حكم إتيان العمل مخالفاً للتقيّة وموافقاً للواقع 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5735


    الصورة الثانية : ما إذا ترك المكلف العمل على طبق مذهبهم وأتى به على طبق الوظيفة الواقعية فيما تقتضي التقيّة إظهار الموافقة معهم ، وهذا قد يتصوّر في المعاملات بالمعنى الأعم أو بالمعنى الأخص ، وقد يتصوّر في العبادات .

   أمّا ترك العمل بالتقية في المعاملات والاتيان بها حسبما يقتضيه الحكم الواقعي ، كما إذا فرضنا أن التقيّة اقتضت الطلاق من غير شهادة العدلين والمكلف قد ترك التقيّة وطلّق زوجته عند العدلين وشهادتهما ، فلا ينبغي الاشكال في وقوع المعاملات صحيحة عندئذ ، لأن ترك التقيّة وإن كان محرماً كما عرفت إلاّ أن النهي في المعاملات لا بعنوانها بل بعنوان آخر لا دلالة له على الفساد ، وحيث إن المعاملة مشتملة على جميع القيود والشروط فلا محالة تقع المعاملة صحيحة وإن كان المكلف قد ارتكب معصية كما عرفت .

 
 

ــ[281]ــ

   وأمّا في العبادات فترك العمل فيها على طبق التقيّة وإتيانه على طبق الوظيفة الواقعية يتصوّر على وجهين ، وذلك لأن التقيّة قد تقتضي فعل شيء إلاّ أن المكلف يتركه ويخالف فيه التقيّة ، واُخرى ينعكس الأمر فتقتضي التقيّة ترك الاتيان بشيء في مورد والمكلف يخالف التقيّة ويأتى به .

   أمّا إذا اقتضت التقيّة فعل شيء وخالفها المكلف بترك ذاك العمل ، فالصحيح صحة عباداته مطلقاً سواء أ كان فعله جزءاً من العبادة على مذهبهم كقول آمين بعد القراءة أم كان شرطاً للعبادة كما في التكفير بوضع إحدى اليدين على الاُخرى ، أو لا هذا ولا ذاك بل كان أمراً مستحباً عندهم غير أن التقيّة اقتضت إظهار الموافقة معهم في الاتيان بالمستحب كصلاة الجماعة معهم ، فاذا ترك التأمين والتكفير ولم يصل معهم وهو في المسجد ، فالظاهر صحّة عمله ، لموافقته للوظيفية الواقعية وغاية الأمر أنه ارتكب الحرام بتركه التقيّة ، إلاّ أن ارتكاب المحرم في الصلاة غير مضر بصحّتها بعدما فرضنا كونها مطابقة للمأمور  به الواقعي ، والسر في ذلك أن الأدلّة الآمرة بالتقيّة كقوله (عليه السلام) «لا دين لمن لا تقيّة له» أو «لا إيمان له» ونحوهما مما قدمنا نقله (1) إنما تدلنا على أن التقيّة من الدين وتركها أمر غير مشروع ، وأما أن القيود المعتبرة عند العامّة أيضاً معتبرة في العمل تقيّة فلا دلالة لها على ذلك كما مر .

   وأما إذا كانت التقيّة في الترك وخالفها المكلف باتيان ذلك الفعل وهو مطابق للوظيفة المقررة بحسب الواقع فله صورتان :

   إحداهما : ما إذا كان العمل المأتي به في العبادة على خلاف التقيّة خارجاً عن العبادة ولم يكن من قيودها وشرائطها ، كما إذا اقتضت التقيّة ترك القنوت إلاّ أن المكلف قد أتى به وترك التقيّة بتركه ، ولا مانع في هذه الصورة من الحكم بصحة العبادة ، لأن العمل المأتي به وإن كان محرماً على الفرض وقد وجب عليه أن يتركه للتقيّة ، غير أن العمل المحرم الخارج عن حقيقة العبادة غير مضر للعبادة بوجه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 215 .

ــ[282]ــ

   اللّهمّ إلاّ أن نقول بما احتمله شيخنا الاُستاذ (قدس سره) بل بنى عليه من أن الذكر المحرم من كلام الآدميين وهو مبطل للصلاة (1) ولكنّا أجبنا عنه في محله (2) بأن حرمة الذكر لا يخرج الذكر عن حقيقته ولا تبدله إلى حقيقة اُخرى ، بل هو ذكر محرم لا أنه حقيقة ثانوية اُخرى ، والمبطل إنما هو كلام الآدميين دون الذكر كما لا يخفى .

   وثانيتهما : ما إذا كان العمل المأتي به على خلاف التقيّة من أجزاء العبادة أو شرائطها ، كما إذا اقتضت التقيّة ترك السجدة على التربة الحسينية على مشرفها آلاف التحية والسلام ، والمكلف قد خالف التقيّة وسجد على التربة ، فحينئذ إن اقتصر على ذلك ولم يأت بسجدة اُخرى موافقة للتقية فلا ينبغي التأمل في بطلان عبادته ، لأن السجدة على التربة ـ لأجل كونها على خلاف التقيّة ـ محرمة على الفرض ، والمحرم لا يعقل أن يكون مصداقاً للواجب ، وحيث إنه قد اقتصر عليها ولم يأت بسجدة اُخرى موافقة للتقية فقد ترك جزءاً من صلاته ومعه تقع الصلاة فاسدة لا محالة .

   وأمّا إذا لم يقتصر على ذلك العمل المحرم بل أتى به ثانياً مطابقاً للتقية فهو أيضاً على قسمين :

   لأن ما أتى به من العمل المحرم في الصلاة قد تكون من الأفعال التي زيادتها مانعة عن صحّة الصلاة ، كما في زيادة السجدة على ما استفدناه من النهي عن قراءة العزائم في الصلاة ، معللاً بأن السجدة الواجبة لأجلها زيادة في المكتوبة ، فأيضاً لابدّ من الحكم ببطلان العبادة ، لأن الصلاة وقتئذ وإن كانت مشتملة على جزئها وهو السجدة على غير التربة ، إلاّ أن اشتمالها على سجدة اُخرى محرمة وهي السجدة على التربة الحسينية مثلاً في حال التقيّة يوجب الحكم ببطلانها ، لأن السجدة زيادة في الفريضة كما عرفت .

   وقد لا تكون من الأفعال التي تبطل الصلاة بزيادتها ، وهذا أيضاً على قسمين :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب الصلاة 2 : 182 .

(2) في المسألة [ 1710 ] .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net