثم مسح وجهه من الجانبين جميعاً ، ثم أعاد يده اليسرى في الاناء ...» (1) .

   وقوله «ثم مسح وجهه من الجانبين جميعاً» لعله بمعنى أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) استعان بيده اليسرى كما استعان باليمنى فأمرّهما معاً على جانبيه ، وقد ورد في بعض الأخبار أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يستعين بيده اليسرى في الوضوء(2) وفي بعض تلك الروايات أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وضع المـاء على جبهته(3) وهي كما ترى كالصريحة في أن الغسل لا بدّ أن يكون من أعلى الوجه إلى أسفله .

   ولكن للمناقشة في دلالتها على اعتبار ذلك مجال واسع ، وذلك لأن أبا جعفر (عليه السلام) إنما حكى فعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ووضوءه ، وأنه كان يتوضأ بتلك الكيفية ، وليست فيها أية دلالة على أن تلك الكيفية كانت واجبة في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 390 / أبواب الوضوء ب 15 ح 6 .

(2) كما فيما رواه بكير وزرارة ابنا أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) المروية في الوسائل 1 : 392 / أبواب الوضوء ب 15 ح 11 .

(3) كما في صحيحة زرارة المروية في الوسائل 1 : 387 / أبواب الوضوء ب 15 ح 2 .

ــ[55]ــ

الوضوء ، ولعلّها من باب الأفضلية والاستحباب دون الوجوب ، ومن هنا لم ترد خصوصية غسله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أعلى الوجه إلى أسفله في غير هذه الروايات من الأخبار الواردة في الوضوءات البيانية وهي عدّة روايات ، فإثبات وجوب تلك الكيفية بهذه الروايات مما لا يمكن المساعدة عليه .

   ولا سبيل إلى دعوى وجوبها من جهة وجوب التأسي بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذ لا مجال لوجوب التأسي في المباحات والمستحبّات ، وقد دلّتنا الآية المباركة بإطلاقها على عدم وجوب الابتداء بالأعلى إلى الأسفل في غسل الوجه ، هذا .

    التذييل المنسوب إلى العلاّمة والشهيد (قدس سرهما) :

   وقد نسب إلى العلاّمة في المنتهى (1) والشهيد في الذكرى (2) (قدس الله أسرارهما) تذييل الصحيحة المتقدمة بقولهما : روي عنه (عليه السلام) أنه (صلّى الله عليه وآله) قال بعدما توضأ : «إن هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلاّ به» وهذا على تقدير ثبوته أيضاً تدلنا على وجوب تلك الكيفية في الوضوء ، ومعه لا بدّ من الحكم باعتبار البدء بالأعلى إلى الأسفل في غسل الوجه وغيره من الخصوصيات المذكورة في الرواية ، إلاّ أن يقوم دليل على عدم وجوبها ، وسرّه أن المشار إليه في قوله : «هذا وضوء» ليس هو الوضوء الشخصي الصادر من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كيف وهو أمر قد انقضى وانصرم ولا يمكن صدوره منه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا من الباقر (عليه السلام) أو غيرهما ، بل إنما هو إشارة إلى صنف ذلك الشخص ، وهو الوضوء المشتمل على الخصوصيات المذكورة في الرواية فلا مناص من الحكم بوجوبها .

   ودعوى : أن الاشارة إلى طبيعة الوضوء لا إلى صنف ذلك الشخص الصادر منه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مندفعة بأن المحمول في قوله : «إن هذا وضوء» هو الوضوء ولا يصح هذا فيما إذا  اُريد من قوله «هذا» هو الطبيعي ، لأنه يؤول إلى قوله إن طبيعي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المنتهى 1 : 32 .

(2) الذكرى : 83 السطر 24 .

ــ[56]ــ

الوضوء وضوء ، وهو كلام لا ينبغي صدوره منه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نعم يصحّ أن يقال إنه شيء أو أمر ، وأمّا الوضوء فقد عرفت أنه لا معنى لحمله عليه .

   والذي يسهل الخطب وهو العمدة في المقام ، أن هذا الذيل مما لا أصل له ، لأنه إنما وقع في كلامهما مرسلاً ، ولا يكاد يوجد في شيء من الأخبار الواردة في كيفية غسل الوجه في الوضوء ، لا في مسنداتها ولا في مرسلاتها ، ولا ندري من أين جاءا به . نعم ورد ذلك في روايات غسل الوجه مرة أو مرتين ، حيث روى الصدوق (قدس سره) في الفقيه أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) توضأ مرة مرة فقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلاّ به (1) وهو أجنبي عما نحن بصدده ، لأن الكلام إنما هو في اعتبار غسل الوجه من الأعلى إلى الأسفل ، لا في اعتبار المرة وعدم جواز الغسل مرتين .

   الوجه الرابع ممّا اسـتدلّ به للمشهور : أن الأمر بالغسـل في الآية المباركة والروايات إنما ينصرف إلى الغسل الخارجي المتعارف لدى الناس ، والدارج عندهم إنما هو غسل الوجه من الأعلى إلى الأسفل ، وأمّا الغسل نكساً فهو أمر غير معتاد فالغسل منصرف عنه لا محالة .

   وهذا الاستدلال مورد للمناقشة صغرى وكبرى ، أمّا بحسب الصغرى ، فلأن المتعارف في غسل الوجه إنما هو الغسل من وسط الجبين أو ما يقرب من الوسط، دون الغسل من قصاص الشعر إلى الأسفل ، لوضوح عدم جريان العادة بذلك ، ومعلوم أن هذا غير كاف في الوضوء .

   وأمّا بحسب الكبرى، فلأنّ الغلبة الخارجية في أفراد المطلق غير موجبة للانصراف إلى الفرد الغالب ، فان الحكم بعدما ترتب على الطبيعة سرى إلى جميع ما يمكن أن يكون مصداقاً لها ، ولا فرق في ذلك بين الأفراد النادرة والغالبة ، فالغلبة غير موجبة لاختصاص الحكم بالغالب .

   فالمتحصل إلى هنا أن وجوب غسل الوجه من الأعلى إلى الأسفل مما لم يقم عليه دليل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 438 / أبواب الوضوء ب 31 ح 11 ، الفقيه 1 : 25 / 76 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net