صور الشك في المانعية - أدلّة عدم وجوب الفحص عن الحاجب 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8049


    صور الشك في المانعية :

   (2) الشك في المانعية على وجهين :

   أحدهما : أن يتيقن بوجود شيء ويشك في مانعيته وعدمها ، وهذا هو الشك في مانعية الموجود ، وحاصله الشك في صفة الحاجبية بعد القطع بأصل الوجود .


ــ[71]ــ

   ثانيهما : الشك في أصل وجود الحاجب ، وهو الشك في الوجود أي وجود المانع .

   أمّا الوجه الأوّل فمقتضى قاعدة الاشتغال وجوب تحصيل اليقين بزوال ما قطعنا بوجوده وشككنا في مانعيته أو بوصول الماء إلى البشرة ، وذلك للعلم باشتغال الذمة بوجوب غسل الوجه أو اليدين ، والشك في فراغ الذمة عن ذلك عند عدم العلم بوصول الماء إلى البشرة وعدم إزالة الشيء الموجود .

   ولكن قد يقال : إن صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) تدلنا على خلاف ذلك حيث روى عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) «أنه سأله عن الخاتم الضيق لا  يدري هل يجري الماء تحته إذا توضأ أم لا كيف يصنع ؟ قال : إن علم أن الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضأ» (1) لدلالتها على أن الفساد والبطلان إنما يخصان صورة العلم بحاجبية الموجود ، وأما إذا لم يعلم بذلك ، سواء علم عدم الحاجبية أو شك فيها فوضوءه محكوم بالصحة ولا يعتني بشكه ، ولا يلزم أن يخرج الخاتم من إصبعه ، وموردها كما ترى هو الشك في حاجبية الموجود .

   ويرده : أن علي بن جعفر (عليه السلام) قد سأل أخاه في صدر الرواية «عن المرأة عليها السوار والدملج في بعض ذراعها ، لا تدري يجري الماء تحته أم لا كيف تصنع إذا توضّأت أو اغتسلت ؟ قال : تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه» ومع هذا السؤال لم تكن أية حاجة ومحل إلى السؤال عن الخاتم الموجود على الاصبع ، للقطع بعدم الفرق بين الخاتم والسوار والدملج ، ولا بين المرأة وغيرها .

   ومن هنا أجابه (عليه السلام) بأن الخاتم إن كان كالسوار والدملج في إمكان إيصال الماء إلى البشرة تحته بتحريكه فحاله حالهما ، في أنه يتخيّر بين تحريكه ونزعه في إحراز وصول الماء إلى البشرة ، وأما إذا كان الخاتم على نحو لا يصل الماء تحته حتى إذا حرّكه ، فلا محالة يتعيّن نزعه تحصيلاً للقطع بوصول الماء إلى البشرة .

   إذن قوله (عليه السلام) «إن علم أن الماء لا يدخله فليخرجه» غير ناظر إلى أن في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 467 / أبواب الوضوء ب 41 ح 1 .

ــ[72]ــ

   ولو شكّ في أصل وجوده يجب الفحص أو المبالغة حتى يحصل الاطمئنان بعدمه أو زواله ، أو وصول الماء إلى البشرة على فرض وجوده (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صورة الشك في الحاجبية لا يجب على المكلف أن يفحص ويخرج الخاتم من إصبعه وإلاّ لكان مناقضاً لصدرها الصريح في وجوب الفحص وإيصال الماء إلى البشرة عند الشك في الحاجبية ، بل هو ناظر إلى ما عرفت من أن الخاتم إذا كان كالسوار والدملج فحاله حالهما في التخيير بين التحريك والنزع ، وأما إذا علم أنه على نحو لا يصل الماء تحته ولو بالتحريك فلا مناص من نزعه وإخراجه ، هذا .

   ثم لو سلمنا أن ذيل الصحيحة ناظر إلى عدم وجوب إحراز وصول الماء إلى البشرة لدى الشك في حاجبية الشيء الموجود ، فهو كما عرفت مناف لصـدرها وبذلك تصبح الرواية مجملة فتسقط عن صلاحية الاعتماد عليها في مقام الاستدلال ولا بدّ معه من أن نرجع إلى الأصل العملي وقد عرفت أن مقتضى قاعدة الاشتغال هو إحراز وصول الماء إلى البشرة بازالة الشيء الموجود أو بغيرها مما يوجب الاحراز في مقام الامتثال .

   أمّا الوجه الثاني فيأتي عليه الكلام في التعليقة الآتية فلاحظ .

   (1) هذا هو الوجه الثاني من الوجهين المتقدمين للشك في المانعية ، أعني الشك في أصل وجود الحاجب ، والمعروف بين الأصحاب (قدس سرهم) أن الشك في وجود المانع مما لا اعتبار به ، وقد استدلّ عليه باُمور :

   الأوّل : الاجماعات المنقولة على أن الشك في وجود الحاجب غير قابل للاعتناء به. ويدفعه: أن الاجماعات المدّعاة اُمور حدسية ومعلومة المدرك أو محتملته فلا تكون كاشفة عن رأي المعصوم (عليه السلام) ولهذا لا يسعنا الاعتماد على مثلها في استنباط الأحكام الشرعية بوجه .

   الثاني : الاستصحاب ، لأن الحاجب قد كنّا على يقين من عدمه ، فإذا شككنا في طروئه بنينا على عدمه بمقتضى الأدلّة الدالّة على حرمة نقض اليقين بالشك .

ــ[73]ــ

   وفيه : أن وجود الحاجب وعدمه مما لا أثر له ، وإنما الأثر الشرعي مترتب على وصول الماء إلى البشرة وعدمه ، واستصحاب عدم الحاجب لاثبات وصول الماء إلى البشرة من الاُصول المثبتة التي لا نقول باعتبارها ، فان وصول الماء إليها من اللوازم العقلية لعدم طروء الحاجب .

   ودعوى أن الواسطة خفية ومعه يكون المثبت حجة مما لا يصغى إليه ، لما ذكرناه في المباحث الاُصولية(1) من أنه لا أثر لخفاء الواسطة وجلائها ، والاُصول المثبتة غير معتبرة بإطلاقها ، فان الاعتبار في موارد الاستصحاب إنما هو بالمتيقن والمشكوك فيه ولا اعتبار بغيرهما من اللوازم والملزومات ، بل اللّوازم بأنفسها مورد لاستصحاب العدم ، فيقال مثلاً إن وصول الماء إلى البشرة ـ اللاّزم لعدم طروء الحاجب في محل الكلام ـ لم يكن متحققاً قبل ذلك قطعاً ، فاذا شككنا في تبدله إلى الوجود نبني على عدم وصوله إليها في زمان الشك أيضاً .

   الثالث : وهو العمدة ، دعوى سيرة المتدينين المتصلة بزمان المعصومين (عليهم السلام) الجارية على عدم الاعتناء بالشك في وجود الحاجب ، لأن الانسان في أكثر الفصول لا يخلو عن البق والبرغوث وغيرهما من الحيوانات المؤذية الصغار ، ويتسبّب بمصِّها أو قتلها ـ وهي على جسم الانسان ـ وقوع قطرة أو قطرتين من الدم على اللباس أو على أعضاء الغسل أو الوضوء ، وهي مانعة عن وصول الماء إلى البشرة غالباً ، كيف وربما يصعب إزالتها بعد الجفاف .

   مع أ نّا لم نسمع ولم نر أحداً من المتدينين يفحص عن ذلك في بدنه عند اغتساله أو توضئه بل ينسبون المتفحص عن ذلك إلى الوسواس ، مع وجود الاحتمال ، إذ قد يحصل القطع للمكلف بخلو بدنه من دم القمل والبق وقذى البراغيث .

   وهذه السيرة قد ادّعاها جمع من المحقِّقين ، ومنهم صاحب الجواهر(2) والمحقّق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في مصباح الاُصول  3 : 158 .

(2) الجواهر 2 : 288 .

ــ[74]ــ

الهمداني (قدس سرهما)(1) وهي إن ثبتت وتمت فلا كلام ، ولكن الخطب كل الخطب في ثبوتها ، فلا بدّ من ملاحظة أنها ثابتة أو غير ثابتة ، وملاحظة ذلك هي العمدة في المقام .

   والظاهر أن السيرة غير ثابتة ، وذلك لأن الناس في عدم اعتنائهم باحتمال الحاجب مختلفون ، فجملة منهم لا يعتنون باحتماله من جهة غفلتهم عن أن في أبدانهم حاجباً ومع الغفلة لا احتمال ولا شك حتى نعتني به أو لا نعتني به ، إذن فعدم اعتنائهم بالشك من باب السالبة بانتفاء موضوعها ، ومن الظاهر أن هذا القسم خارج عن محل الكلام ، لأن الدليل إنما هو جريان سيرتهم على عدم الاعتناء باحتمال وجود الحاجب عند الشك والاحتمال لا عند الغفلة وعدم الاحتمال .

   وجملة منهم لا يعتنون باحتماله من جهة الاطمئنان بعدم طروء الحاجب على أبدانهم أو مواضع وضوئهم ، فلا يشكون في وجود الحاجب ولا يحتملونه احتمالاً عقلائياً حتى يعتنى به ، وإن كان الاحتمال الضعيف موجوداً ، وهذا أيضاً أجنبي عمّا نحن بصدده .

   وجملة ثالثة لا يطمئنون بعدمه ولا يغفلون عنه ، بل يشكون ويحتملون وجوده ، ولم يثبت لنا أن المتدينين من هذا القسم الثالث لا يعتنون باحتمالهم وشكهم ، هذا والسيرة دليل لبي لا بدّ من اليقين به ولا علم لنا بثبوت السيرة في هذه الصورة .

   ومن هنا ذكر شيخنا الأنصاري (قدس سره) أنه لو ثبتت سيرتهم على عدم الاعتناء بالشك في وجود الحاجب للزم أن لا يعتنوا باحتمال مثل وجود القلنسوة على رؤوسهم أو ثوب على أعضائهم أو جورب في أرجلهم، مع أنه مما لا يمكن التفوّه به(2) .

   فالمتحصل أن السيرة ـ من أهل النظر وغير المقلدة ـ على عدم الاعتناء باحتمال وجود الحاجب غير ثابتة ، وأما المقلدة فلا يمكن الركون على عملهم وسيرتهم ، لاحتمال تقليدهم وتبعيتهم في ذلك لمن يرى تمامية السيرة كصاحب الجواهر والمحقق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الطهارة) : 183 السطر 3 .

(2) كتاب الطهارة : 141 السطر 22 .

ــ[75]ــ

   [ 500 ] مسألة 10 : الثقبة في الأنف موضع الحلقة أو الخزامة لا يجب غسل باطنها بل يكفي ظاهرها سواء كانت الحلقة فيها أو  لا (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ

الهمداني وغيرهما من الأعلام (قدس الله أسرارهم) ومعه لا بدّ من الرجوع إلى الأصل وهو كما عرفت يقتضي عدم وصول الماء إلى البشرة ، فلا بدّ من التدقيق وإحراز أن الماء قد وصل الى البشرة .

   (1) لما تقدّم من أن ما يجب غسله على المكلّف في الوجه فانما هو المقدار الذي يصله الماء بطبعه عند إسداله من القصاص ، والبواطن ـ  ومنها باطن الثقبة في الأنف  ـ ليس كذلك ، لأن الماء لا يصل إليه بطبعه عند إسداله من القصاص ، فلا يجب غسلها .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net