(الثامن): الإسلام  

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌6   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8451

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 13‌

[ (الثامن): الإسلام]

(الثامن): الإسلام و هو مطهر لبدن الكافر (1) و رطوباته المتصلة به من بصاقه و عرقه و نخامته و الوسخ الكائن على بدنه (2) و أما النجاسة الخارجيّة التي زالت عينها ففي طهارته منها إشكال، و ان كان هو الأقوى «1» (3)

______________________________
(1)
المطهّر الثامن): الإسلام الإسلام مطهر لبدن الكافر عن النجاسة الكفرية، و هذا مما لا خلاف و لا إشكال فيه، و ذلك لتبدل موضوع النجاسة- و هو الكافر- الى موضوع الطهارة- و هو المسلم- و يزول الحكم بزوال موضوعه لا محالة كالخمر يتبدل خلّا، و الكلب يستحيل ملحا أو ترابا، و لا حاجة إلى دليل آخر.

(2) طهارة أجزاء و فضلات بدن الكافر تبعا لا إشكال أيضا في طهارة أجزاء بدن الكافر بإسلامه، كشعره و ظفره، أو فضلات بدنه من بصاقه و عرقه، و نخامته، و الوسخ الكائن على بدنه إذا بقيت عليه. الى أن أسلم، و ذلك، لأن نجاستها تكون تبعيّة، فإذا زال السبب يزول المسبب، فان شعره- مثلا- كان نجسا، لأنه شعر الكافر- لا بسبب آخر- فإذا زالت الإضافة إلى الكافر و أضيف إلى المسلم بقاء تزول عنه النجاسة التبعية، و يخلفها الطهارة التبعية، لصيرورته شعرا للمسلم.

هل يطهر بدن الكافر عن النجاسات الخارجية بإسلامه

(3) إنا نعلم بجريان العادة بملاقاة بدن الكافر للنجاسات الخارجيّة فإنهم لا يجتبون عن البول و الدم و غيرهما من النجاسات، و من هنا وقع السؤال عن أن إسلامهم هل يكون مطهرا لأبدانهم عن النجاسات الخارجية كما‌

______________________________
(1) جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف قدّس سرّه «هو الأقوى» «في القوة إشكال و الأحوط عدم الطهارة».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 14‌

..........

______________________________
كان مطهرا لهم عن النجاسة- الكفرية- فلا يحتاجون الى التطهير عنها بالماء، إذا أسلموا استشكل المصنف قدّس سرّه أو لا في ذلك ثم مال الى القول بطهارتهم عنها بالإسلام و لكن الأقوى عدم الطهارة، و لا أقل من الاحتياط اللّازم، و ذلك لأن ما يستدل به في كلماتهم
«1» على القول بالطهارة أمران لا يتم شي‌ء منهما:

(الأول): دعوى سيرة المسلمين على عدم الاجتناب من الكفار إذا أسلموا، و ان لم يغتسلوا من النجاسات العرضية التي لاقت أبدانهم حال الكفر.

(ثانيهما) خلو السنّة عن الأمر بتطهيرهم عنها، و بتعبير آخر سكوت الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة المعصومين عليهم السّلام عن أمر الكفار الذين كانوا يسلمون على أيديهم بتطهير أبدانهم، أو الثياب التي عليهم كاشف عن طهارتها عنها، إذ لم نجد في الأخبار و السنة وجود أمر بذلك، و لو كان لبان.

و فيهما نظر و تأمّل لأن القدر الثابت من الأدلة إنّما هو طهارة الكفار بالإسلام عن النجاسة الذاتية، و هي نجاسة الكفر.

و أما النجاسات العارضة عليهم بملاقاة أبدانهم لسائر النجاسات فلم يثبت طهارتهم عنها بالإسلام، بل لا بد من المطهّر الشرعي، و هو الغسل بالماء.

و أما السيرة على عدم الاجتناب عنهم فيما هو مشروط بالطهارة، و لو قبل تطهير أيديهم و أبدانهم- كالمصافحة معهم و لو مع الرطوبة المسرية- فغير ثابتة.

و أما خلو السنة فان كان المراد بها سنة النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلعلّه كان‌

______________________________
(1) لاحظ الجواهر ج 6 ص 299، و المستمسك ج 2 ص 116.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 15‌

..........

______________________________
لعدم تشريع أحكام النجاسات الخارجيّة حين ذاك الزمان، لأن تشريع الأحكام كانت تدريجيّة، و منها النجاسات بالمعنى المصطلح.

و من هنا قلنا في بحث مطهّرية الماء «1» أنه لا موجب لحمل الآية الكريمة قوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً «2» على الطهارة الشرعيّة بمعناها الاصطلاحي، لعدم ثبوتها في عصر النّبي الأعظم، أي في عصر نزول الآية الشريفة.

و أما إذا كان المراد منها سنة الأئمة بمعنى خلوّ رواياتهم عليهم السّلام عن أمر الكفار بغسل أبدانهم عن النجاسات إذا أسلموا، فيمكن أن يجاب عنه بأن أحكام النجاسات تكون كسائر الأحكام الشرعيّة لا بد و أن يتعلمها المسلمون كافة، سواء الذين كانوا مسبوقين بالكفر أم لا، نظير أحكام الصلاة و الصوم و غير ذلك، و لقد بيّن الأئمة عليهم السّلام تلك الأحكام، و منها أحكام النجاسات، فيجب على الكافر إذا أسلم أن يتعلمها بنفسه، فسكوت الإمام عليه السّلام عن حكم النجاسة الخارجيّة على بدن الكافر يكون كسكوته عليه السّلام عن سائر أحكام الشريعة من أحكام الصلاة و الصوم و غيرهما، فيجب أن يتعلمه الكافر- بعد أن أسلم- و ليس السكوت في مثل ذلك تأخير البيان عن وقت الحاجة.

فتحصّل: أنه لا تصلح دعوى السيرة، و كذا خلوّ السنة عن الأمر بتطهير أبدانهم للاستدلال على زوال النجاسات العرضية عن أبدانهم بالإسلام.

فمقتضى القاعدة هو إزالة تلك النجاسات بالغسل بالماء، لصدق الملاقاة مع البول و الدم و نحو ذلك على ملاقاتها لبدن الكافر، فيشمله العمومات و‌

______________________________
(1) ج 2 ص 11.

(2) الفرقان: 25: 49.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 16‌

..........

______________________________
الإطلاقات، و لعلّ بعض الكفار الذين أسلموا في الأزمنة المتأخرة على أيدي المسلمين في زمن المعصومين عليهم السّلام كانوا يعلمون بوجوب التطهير عن النجاسات عند المسلمين لإشاعة ذلك بينهم في تلك الأوان.

ثم إن هذا لا ينافي استحالة تنجّس النجس، فان النجس لا يتنجس بملاقاة نجس آخر، كالدم إذا لاقى البول، لأن النجاسة حكم شرعي لا تقبل الشدّة و الضعف، و أمره دائر بين الوجود و العدم، فلا معنى لتنجس النجس فلا يتنجس بدن الكافر بملاقاة البول و الدم- مثلا-:

وجه عدم المنافاة هو ان المراد ثبوت أحكام الملاقاة مع النجس- من الغسل بالماء و وجوب الاجتناب عنه و عدم جواز الدخول في الصلاة و نحو ذلك- لا تنجس النجس ثانيا، فلا محذور في شمول إطلاقات وجوب غسل ملاقي البول- مثلا- لبدن الكافر إذا لاقاه البول، فان حدوث الملاقاة كاف في ثبوت الحكم حدوثا و بقاء و ان زالت عين النجاسة، كما في سائر موارد الملاقاة مع النجس. «1»

______________________________
(1) لا يخفى أن الأمر بالغسل عن النجاسات انما هو لأجل التطهير عنها، لا التعبد المحض، فلو التزمنا بعدم قبول النجاسات للتنجس بملاقاة بعضها مع بعض فلا وجه للالتزام بشمول الأمر بالتطهير عنها، نعم يتم ذلك فيما إذا كان ذا أثر خاص، كالبول لو أصاب بدن الكافر، لاعتبار التعدد فيه. و قد راجعناه (دام ظله) بعد الدرس، و كأنه وافق على ذلك.

و أما الالتزام بوجوب التطهير على الكافر على نحو الشرط المتأخر و هو إسلامه بعد الملاقاة للنجس فتشمله الإطلاق على هذا النحو، فبعيد عن الأذهان العرفية، الا ان يلتزم بتكليف الكفار بالفروع حال كفرهم بالفعل و ان لم يلتزموا بالعمل به.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 17‌

نعم ثيابه التي لاقاها حال الكفر مع الرطوبة لا تطهر على الأحوط، بل هو الأقوى فيما لم يكن على بدنه فعلا (1)

______________________________
(1)
حكم ملاقي بدن الكافر إذا أسلم وقع السؤال عن أن بدن الكافر يلاقي أشياء تمس بحياته اليومية فيتنجس بملاقاته لها مع الرطوبة فهل تطهر تلك الأشياء إذا أسلم.

و الجواب عن ذلك ان هذه تكون على نوعين:

(الأول) ما تكون منفصلة عن بدنة تماما، كالأواني يستعملها في الأكل و الشرب، و الفراش ينام عليها، و الفرش يجلس عليه، و أمثال ذلك من الأشياء التي تستعمل عادة يوميّا.

لا ينبغي التأمل في عدم طهارة هذه الأشياء بإسلامه، لأنها أجنبيّة عنه بالمرة، و قد تنجست بملاقاته لها، كما هو الحال في بقية النجاسات، إذا لاقت شيئا ثم استحالت الى طاهر، كالكلب إذا شرب من إناء ثم مات و استحال ترابا فلا تطهر الآنية التي شرب منها الكلب، و الوجه في ذلك ظاهر و هو ان سبب تنجّس الملاقي- بالكسر- انما هو حدوث الملاقاة مع النجس، و ان انعدم الملاقي- بالفتح- فلا تزول النجاسة عن الملاقي الا بمطهر آخر كالغسل بالماء و هذا ظاهر.

(النوع الثاني) ثيابه التي لبسها حال كفره ثم أسلم، و هذه لها نوع صلة به و قد يرجّح «1» حصول الطهارة لها تبعا- كما في أجزاء بدنه من الشعر و الظفر أو فضلاته، كعرق بدنه- لعين الوجه الذي ذكرناه في طهارة بدنه عن النجاسات الخارجية من قيام السيرة على عدم الاجتناب و خلو السنّة عن الأمر بالتطهير.

______________________________
(1) المستمسك ج 2 ص 116.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 18‌

[ (مسألة 1) لا فرق في الكافر بين الأصلي، و المرتد الملّي]

(مسألة 1) لا فرق في الكافر بين الأصلي، و المرتد الملّي، بل الفطري (1) أيضا على الأقوى، من قبول توبته باطنا و ظاهرا أيضا، فتقبل عباداته و يطهر بدنه.

______________________________
و الجواب هو نفس الجواب، لعدم ثبوت السيرة و عدم دلالة خلو السنّة عن الأمر بالتطهير على حصول الطهارة، لأنه ليس من موارد تأخير البيان عن وقت الحاجة، فإذا كانت النجاسة بالملاقاة فلا بد في إزالتها من التطهير بالماء، و لا يكفي التبعية، و لا يقاس بتوابع البدن، كالشعر و نحوه، لأنه مع الفارق، لأن نجاسة تلك تكون بالتبع فتطهر بالتبع أيضا، و أما نجاسة هذه فتكون بالملاقاة، فلا بد من الغسل بالماء. فما يظهر من المصنف قدّس سرّه من نوع ترديد في ذلك مبنى على التبعية في الطهارة، و لا أساس له، لا سيما في ثيابه التي لم تكن على بدنه فعلا.

(1) أقسام الكفار و طهارتهم بالإسلام الأقوى أن الإسلام يكون مطهّرا للكافر بجميع أقسامه الثلاثة- و هي الكافر الأصلي، و المرتد الملي، و الفطري.

أما الكافر الأصلي- و المراد به من ولد من أبوين كافرين، و بقي على كفره إلى أن بلغ- فلا إشكال في طهارته بالإسلام، و قام عليه الإجماع و الضرورة، بل هو القدر المتيقن مما دل على طهارة الكافر بالإسلام.

و أما المرتد- و المراد به من خرج عن دين الإسلام بعد أن حكم بإسلامه- فهو على قسمين.

القسم الأول: المرتد الملّي و هو من خرج عن دين الإسلام بعد أن أسلم عن كفر، و لم يكن أحد أبويه مسلما حال انعقاده.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 19‌

..........

______________________________
و هذا يستتاب و تقبل توبته باطنا و ظاهرا بلا خلاف، فإذا تاب و أسلم فلا عقاب عليه في الآخرة، و يقبل إسلامه و يحكم بطهارته، و يرتفع عنه القتل، و يرجع إليه أمواله، و يرجع الى زوجته لو كانت في العدّة، فحكمه حكم الكافر الأصلي في طهارته بالإسلام ثانيا بلا إشكال و لا خلاف.

القسم الثاني: المرتد الفطري و هو الذي خرج عن الإسلام بعد أن ولد عليه، بأن ولد من أبوين مسلمين، أو من أبوين أحدهما مسلم، فان هذا محكوم بالإسلام من أول ولادته، لأن إسلام أحد الأبوين يجرى على الولد فيكون كفره خروجا عن الإسلام و يكون مرتدا فطريّا «1».

و اختلفوا في قبول توبة هذا و إسلامه على أقوال:

(أحدها) ما نسب «2» الى المشهور من عدم قبول توبته و إسلامه مطلقا لا واقعا، و لا ظاهرا، و معنى ذلك خلوده في النار و ان تاب، و بقائه على النجاسة و ان أسلم، مضافا إلى إجراء الأحكام الثلاثة في حقه (وجوب قتله، و بينونة زوجته، و تقسيم أمواله على ورثته).

و لكنه في النسبة إلى المشهور نظر، و لعلّ مرادهم ما نختاره- كما يأتي.

(و ثانيها) مقابل الأول، و هو قبول توبته مطلقا باطنا و ظاهرا حتى بالنسبة إلى الأحكام الثلاثة، فلا يقتل و يرجع اليه زوجته، و لا يقسّم أمواله و لا عقاب عليه، و يحكم بطهارته، فلا فرق بينه و بين المرتد الملّي.

نسب «3» هذا القول الى ابن الجنيد، و إلى العامة، إلا أنه خلاف‌

______________________________
(1) مباني تكمله المنهاج ج 1 ص 324- 325 بتلخيص.

(2) مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 638 الطبع الحجري.

(3) المستمسك ج 2 ص 120 و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 639 س 18- الطبع الحجري.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 20‌

..........

______________________________
الروايات
«1» الواردة عن المعصومين عليهم السّلام لدلالتها على إجراء الأحكام الثلاثة المذكورة عليه، و ان تاب و أسلم- كما سيأتي.

(ثالثها) قبول توبته واقعا، لا ظاهرا فيغفر اللّه تعالى له و لا يعاقب في الآخرة، و لكن مع ذلك يبقى على أحكام الكفر في الدنيا، فيبقى على نجاسته، و تجري في حقه الأحكام الثلاثة المذكورة آنفا.

(رابعها) قبول توبته واقعا و ظاهرا، إلا بالنسبة إلى الأحكام الثلاثة المذكورة و هذا ما ذهب إليه جملة من محققي المتأخرين، منهم المصنف قدّس سرّه في المتن، و هو الصحيح لأنه مطابق للجمع بين الأدلة.

و هناك أقوال أخر «2» لا يهمنا التعرض لها، لعدم استنادها إلى دليل‌

______________________________
(1) الوسائل ج 28 ص 323 في الباب 1 من أبواب حدّ المرتد ط: م- قم.

(2) 1- القول بالتفصيل بين إنكار الشهادتين أو أحدهما، و بين إنكار شي‌ء من الضروريات فلا يقبل في الأول، و يقبل في الثاني.

2- القول بالتفصيل بين ما يتعلق بعمل نفسه و بين ما يتعلق بالغير فيعامل مع نفسه معاملة المسلم فيبني على طهارة بدنه فيتوضأ و يغتسل و يصلى و يصوم و أما بالنسبة إلى الغير فهو نجس يجتنبون عنه- راجع مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 638 الطبع الحجري.

و يستدل للأول بأن القدر المتيقن من الأخبار الدالة على عدم قبول توبة المرتد الفطري هو المرتد عن الشهادتين و أما شمولها للمرتد عن الضروري كوجوب الصلاة- مثلا- فمشكوك لا يمكن التمسك بإطلاقها بالنسبة إليه فتكون عمومات التوبة شاملة له بلا مخصص.

و فيه: أولا ان الأخبار المذكورة لا تدل الأعلى عدم قبول التوبة من ناحية الأحكام الثلاثة (قتله و بينونة زوجته و تقسيم أمواله) كما ستعرف دون غيرها من الأحكام.

و ثانيا: لو سلم دلالتها على عدم قبول توبته فلا يفرق بين موجبات كفره الارتدادي بين إنكار الشهادتين أو الضروري فتأمل.

و يستدل للثاني بأن مقتضى تكليف الفطري- بعد إسلامه- بالعبادات تحقق الإسلام منه بالنسبة إلى صحة صلاته، و كذا طهارته بالنسبة إلى نفسه دون الإسلام المطلق الموجب للطهارة المطلقة.

و فيه: ان ما دل على اشتراط الصلاة و الصوم بالإسلام و الطهارة إنما دل على اعتبار مطلقهما لا الإضافي منهما، فان التزمنا بصحة عباداته مع بقائه على الكفر فلا بد من الالتزام بسقوط الاشتراط، لا حصول الشرط بالإضافة، و هو كما ترى أيضا.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 21‌

..........

______________________________
واثق.

و الصحيح: ما اخترناه من القول الرابع- كما أشرنا آنفا- و هو قبول توبته و إسلامه الا من جهة الأحكام الثلاثة، و لعلّه مراد المشهور أيضا، إذ لا غرابة في قبول توبته عند اللّه تعالى، و صيرورته مسلما ظاهرا تصح عباداته المشروطة بالطهارة، و في نفس الوقت يجب قتله، و تبين زوجته، و يقسم أمواله بين تركته، عقوبة على ارتداده السابق، و لا يعفى عن خصوص هذه الأحكام الثلاثة، و كم له نظير في باب الحدود، و ان تاب من عليه الحد، كما في حدّ اللائط و الزاني و إن تابا بعد قيام البينة، فإنه لا يسقط عنهما الحد المقرّر، و في سقوطه عنهما قبل البيّنة كلام و ان ذهب المشهور إلى الأول.

و بعبارة أخرى لا محذور عقلا، و لا شرعا في التفكيك بين إسلامه، فتقبل مطلقا اى يحكم له بتمام أحكام المسلمين كطهارة البدن، و صحة العبادات المشروطة بها، و جواز التزويج بالمسلمة و تملك المال الى غير ذلك، لصدق المسلم عليه بعد التوبة و بين توبته عن معصية كفره السابق فيقتل من جهة، دون جهة، أما الجهة المقبولة فهي القبول عند اللّه تعالى واقعا فلا يعاقب، و أما الجهة التي لا تقبل ظاهرا فهي بالنسبة إلى الأحكام الثلاثة المذكور فقط دون غيرها، كالطهارة و نحوها و لا بأس بالبحث في مرحلتين توضيحا للحال.

(الأولى) في قبول توبة المرتد الفطري نسبيا.

(الثانية) في قبول إسلامه مطلقا.

اما المرحلة الاولى: فحيث ان التوبة ندامة و رجوع عن الذنب السابق‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 22‌

..........

______________________________
(الارتداد) كان مقتضى الآيات الكريمة قبولها مطلقا، لأن التائب، و لو كان مرتدا تشمله الآيات الواردة في التوبة، إذ لسانها آبية عن التخصيص، كقوله تعالى
«قُلْ يٰا عِبٰادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ لٰا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً» «1».

و لا يعارض عمومها الا ما توهم من دلالة بعض الأخبار الخاصة على عدم قبول توبة المرتد الفطري، و لكنه توهم فاسد، لأن الوارد في تلك الأخبار تعبيران «أحدهما» ان الفطري «لا يستتاب» كما في بعض الروايات. «2».

(الثاني) انه «لا توبة له» كما في بعضها الآخر. «3».

______________________________
(1) سورة الزّمر- 39/ 53.

(2) كصحيحة على بن جعفر عليه السّلام عن أخيه أبي الحسين عليه السّلام قال: سألته عن مسلم تنصّر قال: يقتل و لا يستتاب، قلت: فنصراني أسلّم ثم ارتدّ قال: يستتاب، فان رجع، و إلا قتل.

فإنها فصّلت بين الفطري و الملّي بعدم استتابة الأول، دون الثاني، و بها يقيّد إطلاق الروايات الدالة على القبول مطلقا أو عدم قبولها كذلك.

و صحيحة حسين بن سعيد قال: قرأت بخطّ رجل الى أبى الحسن الرضا عليه السّلام: رجل ولد على الإسلام ثم كفر، و أشرك، و خرج عن الإسلام، هل يستتاب أو يقتل و لا يستتاب؟ فكتب عليه السّلام: يقتل.

و موثقة عمار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كل مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام و جحد محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نبوّته، و كذّبه فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه و امرأته بائنة منه يوم ارتدّ، و يقسم ماله على ورثته، و تعتد امرأته عدّة المتوفى عنها زوجها، و على الإمام أن يقتله، و لا يستتيبه.

- الوسائل ج 28 ص 323 في الباب أمن أبواب حدّ المرتد ح 5 و 6 و 3- ط: م- قم.

(3) كصحيحة محمد ابن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرتد؟ فقال: من رغب عن الإسلام، و كفر بما أنزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلا توبة له، و قد وجب قتله، و بانت منه امرأته، و يقسّم ما ترك على ولده.

- الوسائل ج 28 ص 323 في الباب أمن أبواب حد المرتد، ح: 2- و هذه و ان كانت مطلقة تعمّ المرتد الملّي أيضا، و لكنها تقيد بما دل على استتابته كصحيحة على بن جعفر عليه السّلام الدالة على التفصيل بين الملّي، و الفطري.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 23‌

..........

______________________________
و هذا بخلاف «المرتد الملّي» فإنه يستتاب فان تاب تقبل توبته، و يعفى عنه، فلا يقتل، و إن امتنع عن التوبة فيقتل، فتوهم دلالة هاتين الجملتين على عدم قبول توبة المرتد الفطري مطلقا، لا واقعا و لا ظاهرا، حتى بالنسبة الى غير الأحكام الثلاثة في حين انه لا دلالة لشي‌ء منهما على ذلك.

أما التعبير الأول- و هو قوله عليه السّلام- «لا يستتاب» فلا يدل الا على انه لا يجب على الحاكم ان يطلب منه ان يتوب، و هذا لا يدل على عدم قبول توبته عند اللّه و فيما بينه و بين ربّه إذا تاب من قبل نفسه، فتقبل توبته واقعا بمقتضى عمومات قبول التوبة عند اللّه تعالى، هذا بالنسبة إلى قبول توبته واقعا، و أما بالنسبة إلى قبولها ظاهرا فلا تدل هذه الروايات إلا على عدم قبولها بالنسبة إلى الأحكام الثلاثة، لاقتران النفي بالأحكام الثلاثة فتكون قرينة أو يصلح لذلك فإنها قرنت عدم الاستتابة بإجراء حكم القتل و بينونة الزوجة و تقسيم أمواله على ورثته، كما لا يخفى على من لا خطها. «1»

و أما التعبير الثاني و هو قوله عليه السّلام «لا توبة له» كما في الطائفة الثانية من الأخبار «2» فنفى الجنس فيه و ان كان يوهم عدم قبول التوبة منه لا واقعا و لا ظاهرا، إلا اقترانه أيضا في نفس الروايات بإجراء الأحكام الثلاثة في حقه و لو تاب تكون قرينة على عدم القبول من هذه الجهة فقط، دون سائر الجهات، و لا أقل من كونه يصلح للقرينيّة، فتكون مجملة تسقط عن الاستدلال بإطلاقها.

هذا مضافا الى ان عدم قبول التوبة عن معصية الارتداد لا دلالة له على عدم قبول إسلامه فلو تاب و أسلم، أى ندم عن معصيته، و أظهر الشهادتين‌

______________________________
(1) لاحظ رواياتها المتقدمة في التعليقة ص 22.

(2) تقدمت في تعليقه ص 22.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 24‌

..........

______________________________
لم يقبل الأول، و يقبل الثاني فهو مسلم طاهر و لكنه محكوم بإجراء الحدّ عليه فيقتل، و لا غرابة في ذلك كما في نظائره في أبواب الحدود كما في اللائط و الزاني بعد ثبوتهما بالبيّنة، فإنه لا تقبل توبتهما بالنسبة إلى الحد و ان كانا مسلمين- كما ذكرنا- و لا بأس بتوضيح المقام من ناحية آثار المعاصي فنقول: ان المعصية، تكون على قسمين.

(الأول) معصية يترتب عليها أثرها حدوثا، و بقاء بمعنى أنه لو زالت تلك المعصية يزول ذاك الأثر أيضا، و هذا كما في جملة من أحكام الكافر، حيث أنه محكوم بالنجاسة، و المنع عن تزويج المسلمة، و الإرث من المسلم، و نحو ذلك، لكن لو أسلم و خرج عن معصيته الكفر تزول هذه الأحكام أيضا، و يترتب عليه أحكام المسلم فيكون طاهرا، و يزوّج من المسلمة، و يرث منهم إلى سائر الأحكام الثابتة للمسلم.

و السرّ في ذلك هو أن الآثار المذكورة تترتب على عنوان الكافر، فإذا زال هذا العنوان و تبدل الى عنوان المسلم تزول أحكام الكفر، لزوال المعلول بزوال علته، و يتشرف بأحكام المسلم، لأنه أصبح منهم.

ثم إن ترتب أحكام المسلم عليه لا يرتبط بقبول توبته عند اللّه عن معصية كفره السابق، و العفو عن عقابه عليها و عدمه، و كذا بالنسبة إلى قضاء صلواته و صومه و نحو ذلك مما فاته حال الكفر، فإن الأول يحتاج الى عموم دليل على قبول التوبة، كما أن الثاني يتوقف على تمامية حديث الجب فإن الإسلام يجب عما قبله، و هذا أمر آخر لا يرتبط بانتفاء الأحكام الظاهرية للكفر عنه، و ترتب أحكام المسلمين عليه من حين إسلامه.

(القسم الثاني) معصية يترتب الأثر على حدوثها و ان زالت بحيث لو انتفت تلك المعصية بقاء لا يزول آثرها الخاص و يكون باقيا، و هذا كما في‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 25‌

..........

______________________________
جملة من العقوبات في أبواب الحدود- مثلا- السارق يقطع يده بمجرد حدوث السرقة منه، و الزاني يجرى عليه الحد بصدور الزنا منه، و القاتل يقتص منه بمجرد تحقق القتل منه، و لا يعتبر في شي‌ء من ذلك الاستمرار و البقاء على تلك المعصية، فلا حاجة الى استمرار السرقة، أو الزنا، أو القتل، فان حدوث الجناية كافية في الحكم عليه بالعقوبة، إلا أن يقوم دليل على العفو عنها إذا تاب.

ثمّ إن أثر المعصية قد تكون تكوينية كالعقوبة في الآخرة و قد تكون تشريعية كوجوب قتل العاصي و جواز تقسيم ماله و نحو ذلك.

و معصية الارتداد تكون من قبيل القسم الثاني، بمعنى أن حدوث الارتداد من شخص يكفي في الحكم عليه بالقتل، و الفراق عن زوجته، و الخروج عن أمواله، كما في نظائره من المعاصي التي تستعقب إجراء الحد على العاصي- كما أشرنا- و ان تاب.

نعم أدلة التوبة كالآيات الكريمة تدل على العفو عن المعصية مطلقا فإن «التائب من الذنب كمن لا ذنب» «1» لكن لو قام دليل خاص على استثناء بعض الآثار نأخذ به، كما ورد في المرتد الفطري- كما تقدم- فإنه و ان عفى عن عقوبته في الآخرة، و لكن لا يعفى عن إجراء حد القتل عليه كما في نظائره ممن يجرى عليه الحد و ان تاب- كما أشرنا- بخلاف المرتد الملّي فإنه يستتاب، و لا يقتل إن تاب.

هذا كله بالنسبة إلى قبول توبة المرتد الفطري و عدمه بالنسبة إلى الأحكام الثلاثة.

و أما النجاسة فترتفع عنه جزما لأنها من قبيل القسم الأول، أي تترتب‌

______________________________
(1) الوسائل ج 16 ص 71 في الباب 86 من أبواب جهاد النفس حديث 8 ط م: قم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 26‌

..........

______________________________
على معصية الكفر حدوثا و بقاء، و هذا مسلم، فيكون طاهرا لقبول إسلامه، و ان لم تقبل توبته عن معصية الارتداد بالنسبة إلى الأحكام الثلاثة فيقع الكلام حينئذ في:

المرحلة الثانية و هي قبول إسلام المرتد الفطري، فنقول:

بعد الفراغ عن قبول توبته عن الارتداد السابق واقعا، و ظاهرا إلا بالنسبة إلى الأحكام الثلاثة يقع الكلام في قبول إسلامه و عدمه، و أنه هل يحكم عليه بأحكام المسلم التي منها طهارة بدنه- كما هو المبحوث عنه في المقام- أم لا.

و الصحيح قبول إسلامه، و لا ينبغي الترديد في ذلك إذ لا يرتبط ذلك بإجراء الحد عليه- كما أشرنا- و يدل على ذلك أمران.

(الأول) صدق المسلم عليه بعد أن أسلم، و آمن باللّه و برسوله، و صدّق رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في جميع ما أنزل عليه معترفا بالمعاد فهو مسلم لغة و عرفا، و شرعا أما الأولان فظاهر و أما الأخير فلما ورد في الأخبار من تعريف الإيمان بما أشرنا إليه من أنه الإيمان باللّه و بالرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بما أنزل عليه.

و لا ينافي ذلك إلا ما توهم من دلالة بعض الأخبار «1» على عدم قبول توبة المرتد الفطري.

و قد تقدم الجواب عنها أولا: بأنها لا تدل الا على نفى قبول توبته بالنسبة إلى خصوص الأحكام الثلاثة، لا أكثر من ذلك، و ثانيا: ان عدم قبول التوبة عن معصية الارتداد واقعا لا ينافي قبول إسلامه و إجراء أحكام المسلم عليه التي منها طهارة بدنه و ان لم يغفر له عن المعصية السابقة فرضا.

______________________________
(1) تقدمت في تعليقة ص 22.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 27‌

..........

______________________________
(الأمر الثاني): انه لا ينبغي التأمل في كونه مكلفا بالإسلام و بأحكامه التي من جملتها العبادات المشروطة بالطهارة كالصلاة و الصوم و نحو ذلك و هذا مما يدل بوضوح على كونه متمكنا من الإسلام، و من امتثال تكاليفه المشروطة بالطهارة كالصلاة و الا كان تكليفا بغير المقدور.

فان قلت: إن الامتناع كان باختياره و الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، فلا مانع من التكليف بغير المقدور إذا كان عدم القدرة بسوء اختياره.

قلت قد تحقق في محلّه أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا و لكن ينافيه خطابا، إذ لا يعقل توجه الخطاب الى العاجز و ان كان عجزه باختياره، فتوجه الخطاب كاشف عن القدرة على الامتثال.

فان قلت نلتزم بعدم تكليفه بالإسلام و لا بشرائعه، كالصلاة و الصوم و نحوهما، فكأنه من الأموات الذين لا تكليف لهم.

قلت: لا يمكن الالتزام بذلك و لا نحتمل ان يلتزم به فقيه كيف يمكن الالتزام بان حكم المرتد الفطري حكم البهائم لا يكلف بشي‌ء و ان تاب و أسلم «1» بحيث يكون مرفوع القلم، نعم وقع الكلام في تكليف الكفار بالفروع حال كفرهم و هذا أمر آخر لا يرتبط بالمقام.

فان قلت سلمنا توجه الخطابات إليه إلا أنه حيث لا يقدر على امتثالها لعدم قبول توبته و إسلامه كانت خطابات صورية لا واقعيّة، و أثرها‌

______________________________
(1) يقول الفقيه الهمداني قدّس سرّه كيف يمكن الالتزام بعدم محبوبية الإسلام و التوبة عن المرتد الفطري «مع أن من الأمور الواضحة أن من أكبر مقاصد الأمير و الحسين عليهما السّلام في حروبهم و غيرها استتابة المرتدين من الخوارج، و النواصب، و الغلاة الذين اعترفوا بإلهية أمير المؤمنين عليه السّلام و أنهم كانوا يقبلون توبة من رجع منهم، و يعاملون معه معاملة المسلم، و توهم كون ذلك من باب المماشاة لبعض المصالح في غاية الضعف»- مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 640 الطبع الحجري.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 28‌

..........

______________________________
تسجيل العقوبات عليه، فقط، فلا تكشف عن تمكنه من الإسلام.

قلت: هذا الاحتمال كسابقة أيضا في غاية الضعف، لأن الخطاب التسجيلى انما يعقل فيما إذا كان المأمور به في حدّ ذاته مقدورا للمكلف، و لكن نعلم بأنه لا يمتثل ذلك اختيارا، و حينئذ يمكن تصور الخطاب اليه مع العلم بأنه لا يمتثل إتماما للحجة، و إثباتا للعقوبة، و من هنا لو ندم العبد و عزم على الامتثال يأتي بالعمل بقصد امتثال الأمر من دون أى مانع، و أما لو فرض في المقام عدم قبول توبته و إسلامه لم يكن هناك تعقل للخطاب الصوري بالإسلام و العبادة المشروطة به.

فان قلت سلمنا توجه الخطابات اليه الا انه نلتزم بسقوط اشتراطها بالإسلام و الطهارة بالنسبة إلى المرتد الفطري فتصح صلاته و لو من دون إسلام و طهارة و وضوء أو غسل جمعا بين أدلة التكاليف المشروطة، و عموم نفى قبول توبة المرتد الفطري.

قلت هذا الاحتمال أيضا ضعيف إلى الغاية، أما أولا فلعدم الموجب لسقوط الشرائط إلا توهم العموم في أدلة نفى قبول توبته و قد عرفت بما لا مزيد عليه انه لا عموم فيها و اختصاصها بنفي العفو عن خصوص الأحكام الثلاثة.

و ثانيا: ان سقوط الشرائط المذكورة عن عبادات المرتد مخالف لارتكاز عرف المتشرعة من توقف صحة العبادات على الإسلام و الطهارة من الخبث و الحدث فكيف يلتزم بصحة عبادة كافر نجس العين من دون طهارة.

و الحاصل: انه بعد فرض شمول الخطابات الشرعية المشروطة بالإسلام و الطهارة للمرتد الفطري من جهة، و من جهة أخرى نلاحظ ورود الدليل‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 29‌

نعم يجب قتله إن أمكن و تبين زوجته، و تعتد عدة الوفاة، و تنتقل أمواله الموجودة حال الارتداد إلى ورثته، و لا تسقط هذه الأحكام بالتوبة (1)

______________________________
على عدم قبول توبته مطلقا فرضا يدور الأمر بين اثنين على سبيل منع الخلو لا محالة، إما الالتزام بعدم اشتراط الإسلام و الطهارة في صحة عباداته و إجراء سائر أحكام الإسلام عليه، كالإرث، و الزواج و نحوهما فلا يشترط في حقه بحيث نلتزم بتخصيص أدلة الاشتراط بالنسبة اليه، و إما الالتزام بتخصيص أدلة نفى قبول توبته بالأحكام الثلاثة، و لا ينبغي التأمل في أولية الثاني تعيينا، لأنه الموافق لارتكاز المتشرعة، و ان كان مقتضى الصناعة الأولية تقييد أدلة الاشتراط لأن النسبة بينهما نسبة العام و الخاص فإن أدلة الاشتراط عام تخصص بأدلة نفى قبول توبة المرتد مطلقا لو تم مع فرض توجه الخطاب بالعبادات إليه أيضا.

فتحصل من جميع ما ذكرناه: أن الحق هو قبول توبة المرتد الفطري واقعا و ظاهرا إلا بالنسبة إلى الأحكام الثلاثة، لعموم أدلة قبول التوبة من كل تائب من دون مخصص بالنسبة اليه إلا في تلك الأحكام، و هكذا يقبل إسلامه فيكون كسائر المسلمين في ثبوت أحكام الإسلام له و عليه، لصدق عنوان المسلم عليه إذا أقر بالشهادتين و المعاد و بما جاء به الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لتوجه الخطابات الشرعية المشروطة امتثالها بالإسلام و الطهارة إليه أيضا، كسائر أفراد المسلمين، و محبوبية الإسلام منه جز ما كسائر أفراد البشر، فإذا أقبل و تاب، و أسلم فهو مسلم طاهر.

(1) كما تقدم، و يدل على ذلك النصوص «منها» موثقة عمار الدالة على ثبوت هذه الأحكام الثلاثة بالنسبة إليه.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 30‌

لكن يملك ما أكتسبه بعد التوبة (1) «1»

______________________________
قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام و جحد محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نبوّته، و كذّبه، فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه، و امرأته بائنة منه يوم ارتد، و يقسم ماله على ورثته، و تعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها و على الإمام أن يقتله و لا يستتيبه».
«2»

و نحوها غيرها فراجع ما تقدم. «3».

(1) المرتد الفطري يملك ما اكتسبه بعد التوبة لصيرورته مسلما بالتوبة، فيجري في حقه ما يجري في حق سائر المسلمين، فيشمله عموم أو إطلاق أدلة نفوذ المعاملات، كقوله تعالى «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» «4» و «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» «5» و نحو ذلك، لعدم الشك في قابليّته للتملك بعد التوبة.

إنما الكلام فيما يكتسبه بعد الارتداد و قبل التوبة، فهل يملكها و يبقى في ملكه، أو ينتقل إلى ورثته، أو لا يملكها رأسا.

الصحيح هو صحة تملكه و البقاء في ملكه، لعموم أو إطلاق أدلة نفوذ المعاملات الشاملة لكل إنسان سواء كان كافرا أو مسلما، إلا أن يقوم دليل على اشتراط الإسلام، و أما انتقال ما يملكه المرتد إلى ورثته فهو حكم على خلاف القاعدة يحتاج إلى دليل خاص، و الدليل الوارد في المرتد إنما يختص‌

______________________________
(1) جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «بعد توبته» (و كذا ما اكتسبه بعد كفره قبل توبته).

(2) الوسائل ج 28 ص 323 في الباب: 1 من أبواب حد المرتد ح: 3.

(3) صفحة 22 في التعليقة.

(4) البقرة- 2/ 275.

(5) النساء- 4/ 29.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 31‌

..........

______________________________
بما ملكه قبل الارتداد، لا بعده.

و قد يشكل «1» في شمول أدلة المعاملات للمرتد قبل التوبة للشك في قابليته للتملك، لأن الشارع قد ألغى مالكيّته، لأنه حكم بتقسيم أمواله على ورثته، و بينونة زوجته، و وجوب قتله، فكأنه ميّت شرعا، لموت روحه بالكفر، فهو ميّت الأحياء، لا يملك شيئا، و عموم صحة السبب لا تحرز القابليّة- كما حرّر في محله- و يندفع بان ما دل من الروايات على إلغاء مالكيّته و انتقال أمواله إلى ورثته يختص بما ملكه قبل الارتداد، فلا تعم ما بعده، و بعبارة أخرى لا موجب لرفع اليد عن عموم أدلة نفوذ المعاملات بالنسبة إليه بمجرد سلب مالكيّته عن أموال خاصة و هي ما كان ملكا قبل الارتداد، فيملك ما اكتسبه قبل التوبة، و لا ينتقل إلى ورثته، لعدم الدليل على ذلك، لاختصاص الروايات بما ملكه قبل الارتداد، فلا مانع من شمول الأدلة لهذه الحالة، و لا مجال للتشكيك في قابليته للتملك بالنسبة إليها بمجرد إلغاء قابليّته بلحاظ حالة أخرى، فلا تقاس الأموال الجديدة بالأموال السابقة.

و هذا الفرع مما يبتلى به في أمثال عصرنا مما كثر فيه المرتدين عن فطرة، كالشيوعية، و البهائية، و أمثالهم مما استحوذ عليهم الشيطان، فأنساهم ذكر اللّه، و العياذ باللّه، فأمثال هؤلاء الضالين يملكون ما اكتسبوه بعد الردة، إذا بقوا على حالهم، و لم يتوبوا، و لم ينتقل ما ملكوه إلى ورثتهم، فحالهم حال غيرهم من هذه الناحية، فلا إشكال في معاملات الكسبة معهم، و إلا كانت الأموال المأخوذة منهم يحرم التصرف فيها، لأنها أموال الناس بناء على القول بسقوطهم عن قابليّة التملّك، أو تكون العقود الواقعة عليها فضولية لو‌

______________________________
(1) المستمسك ج 2 ص 120

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 32‌

و يصح الرجوع إلى زوجته بعقد جديد (1) حتى قبل خروج العدّة على الأقوى

______________________________
قلنا بملكهم لها، و انتقالها إلى ورثتهم، و الصحيح أنه لم يكن شي‌ء من ذلك، و تصح ملكيتهم لما يكتسبون من الأموال بعد الردّة، و لو كان قبل التوبة، هذا من ناحية الحكم الوضعي لصحة المعاملات معهم.

و أما من ناحية الحكم التكليفي فإن كان هناك عنوان ثانوي توجب الحرمة فيتّبع، فتحرم المعاملة معهم، كما لو فرضنا أن الشراء منهم أو البيع عليهم و التجارة معهم تستدعي ترويج مذهبهم الباطل، كما إذا علمنا بصرف أموالهم في سبيل تبليغ ما هم عليه من المذهب الباطل، فلا بد من الامتناع من البيع و الشراء معهم، لأنه محرم حينئذ تكليفا، بل لو فرضنا أن ترك البيع و الشراء معهم يستدعي اضمحلالهم وجب مقدمة للواجب‌

(1) المرتد التائب له الرجوع الى زوجته بعقد جديد قد عرفت أنه إذا تاب المرتد رجع مسلما يجرى عليه أحكام سائر المسلمين، و لا يبقى عليه إلا الأحكام الثلاثة المتقدمة التي منها بينونة زوجته، لكن هذا لا ينافي التزويج معها جديدا بعد التوبة، لأنه مسلم حينئذ، يجوز له تزويج المسلمة و إن كانت زوجته السابقة، و هذا نظير ما قلناه في ملكيّته للأموال بعد التوبة، و الخروج عن زوجيّته بالارتداد لا ينافي التزويج معها بعقد جديد بعد التوبة، لعدم زوال قابليّته عن التزويج مع المسلمة، إلا بلحاظ ما كان له قبل الارتداد، لا بعده، كما في الأموال هذا بالنسبة إلى أصل تجديد عقد الزواج مع زوجته السابقة، و أما جوازه قبل خروجها عن العدة فلأن الأمر بالاعتداد أنما هو بالنسبة إلى غيره من الأزواج، لا بالإضافة إليه، نعم لا يكفى مجرد الرجوع، بل لا بد من عقد‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 33‌

[ (مسألة 2): يكفي في الحكم بإسلام الكافر إظهاره الشهادتين]

(مسألة 2): يكفي في الحكم بإسلام الكافر إظهاره الشهادتين، و إن لم يعلم موافقة قلبه للسانه (1)

______________________________
جديد لحصول البينونة بينهما بالارتداد كما في النصوص
«1»

(1) ما يتحقق به الإسلام يكفي في الحكم بإسلام الكافر مجرد إظهاره الشهادتين، و الإقرار بالمعاد كما تقدم «2» و ان لم يعلم بعقد قلبه على مضمون الشهادتين فضلا عن اليقين بهما و يدل على ذلك الكتاب، و الاخبار، و السيرة النبوية أما الكتاب فقوله تعالى ردا على الاعراب المدّعين للإيمان «قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا، وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ.» «3».

فإن إثبات الإسلام لهم و إن لم يؤمنوا يدل بوضوح على أن الإسلام هو مجرد إظهار الشهادتين، و إن لم يكن معه اعتقاد، أو عقد قلبي، كما يؤيد ذلك قوله تعالى في الآية التي بعد هذه الآية «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتٰابُوا.» «4»

و يدل عليه أيضا قوله تعالى «وَ اللّٰهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ» «5» مع أن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يعامل معهم معاملة المسلمين في الطهارة و سائر الأحكام الإسلامية‌

______________________________
(1) كما تقدمت في التعاليق السابقة ص 22.

(2) في البحث عن نجاسة الكفار في ج 3 ص 97 ص 98 و ص 109- 111 من كتابنا

(3) الحجرات 49: 14.

(4) الحجرات: 49: 10.

(5) المنافقون: 63: 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 34‌

..........

______________________________
و أما الأخبار
«1» فهي كثيرة، و هي تدل على ان الإسلام الذي يحقن به الدماء، و يجرى عليه المواريث، و يجوز معه النكاح فإنما هو عبارة عن مجرد إظهار الشهادتين و ان لم يكن معتقدا بذلك 1- (منها): موثقة سماعة المروية في الكافي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أخبرني عن الإسلام و الإيمان، أ هما مختلفان؟ فقال: إن الايمان يشارك الإسلام، و الإسلام لا يشارك الإيمان، فقلت: فصفهما لي، فقال الإسلام:

شهادة أن لا إله إلا اللّه، و التصديق برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم به حقنت الدماء، و حرمت المناكح، و المواريث، و على ظاهره جماعة الناس، و الإيمان الهدى، و ما يثبت في القلوب من صفة الإسلام. «2».

2- (و منها) رواية حمران بن أعين عن ابى جعفر عليه السّلام- في حديث.

«الإيمان ما استقر في القلب و افضى به إلى اللّه تعالى و صدقه العمل بالطاعة له، و التسليم لأمر اللّه، و الإسلام ما ظهر من قول أو فعل، و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها، و به حقنت الدماء، و عليه جرت المواريث و جاز النكاح.» «3».

و أما السيرة النبوية فلا ينبغي الشك في ثبوتها عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فإنه كان يقبل‌

______________________________
(1) لاحظ الوافي ج 1 ص 18 م 3- الطبع الحجري، باب أن الايمان أخص من الإسلام، و ج 4 ص 77 منشورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام أصفهان عام 412 ه‍. ق و الوسائل ج 1 في الباب 1 من أبواب مقدمة العبادات بل ورد ذلك في روايات العامة أيضا، لاحظ صحيح مسلم ج 1 ص 39 و البخاري ج 1 ص 10- 13 و كنز العمال ج 1 ص 23 و ذكرنا بعضها في ج 3 ص 111 من كتابنا.

(2) الكافي ج 2 ص 25 الطبعة الثانية عام 1381 ه‍ ق و الوافي ج 1 ص 18 م 3 باب ان الإيمان أخص من الإسلام- الطبع الحجري- و ج 4 ص 77- رقم الحديث 1676 ط منشورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أصفهان- عام 1412 ه‍ ق.

(3) أصول الكافي ج 2 ص 26 و الوافي ج 1 ص 18 م 3 في الباب المتقدم- الطبع الحجري- و ج 4 ص 77 رقم الحديث 1677- ط منشورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين (ع) أصفهان.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 35‌

..........

______________________________
إسلام الكفّار بمجرد إظهارهم الشهادتين مع العلم بعدم اعتقادهم بالإسلام، إذ من البعيد جدا حصول العقيدة لهم بمجرد غلبة المسلمين عليهم إلا نادرا، كما يحكى ذلك عن «عقيل»
«1» و بالجملة كان النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقاتل الكفار على مجرد أن يقولوا بالشهادتين و لم يظهروا الكفر، و لو لم يعتقدوا بالإسلام، هذا كله في تحقق الإسلام.

و أما الإيمان في اصطلاح الكتاب العزيز فهو أخص من الإسلام، إذ هو عبارة عن الاعتقاد القلبي باللّه تعالى، و بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بالمعاد، كما دلّت على ذلك الآية الكريمة «2» المتقدمة، حيث نفت الإيمان عن الأعراب، و إن أثبتت لهم الإسلام، و تقول «وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ» فالأيمان أمر قلبي و قد حاول الكتاب العزيز الاستدلال «3» على التوحيد، و الرّسالة، و المعاد في جملة كثيرة من الآيات الكريمة التي لا تخفى على أحد، مريدا بذلك جلب الإيمان و الاعتقاد القلبي للكفار بذلك لان الفلاح الحقيقي إنما هو للمؤمنين‌

______________________________
(1) فإنه قد حكى عنه إنه قال دخلت في الإسلام مؤمنا باللّه و بالرسول لما رأيت من أخي على بن أبى طالب (عليه السلام) حيث أقدم على قتلي إن لم أسلم، مع علمي بحنانه و رأفته، و ما ذاك إلا أنه على الحق.

(2) الحجرات 49: 14 و كذا قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ الْكِتٰابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلىٰ رَسُولِهِ وَ الْكِتٰابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ. النساء: 136 و قوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذٰا ذُكِرَ اللّٰهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذٰا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيٰاتُهُ زٰادَتْهُمْ إِيمٰاناً وَ عَلىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.» الأنفال: 2

(3) أما التوحيد فقد استدل تعالى عليه بآيات (منها) قوله تعالى «لَوْ كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلَّا اللّٰهُ لَفَسَدَتٰا»- الأنبياء 21: 22.

و قوله تعالى: «إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلٰهٍ بِمٰا خَلَقَ وَ لَعَلٰا بَعْضُهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ»- المؤمنون 23: 91.

و استدل على النّبوة بقوله تعالى: «وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّٰا نَزَّلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، وَ ادْعُوا شُهَدٰاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النّٰارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّٰاسُ وَ الْحِجٰارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكٰافِرِينَ»- البقرة 2: 23 و 24.

و على المعاد بقوله تعالى قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهٰا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ»- يس: 36: 79 و نحوها غيرها من الآيات الكريمة في المجالات الثلاثة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 36‌

لا مع العلم بالمخالفة (1)

______________________________
خاصّة، و أما المنافقون فليسوا على طريق النجاة، و قد أصاب الإسلام و المسلمين منهم ما أصاب، فان العقيدة هي التي تسوق نحو العمل، و الإناء ينضح بما فيه.

و هناك معنى آخر للإيمان في اصطلاح الأئمة المعصومين عليهم السّلام و المراد به الإيمان بولاية أهل البيت عليهم السّلام «1» مضافا إلى الإيمان بالرّسالة فهو أخص من الإيمان في اصطلاح القرآن الكريم، و إذا عبّرنا عن الإسلام بالإيمان بالمعنى الأعم، و عن الاعتقاد القلبي بالشهادتين بالإيمان بالمعنى الخاص، و عن الإيمان بالولاية بأخص الخاص، فلا مشاحة في ذلك، هذا كله فيما إذا لم نعلم بمخالفة اعتقاده لما يظهر من الشهادتين و احتملنا التطابق بينهما، و أما إذا عملنا بالمخالفة فهل يكفى مجرد إظهار الشهادتين باللسان أم لا فيأتي الكلام فيه.

(1) اعتبر المصنف قدّس سرّه في الحكم بالإسلام عدم العلم بمخالفة اعتقاده القلبي لما يظهر من الشهادتين و لكن ذكرنا في التعليقة انه «لا تبعد الكفاية معه أيضا إذا كان المظهر للشهادتين جاريا على طبق الإسلام».

______________________________
(1) ورد ذلك في جملة من الروايات، منها: ما رواه في الوسائل ج 28 في الباب 10 من أبواب حد المرتد ص 339 ط: م- قم.

كرواية مفضل بن عمر عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أبو جعفر عليه السّلام ان اللّه جعل عليّا عليه السّلام علما بينه و بين خلقه، ليس بينه و بينهم علم غيره، فمن تبعه كان مؤمنا، و من جحده كان كافرا، و من شك فيه كان مشركا، و رواه البرقي في المحاسن ص 89 ح 34 الوسائل في الباب المتقدم، ح 13 و نحوه ح 19 و 21 و 23 و 24 و 27 و 43 و 46 و 47 و 48 و غيرها، فراجع و راجع كتاب الوافي ج 4 ص 88 (باب حدود الإيمان و الإسلام و دعائمهما)- ط منشورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام أصفهان.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 37‌

..........

______________________________
و يدل على قبول إسلامه حتى مع العلم بالمخالفة 1- الكتاب العزيز قوله تعالى: «
قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ» «1».

فإنه يدل بوضوح على ان عدم الإيمان القلبي لا يضر بإسلامهم الظاهري و ان كان معلوما.

و قوله تعالى: «إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ قٰالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّٰهِ، وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللّٰهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ» «2» فإنه يدل على قبول إسلامهم مع العلم بكذبهم، و انهم لا يعتقدون بالرسالة، و لكن مع ذلك كان النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يعامل معهم معاملة المسلمين.

2- إطلاق الأخبار «3» الواردة في تعريف الإسلام و الإيمان و ان الإسلام عبارة عن مجرد إظهار الشهادتين، و يعم ما إذا علمنا بالمخالفة، و هذا في مقابل الإيمان الذي هو الاعتقاد القلبي، و قد تقدم «4» بعضها كموثقة سماعة و رواية حمران و نحوهما غيرهما «5».

3- السيرة النبويّة فإنها قد جرت على قبول إسلام المنافقين و ان كان يعلم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بكذبهم، و انهم لا يعتقدون بالتوحيد و النبوّة، كما دلت على ذلك صراحة الآية المتقدمة قوله تعالى «إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ.» فإنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يقبل إسلام مثل أبى سفيان، و غيره، من أصحابه بمجرد إظهارهم‌

______________________________
(1) الحجرات 49: 15

(2) المنافقون: 63- 1

(3) لاحظها في الوافي ج 1 ص 18 في الباب 1 من أبواب تفسير الإيمان و الإسلام و في الوسائل ج 1 في الباب 1 من أبواب مقدمة العبادات.

(4) ص 34.

(5) لاحظ الوافي ج 4 ص 77 أصفهان عام 1412 ه‍ ق.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 38‌

..........

______________________________
الإسلام مع العلم بكذبهم، و انهم لم يسلموا إلا خوفا أو طعما فتحصّل: أنه يكفى في تحقق الإسلام مجرد إظهار الشهادتين و لو مع العلم بالخلاف نعم لا بد من عدم الجحود، و الإنكار باللسان، فإنه يناقض الإظهار بالشهادتين، و ينفيه.

و قد دل على ذلك جملة من الروايات أيضا.

1- (منها) صحيحة محمد بن مسلم قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام جالسا عن يساره، و زرارة عن يمينه، فدخل أبو بصير فقال: يا أبا عبد اللّه ما تقول فيمن شك في اللّه تعالى قال عليه السّلام كافر يا أبا محمد، فقال: فشك في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال عليه السّلام: كافر، ثم التفت إلى زرارة فقال: انما يكفر إذا جحد» «1» 2- (و منها) رواية عبد الرحيم القصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال فيه:

الإسلام قبل الإيمان، و هو يشارك الإيمان. الى ان قال عليه السّلام و لا يخرجه الى الكفر إلا الجحود و الاستحلال أن يقول للحلال هذا حرام، و للحرام هذا حلال، و دان بذلك فعندها يكون خارجا من الإسلام و الإيمان و داخلا في الكفر.» «2»

3- (و منها): رواية زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا و لم يجحدوا لم يكفروا» [1]

______________________________
[1] الوسائل ج 1 ص 32 في الباب 2 من أبواب مقدمة العبادات ح: 8 ط: م- قم و يتحصل من مجموع الروايات ان الأصل في الحكم بالكفر انما هو الجحود و الإنكار باللسان، و أما مجرد الشك في اللّه تعالى أو في الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا لم يظهر الإنكار لم يكن كافرا و ان كان الشك مستقرا، كالمنافقين فإنهم محكومون بالإسلام في الظاهر، و إذا استيقنوا و آمنوا صاروا مؤمنين، و قد يكون الشك في برهة الفحص الذي قد يحصل لطالب الدليل، و كان غرضه تحقيق الحق فلا يكون شكه ما دام متفحصا موجبا لكفره و ارتداده بشرط ان لا يظهر الإنكار بلسانه و قد يكون الشك في ضروري من ضروريات الإسلام لشبهة المصلحة الزمنيّة، كما تحصل في جملة من الناس في أمثال عصرنا في بعض الأحكام، و يزعمون انها لا تناسب هذا الزمان، و لا بد من تغييرها كي تناسب مقتضى العصر، و يتوهمون ان للمجتهد تغيير تلك الأحكام المنصوصة، مع ان حلال محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حلال الى يوم القيمة و حرامه حرام فان الشك في أمثال ذلك مما ينشأ عن شبهة انه من الدين في الوقت الحاضر أم لا و هذا لا يوجب الكفر أيضا ما لم يجحد باللسان فتحصل: ان الكفر المصطلح الموجب للارتداد الموجب للنجاسة كفر خاص، و هو الكفر باللّه تعالى أو برسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو بالمعاد. أو إنكار الضروري الراجع إلى إنكار الرسالة إذا أظهر و جحد بلسانه ثم ان «الكفر» قد يطلق في الكتاب العزيز و السنة على معان أخر لا توجب الارتداد و القتل جزما «3»

______________________________
(1) الوسائل ج 28 ص 356 باب: 10 من أبواب حد المرتد ح: 56 ط: م- قم

(2) في الباب المتقدم ح: 50

(3) لاحظ الوافي ج 4 ص 180 باب 16 وجوه الكفر ط منشورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام أصفهان عام 1412 ه‍ ق و لاحظ مصباح الفقيه للفقيه الهمداني قدّس سرّه كتاب الطهارة- الطبع الحجري ص 563 و ما بعدها في شرح ما يثبت به الكفر، و قد أوضح المقال في ذلك بما لا مزيد عليه

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 39‌

[ (مسألة 3): الأقوى قبول إسلام الصبي المميّز]

(مسألة 3): الأقوى قبول إسلام الصبي المميّز (1) إذا كان عن بصيرة

______________________________
(1)
إسلام الصبي المميّز ولد الكافر تابع لأبويه في الحكم بكفره كما تقدم «1» في بحث نجاسة الكافر، فلو أسلم قبل البلوغ و كان صبيّا مميزا ذات بصيرة فهل يقبل إسلامه؟ الأقوى القبول لعموم أو إطلاق ما دل من الروايات «2» على حصول الإسلام بإظهار الشهادتين و ان لم يكن بالغا حدّ التكليف «3» و‌

______________________________
(1) ج 3 ص 105- 107.

(2) الوسائل ج 1 في الباب 2 من أبواب مقدمة العبادات- ط: م- قم و الوافي ج 4 ص 77 في الباب 5 من أبواب تفسير الإيمان و الإسلام ط منشورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام أصفهان عام 1412 ه‍ ق.

(3) لاحظ الوسائل ج 1 في الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات ط: م- قم في شرائط التكليف من السنّ، و الإنبات، و الاحتلام

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 40‌

..........

______________________________
ثمرته إجراء أحكام الإسلام في حقه من الطهارة، و جواز تزويجه بالمسلمة، وارثه من المسلم و غير ذلك من أحكام المسلمين.

و أما دليل تبعيّته لوالديه الكافرين فقاصر الشمول عن الفرض، لما ذكرناه في بحث «1» نجاسة الكافر من أنه الإجماع و لو تم في نفسه فمقصور على ما إذا لم يستقل بإظهار الإسلام عن علم و بصيرة، و أما لو استقل بذلك فلا إجماع على التبعية فيكون مسلما مستقلا ثم إن هنا حديثين ربما يتوهم دلالتهما على عدم قبول إسلام الصبي (الأول) حديث رفع القلم قد يتوهم دلالة حديث «رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم» «2» على منع شمول العمومات له بدعوى: دلالته على أن القلم مرفوع عنه مطلقا فلا يكتب له و لا عليه شي‌ء فاسلامه كعدمه و تندفع بان ظاهر الحديث رفع قلم المؤاخذة، و الإلزام، لا رفع الرأفة و المداراة، لظهوره في مقام الامتنان، و لا امتنان على الصبي في رد إسلامه، نعم لا يؤاخذ بتركه، كما لا يؤاخذ بترك الواجبات و الإتيان بالمحرمات لو أسلم.

(الثاني) حديث عمد الصبي خطاء و قد يتوهم أيضا دلالة هذا الحديث «3» على أن إسلام الصبي و لو كان‌

______________________________
(1) ج 3 ص 105- 106.

(2) عن ابى ضبيان قال: أتى عمر بامرأة مجنونة قد زنت، فأمر برجمها، فقال على عليه السّلام: أما علمت ان القلم يرفع عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ- الوسائل ج 1 ص 45 في الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات ح: 11 ط م قم و ج 29 ص 90 ط م قم في الباب 36 من أبواب القصاص ح: 2.

(3) الوسائل ج 29 ص 400 في الباب 11 من أبواب العاقلة: ح: 2 ط: م- قم- و هو صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «عمد الصبي و خطاه واحد»

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 41‌

..........

______________________________
عن اختيار و عمد أنه لا أثر له، لأنه بمنزلة الخطأ عند الشارع و فيه: أولا: أنه مجمل لا يمكن الأخذ بإطلاقه، و من هنا لم يلتزم أحد من الفقهاء بصحة صلاة الصبي- بناء على مشروعية عباداته- لو أكل أو شرب، أو تكلم عمدا في صلاته، بتوهم انه بمنزله الخطأ و السهو، أو أكل في صومه عمدا فيقال بصحته، لأنه بمنزلة الخطأ تمسكا بإطلاق هذا الحديث و قد ذكرنا في بحث المكاسب ردا على من زعم بطلان عقد الصبي- مستدلا بهذا الحديث- أنه لا إطلاق له يشمل بيعه أو سائر عقوده، كالزواج، و نحوه فيتوهم بطلانها بحجة عموم الحديث المذكور.

و عليه يكون مجملا لا يصلح للاستدلال بإطلاقه، فيحمل على موارد القصاص، و الديات بقرينة ما ورد في رواية أخرى «1» من أن «عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة» لا من جهة حمل المطلق على المقيد، كي يورد علينا بأنهما مثبتان لا موجب للحمل، بل لأجل تفسير المجمل بالمبيّن، أو حمل القضية المهملة على القدر المتيقن بقرينة الرواية الثانية.

و ثانيا: ان هذا الحديث بهذا التعبير ظاهرا في ثبوت حكم لخطأ البالغ أخف مما يثبت في عمده، و يثبت ذاك الحكم لعمد الصبي إرفاقا به، و هذا مختص بباب الديات، و حينئذ لا حاجة إلى قرينة خارجيّة للحمل على باب‌

______________________________
(1) و هي معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليه السّلام: «ان عليا عليه السّلام كان يقول عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة»- الوسائل ج 29 ص 400 ط م قم في الباب 11 من أبواب العاقلة ح 3- و في رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام: «إنه كان يقول في المجنون، و المعتوه الذي لا يفيق، و الصبي الذي لم يبلغ عمدهما خطأ تحمله العاقلة، و قد رفع عنهما القلم»- الوسائل ج 29 ص 90 في الباب 36 من أبواب القصاص في النفس ح 2- ط: م- قم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 42‌

..........

______________________________
الديات، بل نفس الحديث كاف في الدلالة على ذلك، نعم لو كان التعبير هكذا «عمد الصبي كلا عمد» لم يدل على ثبوت حكم لصورة الخطأ في البالغ، و كنا نحتاج إلى قرينة خارجيّة تدل على ذلك.

فتحصل: أن الأقوى قبول إسلام الصبيّ المميز للإطلاقات من دون مقيّد ارتداد الصبي المميّز لا كلام في تبعية ولد المسلم لأبويه المسلمين أو أحدهما المسلم الى ان يبلغ، و لو ارتد قبل ذلك، و هو مميز، فهل يكون كافرا بالارتداد أولا، قد ظهر حكم هذا أيضا مما ذكرناه في ولد الكافر لو أسلم، و هو أن التبعية سواء كان في الكفر، أو الإسلام انما تتم فيما إذا لم يستقل التابع بإظهار أحدهما عن تمييز و شعور، فهذا يحكم بكفره، كما قلنا بأنه يحكم بإسلام ولد الكافر لو أسلم عن تمييز و شعور نعم مقتضى حديث «رفع القلم عن الصبي» عدم العقوبة عليه فلا يقتل، و لا يقسم ماله على ورثته لو كان له مال، و لا ينفصل عن زوجته لو كان له زوجة، و لا يعاقب في الآخرة بمقتضى الحديث المذكور، إلا أن يستمر على كفره فيبلغ كافرا، فحينئذ يستتاب، فان تاب و الا فيقتل «1» فيكون حاله قبل البلوغ حال المرتد الملّي في قبول توبته، و عدم إجراء الأحكام الثلاثة عليه، و أما نجاسته قبله فلا تشملها حديث رفع القلم، لأنها في الحقيقة إلزام للآخرين بالاجتناب عنه، فلا ضيق على الصبي من هذه الناحية كي يكون مقتضى الامتنان رفعه عنه، بل هو تضييق على الآخرين بالاجتناب عنه فالصحيح هو التفصيل بين ثبوت الحكم بنجاسة الصبي المرتد، و عدم‌

______________________________
(1) كما في الروايات راجع الوسائل ج 28 ص 326 ط م قم (باب ان الطفل إذا كان أحد أبويه مسلما فاختار الشرك عند البلوغ أجبر على الإسلام فإن قبل و الا قتل بعد البلوغ) ب 2 من أبواب حد المرتد.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 43‌

..........

______________________________
ثبوت الأحكام الثلاثة الثابتة على المرتد عقوبة
«1»

______________________________
(1) الإسلام إما حقيقي أو حكمي (تبعيّ) أما الأول فهو عبارة عن إظهار الشهادتين- كما دلت عليه جملة كثيرة من الروايات (راجع الوافي ج 4 ص 77 ط قم عام 1412 و قد تقدم بعضها في ص 30) و هذا مما لا كلام فيه سواء أ كان بعد البلوغ أو قبله مع التمييز.

و أما الثاني فهو عبارة عن الولادة على الإسلام بأن يتولد و كلا أبويه أو أحدهما يكون مسلما، كما دل عليه جملة من الروايات أيضا.

1- (منها) صحيحة حسين بن سعيد قال: «قرأت بخطّ رجل إلى أبى الحسن الرّضا عليه السّلام رجل ولد على الإسلام، ثم كفر و أشرك و خرج عن الإسلام، هل يستتاب أو يقتل، و لا يستتاب فكتب عليه السّلام يقتل» (الوسائل ج 28 ص 352 ح 6 ط: م- قم) 2- و (منها) معتبرة عبيد بن زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في الصبي يختار الشرك، و هو بين أبويه؟ قال:

«لا يترك و ذاك إذا كان أحد أبويه نصرانيا» (الوسائل ج 28 ص 326 ط م قم في الباب 2 من أبواب حد المرتد: ح: 1).

3- و منها صحيحة أبان- على رواية الصدوق- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الصبيّ إذا شب فاختار النصرانية و أحد أبويه نصراني أو مسلمين؟ قال: لا يترك. و لكن يضرب على الإسلام» (الوسائل ج 28 ص 326 ط م قم في الباب 2 من أبواب حد المرتد: ح: 2 و عنوان الباب في الوسائل هو باب ان الطفل إذا كان أحد أبويه مسلما فاختار الشرك عند البلوغ جبر على الإسلام، فإن قبل و الا قتل بعد البلوغ) فان هذه الروايات تدل على تبعية الولد لأبويه أو أحدهما في الإسلام من حين ولادته و لأجل ذلك لا يترك، و يضرب على الإسلام بعد البلوغ، فان قبل و الا قتل بل يحكم بإسلام الولد من حين إسلام أحد أبويه بعد ولادته، كما يدل على ذلك رواية حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك فقال: إسلامه إسلام لنفسه، و لولده الصغار، و هم أحرار.» (الوسائل ج 15 ص 116 ط م قم في الباب 43 من أبواب جهاد العدو، ح: 1) و نحوها مرسلة الصدوق قال: «قال على عليه السّلام: إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام، فان أبى قتل.» (الوسائل ج 28 ص 329 ط م قم في الباب 3 من أبواب حد المرتد، ح:

7).

بل إذا انعقد الولد واحد أبويه كان مسلما كفى في الحكم بإسلامه التبعي و ان كفرا بعد ذلك قال سيدنا الأستاذ في (مباني تكملة المنهاج، ج 1 ص 330) «لو ولد للمرتد ولد بعد ردته كان الولد.

محكوما بالإسلام أيضا، إذا كان انعقاد نطفته حال إسلام أحد أبويه فإنه يكفي في ترتب أحكام الإسلام انعقاد نطفته حال كون أحد أبويه مسلما، و ان ارتد بعد ذلك» و يدل على ذلك مضافا الى تسالم الأصحاب ما دل على ان الرجل المسلم إذا مات، و كانت زوجته حاملا يعزل ميراث الحمل، فينتظر به حتى يولد حيّا، و هذا بضميمة ان وارث المسلم يعتبر فيه الإسلام يثبت ان الحمل محكوم بالإسلام فمن حين انعقاده و بالجملة الإسلام الحكمي (التبعي) ثابت للولد إذا كان أحد أبويه مسلما إما حين انعقاد نطفته- و ان كفرا بعد ذلك- أو أسلما أو أحدهما قبل ولادته، أو بعدها، فما لم يصل الى حد البلوغ فهو محكوم بالإسلام تبعا لأشرف أبويه، و لو حين انعقاد نطفته، هذا من ناحية الإسلام الحكمي ثم إنه لا خلاف و لا إشكال في أن الولد المحكوم بالإسلام إذا بلغ، و أظهر الشهادتين، ثم ارتد فهو مرتد فطري يجرى عليه أحكامه، فإنه كان مسلما حكما قبل البلوغ، ثم أسلم حقيقة بعده ثم ارتد عن الإسلام الحكمي و الحقيقي معا و أما إذا بلغ كافرا أى اختار الكفر من دون أن يسلم فهل يكون مرتدا فطريا أم لا، و معنى ذلك أن يكون الإسلام الحكمي بمنزلة الإسلام الحقيقي من هذه الجهة أيضا أم لا المحكي في (المستمسك ج 2 ص 121) عن جماعة منهم الشيخ و العلامة، و صاحب كشف اللثام التصريح بان من بلغ من ولد المسلمين فوصف الكفر لا يجرى عليه حكم المرتد الفطري، بل يستتاب، فان تاب، و إلا قتل، فأجروا عليه حكم المرتد الملّي، لا الفطري.

هذا، و لكن أشكل السيد الحكيم قدّس سرّه في المستمسك (ج 2 ص 121) على ذلك ب‍ «ان الظاهر من النصوص (لاحظها ج 28 ص 323 و ص 327 ط م قم) انه يعتبر في تحقق الارتداد مطلقا أن يصف الإسلام بعد البلوغ ثم يكفر» فيعتبر في أصل الارتداد سواء الملي أو الفطري أمران (أحدهما): الإسلام الحقيقي- و هو إظهار الشهادتين- فلا يكفي الإسلام الحكمي (الثاني): أن يكون ذلك بعد البلوغ لا قبله و عليه إذا بلغ الصبي فاختار الكفر لا يجرى عليه حكم الارتداد مطلقا لا الفطري و لا الملي، لعدم تحقق الإسلام الحقيقي منه قبل ذلك فرضا، فلا ردّة منه للإسلام، و مجرد كونه مسلما حكما قبل البلوغ من حين الولادة لا يكفي في صدق الارتداد المصطلح، الذي هو موضوع لأحكام خاصة، لقصور دليل الإسلام الحكمي عن النظر الى مثل ذلك، بل غايته الإلحاق إلى والديه في الطهارة و نحوها من الأحكام، كالملكية، و النكاح، و الإرث، دون إجراء حكم القتل لو ارتد عنه، سواء أستتيب أم لا، و عليه كان مقتضى القاعدة عدم إجراء حد القتل عليه و لو لم يتب، لعدم تحقق شرط الارتداد الحقيقي بالنسبة إليه، سواء الفطري أو الملي هذا هو مقتضى القاعدة، كما أفيد، الا انه قد دلت النصوص المتقدمة (و هي معتبرة عبيد بن زرارة، و صحيحة أبان، و مرسلة الصدوق و تقدمت في صفحة 43) بأنه يستتاب، فان تاب و الا قلت فيجري عليه حكم المرتد الملي، دون الفطري، و الظاهر ان القائلين بذلك استند و إليها، و الا فلو كان الإسلام الحكمي بمنزلة الحقيقي حتى في الارتداد عنه لزم إجراء حكم المرتد الفطري في حقه، فلا يستتاب، لانه ولد على الإسلام، و بلغ مرتدا فيكون مرتدا فطريا كمن بلغ مسلما ثم ارتد، و لكن لم يلتزموا بذلك. فلاحظ و تأمل.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 45‌

[ (مسألة 4): لا يجب على المرتد الفطري بعد التوبة تعريض نفسه للقتل]

(مسألة 4): لا يجب (1) على المرتد الفطري بعد التوبة تعريض نفسه للقتل «1» بل يجوز له الممانعة منه، و إن وجب قتله على غيره

______________________________
(1)
حكم امتناع المرتد عن القتل لا ينبغي الإشكال في أنه إذا لم يثبت ارتداد الشخص عند الحاكم، و لم يصدر منه الحكم بقتله لا يجب عليه تعريض نفسه للقتل، بالإقرار عند الحاكم أو بغير ذلك، بل يجب حفظ نفسه عن القتل و لو بالإنكار و ردّ الشهود مهما أمكن بل لو توقف على الفرار وجب، و إن تاب عن ارتداده، لأن وجوب قتل المرتد «2» حكم لغيره فلا يعم نفسه كي يعرضها للقتل، على أن إظهار الارتداد- و لو مع التوبة بعده- إظهار للمعصية و فضيحة لنفسه، فيكون حراما.

و أما إذا ثبت ارتداده عند الحاكم و حكم بقتله- فلا يبعد القول بوجوب تعريض نفسه للقتل تنفيذا لحكم الحاكم، لأن الامتناع حينئذ يكون ردا على الحاكم، إذ لا فرق بين الرد القولي و العملي، و الرد عليه كالراد على الأئمة عليهم السّلام و هو على حدّ الشرك باللّه تعالى.

و الظاهر أن المصنف «قده» أراد الفرض الأول، أعني فرض عدم صدور‌

______________________________
(1) و في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف قدّس سرّه «لا يجب.» (لا يبعد الوجوب بعد حكم الحاكم بلزوم قتله) قد ذكرت المسألة هنا عفوا، لأن محلها أبواب الحدود، لا المطهّرات.

(2) و قد تقدم في التعليقة ص 22 ما يدل على ذلك كقوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم «فلا توبة له و قد وجب قتله».

و في موثقة عمار «فان دمه مباح لمن سمع منه ذلك» و نحوهما غيرهما و راجع الوسائل ج 28 ص 323 ط م قم في الباب 1 من أبواب حد المرتد ح 2 و 3

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 46‌

..........

______________________________
الحكم، لجواز قتله على من سمع منه الارتداد، من دون حاجة إلى صدور الحكم من الحاكم إذا لم يترتب عليه مفسدة، لأن الامتناع، و الفرار من القتل حينئذ لا يكون ردّا على الحاكم، لأنه من السالبة بانتفاء الموضوع، فلا مانع منه شرعا، بل يحرم التعريض في هذه الحالة- كما ذكرنا- لوجوب حفظ النفس، و حكم القتل متوجه الى غيره و كل يعمل بوظيفته، و تفصيل الكلام في كتاب الحدود.





 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net