الاختلاف في تعين المسح على خصوص الناصية 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6598


ــ[116]ــ

والأولى والأحوط الناصية وهي ما بين البياضين من الجانبين فوق الجبهة (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

«قال أبو عبدالله : إمسح على مقدّمه ومؤخّره» (1) وقد توهم دلالتهما على جواز المسح بمؤخر الرأس أيضاً .

   ولكنهما مخالفتان لما ثبت بالضرورة من المذهب ، ولم يذهب أحد من أصحابنا إلى جواز ذلك ، كما أنهما تنافيان الأخبار الدالة على لزوم المسح بمقدمه ، إذن لا مناص من طرحهما أو تأويلهما وحملهما على التقيّة ، بل الصحيح أن الروايتين لا دلالة لهما على جواز المسح بمؤخر الرأس ، وإنّما ظاهرهما وجوب المسح على تمام الرأس من مقدمه ومؤخره كما هو مذهب المخالفين ، حيث إن كلمة «واو» في إحدى الروايتين لم يثبت كونها بمعنى «أو» بل ظاهرها إرادة الجمع ، كما أن قوله (عليه السلام) «يمسح عليها» لا  يدل على أنّ المسح أمر جائز في كل من مقدّم الرأس ومؤخّره ، بل مقتضاه لزوم إمرار اليد على المؤخر أيضاً كالمقدم .

   وأمّا أنّ إمرار اليد على المؤخّر كاف في صحّة الوضوء ولا يحتاج معه إلى إمرارها على المقدم ، فلا يكاد يستفاد منها بوجه ، وعليه لا مناص من حملهما على التقيّة لموافقتهما للعامة ومخالفتهما لما ثبت بالضرورة من مذهب الشيعة ، ولعل قوله (عليه السلام) «كأني أنظر» إلى آخره ، إشارة إلى ذلك ، إذ لو كان المسح على المؤخر واجباً أو جائزاً لصرح به في مقام الجواب .

    الناصية لا خصوصية لها :

   (1) أشرنا إلى أن الأصحاب (قدس سرهم) قد تسالموا على وجوب كون المسح على الربع المقدم من الرأس ، وعدم كفاية المسح على سائر الجهات من المؤخر أو اليمين أو اليسار ، إلاّ أنهم قد إختلفوا ـ بعد إنفاقهم هذا ـ في ان المسح هل يتعيّن أن يكون على خصوص الناصية ـ وهي عبارة عما بين النزعتين ـ أو يجوز بغيرها من أجزاء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 412 / أبواب الوضوء ب 22 ح 6 .

ــ[117]ــ

الربع المقدِّم أيضاً  ؟

   وقد مال صاحب الجواهر (قدس سره) (1) في أول كلامه إلى تعيّن خصوص الناصية ، وذلك لما ورد في صحيحة زرارة المتقدمة من قوله (عليه السلام) «وتمسح ببلة يمناك ناصيتك» (2) لأنها كما تقدّم (3) وإن كانت جملة خبرية ، إلاّ أنها مستعملة في مقام الانشاء ، وهي جملة مستقلة وغير معطوفة على فاعل يجزئك ، إذن تدلنا تلك الجملة على تعيّن المسح على خصوص الناصية .

   ولمّا ورد في رواية عبدالله بن الحسين عن أبيه عن أبي عبدالله (عليه السلام) من قوله : «لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال ، إنما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها وتضع الخمار عنها ، وإذا كان الظهر والعصر والمغرب والعشاء تمسح بناصيتها» (4) وهما مقيدتان للأخبار المطلقة الدالة على وجوب كون المسح بمقدّم الرأس ، إلاّ أنه (قدس سره) عدل عن ذلك في آخر كلامه وجوّز المسح بكل جزء من أجزاء الربع المقدم من الرأس ، وجعل المسح على خصوص الناصية أحوط وأولى ، وأضاف أخيراً أنّ المسألة لا تخلو عن إشكال ، هذا وفي المسألة إحتمالات .

    احتمالات المسألة : الأوّل : أن يقال بتعيّن خصوص الناصية تقديماً للروايتين المتقدمتين على الأخبار المطلقة من باب حمل المطلق على المقيد ، وذلك بناء على أن الطائفتين متنافيتان بحسب الابتداء ، لأن الناصية ومقدّم الرأس أمران أحدهما غير الآخر ، فلا بدّ أن تجعل الروايتان مقيدتين للأخبار المطلقة كما هو الحال في غير المقام .

   الثاني : أن يقال بجواز المسح على مطلق الربع المقدّم من الرأس ، وبجعل المسح على خصوص الناصية أفضل الأفراد هذا ، ولا يخفى أنه إذا بنينا على تعارض الطائفتين وكون الناصية ومقدّم الرأس أمرين متغايرين يتعيّن الاحتمال الأول لا محالة ، وذلك لما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 2 : 179 .

(2) الوسائل 1 : 436 / أبواب الوضوء ب 31 ح 2 .

(3) في ص 110 .

(4) الوسائل 1 : 414 / أبواب الوضوء ب 23 ح 5 .

ــ[118]ــ

حقّقناه في محلِّه من أن الجمع بين المطلق والمقيد بحمل الثاني على أفضل الأفراد خلاف القاعدة وما هو المتفاهم العرفي من الدليلين ، فان القاعدة تقتضي حمل المطلق على المقيد كما عرفت .

   الثالث : أن يحمل مقدّم الرأس على الناصية ويقال : إن الناصية ومقدّم الرأس عبارتان عن أمر واحد وليسا بأمرين مختلفين ، إذن فلا تعارض بين الطائفتين ، وذلك لأن الناصية كما ذكره صاحب القاموس من أحد معاني المقدمة (1) ، وعليه يكون مقدّم الرأس مجملاً لم يعلم المراد منه ، وهل اُريد به ما يقع في مقابل المؤخر أو أريد منه خصوص الناصية ، ولكن الناصية مبيّنة فيحمل المجمل على المبيّن .

   الرابع : عكس الثالث ، وهو حمل الناصية على مقدّم الرأس ، بأن يقال إن الناصية أمر مجمل فيحتمل أن يراد بها المقدم كما يحتمل إرادة خصوص ما بين النزعتين فتحمل المجمل على المبين ويقال إن المراد بالناصية مقدم الرأس ، هذا .

   ولا يخفى أنّ الأولى ـ إذا بنينا على عدم التعارض بين الطائفتين ـ هو الاحتمال الرابع بل هو المتعيّن على كل حال ، وذلك لأنّ مقدّم الرأس مفهوم مبيّن لا إجمال فيه إذ المقدّم من كل شيء إنما هو ما يقابل سائر الجهات من المؤخر والأيمن والأيسر والناصية مجملة لم يظهر المراد بها فنحملها على مقدم الرأس .

   وأمّا ما تقدّم عن القاموس من أن الناصية من معانى المقدّمة ، ففيه أوّلاً : أن ما  ذكره صاحب القاموس خارج عما هو محل الكلام ، لأنه إنما يفسر مطلق المقدّم والمقدّمة ، ولم يفسر المتقدِّم المضاف إلى الرأس بالناصية .

   وثانياً : أن من المحتمل قوياً أن يكون مراد صاحب القاموس من ذلك أن مجموع الجبهة والناصية من أحد معاني المقدمة ، لا الناصية فحسب ، لأنهما من الانسان بمنزلة مقدّمة الجيش للعسكر ، ويشهد على ذلك ما ذكره في محكي عبارته حيث قال : مقدّمة الجيش متقدموه ، ومن الابل أوّل ما ينتج ويلقح ، ومن كل شيء أوّله والناصية والجبهة (2) إنتهى . وظاهر كلمة «واو» هو الجمع ، ولم يظهر أنه أراد منها «أو» وكيف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) القاموس المحيط 4 : 162 .

(2) القاموس المحيط 4 : 162 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net