قاعدة الفراغ و التجاوز‌ 

الكتاب : القواعد الفقهية والاجتهاد والتقليد (دراسات) ج4   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7645

قاعدة الفراغ و التجاوز

هل هي قاعدة فقهية أو مسألة أصولية؟

التعدي من الصلاة و الطهور إلى سائر المركبات هل هما قاعدتان أو قاعدة واحدة الفرق بين قاعدتي الفراغ و التجاوز‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 269‌

قاعدة التجاوز و الفراغ و الكلام فيها يقع في جهات:

الجهة الأولى: في كونها من المسائل الأصولية أو القواعد الفرعية.

الميزان في كون المسألة أصولية ان تكون نتيجتها كبرى كلية، لو انضم إليها صغراها أنتجت حكما كليا فرعيا إلهيا. و المسألة الفرعية التي هي نتيجة المسألة الأصولية بعد ضم صغراها إليها، كبرى كلية لو انضم إليها صغراها أنتجت حكما جزئيا.

هذا هو الفرق بين المسألة الأصولية و الفرعية من الناحية الأولى. و هناك فرق بينهما من ناحية ثانية، و هي ان المسألة الأصولية غير قابلة للإلقاء إلى المقلد، بل تطبيقها على صغرياتها يكون من وظائف المجتهد، بخلاف المسألة الفرعية، حيث ان تطبيقها على صغرياتها يكون بيد المقلد، و تطبيق المجتهد لا أثر له، إلاّ من باب حجية قوله، بناء على حجية الخبر الواحد في الموضوعات.

إذا عرفت ذلك وضح لك ان قاعدة الفراغ تكون من المسائل الفرعية من كلتا الناحيتين. أما من الناحية الأولى، فلأنها حكم كلي إلهي، مستفاد من نتيجة المسألة الأصولية، كحجية الخبر و الظواهر و غيرها، بعد ضم صغراها إليها، و هو عدم الاعتناء بالشك إذا كان بعد الفراغ من العمل، لو انضم إليه صغراه انتج حكما جزئيا، و هو عدم اعتناء الشخص الخاصّ بشكه الجزئي الخارجي الّذي حدث بعد الفراغ.

و أما من الناحية الثانية، فلأن تطبيق هذه القاعدة، أعني عدم الاعتناء‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 270‌

بالشك الحادث بعد الفراغ، يكون بيد المقلد دون المجتهد كما هو ظاهر.

الجهة الثانية [عمومها لغير الصلاة و الطهور]

ان بعض أخبار القاعدة و إن كان واردا في خصوص الصلاة و الطهور، إلاّ أنه يتعدى منهما إلى سائر المركبات لوجهين:

أحدهما: عموم العلة في قوله عليه السّلام «هو حين يتوضأ أذكر» «1» و هي إشارة إلى أمر ارتكازي من ان من اشتغل بعمل مركب يكون حين الاشتغال أشد تحفظا على خصوصياته مما بعد الفراغ، فانه شي‌ء للإنسان غالبا.

ثانيهما: إطلاق بعض الأخبار، كقوله عليه السّلام «إذا شككت في شي‌ء، و دخلت في غيره، فليس شكك بشي‌ء» «2» و قوله عليه السّلام «انما الشك إذا كنت في شي‌ء لم تجزه» «3» فتجري قاعدة الفراغ في جميع المركبات، و لا تختص بالبابين المذكورين.

و الحاصل: ان قاعدتي التجاوز و الفراغ تكونان من القواعد الفرعية، و ليستا من المسائل الأصولية.

ثم هل هما من الأصول العملية، أي وظائف مقررة للشاك في مقام العمل، أو أنهما من الأمارات الناظرة إلى الواقع؟ ظاهر بعض الأخبار كقوله عليه السّلام «انما الشك إذا كنت في شي‌ء لم تجزه» و ان كان هو الأول، إلاّ ان ظاهر جلّها هو الثاني، كقوله عليه السّلام «لأنه حينما يتوضأ أذكر منه حينما يشك» فالأظهر أنهما من الأمارات، فان الملتفت إذا شرع في عمل مركب، فانّ إخلاله بما اعتبر فيه لا بد و أن يكون لأحد وجهين، إما الترك العمدي، و هو خلف، و إما الترك عن غفلة، و هو خلاف الأصل، فان ظاهر حال من هو مشغول بالعمل الالتفات إلى خصوصياته، و بعد‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: 1- باب 42 من أبواب الوضوء، ح 7.

(2) وسائل الشيعة: 5- باب 23 من أبواب الخلل في الصلاة، ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 1- باب 42 من أبواب الوضوء، ح 2.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 271‌

العمل نسي، فنفس هذا المعنى كاشف عن عدم الإخلال و تمامية العمل.

إلاّ انه لا يترتب أثر عملي على هذا البحث أصلا، فان القاعدة مقدمة على الاستصحاب و الاشتغال قطعا، سواء كانت أمارة أو أصلا، على ما تقدم تفصيله.

و جميع الأمارات تتقدم عليها، سواء كانت أصلا أو أمارة أيضا.

و ربما يقال: بظهور الثمرة في ترتيب آثار لوازمها العقلية و عدمه. فعلى القول بكونها أمارة إذا جرت في الصلاة المشكوك وقوعها مع الطهارة، و حكم باقترانها مع الطهارة، كان لازمها عقلا ثبوت الطهارة حتى بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة، فيجوز الشروع معها في صلاة أخرى. و هذا بخلاف ما إذا قلنا بأنها أصل عملي، فان مثبتاتها حينئذ لا تكون حجة.

و فيه: ما بيناه في محله من أن حجية المثبتات لا تدور مدار الأمارية و الأصلية، فكثير من الأمارات لا تكون لوازمها حجة، كاليد و الظن في باب القبلة و نحو ذلك، بل تدور حجية المثبتات مدار دليل الحجية، فان كان دليل الحجية دالا على ترتيب آثار اللوازم أيضا رتب، و إلاّ فلا.

و الظاهر ان حجية المثبتات منحصرة بباب الإخبارات و الحكايات، لا لما ذكره الآخوند من ان الاخبار عن الملزوم اخبار عن لازمه، فيعمه دليل حجية الخبر، فانه غير تام على إطلاقه، لأنه يتوقف على العلم بالملازمة، و لذا لا يكون المنكر لما علم اخبار الإمام به مكذبا للإمام عليه السّلام إذا لم يكن ملتفتا إلى الملازمة، و هو واضح، بل لقيام السيرة الممضاة شرعا على ترتيب آثار لوازم الاخبار في باب الإقرار و غيره. و من الواضح عدم قيام الدليل على ترتيب آثار لوازم القاعدة، أصلا كانت أو أمارة، لأن مفاد الأخبار عدم الاعتناء بالشك فيما مضى، لا فيما لم يأت. فلا ثمرة لهذا البحث.

إذا عرفت المقدمة نشرع في المقصود فنقول: لم يستشكل أحد في أن قاعدة‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 272‌

الفراغ عامة تجري في جميع أبواب العبادات من الصلاة و الطهارات و الحج، بل في المعاملات بالمعنى الأخص من العقود و الإيقاعات، بل في المعاملات بالمعنى الأعم كالتطهير و نحوه، كما هو الحال في أصالة الصحة في فعل الغير. كما لم يستشكل ظاهرا أحد في عدم جريان قاعدة التجاوز في الطهارات الثلاث، اما تخصيصا أو تخصصا.

و انما الكلام في انّ قاعدة التجاوز عامة تعم جميع أبواب الفقه، و قد خرج عن عمومها باب الوضوء بالنص الصريح الدال على الاعتناء بالشك في الأثناء، و ألحق به الغسل و التيمم بالإجماع أو للمناط. أو انها مختصة بباب الصلاة، و خروج الطهارات الثلاث يكون بالتخصص لا بالتخصيص؟ ظاهر كلام الشيخ هو الأول.

و لكن الميرزا أصرّ على اختصاصها بباب الصلاة دون غيرها «1»، فلا حاجة في إثبات عدم جريانها في الوضوء بالتمسك بالنص، و لا في إلحاق الغسل و التيمم به إلى الإجماع و العلم بالملاك.

و تحقيق الكلام في ذلك مبني على بيان ان قاعدة التجاوز و الفراغ قاعدتان، أو أنهما قاعدة واحدة، يعبر عنها تارة بقاعدة الفراغ، و أخرى بقاعدة التجاوز.

الجهة الثالثة: في أنهما قاعدتان أو قاعدة واحدة.

قد يقال: بأنهما قاعدتان. و يستدل على ذلك بوجوه:

الوجه الأول: ان المجعول في كل منهما مغاير للمجعول في الآخر، فان التعبد في مورد قاعدة التجاوز انما هو بأصل وجود المشكوك بنحو مفاد كان التامة، و في مورد قاعدة الفراغ يكون الوجود مفروغا عنه، و التعبد بصحته بنحو مفاد كان الناقصة، أي بالملزوم دون اللازم فلا يمكن الجمع بينهما بدليل واحد.

______________________________
(1) أجود التقريرات: 2- 468.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 273‌

و بعبارة أخرى: التعبد في مورد قاعدة الفراغ انما هو بالصحّة، و يكون وجود أصل المشكوك مفروض الوجود، و بعد فرض وجوده يعبدنا الشارع بصحته. و المشكوك في مورد قاعدة التجاوز مفروض العدم، و لذا يكون التعبد بأصل وجوده. و من الظاهر ان فرض الوجود و فرض العدم متنافيان، لا يمكن الجمع بينهما في دليل واحد.

و أجاب «1» عنه الشيخ قدّس سرّه بأن المشكوك في كلا الموردين هو الوجود بنحو مفاد كان التامة، غايته انه في قاعدة التجاوز هو وجود الجزء، و في قاعدة الفراغ وجود المجموع المركب من حيث المجموع. كما أن التعبد أيضا في كلا الموردين متعلق بأصل الوجود بنحو مفاد كان التامة، غايته في قاعدة الفراغ بوجود العمل الصحيح. فالمشكوك فيه و المجعول في كلتا القاعدتين شي‌ء واحد.

و أورد عليه الميرزا «2» بوجهين:

أحدهما: ان إرجاع قاعدة الفراغ إلى الشك في وجود المركب من حيث المجموع، و كون التعبد فيها بوجود العمل الصحيح أي الجامع للشرائط، خلاف ظاهر دليلها، كقوله عليه السّلام «ما مضى من صلاتك و طهورك فذكرته تذكرا فأمضه» «3» فان ظاهره كون أصل العمل مفروغا عنه، و التعبد انما هو بصحته. بخلاف دليل قاعدة التجاوز، كقوله عليه السّلام «إذا خرجت من شي‌ء و دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» فانه ظاهر في الشك في أصل وجود الشي‌ء، و ان التعبد يتعلق بأصل وجوده و تحققه، فإرجاع الأول إلى الثاني يكون من قبيل الأكل من القفا.

ثانيهما: أنه في باب العبادات يترتب الأثر على التعبد بوجود طبيعي العمل‌

______________________________
(1) فرائد الأصول: 2- 709- 710.

(2) أجود التقريرات: 2- 465.

(3) وسائل الشيعة: 1- باب 42 من أبواب الوضوء، ح 6.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 274‌

المأمور به في الخارج، لأن هم العقل فيها هو تحصيل المؤمن من العقاب فرارا من الاشتغال اليقيني، و هو يحصل بذلك، إلاّ ان الأثر في باب المعاملات لا يترتب على ذلك، أي على وجود طبيعي المعاملة خارجا، بل هو مترتب على صحة المعاملة الشخصية الخاصة، فلا يكفي فيها التعبد بوجودها خارجا. فعلى ما ذكره الشيخ لا يترتب الأثر على قاعدة الفراغ إلاّ في باب العبادات دون المعاملات.

و نقول: أما ما أفاده من أن إرجاع قاعدة الفراغ إلى التعبد بوجود العمل الصحيح خلاف ظاهر الدليل، متين جدا كما عرفت.

و أما ما ذكره ثانيا، ففيه: انه ليس مراد الشيخ من كون مفاد قاعدة الفراغ هو التعبد بتحقق العمل الصحيح وجود طبيعي العمل خارجا من أي فاعل، و إلاّ لما نفع جريانها في العبادات أيضا، بداهة ان وجود طبيعي المأمور به خارجا و لو من غير المكلف لا يوجب أمنه عن العقاب، و لا فراغ ذمته، بل المراد وجود العمل الصحيح من شخص المكلف الشاك.

و عليه يترتب الأثر على جريانها في المعاملات أيضا، و ذلك لأن الأثر في لسان الأدلة و ان رتب على المعاملة الموجودة في الخارج بنحو القضية الحقيقية، إلاّ أنه إذا جرت القاعدة في معاملة في صحتها شك بعد الفراغ عنها، فمعناها التعبد بصدور المعاملة الواقعة على المورد الخاصّ من الشخص المعين و هو الشاك، و لم يؤخذ في موضوع الأثر أكثر من ذلك، فالإرجاع المزبور لا يوجب اختصاص القاعدة بالعبادات.

و لكن الإشكال في نفسه غير وارد، و ذلك لأن الإطلاق كما بين في محله عبارة عن رفض القيود لا أخذها، فمعنى إطلاق قوله: الخمر حرام عدم دخل خصوصية من خصوصياته في موضوع الحكم، بحيث لو أمكن وجود خمر في الخارج عار عن جميعها لشمله الحكم.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 275‌

و عليه ففي الأخبار الواردة في المقام أن الشك في الشي‌ء بعد التجاوز عنه لا يعتنى به مطلقا، سواء كان في الوجود أو في الصحة. و لا يستلزم إطلاقه فرض وجود المشكوك و فرض عدمه في دليل واحد، بل يكون ذلك من قبيل اختلاف الموارد في بقية الإطلاقات.

و بالجملة كما يعم دليل حجية البينة مثلا أو غيرها من الحجج موارد قيامها على وجود المشكوك و موارد قيامها على صحته، من دون لزوم الجمع بين متنافيين، كذلك في المقام. فثبوتا لا مانع من شمول دليل واحد و تكفل جعل فارد لكلتا القاعدتين.

إلاّ انه ربما يمنع عن ذلك إثباتا، بدعوى: ان صدق عنوان التجاوز و المضي و الدخول في الغير فيما إذا كان الشك في أصل الوجود، أي في مورد قاعدة التجاوز حقيقي، بداهة ان المضي و التجاوز عن ذات المشكوك مع فرض الشك في وجوده لا معنى له، فلا بد و أن يراد به تجاوز محله، و هذا متحقق فيه حقيقة و بلا عناية.

بخلاف موارد الشك في الصحة، فانه لا معنى لتجاوز محلها إلاّ بعناية و مسامحة، بأن يراد بها وجود العمل الصحيح، فلا يعمها هذه العناوين المأخوذة في الأدلة، فالمانع إثباتي.

و فيه: ان الشك في الصحة لا بد و ان يرجع إلى الشك في الوجود، لا لما ذكره الشيخ، المحتاج إلى عناية و مسامحة، بل لأن الصحة أمر انتزاعي، فالشك فيها يرجع إلى الشك في منشأ انتزاعها، و هو شرط الجزء أو جزء الجزء، مثلا الشك في صحة تكبيرة الإحرام لا بد و ان يكون من جهة الشك في الإتيان بجزئها كالهمزة مثلا، أو شرطها كوقوعها في حال القيام الّذي هو شرط للنص الصريح، فيصدق عليه عنوان التجاوز حقيقة بلا عناية، و يكون التعبد في كلا الموردين بأصل الوجود.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 276‌

ثم انه قد يتوهم عدم تمامية ذلك في شرط الجزء، فانه إذا شككنا بعد الفراغ عن الصلاة في صحتها من حيث اقترانها مع الطهارة و عدمه، فان قلنا: بأن قاعدة الفراغ مفادها التعبد بصحة المأتي به، فلا يلزم من جريانها محذور، بل لا يترتب عليه سوى صحة ما مضى منها لا ما يأتي كما هو ظاهر الدليل. و أما ان قلنا: بان مفادها التعبد بتحقق الشرط كالطهارة في المثال، فلازمه عدم الاحتياج إلى التطهير بالإضافة إلى العبادات المشروطة بها فيما بعد أيضا، لأن الطهارة حاصلة بالتعبد، و لم يتحقق لها ناقض بالوجدان، مع أنه لم يقل به أحد.

و بالجملة الشك في الصحة غير معقول إلاّ إذا رجع إلى الشك في وجود الجزء أو الشرط، فيصدق تجاوز المكلف عن المشكوك فيه و دخوله في غيره بلا عناية حتى في مورد قاعدة الفراغ.

و قد يقال: ان هذا لا يتم بالإضافة إلى الشرط، و ان تم بالقياس إلى الجزء، فان التعبد بوجود الجزء لا يترتب عليه سوى صحة العمل الماضي، و لا ربط له بالعمل الّذي لم يأت بعد، و هذا بخلاف التعبد بوجود الشرط- كالطهارة- حين الاشتغال بالعمل الّذي فرغ عنه، و المفروض عدم تحقق ناقض له بعد ذلك، فهو متطهر و واجد للشرط بحكم الشارع، فيجوز له الإتيان بما يعتبر فيه الطهارة بعد ذلك أيضا. و لم يقل به أحد، فان الأدلة كلها ناظرة إلى الأعمال التي تجاوز عنها المكلف و مضت، دون ما لم يأت، فلا يتم إرجاع الشك في الصحة إلى الشك في وجود الشرط أو الجزء.

و الجواب عنه: مبني على بيان الفرق بين الجزء و الشرط، و ان تقدم الكلام فيه مفصلا، فنقول: الجزء عبارة عما تعلق به الأمر الضمني الانحلالي من الأمر بالمركب. بخلاف الشرط، فان ذات الشرط لا يتعلق بها الأمر من المركب أصلا، بل ربما لا يكون مقدورا كالوقت، و انما يتعلق الأمر بالتقيد به، أي باقتران الواجب‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 277‌

معه و وجودها معا في زمان واحد في الزمانيات دون نفس الزمان، فهذا التعبير أيضا لا يخلو عن مسامحة، فنعبر عنه بالعند، و نقول: الوجوب تعلق بوجود الواجب عند تحققه.

و عليه فالشك في وجود الشرط معناه الشك في وجود التقيد و التقارن الواجب. و التعبد بوجوده عبارة عن التعبد بوجود ذاك التقارن، لا بتحقق أصل الشرط. نعم هو لازم وجود التقيد عقلا، إلاّ انك عرفت عدم حجية مثبتات قاعدة الفراغ. فإذا لا محذور في إرجاع الشك في الصحة و التعبد بها إلى الشك في وجود الشرط أو الجزء.

فتلخص: ان المجعول في كلتا القاعدتين هو التعبد بوجود المشكوك فيه، لا أن المجعول في كل منهما مغاير لما هو المجعول في الآخر، فلا مانع من التعبد بهما بجعل واحد ثبوتا. كما لا مانع من شمول الدليل الواحد لهما، لصدق عنوان التجاوز و المضي عن محل المشكوك في كلا الموردين، فقوله عليه السّلام «إذا شككت في شي‌ء و دخلت في غيره» يعمها.

الوجه الثاني: الّذي استدل به لتغاير القاعدتين ما ذكره الميرزا قدّس سرّه «1» و حاصله: ان لحاظ الجزء بما هو لحاظ استقلالي، و بما أنه جزء للمركب ملحوظ بلحاظ تبعي، كما يتضح ذلك بلحاظ الدار مجموعا، و لحاظ كل من اجزائه مستقلا. و عليه فإذا فرضنا ان القاعدتين مجعولتان بجعل واحد و دليل فارد، لزم كون لحاظ الاجزاء الّذي هو لحاظ واحد تبعيا و استقلاليا، و هو محال، و ذلك لأن التعبد في قاعدة الفراغ انما هو بتحقق المركب من حيث المجموع، و في قاعدة التجاوز بتحقق الجزء بما هو، فيلزم من الجمع بينهما بدليل واحد اجتماع اللحاظين.

______________________________
(1) أجود التقريرات: 2- 465.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 278‌

و الجواب عنه بوجوه:

الأول: النقض، فانه على هذا يلزم استحالة جعل قاعدة الفراغ في نفسها، فانها تجري عند الشك في صحة الاجزاء أيضا، كما تجري إذا شك في صحة مجموع العمل من حيث المجموع، فيلزم من ذلك المحذور المذكور، إذ يلزم حينئذ كون لحاظ الأجزاء الّذي لحاظه واحد تبعيا و استقلاليا.

الثاني: ما ذكرنا من ان الإطلاق عبارة عن رفض القيود لا أخذها، فموضوع الحكم المطلق هو الكلي الملغى عنه جميع الخصوصيات الفردية، و هي من اختلاف الموارد، فلم تلحظ في المقام خصوصية المركب، و لا خصوصية الجزء بما هو، بل كل ذلك ملغى، و موضوع الحكم ما شك فيه بعد التجاوز عنه، سواء كان جزء أو كلا.

و من هنا لو حكمنا بأن كل ممكن محتاج إلى المؤثر، و جعل موضوعه عنوان الممكن، شمل الحكم للمختلفين في المرتبة كالعلة و المعلول و مثاله النار و الحرارة، و الجزء و الكل و مثاله الباب و الدار، لصدق عنوان الممكن على جميعها، و في المقام أيضا.

الثالث: ما ذكرناه من رجوع الشك في الصحة إلى الشك في وجود الجزء أو الشرط بالمعنى الّذي ذكرناه، فلا يلزم من تكفل الدليل الواحد لهما الجمع بين اللحاظين، بل المجعول هو عدم الاعتناء بالشك بعد التجاوز، سواء كان في الوجود أو في الصحة في الأثناء أو بعد العمل.

و مما أورد به عليه أن المضي و التجاوز في مورد قاعدة الفراغ، أعني الشك في الصحة بعد الفراغ عن العمل المركب، حقيقي غير محتاج إلى عناية، و في مورد قاعدة التجاوز بما انّ المشكوك فيه أصل وجود الجزء أو الشرط لا معنى فيه للمضي و التجاوز عنه حقيقة، فلا بد من عناية، اما في الإسناد بأن يكون التجاوز‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 279‌

مسندا حقيقة إلى محل الجزء أو الشرط و أسند مسامحة إلى نفسه، و اما في اللفظ بالإضمار و التقدير. و من الظاهر عدم إمكان إعمال العناية و عدمه في استعمال واحد، أي الجمع بين إرادة المعنى الحقيقي و المجازي معا في استعمال واحد، فلا بد و أن تكونا قاعدتين، و يدل على كل منها دليل مستقل.

و الجواب عنه يظهر مما ذكرناه من رجوع الشك في صحة المركب إلى الشك في وجود الجزء أو الشرط، و هو مهم المكلف الّذي يحصل به الامتثال. فانه عليه دائما يكون الشك في الوجود، و يكون التجاوز باعتبار محله، و إطلاقه بعناية و مسامحة في الجميع.

الوجه الثالث: مما استدل به على تعدد القاعدتين ما ذكره الميرزا قدّس سرّه من أنهما إن كانتا قاعدتين لا يلزم محذور. و إن كانتا قاعدة واحدة لزم التدافع بين دليل قاعدة الفراغ، و ذلك لأن دليل الفراغ كقوله عليه السّلام «كل ما مضى من صلاتك و طهورك فذكرته تذكرا فأمضه» «1» بمنطوقه يدل على عدم الاعتناء بالشك إذا كان بعد الفراغ، و بمفهومه يدل على الاعتناء به إذا كان قبل المضي و الفراغ، فالشك في إتيان الجزء بعد التجاوز في الأثناء يكون موردا للمفهوم، فبناء على كونهما قاعدتين يكون دليل التجاوز واردا في مورد المفهوم، فيقدم عليه بالحكومة أو التخصيص، فلا تدافع. و أما إذا كانتا قاعدة واحدة، فالشك في الجزء أو الشرط في الأثناء يكون داخلا تحت المنطوق و المفهوم باعتبارين، فمن حيث شمول الرواية للمركب يكون الشك في الجزء قبل المضي، فلا بد من الاعتناء به بمقتضى المفهوم، و من حيث شمولها للشك في الجزء بعد تجاوز محله لا بد من إلغائه و عدم الاعتناء به، فيلزم التدافع، فلا بد و أن تكونا قاعدتين لأن لا يلزم هذا المحذور.

______________________________
(1) وسائل الشيعة: 1- باب 42 من أبواب الوضوء، ح 6.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 280‌

و نقول: لو كان عند الشك في وجود الجزء أو الشرط شك واحد لكان لهذا الإشكال مجال، و إن كان قابلا للدفع. إلاّ ان الموجود هناك شكان، أحدهما شك في حصول الامتثال و سقوط الأمر، أي الامتثال و سقوط الأمر من حيث الجزء مشروطا بانضمام سائر الاجزاء، و هو مسبب عن الشك في تحقق الجزء أو الشرط، فإذا فرضنا سقوط الشك الأول بالتعبد لا يبقى مجال للشك الثاني.

و بعبارة أخرى: بعد ما أرجعنا الشك في الصحة إلى الشك في الوجود، نرى انه لا منشأ للشك في صحة المجموع المركب قبل مضيه سوى الشك في وجود الجزء أو الشرط المشكوك فيه، إذ المفروض أنه تام من بقية الجهات، و الشك فيه انما هو من جهة احتمال الإخلال بذاك الجزء أو الشرط المتقدم، الدخيل في صحة المجموع المركب، حتى الاجزاء اللاحقة، فإذا الغي بالتعبد الشرعي لا يبقى شك في صحة المركب ليكون قبل المضي و موردا للاعتناء.

فتحصل: انه لا مانع ثبوتا من كونهما قاعدة واحدة مدلولة لدليل واحد.

ثم ان المحقق النائيني أرجعهما إلى قاعدة واحدة، لكن بعكس ما صنعناه، أي أرجع التجاوز إلى قاعدة الفراغ، بدعوى: ان المجعول انما هو التعبد بعدم الاعتناء بالشك إذا كان بعد الفراغ و التجاوز عن المركب، ثم في خصوص باب الصلاة باعمال المولوية اعتبر الشارع الجزء بمنزلة الكل، و جعل التجاوز عن محله بمنزلة التجاوز عن المركب، فبالتعبد أوجد صغرى تعبديا لقاعدة الفراغ، أعني الشك بعد العمل المركب. و يمكن الاستدلال عليه بقوله عليه السّلام في رواية ابن أبي يعفور «إذا شككت في شي‌ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي‌ء، انما الشك إذا كنت في شي‌ء لم تجزه» «1» فانه مشتمل على الأصل و العكس، أي على عدم‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: 1- باب 42 من أبواب الوضوء، ح 2.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 281‌

الاعتناء بالشك بعد الفراغ عن المركب، و الاعتناء به إذا كان قبل التجاوز عنه.

ثم في صحيحة زرارة و موثقة إسماعيل بن جابر صرح بعدم الاعتناء بالشك في اجزاء الصلاة في الأثناء بعد التجاوز عنها بقوله «رجل شك في الركوع و هو ساجد، أو شك في السجود و هو قائم» فجعل التجاوز عن محل الجزء في الصلاة كالتجاوز عن المجموع المركب في غيرها.

و يمكن أن يقال: انه ليس ملاك قاعدة الفراغ كون الشك بعد الفراغ عن المركب، بل ملاكها الشك في الصحة، سواء كان صحة مجموع العمل بعد الفراغ عنه، أو صحة الجزء بعد التجاوز عن محله. كما ان ملاك قاعدة التجاوز كون الشك في الوجود، و الشاهد عليه إطلاق دليل قاعدة الفراغ بل عمومه الشامل لما إذا كان الشك بعد مضي مجموع العمل أو مضي الجزء المشكوك فيه و لو كان في أثناء العمل.

كقوله عليه السّلام «إذا شككت في شي‌ء و دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» و بعد ما أرجعنا الشك في الصحة إلى الشك في الوجود اتحدت القاعدتان.

و أما رواية ابن أبي يعفور فمضافا إلى اختصاصها بباب الوضوء دون سائر الأبواب، فهي مجملة، لأن الاستدلال بها مبني على رجوع الضمير إلى الوضوء، و هو خلاف الظاهر، بل الظاهر رجوعه إلى المشكوك من الجزء أو الشرط، و الدخول في غيره لا في غير الوضوء، كما يستفاد ذلك من بقية الاخبار، و لا أقل من الإجمال، فلا يستفاد منها الاختصاص، أي اختصاص قاعدة الفراغ بما إذا كان الشك بعد الفراغ عن المجموع المركب، هذا أولا.

و ثانيا: ان موثقة جابر «1» و صحيحة زرارة «2» و ان كانتا واردتين في‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: 4- باب 13 من أبواب الركوع، ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 5- باب 23 من أبواب الخلل في الصلاة، ح 1.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 282‌

خصوص الصلاة، إلاّ انهما مشتملتان على كبرى كلية. و مجرد الإجماع على لزوم الاعتناء بالشك في الأثناء في غير باب الصلاة لا يوجب انقلاب ظهور الرواية في الكبرى الكلية و اختصاصه باب الصلاة.

فتحصل: انه ثبوتا لا مانع من دخول الشك في الأجزاء أو الشرائط في الأثناء أو بعد العمل تحت قاعدة واحدة، بإرجاع الفراغ إلى التجاوز على ما تقدم.

و ليس المجعول في كل من الموردين مخالفا للمجعول في المورد الآخر.

فيقع الكلام في مقام الإثبات، و ان المستفاد من الأدلة أي شي‌ء. هل المستفاد منها قاعدة واحدة أو قاعدتان في موردين؟. و عليه يمكن ان يعتبر في إحداهما ما لم يعتبر في الأخرى، كالدخول في الغير في قاعدة التجاوز دون الفراغ.

و نقول: الروايات المشتملة على عنوان المضي كقوله عليه السّلام «كل ما شككت في شي‌ء مما قد مضى فأمضه كما هو» «1» ظاهرة في قاعدة الفراغ، لظهور المضي في المضي الحقيقي، كما ان ظاهر الإسناد يكون حقيقيا. و عليه فيختص بموارد الشك في صحة العمل الّذي مضى حقيقة، و لا يعم موارد الشك في أصل وجود الجزء أو الشرط، بداهة عدم صحة اسناد المضي إليه حقيقة، فان ثبوت شي‌ء لشي‌ء فرع ثبوت المثبت له، و كيف يصدق المضي على ما لم يحرز وجوده بعد؟! نعم تعم هذه الأخبار موارد الشك في صحة الجزء و فساده بعد فرض تحققه، لإطلاقها و صدق مضي الجزء الّذي يشك في صحته و فساده. فهذه الروايات مختصة بقاعدة الفراغ و عدم الاعتناء بالشك في صحة العمل بعد الفراغ عنه.

و أما أخبار قاعدة التجاوز، فهي منحصرة بصحيحة زرارة، و موثقة‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: 5- باب 23 من أبواب الخلل في الصلاة، ح 3.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 283‌

إسماعيل «1» بن جابر. و هما مشتملتان على عنوان الخروج عن المشكوك، و الدخول في غيره، و لا بد و ان يكون اسناده إليه مسامحيا لما عرفت. و مفادهما عدم الاعتناء بالشك في الجزء أو الشرط بعد تجاوز محلهما، فالمجعول بحسب مقام الإثبات أمران بملاكين، أحدهما: إلغاء الشك في الصحة بعد الفراغ، و الثاني:

إلغاء الشك في وجود الجزء أو الشرط بعد تجاوز محله. هذا و إن أمكن استفادة قاعدة الفراغ من الصحيحة و الموثقة أيضا، بناء على ما ذكرناه من رجوع الشك في الصحة إلى الشك في الوجود، لو لم تكن بنفسها مجعولة بملاك يخصه كما عرفت.

فمقام الإثبات يقتضي تعدد القاعدتين. فلا بد من البحث عن خصوصيات كل منهما، من عمومها و خصوصها، و اعتبار ما احتمل اعتباره فيها.

فنقول: أما قاعدة الفراغ، فلا إشكال في كونها عامة، تجري في جميع الأبواب من العبادات و المعاملات، على ما هو مقتضى عموم دليلها. بل هي عين أصالة الصحة، الجارية في فعل الغير، غاية الأمر انها تجري في فعل نفس الإنسان.

و أما قاعدة التجاوز فذهب الميرزا قدّس سرّه إلى اختصاصها بباب الصلاة «2»، تبعا لبعض من تقدم. و المعروف انها أيضا عامة، و قد خرج عنها باب الوضوء جزما، و الغسل و التيمم احتمالا إلحاقا. و الظاهر من الأدلة هو الثاني.

و قد ذكر في وجه الاختصاص ما حاصله: ان الصحيحة و ان كانت مطلقة، و الموثقة عامة، إلاّ أنه لا يمكن الأخذ بإطلاق الأولى و عموم الثانية، و ذلك لأن من مقدمات الإطلاق عدم وجود القدر المتيقن في البين، و هو موجود في الصحيحة، و هو موارد السؤال، فيها رجل شك في التكبير و هو في القراءة أو شك في الركوع‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: 4- باب 13 من أبواب الركوع، ح 4.

(2) أجود التقريرات: 2- 468.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 284‌

و هو ساجد إلى غيره من اجزاء الصلاة، فلا يتحقق للجواب إطلاق. و كذلك العموم، فان دلالته عليه مبني على جريان مقدمات الإطلاق في المدخول، و إثبات ان المراد به الطبيعة المحضة، و قد عرفت عدم تماميته، لوجود القدر المتيقن في البين.

و نقول: الحق عدم تمامية شي‌ء منهما. أما الإطلاق فهو متوقف على عدم البيان. و اما وجود المتيقن فغير مانع عن جريان المقدمات، و لذا لم يتوقف أحد من الفقهاء من التمسك بالمطلقات مع وجود القدر المتيقن لها، منها: رواية ابن أبي بكير، فانّ مورد السؤال فيها الصلاة في وبر السنور و السنك و السنجاب، و هي المتيقن من إطلاق جواب الإمام عليه السّلام و منعه عن الصلاة في وبر ما لا يؤكل لحمه «1»، و لم يتوقف أحد من الفقهاء في التمسك بإطلاقه إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة.

هذا و مع التنزل فلا ينبغي الشك في التمسك بعموم الموثقة، و لو سلمنا كون القدر المتيقن مانعا عن التمسك بالإطلاق، و ذلك لما بيناه في بحث العام و الخاصّ من ان شمول العام يكون بالوضع من غير حاجة إلى مقدمات الحكمة في المدخول، و من هنا قدمناه على المطلق عند المعارضة. نعم على مسلك الآخوند يكون حالها حال الصحيحة من هذه الجهة.

ثم هل يعتبر في قاعدة الفراغ أو التجاوز الدخول في الغير أو لا يعتبر ذلك؟

أما قاعدة التجاوز، فالظاهر فيها اعتبار الدخول في الغير، فانه صرح بذلك في الصحيحة و الموثقة. و لو لم يكن مذكورا فيهما لقلنا باعتباره فيها أيضا، لما عرفت من ان استناد التجاوز إلى ما يشك في وجوده لا بد و أن يكون مسامحيا باعتبار تجاوز محله، إذ يستحيل صدق التجاوز عن الشي‌ء الّذي لم يحرز وجوده بعد حقيقة، فلا بد و ان يكون بلحاظ تجاوز محله، و من الظاهر عدم تحقق التجاوز‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: 3- باب 2 من أبواب لباس المصلي، ح 1.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 285‌

عن محل المشكوك قبل الدخول في غيره، فلا يكون الشك في وجود الجزء أو الشرط ملغى إلاّ إذا كان بعد الدخول في غير المشكوك. و سنتكلم في اعتبار خصوصية خاصة في الغير و عدمه.

و أما قاعدة الفراغ: فمن هذه الجهة لا يعتبر فيها الدخول في الغير، لصدق المضي عن الشي‌ء حقيقة فيما إذا شك في صحته بعد الفراغ عنه قبل الدخول في الغير، فعنوان المضي لا يقتضي الدخول في الغير.

إلاّ انّه يقع الكلام فيها في مقامين:

أحدهما: في انّه هل لدليلها إطلاق يعم موارد الشك في الصحة قبل الدخول في الغير، أي من حيث ثبوت المقتضي لعدم اعتبار الدخول في الغير.

ثانيهما: في أنه بعد ثبوت الإطلاق، هل يكون هناك مانع عن التمسك به أي مقيد أو مخصص لإطلاقه أو عموم، أو لا؟

أما المقام الأول: فقد يمنع عن التمسك بإطلاق إحدى الروايتين، و عموم الأخرى من جهات:

إحداها: ان المطلق ينصرف إلى أفراده الشائعة، و لا يعم الأفراد النادرة، و الأفراد الشائعة للشك فيما مضى موارد الدخول في الغير دون غيره.

و فيه: ان اختصاص المطلق بالفرد النادر مستهجن لا عمومه له، و إلاّ لما أمكن التمسك بإطلاق أكثر المطلقات، مع أنه لم يستشكل في التمسك بإطلاقها أحد، و لذا تمسكوا بإطلاق موثقة ابن بكير التي حكم الإمام عليه السّلام فيها بفساد الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه، و حكموا بفسادها في اجزاء الأفراد النادرة من الحيوان كالأسد و الكركدن و نحوها من دون نكير.

ثانيها: وجود القدر المتيقن في البين، فان المتيقن من الشك فيما مضى ما إذا كان بعد الدخول في الغير.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 286‌

و فيه: أولا: ان وجود القدر المتيقن لا يمنع التمسك بالإطلاق.

و ثانيا: على فرض تسليمه لا يمنع ذلك في التمسك بعموم الرواية الأخرى.

ثالثها: و هو الّذي اختاره الميرزا، و بنى عليه، و هو ان التمسك بالإطلاق انما يكون في الماهية التي يكون صدقها على جميع أفرادها على حد سواء، كالماء الصادق على ماء الفرات و ماء دجلة و ماء البحر و غيرها بنحو واحد. و أما الماهية التشكيكية فلا يجوز فيها التمسك بالإطلاق، كعنوان الحيوان، فانه لغة و ان كان صادقا على الإنسان أيضا، إلاّ أنه منصرف عنه عرفا، و لذا لو أطلق على أحد اشمأز و انضجر، ففي مثله لا يمكن الأخذ بالإطلاق، و لذا لم يتمسك أحد بإطلاق موثقة ابن أبي بكير للحكم بفساد الصلاة في شي‌ء من اجزاء الإنسان كشعره مثلا.

ثم طبق هذا المعنى على المقام و ادعى ان المضي عن المشكوك ماهية تشكيكية صدقه على ما قبل الدخول في الغير خفي، فلا يمكن الأخذ بإطلاقه.

و فيه: ان التشكيك في صدق الماهية على قسمين، لأن اختلافها في الصدق تارة: يكون من حيث الظهور و الأظهرية، بأن تكون صدقها على جميع افرادها ظاهرا إلاّ ان صدقه على بعضها أظهر من صدقها على البعض الآخر، و في مثله لا مانع من التمسك بالإطلاق، بل أكثر المطلقات من هذا القبيل. و أخرى: يكون الاختلاف من حيث الخفاء و الظهور، بأن يكون صدق الماهية على فرد خفيا، كصدق الحيوان على الإنسان حيث لا يراه العرف فردا لتلك الطبيعة، و في مثله يتم ما أفاده قدّس سرّه. إلاّ ان عنوان المضي من قبيل الأول دون الثاني، فان صدقه على جميع الموارد ظاهر، إلاّ انه أظهر صدقا فيما إذا كان الشك بعد الدخول في الغير، و إلاّ لزم الاقتصار في مورد القاعدة على ما إذا كان الشك بعد الحيلولة أي بعد خروج الوقت، لأن صدق الشك فيما مضى عليه أوضح من صدقه على غيره.

فتحصل: ان المقتضي لعدم اعتبار الدخول في الغير في قاعدة الفراغ تام،

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 287‌

و هو إطلاق إحدى الروايتين و عموم الأخرى.

المقام الثاني: و هو البحث عن المانع. ربما يقال: ان المانع عن التمسك بإطلاق أدلة الفراغ اعتبار الدخول في الغير في صحيحة زرارة و موثقة إسماعيل بن جابر، حيث اعتبر فيهما الدخول في الغير بقوله عليه السّلام «إذا شككت في شي‌ء و دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» و قوله عليه السّلام في الأخرى «كلما شككت في شي‌ء مما جاوزته و دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» فانه يوجب تقييد إطلاق ما دل على عدم الاعتناء بالشك بعد الفراغ.

و فيه: أولا: ان الروايتين واردتان في قاعدة التجاوز، و اعتبار الدخول في الغير فيها لا يوجب اعتباره في قاعدة الفراغ، بعد ما فرضناهما قاعدتين.

و بعبارة أخرى: ما تعلق به الشك في مورد قاعدة التجاوز انما هو الجزء أو الشرط لا بما هي، بل بوجود الطبيعي الّذي هو المأمور به، و التجاوز عنه لا بدّ و أن يكون بعناية التجاوز عن محله، و هو لا يتحقق إلاّ بالدخول في الغير. و هذا بخلاف الشك في الصحة، الّذي هو مورد قاعدة الفراغ، فاعتبار الدخول في الغير في دليل تلك القاعدة غير مستلزم لتقييد إطلاق دليل هذه القاعدة.

و بعبارة ثالثة: ان التعبد في مورد قاعدة الفراغ و هو الشك في الصحة بملاك مغاير لملاك التعبد بإلغاء الشك في مورد قاعدة التجاوز، و هو الشك في الوجود، فاعتبار أمر في إحداهما لا يستلزم اعتباره في الأخرى.

و ثانيا: ان هذا القيد أعني الدخول في الغير توضيحي و ليس باحترازي، لأن الدخول في الغير كما عرفت عند الشك في وجود الجزء محقق للتجاوز، و لذا ذكرنا انه لا بد من القول باعتباره و لو لم يدل عليه دليل خاص، فإذا لا يمكن ان يكون مقيدا لإطلاق دليل الشك في الصحة، الّذي يتحقق فيه المضي حقيقة قبل الدخول في الغير.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 288‌

و ربما يتمسك لتقييد الإطلاقات بقوله عليه السّلام في موثقة ابن أبي يعفور «إذا شككت في شي‌ء من الوضوء و دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» فاعتبر فيها الدخول في الغير في قاعدة الفراغ، فيقيد به إطلاق ما دل على إلغاء الشك في الشي‌ء بعد مضيه أو عمومه.

و فيه: أولا: ان هذه الرواية مجملة، لاحتمال رجوع الضمير إلى المشكوك، فيكون دليلا على قاعدة التجاوز كالصحيحة و الموثقة المتقدمتين. و قيام الدليل على عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء لا يوجب ظهور الرواية فيما لم يكن ظاهرا فيه، و لا رجوع الضمير إلى الوضوء.

و ثانيا: نفرض رجوع الضمير فيها إلى نفس الوضوء، إلاّ ان قوله عليه السّلام في ذيل الرواية «انما الشك إذا كنت في شي‌ء لم تجزه» الّذي هو كبرى كلية ينافي- لاشتماله على الحصر- اعتبار الدخول في الغير على نحو الإطلاق، إذ حينئذ يكون في البين واسطة، و هو ما إذا كان الشك بعد التجاوز و قبل الدخول في الغير، فلا بد من حمل اعتبار الدخول في الغير على ما إذا توقف صدق التجاوز على ذلك.

و ثالثا: الغير مطلق لم يقيد بكونه غيرا مترتبا على المشكوك، فيعم حتى مثل السكوت و التكلم أو السكون و الحركة من الأكوان الأربعة التي لا يخلو عنها إنسان، و من الظاهر ان الدخول في مثل ذلك ملازم لتحقق عنوان المضي، فان المصلي بمجرد ان سلم دخل فيها لا محالة. و الدخول في الغير بهذا المعنى مما لا بد منه، و هو خارج عن محل الكلام.

و رابعا: على فرض التنزل عن جميع ذلك، فالرواية انما اعتبرت الدخول في الغير في جريان قاعدة الفراغ في خصوص الوضوء، و بينت كبرى كلية بعد ذلك من غير تقييد، و لعل للوضوء خصوصية لا يتحقق المضي عنه أحيانا إلاّ بذلك، بخلاف غيره كالصلاة مثلا، فانه بمجرد التسليم فيها يصدق المضي عليها، و أن‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 289‌

الشك في شي‌ء من اجزائها أو شرائطها شك بعد المضي.

فتحصل: انّه ليس لإطلاق دليل الفراغ أو عمومه مقيد. امّا موثقة ابن أبي يعفور، فلما عرفت من ان ذيلها قرينة على عدم اعتبار الدخول في الغير إلاّ فيما إذا توقف صدق التجاوز عليه.

و بهذا ظهر عدم صلاحية صحيحة زرارة أيضا لتقييد الإطلاقات، و هي ما ورد فيمن شك في غسل يديه و هو على وضوئه أي مشغول به، فأمر عليه السّلام بالاعتناء بالشك، ثم ذكر عليه السّلام ما مضمونه أنه إذا فرغ من وضوئه و أتمه و دخل في الصلاة أو غيرها ثم شك فيه فلا يعتنى بشكه.

و قد يتخيل تقييد المطلقات بها، حيث صرح فيها بالدخول في الغير بعد الفراغ و إتمام الوضوء.

و فيه: ان ذكر هذا القيد ان كان للاحتراز لزم إهمال الإمام عليه السّلام لبيان حكم بعض صور الشك، و هو ما إذا كان الشك بعد الفراغ و قبل الدخول في الغير، و هو بعيد، فلا بد من ان يكون ذكره لبيان مفهوم صدر الحديث، أعني عدم الاعتناء بالشك إذا كان بعد الفراغ، أو لبيان الافراد الشائعة من موارد الشك في الصحة، أعني جريان قاعدة الفراغ، أو لأن الشك في صحة الوضوء إذا كان من جهة احتمال عدم الإتيان بالمسح الأخير لا يصدق عليه كونه فيما مضى إلاّ إذا كان بعد الدخول في الغير من الصلاة و نحوها، أو بعد فوات الموالاة بيبوسة الأعضاء مثلا، و إلاّ فهو شك فيما لم يمض.

و يؤكد ما ذكرناه من عدم اختصاص قاعدة الفراغ بما إذا كان الشك بعد الدخول في الغير ان العلة المذكورة في بعض الاخبار و هي قوله عليه السّلام «لأنّه حين ما يتوضأ أذكر منه حين ما يشك» عامة لا يفرق فيها بين كون الشك بعد الدخول في الغير أو قبله. و قد بينا انها ليست قاعدة تعبدية، و انما هي إشارة إلى أمر‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 290‌

ارتكازي، و هو أذكرية الإنسان حين اشتغاله بالعمل.

و بالجملة المدعى ان قاعدة الفراغ و التجاوز و ان أمكن ثبوتا كونهما قاعدة واحدة، إلاّ انهما بحسب مقام الإثبات قاعدتان، و يعتبر في إحداهما- و هي التجاوز- الدخول في الغير دون الأخرى لما عرفت، فلا نعيد.

بقي الكلام في أمور:

أحدها: أن عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء منصوص. و مما دل عليه نفس الصحيحة المتقدمة. و لم يستشكل في ذلك أحد. و المشهور ألحقوا به الغسل و التيمم. و الكلام في وجه الإلحاق، و يحتمل فيه أحد وجهين:

الأول: ما بنى عليه الميرزا من اختصاص دليل قاعدة التجاوز بالصلاة، و ان مفادها جعل صغرى تعبدية لقاعدة الفراغ كما تقدم تفصيله. و عليه لا تجري في غير الصلاة من الغسل و التيمم و غيرهما.

و قد عرفت فساده، و ان المذكور في الصحيحة و موثقة جابر كبرى كلية، و قد طبقها الإمام عليه السّلام على مورد السؤال فيهما، و هي أجزاء الصلاة من غير أن يكون لها خصوصية.

الثاني «1»: ما ذكره الشيخ من ان الوجه في عدم جريان القاعدة في الوضوء انّ الوضوء و إن كان مركبا من الغسلات و المسحات، إلاّ ان الشارع اعتبرها امرا واحدا، سماها بالطهارة، فكأنه أمر بسيط لا يعقل فيه الشك في الاجزاء بعد التجاوز عنها.

و فيه: انّه ان أراد ان المأمور به عنوان بسيط متحصل من الغسلات و المسحات كما هو ظاهر الكلام، فيرد عليه:

______________________________
(1) فرائد الأصول: 2- 713 (ط. جامعة المدرسين).

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 291‌

أولا: أنه مناف لظاهر الآية، و هي قوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ) «1» و الروايات الظاهرة في حمل الآثار كالطهور و النور على نفس الأفعال، كقوله عليه السّلام «الوضوء نور أو طهور» «2».

و ثانيا: نفرض صحة ذلك، إلاّ ان الأفعال الخارجية لا ريب في كونها مقدمة شرعية لذاك الأمر البسيط، فتكون مأمورا بها شرعا بالأمر المقدمي، و ليست كالمقدمات العقلية، فتجري فيها قاعدة التجاوز، لعدم اختصاصها بما هو مأمور به بالأمر النفسيّ، فلا دليل على إلحاق التيمم و الغسل بالوضوء. و صاحب الجواهر قدّس سرّه على ما ببالي ناقش في الإلحاق أيضا.

فالصحيح: جريان التجاوز فيهما، فإذا شك في الجزء السابق من الغسل أو التيمم بعد الدخول في اللاحق جرت فيه قاعدة التجاوز.

و قد ظهر مما بيناه ان الغسل و التيمم تجري فيهما قاعدة التجاوز، لما عرفت من انّ القول بعدم جريان قاعدة التجاوز فيهما يبتني على أحد أمرين، لا يتم شي‌ء منهما. و عرفت أيضا ان دليلها عام غير مختص بباب الصلاة، إلاّ أنه خصص في باب الوضوء للنص دون غيره. فإذا شك في جزء من اجزاء أحدهما بعد الدخول في الجزء الآخر كان الشك ملغى، و لا يعتنى به.

نعم لا يبعد القول بأن غسل الطرفين في الغسل ليس بينهما ترتب شرعا، بل هما جزء واحد. و عليه إذا شك في غسل الجانب الأيمن بعد الدخول في غسل الجانب الأيسر كان الشك في المحل، لا بعد تجاوزه.

و أما الوضوء فقاعدة التجاوز غير جارية فيه، فإذا شك في الإتيان ببعض أجزائه بعد الدخول في الجزء الآخر لا بد من الاعتناء به، كما صرح بذلك في‌

______________________________
(1) المائدة: 6.

(2) وسائل الشيعة: 1- باب 8 من أبواب الوضوء، ح 8.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 292‌

صحيحة زرارة.

و أما إذا شك في صحة بعض اجزائه بعد التجاوز عنه جرت فيه قاعدة الفراغ، لما عرفت من ان عموم دليلها يقتضي جريانها عند الشك في صحة الأجزاء أيضا. إلاّ إذا شك في صحة غسل الوجه أو اليدين، من جهة الشك في أنه غسله بالماء المطلق أو بغيره، فانه لا تجري فيه قاعدة الفراغ، لا لقصور في دليلها، بل لصحيحة زرارة، حيث صرح فيها بلزوم الاعتناء بالشك فيما سماه اللّه إذا كان في الأثناء، و الغسل بالماء المطلق مما سماه اللّه بقوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ) «1» فانه ظاهر في وجوب الغسل بالماء، فهو مما سماه سبحانه في كتابه، فالشك فيه مما يعتنى به. و هذا بخلاف ما إذا شك من غير جهة الغسل بالماء، كما إذا شك في صحة غسل اليدين، لاحتمال كونه منكوسا، فتجري فيه قاعدة الفراغ، لعدم كون هذا الشرط مما سماه اللّه تعالى في كتابه، فان قوله سبحانه (إِلَى الْمَرٰافِقِ) قيد للمغسول لا غاية للغسل، و انما نعتبر الغسل من الأعلى إلى الأسفل للروايات الدالة عليه. و لو كان القيد غاية للغسل لزم طرح الروايات، لمخالفتها للكتاب. و هكذا قوله سبحانه (وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) «2» فان القيد غاية للممسوح لا للمسح، و لذا ذهب المشهور إلى جواز المسح من الكعب إلى الأصابع.

و بالجملة الشك في صحة جزء من اجزاء الوضوء إذا لم يكن مما سماه اللّه تعالى يكون موردا لقاعدة الفراغ.

و قد يناقش في ذلك لموثقة ابن أبي يعفور، حيث يظهر منها عدم الاعتناء بالشك في صحة أجزاء الوضوء إذا لم يكن بعد الدخول في غير الوضوء و الفراغ عنه.

______________________________
(1) المائدة: 6.

(2) المائدة: 6.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 293‌

و فيه: أولا: انّه مجمل، لاحتمال رجوع الضمير في غيره إلى المشكوك، لا الوضوء، و عليه فيكون بيانا لصدق التجاوز عن المشكوك.

و ثانيا: ان تلك الرواية ليس لها إطلاق من هذه الجهة، أي من جهة المفهوم، لعدم كونها في مقام البيان منها، بل هي في مقام بيان عدم الاعتناء بالشك إذا كان بعد الفراغ، و أما إذا كان في الأثناء فلا بد من الاعتناء به مطلقا.

و ثالثا: على تقدير التنزل تقع المعارضة بين إطلاقها و عمومات دليل قاعدة الفراغ بالعموم من وجه، و قد بينا في محله تقدم العام على المطلق عند المعارضة إذا كانت بالعموم من وجه.

الأمر الثاني: انّه على فرض تسليم عدم جريان التجاوز في الغسل و التيمم، لا ريب في عدم الاعتناء بالشك، لقاعدة الفراغ، إذا شك في صحة جزء بعد المضي عنه من جهة احتمال الإخلال بشرط الجزء أو جزء الجزء. و هكذا في الوضوء، من غير فرق بين الجزء الأخير منها و الاجزاء السابقة، فإذا علم المتوضئ بأصل غسل يديه، و شك في صحته، لاحتمال انه غسلهما منكوسا، لا يعتني بشكه، و هكذا إذا شك في صحة المسح بعد إحراز أصله بنى على صحته.

الجهة الرابعة: في بيان الفرق بين قاعدتي التجاوز و الفراغ، و ما يعتبر فيهما أو في إحداهما.

قد عرفت ان قاعدة الفراغ انما تجري عند الشك في صحة العمل بعد تحققه.

و قاعدة التجاوز انما تجري عند الشك في أصل وجوده، و يعتبر فيها الدخول في الغير نصا و قاعدة، بخلاف قاعدة الفراغ، لصدق مضي العمل في موردها بدون الدخول في الغير. و توهم اعتباره فيها لصحيحة زرارة قد عرفت فساده.

فلا بد من التكلم في ما يعتبر في الغير الّذي يلزم الدخول فيه في صدق عنوان التجاوز.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 294‌

و يقع الكلام أولا فيما إذا شك في الجزء الأخير من العمل، كالتسليم في الصلاة، و صورة ثلاثة. فانه تارة: يكون الشك في التسليم قبل الدخول في عمل أصلا، كما إذا اعتقد أنه سلم ثم تبدل اعتقاده بالشك فيه، أو بعد الدخول في عمل مباح، أو مستحب غير مترتب عليه، كالاشتغال بالكتابة أو قضاء حوائج الإخوان أو نحوه. و أخرى: يكون الشك فيه بعد الدخول في التعقيب و نحوه مما هو مترتب عليه شرعا. و ثالثة: يكون بعد الإتيان بالمنافي، و لو مثل السكوت الطويل.

أما في الصورة الأولى: فلا بد من الإتيان بالتسليم، لعدم صدق المضي، و لا التجاوز عنه، لاحتمال كونه في الصلاة، و عدم فوات محل التسليم.

و قد ذهب الميرزا إلى صدق كلا العنوانين. أما المضي، فلأنه يصدق عند مضي معظم الأجزاء، و المفروض تحققه في الفرض. و أما التجاوز، فلأنه اكتفى في صدقه بالدخول في مطلق الغير و لو لم يكن مترتبا، و هو متحقق أيضا.

و فيه: ان التجاوز عن ما شك في وجوده لا يكون إلاّ بعد التجاوز عن محله، و المفروض عدم فوات محل التسليم. و المضي عن المركب لا يكون إلاّ بمضي جميع اجزائه، و في الفرض يحتمل بقاء بعضها.

نعم بناء على ما ذكره بعضهم من ان المراد بالمضي هو المضي الاعتقادي، و إلاّ لم يمكن إحراز المضي الحقيقي مع الشك في الإتيان ببعض ما يعتبر فيه في مورده أصلا. يمكن دعوى مضيه في المقام، إلاّ أنه في نفسه غير تام، فان ظاهر المضي هو المضي الحقيقي، غايته أعم من المضي صحيحا أو فاسدا، كما يستفاد العموم من نفس الأدلة، حيث أطلق فيها المضي مع فرض الشك في الصحة و احتمال الفساد، فلا بد و ان يكون المضي أعم من الفاسد و الصحيح. فلا يصدق عنوان المضي في محل الكلام، كما لا يصدق التجاوز أيضا.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 295‌

و أما الصورة الثانية «1»: فكذلك لا يصدق فيها التجاوز و لا المضي.

و لكن الميرزا ذهب فيها إلى صدق التجاوز عن التسليم. و ذكر ان الفقيه يشرف على القطع بأن لواحق الصلاة بمنزلة «2» اجزائها، لما ورد في مقدمات الصلاة كالأذان و الإقامة، و أن الشك في الأذان بعد الدخول في الإقامة لا يعتنى به.

و فيه: ما لا يخفى، فان صدق التجاوز عن الشي‌ء بالدخول في غيره انما يكون فيما إذا اعتبر تقدمه عليه و لو استحبابا، كما في الأذان و الإقامة، فان الأذان الوارد اعتبر فيه التقدم على الإقامة، فيصدق التجاوز عنه بعد الشروع في الإقامة على ما في الرواية على القاعدة. و هذا بخلاف التسليم، حيث لم يعتبر فيه التقدم على التعقيب كتسبيحة الزهراء عليها السّلام و ان اعتبر فيها التأخر استحبابا. فالتسليم و التعقيب من هذه الجهة نظير صلاة الظهر و العصر، فان قوله عليه السّلام «إلاّ ان هذه قبل هذه» «3» تعبير عن الملزوم بلازمه، أي كناية عن تأخر العصر عن الظهر، لا تقدمه على العصر. فلا يقاس التسليم و التعقيب بالأذان و الإقامة، فليس الدخول في التعقيب إلاّ مثل الدخول في أمر مباح أو مستحب أجنبي عن الصلاة، و لذا لو شك في أصل الصلاة بعد الدخول في التعقيب يجب الاعتناء به بلا خلاف، لبقاء الوقت، و لم يتوهم فيه أحد جريان قاعدة الفراغ.

نعم في الصورة الثالثة يصدق المضي إذا كان المنافي منافيا و لو سهوا. و أما المنافي العمدي، فلا أثر فيه لقاعدة الفراغ من حيث صحة الصلاة، فانها صحيحة و لو لم تجر القاعدة. و انما يترتب عليها الأثر من حيث الإتيان بالتسليم و سجدتي السهو. و هذا بخلاف ما إذا كان الشك بعد الإتيان بالمنافي و لو سهوا، فانه يوجب‌

______________________________
(1) أجود التقريرات: 2- 472.

(2) نفس المصدر: صفحة 467.

(3) وسائل الشيعة: 3- باب 4 من أبواب المواقيت، ح 20.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 296‌

البطلان لو لم تجر القاعدة.

و الحاصل: أن عنوان المضي الحقيقي الّذي هو مورد قاعدة الفراغ انما هو بمضي المشكوك فيه، الأعم من الصحيح و الفاسد، بحيث لو أريد إحراز صحته لم يمكن ذلك إلاّ بتكرار أصل العمل. كما ان عنوان التجاوز عن محل المشكوك وجوده، الّذي هو مورد قاعدة الفراغ، لا يتحقق إلاّ إذا كان للمشكوك فيه محل شرعي أخذ فيه التقدم على ما دخل فيه، كالأذان و الإقامة، حيث ان الأذان الموجب لحصول المزية الخاصة في الصلاة أخذ فيه السبق على الإقامة، و بدونه لا يحصل للصلاة تلك المزية. و كذا في اجزاء الصلاة حيث أنها ارتباطية قد أخذ في كل منها ملحوقيته ببقية الاجزاء المتأخرة عنه.

و عليه فلا يصدق شي‌ء من العنوانين فيما إذا شك في التسليم بعد الدخول في التعقيب، أو فيما هو مناف مع الصلاة لكن عمدا لا سهوا. أما عدم تحقق المضي، فلأنه ان يكون في أثناء الصلاة، إذ التعقيب لا ينافيهما، و كذا المنافي السهوي على الفرض، فيمكنه إحراز الصحة من دون استلزامه التكرار بالإتيان بالتسليم. و أما عدم صدق التجاوز، فلعدم اعتبار تقدم التسليم على التعقيب، و ان اعتبر تأخره عنها كما هو واضح، فلا بد من الاعتناء بالشك إلاّ إذا كان بعد الإتيان بالمنافي العمدي و السهوي، كالحدث و الاستدبار و نحوه، فان عنوان التجاوز حينئذ و لو لم يكن صادقا إلاّ ان المضي صادق، حيث انه خارج عن الصلاة قطعا، و لا يمكنه إحراز صحتها إلاّ بالتكرار، فتجري قاعدة الفراغ. هذا كله في التسليم في الصلاة.

و أما الوضوء إذا شك في الجزء الأخير منه، فان كان بعد زوال الرطوبة عن الأعضاء، فالمضي متحقق تجري فيه قاعدة الفراغ. و إلاّ فمقتضى القاعدة هو الاعتناء بالشك، و الإتيان بالمشكوك فيه حتى إذا كان الشك بعد الدخول في الصلاة، لعدم صدق شي‌ء من العنوانين. إلاّ ان النص دل على الاعتناء بالشك في‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 297‌

اجزاء الوضوء إذا كان المكلف حين الشك على وضوئه، و عدم الاعتناء به إذا لم يكن حين الشك قاعدا على وضوئه، و بإطلاقه يعم الشك في الجزء الأخير من اجزاء الوضوء أيضا.

و أما الغسل، فلا بد من الاعتناء بالشك في الإتيان بجزئه الأخير مطلقا حتى إذا كان الشك بعد الشروع في الصلاة، لعدم اعتبار الموالاة فيه، فلا يصدق عليه المضي، و لا التجاوز، كما لم يرد فيه نصّ.

و بالجملة عنوان التجاوز عن محل المشكوك فيه لا يتحقق إلاّ فيما إذا كان له محل سابق على الجزء المتأخر عنه، و لم يؤخذ في الغسل. سبقه على الصلاة، و ان اعتبر في الصلاة التأخر عن الغسل.

هذا كله في الجزء الأخير.

و أما الشك في بقية الاجزاء فله صور، لأنه قد يشك في الجزء بعد الدخول في جزء مستقل آخر. و قد يشك في جزء بعد الدخول في جزء آخر غير مستقل، أي في جزء الجزء. و هو قد يكون مستقلا في نفسه، كما إذا شك في جملة بعد الدخول في جملة أخرى. و قد لا يكون مستقلا في نفسه أيضا، كما إذا شك في حرف من كلمة واحدة بعد الدخول في حرف آخر، أو شك في المبتداء بعد الدخول في الخبر في جملة واحدة. كما أنه قد يشك في الجزء بعد الدخول في جزء استحبابي كالقنوت، و قد يشك فيه بعد الدخول في مقدمة جزء آخر.

و بالجملة هل يعتبر في الدخول في الغير أن يكون جزء مستقلا واجبا، أو يكفي فيه الدخول في الجزء المستقل حتى إذا كان من جملة واحدة، أو يكفي الدخول في الجزء الاستحبابي، أو يكفي الدخول في مقدمة الجزء الآخر؟.

لا ينبغي الريب في ان المتيقن من مورد الروايات انما هو الدخول في الجزء المستقل من الأمور المذكورة فيها، كالشك في التكبيرة بعد ما ركع و هكذا. كما‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 298‌

يلحق بالأمور المذكورة فيها التشهد، لأنه أيضا جزء مستقل، فتعمه الاخبار، و لو كانت الأمثلة للتحديد، بداهة عدم خصوصية لها من بين الاجزاء المستقلة، و انما ذكر فيها الشك في السجود بعد ما قام، و لم يذكر الشك فيه بعد ما تشهد، لأنّ فرض كلام الراوي كان في الركعة الأولى، و لا تشهد فيها.

كما لا ينبغي الشك أيضا في ان السورة جزء مستقل في مقابل الفاتحة، كل منهما ثابت بدليل خاص، فاعتبار الحمد ثابت بقوله عليه السّلام «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» «1» و اعتبار السورة انما هو بما دل على وجوب الإتيان بسورة تامة بعد الحمد. فعنوان القراءة و إن كان يعمهما، إلاّ انهما جزءان مستقلان، فالشك في الحمد بعد الدخول في السورة مورد للرواية.

و انما الكلام في شمولها لما إذا شك في شي‌ء بعد الدخول في جزء آخر غير مستقل.

و قد ذهب الميرزا إلى عدم شمول الرواية له، لما بني عليه من ان المجعول الشرعي ليس إلاّ قاعدة واحدة، و هي قاعدة الفراغ، و لم يجعل قاعدة أخرى للشك في الأثناء، و انما الحق الشارع بالحكومة الشك في اجزاء الصلاة في الأثناء بالشك في الصحة بعد العمل، و لا بد فيه من الاقتصار على المتيقن من مورد الرواية، و هو ما إذا كان الشك في الجزء بعد الدخول في جزء آخر مستقل «2».

و فيه: مضافا إلى ضعف المبنى على ما تقدم، ان جواب الإمام عليه السّلام في الرواية كبرى كلية، و هي قوله عليه السّلام، «يا زرارة إذا شككت في شي‌ء و دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» و ليس عنوانه إلاّ الدخول في الغير، الّذي هو صادق عرفا‌

______________________________
(1) مستدرك الوسائل: ج 4 باب 1 من أبواب القراءة في الصلاة ح 5 و 8 ص 158.

(2) أجود التقريرات: 2- 473- 475.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 299‌

عند الشك في جزء بعد الدخول في جزء آخر غير مستقل، و لا عبرة بما أخذ في كلام السائل.

نعم فيما إذا شك في الحرف الأول من كلمة واحدة بعد الدخول في الحرف الآخر و ان كان العنوان صادقا بالدقة، إلاّ انه غير صادق عرفا، و الميزان انما هو بالصدق العرفي، فلا تعمه الكبرى المذكورة في كلام الإمام عليه السّلام. و هكذا في جملة واحدة. و أما في غير ذلك فعنوان التجاوز صادق عرفا، فيعمه الدليل.

و أما إذا كان الشك بعد الدخول في الغير المستحب، أو فيما هو مقدمة لجزء آخر، كالهوي أو النهوض. أما الدخول في الجزء المستحب كالقنوت، فالمعروف أنه موجب لصدق عنوان التجاوز، بل لم نعثر على مخالف في ذلك. إلاّ أنه قابل للمناقشة، و ذلك لأن الجزء المستحب لعمل واجب لا معنى له إلاّ أن الواجب ظرف للمستحب، و أما الاستحباب و الجزئية للواجب حقيقة فهما متنافيان، فلا يراد بالجزء الاستحبابي إلاّ ما ذكرناه، لما بيناه في بحث الأقل و الأكثر، و بحث اجتماع الأمر و النهي، من ان الخصوصيات التي يمكن تقيد الواجب بها لا بد و ان يكون الواجب مقيدا بوجودها، فيكون شرطا، أو بعدمها فيكون مانعا، أو يكون مطلقا و لا شرط بالإضافة إليها. و القسم الثالث منها ربما لا تكون راجحة في نفسها، و لا توجب انضمامها إلى الواجب مزية و لا نقصانا و حزازة فيه. كما قد توجب المزية فيه كالصلاة في المسجد. و ربما توجب الحزازة و ان لم تكن في نفسها مرجوحة، كالصلاة في الحمام، فان الكون هناك و ان لم يكن مرجوحا في نفسه، إلاّ أنه غير مناسب لأن يتحقق في ضمنه ما هو معراج المؤمن، فيوجب حزازة فيها من دون أن يكون الواجب مقيدا بشي‌ء من ذلك وجودا ليكون شرطا، أو عدما ليكون مانعا. بل مع عدم دخل شي‌ء من تلك الخصوصيات في الواجب، منها ما لا يوجب تخصص الواجب مزية فيه و لا منقصة. و منها ما يوجب المزية. و منها‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 300‌

ما يوجب المنقصة.

و هذا الّذي ذكرناه في القيود يجري في الأمور المستقلة أيضا كالقنوت، فان انضمام الواجب ببعضها قد يوجب مزية في الواجب، كما قد يوجب منقصة فيه، و ربما لا يوجب شيئا من الأمرين. هذا من دون ان يكون لها دخل في الواجب، أو يكون جزء له أصلا، فالجزء المستحب ليس إلاّ كالشرط المستحب مما يوجب انضمامه إلى الواجب مزية فيه من دون ان يكون دخيلا فيه.

و على هذا ليس الدخول في الجزء المستحب محققا لعنوان التجاوز، لما عرفت من أن المراد بالتجاوز هو التجاوز عن محل المشكوك، إذ لا معنى لتجاوزه بنفسه مع فرض الشك في أصل وجوده، و هو انما يكون فيما إذا كان السبق في المشكوك فيه على ما دخل فيه معتبرا. و ذكرنا ان الجزء المستحب ليس جزء حقيقة ليكون سبق الاجزاء السابقة عليه معتبرا فيها، و لم يتقيد المشكوك فيه بالتقدم على ذاك الأمر المستحب.

نعم القنوت اعتبر تأخره على القراءة المشكوك فيها على الفرض إلاّ أنه لا يكفي في صدق التجاوز كما تقدم.

و مما ذكرنا ظهر الحال فيما إذا شك في تكبيرة الإحرام بعد الدخول في الاستعاذة، فانه لا بد من الاعتناء به. و يترتب على ما ذكرنا ثمر مهم في فروع العلم الإجمالي.

و أما الدخول في مقدمات الجزء الآخر، فالأقوال في تحقق التجاوز به ثلاثة. ثالثها ما ذهب إليه صاحب المدارك من التفصيل بينما إذا شك في الركوع بعد الهوي إلى السجود فلا يعتني بالشك، و بين ما إذا شك في السجود بعد ما نهض للقيام فلا بد من الاعتناء به.

و أورد عليه في الحدائق بأنه من الجمع بين متناقضين، فان الدخول في‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 301‌

مقدمة الجزء الآخر ان كان محققا للتجاوز لزم إلغاء الشك في الموردين، و إلاّ لزم الاعتناء به كذلك.

و فيه ما لا يخفى، فان المقام ليس من قبيل الأحكام و الملازمات العقلية التي لا تقبل التخصيص. و قد استظهر صاحب المدارك هذا التفصيل من روايتين واردتين في المقام:

إحداهما: صحيحة زرارة الواردة في من شك في السجود بعد ما نهض و قبل ان يستوي قائما من أنه يسجد.

و الثانية: رواية عبد الرحمن فيمن شك في الركوع بعد ما أهوى إلى السجود، فقال عليه السّلام «قد ركع» و استفاد من الثانية إلغاء الشك في الركوع بعد الشروع في الهوي. فمناقشة الحدائق بلا وجه، خصوصا على مسلكه قدّس سرّه.

و لكن الصحيح هو الاعتناء بالشك في كلا الموردين. أما على القاعدة فواضح، لأن مقدمات الاجزاء ليست بمأمور بها، لخلو الأخبار الواردة في بيان الأجزاء عنها. بل يستحيل ذلك، لأنها مما لا بد منها، كالهوي و النهوض، لاستحالة الطفرة أو عجزنا عنها، و معها كيف يعقل تعلق الأمر بها شرعا، فليس لها محل شرعي فضلا عن اعتبار تقدم الجزء السابق عليها، فلا يتحقق بها عنوان التجاوز أصلا.

و هكذا بملاحظة الرواية أعني رواية عبد الرحمن «1». لا لما ذكره الميرزا قدّس سرّه من ان رواية عبد الرحمن مطلقة «2»، لأن قوله «أهوى إلى السجود» مطلق يعم فرض الوصول إلى السجود و عدمه، فيقيد إطلاقه برواية إسماعيل بن جابر، فان قوله فيها «ان شك في الركوع بعد ما سجد أو في السجود بعد ما قام» يدل على‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: 4- باب 13 من أبواب الركوع، ح 6.

(2) أجود التقريرات: 2- 474.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 302‌

الاعتناء بالشك في ما إذا شك في الركوع و لم يدخل بعد في السجود.

فانه فاسد، و ذلك لعدم ثبوت المفهوم لهذه الرواية، و هي غير قابلة للتقييد، لأنّ الجملة الشرطية فيها مسوغة لبيان الموضوع، فان الرواية لو كانت هكذا، إن كان شكه في الركوع بعد ما سجد لا يعتني به، لكان لثبوت المفهوم وجه، إلاّ انها ليست كذلك، بل الموضوع فيها إذا شك في الركوع بعد ما سجد، و مفهومه عدم تحقق الشك في الركوع بعد ما سجد. و هذا نظير ما ذكرناه في آية النبأ على ما تقدم تفصيله، فمفهوم الشرط غير ثابت فيها. نعم مفهوم الوصف موجود، إلاّ انه غير معتبر.

بل لعدم ثبوت الإطلاق لرواية عبد الرحمن بالإضافة إلى ما قبل الوصول إلى السجود، حيث عبر فيها عن الهوي بصيغة الماضي، فانها هكذا «أهوى إلى السجود و شك في الركوع» و من الظاهر ان صيغة الماضي للتحقيق و المضي، و تحقق الهوي و مضيه لا يكون إلاّ بالوصول إلى السجود، فلا يقال: أهوى إلى السجود إلاّ بعد وصوله إليه. و إذا كان الشك في حال الهوي يعبر بصيغة المضارع، فيقال:

يهوي إلى السجود، و يشك في الركوع.

و بالجملة ظاهر قوله عليه السّلام «أهوى إلى السجود و شك في الركوع» ان الشك كان بعد الهوي و تحققه، و هو لا يكون إلاّ بالدخول في السجود، و هذا بخلاف ما إذا كان التعبير بصيغة المضارع، بأن كان هكذا «يهوي إلى السجود و شك» فانه ظاهر في كون الشك في حال الهوي.

و مع التنزل فلا أقل من الإجمال، فلا ينعقد للرواية إطلاق لما إذا كان الشك في حال الهوي ليتمسك به صاحب المدارك للتفصيل بين الهوي و النهوض.

ثم في المقام فرع لا بأس بالتعرض له. و هو أنه إذا قام المصلي عن الهوي فشك في أنه هل وصل في انحنائه إلى حد الركوع، أو لم يركع، هل يكون شكه‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 303‌

ملغى أولا؟ ذكر في الحدائق انه لا بد فيه من الاعتناء بالشك نصا و فتوى.

و الظاهر ان نظره إلى رواية عمرو الحلبي و غيرها مما ورد في الاعتناء بالشك في الركوع في حال القيام.

و لكن الصحيح ان الشك فيه ملغى، لصدق التجاوز فيه، إذ المفروض ان القيام الّذي هو فيه قيام بعد الهوي، و من الظاهر ان الركوع مقيد بالسبق عليه، فيصدق عنوان التجاوز فيه، و يكون موردا لتلك القاعدة. هذا مضافا إلى ان رواية فضيل بن يسار مصرحة بإلغاء الشك في الفرض، فانه ذكر فيها ان الرّجل يستتم قيامه فيشك في انه ركع أو لم يركع، فحكم عليه السّلام بأنه يركع، فيكفي النص الخاصّ على إلغاء الشك في المقام مع ما عرفت من شمول الإطلاقات له أيضا.

و أما ما ورد في النصوص و الفتاوى من الاعتناء بالشك في الركوع في حال القيام فهو فيما إذا كان المصلي قائما و شك في انه ركع أم لا، و لم يعلم بكون قيامه قيام بعد الهوي إلى الركوع أو قبله و هو القيام المتصل بالقراءة. و في الظاهر عدم تحقق عنوان التجاوز فيه، فيكون الشك شكا في المحل، لا بد من الاعتناء به. و هذا بخلاف ما إذا علم بأن القيام الّذي هو فيه قيام بعد الهوي إلى الركوع، فانه محقق لعنوان التجاوز، فيكون موردا لقاعدته.

الجهة الخامسة: الأخبار الواردة في المقام هل هي مختصة بما إذا كانت الغفلة محتملة، أو تعم ما إذا كانت الغفلة متيقنة؟

و بعبارة أخرى: القاعدة مختصة بما إذا احتمل الفاعل كونه اذكر حين الامتثال، أو تعم ما إذا كان عالما بكونه غافلا حين العمل و كانت الصحة لمجرد احتمال المصادفة الواقعية؟ كما إذا كان المتوضئ بيده محبس، و علم بعد الوضوء بأنه لم يحركه حين غسل اليد لغفلته عن ذلك، و لكن احتمل وصول الماء تحته‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 304‌

لكثرة الماء مثلا. أو علم بعد الغسل بوجود حاجب في بدنه و انه كان غافلا عنه حين الغسل، و لكنه احتمل وصول الماء تحته، أو زواله حين الغسل اتفاقا. ذهب جمع- منهم الميرزا- إلى جريان القاعدة في كلا الفرضين، تمسكا بإطلاق الأدلة.

و لكن الصحيح: اختصاصها بصورة احتمال الذّكر حين الامتثال، و عدم جريانها عند القطع بالغفلة.

أولا: لقصور الإطلاقات عن الشمول لفرض اليقين بالغفلة، لما ذكرنا من ان مفادها ليس حكما تعبديا، بل المستفاد منها كون القاعدة أمارة نوعية على تمامية العمل، لأن احتمال الإخلال العمدي مفروض العدم، و احتمال الإخلال عن سهو أو غفلة ساقط، لأن المشغول بالعمل نوعا يكون حين اشتغاله به أذكر للخصوصيات المعتبرة فيه، ثم بعد الفراغ قد يشك في ذلك و يغفل عنها، فيكون احتمال الغفلة ساقطا من جهة الظن النوعيّ. و عليه فلا تعم موارد اليقين بالغفلة، بل تختص بموارد احتمالها.

و ثانيا: ان العلة المذكورة في رواية الوضوء و هي قوله عليه السّلام «هو حين يتوضأ اذكر» «1» و في ما ورد في عدد الركعات من أنه حين ما ينصرف أي يسلم أقرب إلى الحق تكون قابلة لتقييد الإطلاقات على فرض تحققها. و ظهور الجملتين عرفا في العلية التي يدور مدارها الحكم غير قابل للإنكار.

و ما ذكره الميرزا من ان هذه الجملة حكمة، و ليست بعلة، فلا تكون مطردة «2»، و قد بنى ذلك على ما ذكره في الفرق بين العلة و الحكم في بحث اللباس المشكوك، غير تام، لعدم تمامية ذاك المبنى على ما بيناه في محله، بل الميزان في العلية‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: 1- باب 42 من أبواب الوضوء، ح 7.

(2) أجود التقريرات: 2- 481.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 305‌

و عدمها بظهور اللفظ عرفا. و ظهور الجملتين في العلية غير قابل للإنكار، فتقيد بهما الإطلاقات.

ثم انه قد يستدل على إلغاء الشك بعد الفراغ مع العلم بالغفلة بما رواه في الوسائل في باب الوضوء مسندا، و روى في غيره مرسلا عن الصادق عليه السّلام ما مضمونه أنه سئل عمن في يده محبس فيغتسل أو يتوضأ فأمر عليه السّلام بأنه يحوله في الغسل و يديره في الوضوء و إذا نسيه حتى صلّى فلا آمره بالإعادة «1». فيتوهم دلالتها على إلغاء الشك في صحة الوضوء و الغسل لمجرد احتمال وصول الماء إلى المحل في نفسه مع اليقين بالنسيان عن تحويل المحبس أو إدارته و إيصال الماء تحته.

و لكن الظاهر عدم دلالته على ذلك. بل هذا الفرض داخل تحت ما ورد من لزوم الاستبان بوصول الماء إلى البشرة و لو بالإعادة. و ذلك لأن ظاهر الرواية على ما يستفاد من تخصيص التحويل بالغسل و الإدارة بالوضوء انهما أمران معتبران في الغسل و الوضوء، و إلاّ لم يكن وجه للاختصاص، لإمكان إيصال الماء إلى البشرة بالعكس أو بغير ذلك. و لكن يعلم من نفس الرواية و من الخارج بعدم وجوب ذلك، فيحمل على الاستحباب، فيكون تحويل المحبس للمغتسل، و إدارته للمتوضئ مستحبا.

و عليه فعدم وجوب الإعادة إذا نسي ذلك حتى صلى لا يكون من جهة جريان قاعدة الفراغ مع العلم بالغفلة، بل لا ربط له بالقاعدة أصلا، فمورد الشك في وصول الماء إلى البشرة مع اليقين بنسيان تحويل المحبس الّذي هو مانع عن وصول الماء لضيقه داخل تحت ما دل على الإعادة حتى يستيقن بوصول الماء.

ثم ان صور الشك في صحة العمل ثلاثة. لأن الشك فيها قد يكون من جهة‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: 1- باب 41 من أبواب الوضوء، ح 3.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 306‌

الشك في تحقق الأمر الّذي هو فعل المولى. و قد يكون من جهة الشك في انطباق المأمور به على المأتي به بعد العلم بأصل الأمر و بما تعلق به.

و بعبارة أخرى: صحة العمل في الخارج متقوم بأمرين:

أحدهما: ثبوت الأمر الّذي هو فعل المولى.

ثانيهما: انطباق ما تعلق به على المأتي به فالشك في الصحة، تارة: يكون من الناحية الأولى، أي ناشئا من فعل المولى مع إحراز ما أتى به خارجا، كما إذا اغتسل من اعتقد الجنابة ثم شك في صحة غسله من جهة الشك في انه كان مأمورا به أي كان جنبا أولا. و أخرى: يكون الشك في الصحة ناشئا من الناحية الثانية، أي من جهة الشك في انطباق المأمور به على ما أتى به خارجا بعد إحراز الأمر.

ثم الشك في الانطباق قد يكون فيما يرجع إلى فعل اختياري للعبد، كما هو الغالب. و أخرى: فيما هو خارج عن تحت اختياره، و يعبر عنه بما إذا كانت صورة العمل محفوظة، كما إذا علم بأنه صلى إلى جهة خاصة، و كان حين العمل ملتفتا و تيقن بكون القبلة في تلك الجهة، أو كان الالتفات محتملا، إلاّ أنه بعد الصلاة يشك في ان الكعبة كانت في تلك الجهة المعلومة التي صلى إليها أولا؟ ففي مثل ذلك ما أتى به في الخارج معلوم، و الشك انما هو في مجرد المصادفة الواقعية و كون تلك الجهة هي القبلة. فهذه صور ثلاثة.

أما الصورة الأولى: و هي ما إذا كان الشك في الصحة من جهة الشك في الأمر، فلا ينبغي الشك في خروجها عن مورد الاخبار، فانها ناظرة إلى إصلاح فعل المكلف، لا إلى فعل المولى، و ان ما أتى به المكلف لم يكن فاسدا. و أما ان المولى أمر أو لم يأمر فالروايات أجنبية عنه.

و من هذه الصورة ما إذا صلى المكلف تام الأجزاء و الشرائط، و كانت صورة‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 307‌

الصلاة التي أتى بها محرزة، إلاّ انه شك في صحتها من جهة الشك في ثبوت الأمر، لاحتمال عدم دخول الوقت.

و أما الصورة الثانية: و هي ما إذا كان الشك في الانطباق فيما يرجع إلى اختيار المكلف، فهي القدر المتيقن من مورد الروايات.

و أما الصورة الثالثة: و هي ما إذا كان الشك في الانطباق لأمر خارج عن اختيار المكلف، فالظاهر أيضا انصراف الأخبار عنها، لما عرفت من ان مفادها ليس تعبديا، و انما هو أمارة نوعية من جهة ان الفاعل حين الاشتغال بالعمل يكون اذكر، و لا يغفل عن الإتيان بما يعتبر فيه، و من الظاهر انّ الأذكرية حين العمل أجنبية عن المصادفة الواقعية و عدمها، بداهة انها لا توجب كون الكعبة في الجهة التي صلى إليها، و انما هي أمارة بالإضافة إلى ما هو فعل اختياري للفاعل، فان أذكريته حين الاشتغال تقتضي عدم الإخلال به، و هذا واضح.

نعم قد يكون العمل بحسب الظاهر صورته محرزة، و يكون الشك فيه فيما هو خارج عن اختيار المكلف، إلاّ أنه بالدقة يرجع إلى ما هو فعل اختياري له، كما إذا علم بأنه صلى مدة بلا سورة، ثم شك في صحتها كذلك، فان صورة العمل ظاهرا محفوظة، إلاّ ان الشك في صحتها و فسادها بالدقة ناش عن أن ما أتى به من الصلاة بدون السورة هل كان فيها مستندا إلى فتوى المجتهد الّذي كان يجب عليه تقليده حتى لا تكون فاسدة، أو كان بدون استناد إليها لتكون فاسدة. و من الظاهر ان الإسناد و عدمه فعل اختياري للمكلف، فتجري في مثله قاعدة الفراغ.

و من هذا القبيل ما إذا علم المسافر بأنه صلى تماما و لكن احتمل أنه قصد الإقامة فأتم صلاته، فان هوية العمل بحسب الظاهر و لو كانت محرزة، إلاّ ان منشأ الشك ليس إلاّ قصد الإقامة، الّذي هو فعل اختياري للمصلي.

و بالجملة في الصورة الأولى لا مجال للقاعدة جزما. و في الثانية تجري‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 308‌

جزما. و في الثالثة الظاهر عدم الجريان، لانصراف الأدلة عنها، و اختصاصها بما إذا كانت الأذكرية أمارة على الصحة، و هو غير هذه الصورة.

الجهة السادسة [في جريان القاعدة عند الشك في أثناء العمل]

لا إشكال في جريان قاعدة الفراغ إذا شك في صحة العمل بعد الفراغ عنه، سواء كان منشؤه الشك في وجود بعض اجزائه، أو الشك في تحقق بعض شرائطه، لإطلاق الأدلة.

و أما قاعدة التجاوز فيما إذا شك في صحة العمل في الأثناء، فان كان منشؤه الشك في وجود الجزء السابق، فلا ريب في جريانها إذا كان محل الجزء المشكوك فيه متجاوزا بالدخول في الغير المترتب عليه شرعا على ما تقدم تفصيله.

و أما إن كان منشأ الشك الشك في تحقق شرط الجزء السابق، ففي جريان القاعدة تفصيل. و ذلك لأن الشرائط المعتبرة في العمل كالصلاة على قسمين:

أحدهما: ما يكون معتبرا في خصوص الأجزاء دون الأكوان المتخللة فيها، كالاستقرار، فانه غير معتبر في الأكوان المتخللة بين اجزاء الصلاة. و من هذا القبيل النية بكلا معنييها بمعنى قصد القربة، و بمعنى قصد عنوان العمل، فان القربة و الإضافة إلى المولى انما يعتبر في افعال الصلاة. و هكذا قصد عنوان صلاة الظهر مثلا، فان الأفعال لا بد و ان يؤتى بها بذاك العنوان، و أما الأكوان المتخللة بينها فلا يعتبر فيها شي‌ء من الأمرين.

و من هنا إذا عدل المصلي في الأثناء عن قصده، ثم بدا له الإتمام، صحت صلاته على خلاف. و لكن لا خلاف في ذلك في الوضوء إذا عدل المتوضئ عن قصده في الأثناء ثم بدا له إتمامه. نعم إذا عدل في أثناء الصوم عما نواه بطل، و لا يمكن إتمامه بعد ذلك، لأن الإمساك في كل آن جزء من الصوم، لا بد من وقوعه مع النية، فإذا لم يقع كذلك بطل، فهو خارج عن محل الكلام.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 309‌

و بالجملة الاستقرار و النية انما يعتبران في افعال الصلاة دون أكوانها.

ثانيهما: ما يكون معتبرا في العمل مستمرا من مبدئه إلى منتهاه، كالاستقبال و الطهارة.

ثم المشكوك فيه إن كان من قبيل الثاني، فان كان للشرط المزبور محل شرعي قد مضى حين الشك و تجاوز جرت فيه قاعدة التجاوز، كما في الإقامة، فانها معتبرة في الصلاة مستمرا، و لا بد أن تكون الصلاة من أولها إلى آخرها مسبوقة بالإقامة على ما هو الصحيح، و ذهب إليه جملة من المتأخرين، و لكن عين لها محل شرعي، و هو قبل الشروع في الصلاة، فإذا شك المصلي في أثناء الصلاة في أنه أتى بالإقامة أو لم يأت بها يصدق أنه تجاوز محلها و مضى، فتجري فيها القاعدة، و يكون الشك فيها ملغى.

و أما إن لم يكن للشرط المشكوك فيه محل شرعا، فان كان المكلف محرزا له في حال الشك، و كان شكه فيما مضى من الأجزاء جرت القاعدة أيضا، لصدق المضي بالإضافة إلى الأجزاء السابقة و ما اعتبر فيها، كما إذا فرضنا ان المصلي حين الشك يعلم بأنه إلى القبلة، و لكنه يشك في وقوع الاجزاء السابقة إليها. و أما إذا لم يكن محرزا للشرط حين الشك أيضا، فبالنسبة إلى الحال الفعلي لا يصدق عنوان المضي و التجاوز، بل يكون المحل باقيا، و مقتضى قاعدة الاشتغال لزوم الإحراز.

و بما ذكرناه ظهر الحال فيما إذا شك في النية، كما إذا أتى المكلف بصلاة الظهر، ثم شرع في صلاة أخرى، و في الأثناء شك في أنه نوى بالثانية أيضا صلاة الظهر لتكون فاسدة، أو نوى بها العصر لتكون صحيحة. فان كان حين الشك ناويا للعصر، و كان شكه في انه نواه في الركعة السابقة أولا، جرت فيه قاعدة التجاوز، لصدق عنوان المضي و التجاوز. و أما إذا لم يكن محرزا للنية حين الشك أيضا، فلا يصدق المضي بالقياس إلى حال الشك، فلا مجال لجريان القاعدة.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 310‌

و أما الشك في الطهارة، فان قلنا: بأنها عبارة عن نفس الأفعال، و هي الشرط في الصلاة، فيكون حالها حال الإقامة، حيث اعتبر فيها محل شرعي، فإذا شك فيها بعد تجاوزه جرت فيه قاعدة التجاوز. و أما بناء على ما ذهب إليه بعض من ان الشرط هي الطهارة المعنوية الحاصلة من تلك الأفعال، لإسناد النقض إليها في الاخبار، و لا يصح اسناده إلاّ إلى ما فيه بقاء و استمرار، و الأفعال لا تكون قابلة للبقاء، أو إذا قلنا: بأن الشرط نفس الأفعال لكن لا بوجودها الحدوثي، بل بوجودها الاستمراري و لو اعتبارا، كما هو الصحيح، فيجري فيها القسمان المتقدمان. فان كان المصلي حين الشك محرزا للطهارة و كان شكه منحصرا بما تقدم من الاجزاء، صدق عنوان التجاوز، و جرت فيه القاعدة. و إن كان شاكا في ذلك حتى حين الشك، فالمضي و التجاوز غير متحقق بالإضافة إلى حال الشك، فلا مجال لقاعدة التجاوز.

و الحاصل: إذا شك في اقتران العمل بشرطه و عدمه بعد الفراغ عنه جرت فيه قاعدة التجاوز، و حكم بصحته، إلاّ انه لا يترتب عليه الأثر بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة، كما هو واضح. و أما إذا شك في ذلك في الأثناء، ففي جريان قاعدة التجاوز و عدمه تفصيل. فإذا كان الشرط مما يعتبر في الاجزاء دون الآنات المتخللة جرت قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الأجزاء السابقة، و حكم بصحتها، فإذا أمكن إحراز الشرط بالنسبة إلى الاجزاء الاخر تم العمل و صح.

و إذا كان الشرط شرطا مستمرا معتبرا حتى في الأكوان المتخللة من العمل، فان كان من قبيل الشرط المتقدم، كالإقامة بالإضافة إلى الصلاة، و الوضوء أيضا بناء على ان يكون نفس الأفعال شرطا للصلاة، جرت فيه قاعدة التجاوز عند الشك فيه، فتصح الاجزاء السابقة، و يكفي ذلك في الإتيان بالأجزاء اللاحقة، بل الأعمال المتأخرة أيضا. و ذلك لأن نفس الشرط يكون موردا للقاعدة، لصدق‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 311‌

عنوان التجاوز و مضي المحل عليه، حيث انه مقيد بالسبق على اجزاء الصلاة، كما انها مقيدة بتقدمه عليها، لمكان الارتباطية، كما في الاجزاء بعضها مع بعض، فللشرط محل شرعي قد تجاوز على الفرض، فتجري في نفسها قاعدة التجاوز، و يحكم بتحققه، فيترتب عليه الأثر بالقياس إلى الاجزاء السابقة و اللاحقة و الأعمال الاخر المشروطة به.

و أما إن كان من قبيل الشرط المقارن، و لم يكن له محل شرعي سابق على العمل، كالطهور بناء على أن الشرط ليس نفس الأفعال، و انما هو عنوان متولد أو منتزع عنها المقارن للصلاة، فلا مجال حينئذ لقاعدة التجاوز إذا شك في تحققه في الأثناء. و ذلك لعدم صدق التجاوز على الآنات المتخللة حال الشك، و قد فرضنا اعتبار الشرط فيها أيضا.

و بهذا ظهر فساد ما أفتى به بعض من الحكم بصحة الصلاة بإجراء القاعدة في الاجزاء السابقة، و تحصيل الطهارة للأجزاء اللاحقة، فان نفس الآنات المتخللة إلى أن يتطهر ليس بمتطهر، لا تعبدا و لا وجدانا.

و قد يقال: بإمكان إجراء القاعدة على هذا الفرض أيضا، لأن الشك في الطهارة التي فرضناها شرطا مقارنا مسبب عن الشك في الإتيان بالافعال قبل الصلاة و عدمه، و السببية شرعية، و قد تجاوز محل الأفعال، فتجري فيها قاعدة التجاوز، و يترتب على ذلك صحة الاجزاء السابقة و اللاحقة.

و فيه: ان الأفعال على هذا المسلك ليست بواجبة شرعا، و لا بد من الإتيان بها قبل الصلاة عقلا، حيث ان تحصيل الشرط و هي الطهارة المقارنة لأول جزء من الصلاة لا يكون إلاّ بذلك، فليس لها محل شرعي، و لم تتقيد بالتقدم على اجزاء الصلاة شرعا ليصدق التجاوز عن محلها بالدخول في اجزاء الصلاة.

و قد يقال: ان محلها الشرعي و ان لم يتجاوز، لعدم ثبوت محل شرعي لها،

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 312‌

إلاّ ان تجاوز المحل العقلي كاف في جريان قاعدة التجاوز، لأنها ليست وظيفة عملية تعبدية، بل هي من الأمارات على ما استظهرنا من الأدلة، و التعليل فيها و عموم العلة يقتضي جريانها عند تجاوز المحل العقلي أيضا، لأن الأذكرية النوعية في المحل العقلي أيضا متحققة.

و فيه: ان القاعدة و ان كانت من الأمارات النوعية، إلاّ انها انما اعتبرت شرعا في مقام الامتثال لا مطلقا. و عموم العلة لا يقتضي التعدي إلاّ إلى ما يكون مماثلا لموردها، فالأذكرية النوعية الكاشفة عن الإتيان بالمشكوك جعلها الشارع حجة في مقام امتثال المأمور به دون غيره.

و يؤيد الاختصاص أنه لم يتوهم أحد جريان قاعدة التجاوز بتجاوز المحل العادي، كما إذا فرضنا أن أحدا كان من عادته الصلاة في أول الوقت، فشك في يوم بعد تجاوزه، أو كان معتادا بالاستنجاء بعد البول، فشك فيه بعد القيام عن البول، مع ان الأذكرية النوعية متحققة في تجاوز المحل العادي أيضا.

و الحاصل: انه إذا شك في صحة العمل بعد الفراغ عنه، لأجل احتمال الإخلال بشرط من شروطه تجري فيه قاعدة الفراغ، و يترتب عليها صحة ما أتى به دون ما لم يأت به بعد.

و أما إذا شك في ذلك في أثناء العمل، فان كان الشرط معتبرا في مجموع العمل حتى الأكوان المتخللة في البين، لا بد من الاعتناء بالشك، لعدم صدق التجاوز بالإضافة إلى حال الشك.

و إن كان الشرط لمجموع العمل. فان كان من قبيل الشرط المقارن، جرت قاعدة التجاوز في الأجزاء السابقة دون اللاحقة. و إن كان من قبيل الشرط المتقدم، و كان له محل شرعي سابق على العمل، جرت القاعدة في نفس الشرط، لصدق تجاوز محله، و ترتب عليه صحة الأجزاء السابقة و اللاحقة و الأعمال الآتية‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 313‌

أيضا، لأن الشرط على الفرض اعتبر فيه التقدم على جميع اجزاء العمل.

و قد يتخيل كون صلاة الظهر بالإضافة إلى صلاة العصر من هذا القبيل، فإذا فرضنا ان المصلي في أثناء اشتغاله بصلاة العصر شك في أنه هل أتى بالظهر أم لم يأت بها؟ جرت قاعدة التجاوز في صلاة الظهر، فلا يجب إعادتها، و صحت صلاة العصر أيضا، لأن صلاة العصر مشروطة بصلاة الظهر كاشتراط الصلاة بالغسلات و المسحات.

و فيه: أولا: ما ذكره الشيخ من ان الترتيب بين العصر و الظهر شرط ذكري لا واقعي، و ليس العصر في فرض النسيان مشروطا بأن تكون متعقبة بالظهر، و لذا لو فرضنا ان المصلي نسي الإتيان بصلاة الظهر حتى أتم العصر صحت صلاته، فامّا أن تحسب ظهرا، كما صرح به في العروة لقوله عليه السّلام «أربع مكان أربع» «1» و امّا تحسب عصرا، فيجب عليه الإتيان بالظهر بعد ذلك، فليس لصلاة الظهر محل شرعي سابق على صلاة العصر في فرض النسيان ليصدق انه تجاوز محله، بل لا يشك في صحة الصلاة حينئذ ليرجع إلى قاعدة التجاوز أو غيرها.

و ثانيا: نفرض ان الترتيب بين الصلاتين شرط واقعي، إلاّ أنك قد عرفت ان صلاة الظهر غير مشروطة بالسبق على العصر، و لذا تصح و لو لم يأت المكلف بصلاة العصر بعد ذلك عصيانا أو لموت و نحوه. بل صلاة العصر مشروط بالتعقب بالظهر، لقوله عليه السّلام «إلاّ ان هذه قبل هذه» «2» فليس لصلاة الظهر محل شرعي ليصدق مع فوته عنوان التجاوز، فمقتضى قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب لزوم الإتيان بها.

و بعبارة أخرى: في صلاة الظهر حيثيتان: حيثية وجوبها النفسيّ، و حيثية‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: 3- باب 63 من أبواب المواقيت، ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 3- باب 4 من أبواب المواقيت، ح 20.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 314‌

وجوبها الشرطي. فمن حيث وجوبها النفسيّ ليس لها محل شرعي لتجري فيه قاعدة التجاوز، فيكون مقتضى الاشتغال العقلي أو الاستصحاب البناء على عدم الإتيان بها، فلا بد من إتيانها، و معه لا يترتب أثر على إجراء قاعدة التجاوز من حيث وجوبها الشرطي.

و أما الموالاة فتارة: يتكلم في الموالاة المعتبرة بين الأجزاء المستقلة.

و أخرى: بين اجزاء كلمة واحدة. و ثالثة: بين كلمتين.

أما الموالاة المعتبرة بين الأجزاء المستقلة فلا بد و أن تكون شرعية، و لذا لا تعتبر فيما لم يعتبرها فيه الشارع كالغسل، فان كان الشك في تحققها بين الأجزاء السابقة كالركعة السابقة جرت قاعدة التجاوز فيه، و حكم بتحققها، و صحة ما تجاوز محله. و إن كان الشك فيها في غير الاجزاء السابقة فلا مجال لجريان قاعدة التجاوز. نعم يجري استصحاب عدم تحقق الفصل الطويل، و هو خارج عن محل الكلام.

و أما الموالاة المعتبرة بين أجزاء كلمة واحدة و كلمتين فهي عقلية، بل هي مقومة لتحقق الكلمة أو الكلام و استفادة المراد منها فإذا شك في تحققها لا محالة يرجع الشك إلى وجود تلك الكلمة. مثلا إذا كبر، فشك في أنه فصل بين لفظ اللّه و لفظ أكبر أم لم يفصل، بما ان الموالاة بينهما مقومة لحقيقتها كان الشك في وجود التكبيرة، و بما ان محلها باق لزم الاعتناء بالشك. نعم ان كان الشك في الموالاة بين الكلمات التي جاز محلها جرت القاعدة فيها.

و بالجملة الموالاة تارة: تكون معتبرة شرعا، كالموالاة بين الأجزاء المستقلة. و أخرى: يكون اعتبارها عقليا، كالموالاة المعتبرة بين الكلمات، أو بين اجزاء كلمة واحدة المقومة لحقيقتها. أما الموالاة الشرعية، فحالها حال سائر الشرائط ان كان الشك فيها بعد تجاوز محلها، كما إذا شك في اقتران الأجزاء السابقة‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 315‌

بها جرت فيه قاعدة التجاوز، و إلاّ فمقتضى قاعدة الاشتغال هو الاعتناء بالشك، إلاّ إذا قلنا: بأن المعتبر شرعا بين الاجزاء هو عدم الفصل الطويل، لا العنوان الوجوديّ، فانه حينئذ يجري استصحاب عدم الفصل الطويل، فيحكم بصحة الصلاة.

و أما الموالاة العقلية فالشك فيها يرجع إلى الشك في وجود المشروط، فلا مجال فيه لقاعدة الفراغ أصلا. و قاعدة التجاوز انما تجري فيما إذا شك في تحققها بين اجزاء الكلمة التي تجاوز محلها دون غيره.

و أما النية فما يكون معتبرة منها شرعا، و هي قصد القربة، فحالها حال سائر الشرائط المعتبرة شرعا، فان كان الشك فيها بعد تجاوز المحل، كما إذا شك المصلي في انه أتى بالافعال السابقة رياء أو مع قصد القربة جرت القاعدة، و حكم باقترانها مع قصد القربة. و إن كان قبل تجاوز المحل فلا بد من الاعتناء بالشك كما انها مورد لقاعدة الفراغ إذا كان الشك بعد الفراغ.

و أما ما يكون معتبرة منها عقلا، و هو قصد عنوان العمل المقوم لحقيقته، فحاله حال الموالاة العقلية. فان كان الشاك حين شكه محرزا له، بأن كان قاصدا لعنوان صلاة العصر مثلا، و شك في أنه قصدها فيما مضى من اجزاء الصلاة أو أتى بها لتعليم الغير و لم يقصد العنوان؟ جرت فيه قاعدة التجاوز. و إن لم يكن محرزا لذلك حين الشك، فمرجع الشك إلى الشك في الوجود، و أنه هل شرع في الصلاة أم لم يشرع فيها، و من الظاهر انه ليس موردا لقاعدة التجاوز. و مقتضى الاستصحاب و الاشتغال لزوم الاستئناف.

و بما بيناه من التفصيل ظهر فساد ما ذكره السيد في الفرع الأول، مما جعله ختاما للشكوك في كتاب العروة، و هو انه إذا شك المصلي في أثناء صلاته انه قصد صلاة الظهر أو العصر. فان لم يكن عالما بأنه صلى الظهر صحت صلاته، و لا بد له‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 316‌

من العدول إلى الظهر، لأن مقتضى قاعدة الاشتغال و الاستصحاب هو وجوب الظهر عليه، فان كان ما بيده من الصلاة قد قصد بها الظهر فهو، و إلاّ فبالعدول تحتسب ظهرا. و إن كان عالما بأنه قد أتى بالظهر قبل ذلك، فالعدول لا وجه له، فيحكم ببطلان صلاته، حيث لا يعلم بأنه قصد عنوان العصر أم لم يقصد ذلك.

و فيه: أنه في الفرض الثاني أيضا تصح صلاته فيما إذا كان حال الشك قاصدا لصلاة العصر، فانه تجري قاعدة التجاوز فيما سبقه من الأجزاء.

الجهة السابعة [اختصاصها باحتمال الإخلال السهوي دون العمدي]

الظاهر اختصاص القاعدتين بما إذا كان الشك في الصحة من جهة احتمال الإخلال السهوي. و لا يجري شي‌ء منهما إذا كان منشأ الشك احتمال الإخلال العمدي. و ذلك لما ذكرناه من ان إلغاء الشك فيها ليس حكما تعبديا، و انما هو من جهة ظاهر الحال، و ان المشغول بالعمل يكون حين اشتغاله به اذكر، و نفس الأدلة منصرفة إلى ذلك. مضافا إلى استفادته من التعليلين.

و من الظاهر ان ظاهر الحال لا يقتضي عدم إبطال العمل عمدا. كما لا تقتضيه أذكرية الفاعل حين الاشتغال بالعمل، فإذا احتمل المكلف بعد الفراغ أو في الأثناء أنه ترك ركوعا من الركعة السابقة، أو احتمل الصائم عند الغروب أنه شرب الماء عمدا في الصبح و أبطل صومه، لا مجال للرجوع إلى قاعدة التجاوز و لا الفراغ، بل لا بد له من الرجوع إلى أصل آخر. فان كان المشكوك فيه مما اعتبر وجوده في العمل كان مقتضى الاستصحاب فساد العمل. و إن كان مما اعتبر عدمه فيه كان مقتضى الاستصحاب صحة العمل، كما في الصوم.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net