هل المدار في التصرف في مال الغير رضاه أو إذنه - صور الشك في رضى المالك 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9872


ــ[326]ــ

   وأمّا إذا  لم يكن هناك شيء من هذه الاُمور فلا بدّ في صحة الوضوء من إذن مالك الماء ورضاه ، وذلك لأن حرمة التصرف في مال الغير من دون إذنه قد أطبقت عليها الأديان والشرائع ومن الاُمور الضرورية عند العقلاء ، لبداهة أن التصرّف في ملك الغير من دون رضاه ظلم وعدوان كما أن الحرمة من ضروريات الدين وقد دلّت موثقة سماعة المتقدِّمة (1) على عدم جواز التصرّف في مال الغير إلاّ بطيبة نفسه .

   ثم إن المالك قد يصرّح برضاه وإذنه في الوضوء ، كما إذا قال أبحت لك التصرّف في هذا الماء بالوضوء أو قوله انتفع به في الوضوء أو غير ذلك من العبارات .

   وقد يستكشف رضاه بالفحوى وطريق الأولوية ، كما إذا أجاز له في إتلاف ماله لأنه يستلزم الإذن في الوضوء بطريق أولى ، حيث لا إتلاف معتدّ به في الوضوء أو لو كان فهو قليل .

   وثالثة يستكشف الإذن من شاهد حال كما في الضيوف ولا سيما في المضائف العامة ، فانه إذا أضاف أحد غيره يرضى بتصرفاته في مثل الماء الموجود في محل الضيافة بالاستنجاء أو بالتوضؤ أو بغيرهما مما لا يوجب الاضرار والاتلاف ، كما جرت عليه السيرة في الضيافات ، فان الضيف يتصرف في مال المضيف كتصرّفات نفسه . وقد قيد الماتن (قدس سره) شاهد الحال بالقطعي ويأتي عليه الكلام عن قريب إن شاء الله تعالى .

    بقي هنا شيء : وهو أنك قد عرفت أن بناء العقلاء والمتشرعة على عدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه ورضاه ، بل مرّ أن ذلك من ضروريات الدين ومما أطبقت عليه الأديان والشرائع . إذن حرمة التصرف في مال الغير من غير إذنه ورضاه مما لا إشكال فيه .

   وإنما الكلام في أن موضوع الحرمة المذكورة هل هو عدم الرضا القلبي والطيب النفساني ، أو أن موضوعها عدم الاذن وعدم إبراز الرضا بحيث لو علمنا برضاه قلباً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 323 .

ــ[327]ــ

ولكنه لم يبرزه بمبرز في الخارج من تصريح أو فحوى ونحوهما حكم بحرمة التصرّف في ماله ؟ مقتضى ما جرت عليه سيرة العقلاء والمتشرعة إنما هو الأوّل ، ومن هنا تراهم يتصرفون في أموال غيرهم من كتاب أو لحاف أو عباء عند العلم برضى مالكه وإن لم يبرز رضاه في الخارج بشيء . وتدل عليه صريحاً موثقة سماعة «لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفس منه» (1) حيث علقت الجواز على طيبة النفس لا على الاذن والابراز .

   نعم ، ورد في التوقيع الخارج إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (قدس الله روحه) قوله (عليه السلام) «فلا يحل لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» (2) وهو كما ترى قد علّق الجواز على إذن المالك وإبراز رضائه في الخارج .

   ولكن الصحيح هو الأوّل كما مرّ ، وذلك لأن الرواية الثانية ضعيفة السند فانها قد رويت في الاحتجاج عن أبي الحسين محمد بن جعفر وهو منقطع السند ، ورويت أيضاً عن مشايخ الصدوق (قدس سره) كعلي بن أحمد بن محمد الدقاق وعلي بن عبدالله الوراق وغيرهما ولكنهم لم يوثقوا في الرِّجال ، وليس في حقِّهم غير أنهم من مشايخ الاجازة للصدوق (قدس سره) وأنه قد ترضّى وترحّم على مشايخه في كلامه وشيء من ذلك لا يدل على توثيقهم ، لوضوح أن مجرّد كونهم مشيخة الاجازة غير كاف في التوثيق لعدم دلالتـه على الوثاقة بوجه ، كما أن ترحّمه وترضّيه (قدس سره) كذلك فان الامام (عليه السلام) قد يترحّم على شيعته ومحبيه ولا يدل ذلك على وثاقة شيعته ، فكيف بترحّم الصدوق (قدس سره) هذا أوّلاً .

   وثانياً : أن الجمع العرفي بين الروايتين يقتضي حمل الاذن في الرواية الثانية على كونه كاشفاً عن الطيب النفساني والرضا القلبي من دون أن تكون له خصوصية في ذلك ، ومع إمكان الجمع العرفي بين الروايتين لا تكون الرواية مخالفة لما ذكرناه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 120 / أبواب مكان المصلي ب 3 ح 1 .

(2) الاحتجاج : 480 ،  وفيه أبي الحسن .

ــ[328]ــ

   [ 545 ] مسألة 6 : مع الشك في رضا المالك لا يجوز التصرّف (1) ويجري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   إذن المدار في جواز التصرف لغير المالك إنما هو رضى المالك وطيبة نفسه ، سواء أ كان مبرزاً بشيء أم علمنا بوجوده من دون إبرازه بمبرز .

   هذا كله فيما إذا علمنا برضى المالك على أحد الأنحاء المتقدمة ، وأما إذا شككنا في رضاه فقد أشار الماتن إلى تفصيل الكلام فيه بقوله : مع الشك .

    صور الشك في رضى المالك :

   (1) قد لا يكون لرضى المالك حالة سابقة متيقنة وقد يكون مسبوقاً بها .

   أمّا إذا لم تكن له حالة سابقة فلا إشكال في عدم جواز التصرف في ماء الغير بالتوضؤ أو بغيره ، وذلك لاستصحاب عدم إذنه ورضاه لأنه المستنثى في قوله (عليه السلام) لا يحل لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلاّ برضاه أو بطيبة نفسه ، وهو مما يجرى الاستصحاب في عدمه .

   وأمّا إذا كانت له حالة سابقة فهي على قسمين :

   فقد يعلم برضى المالك بهذا التصرّف الشخصي سابقاً ، كما إذا كانت بينهما صداقة فأذن له في التوضؤ بمائه أو في جميع التصرّفات فيه ثم ارتفعت الصداقة ولأجله شككنا في بقاء إذنه ورضاه ، ولا شبهة وقتئذ في جريان الاستصحاب في بقاء الرضا وبه يحكم على جواز التوضؤ وصحته .

   واُخرى لا يعلم إلاّ أصل الرضا على نحو الاجمال ، كما إذا لم ندر أنه هل رضي بالتصرف في مائه هذا اليوم فقط أو أنه أذن له في تصرفاته فيه في اليوم الثاني والثالث أيضاً ، ففي هذه الصورة لا بدّ من الاقتصار بالمقدار المتيقن من إذن المالك وهو اليوم الأول في المثال ، وأما في غيره فلا بدّ من الرجوع إلى عمومات حرمة التصرف في مال الغير من دون اذنه ، والسر في ذلك ما سردناه في التكلم على المعاطاة من أن كل تصرف مغاير للتصرّف الآخر، وحرمة التصرّف في مال الغير انحلالية ، وقد ثبت على

ــ[329]ــ

عليه حكم الغصب ، فلا بدّ فيما إذا كان ملكاً للغير من الاذن في التصرّف فيه صريحاً أو فحوى (1) أو شاهد حال قطعي (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كل واحد من أفراد التصرفات حرمة إستقلالية ، ومعه إذا علمنا ارتفاع الحرمة عن فرد من أفراد المحرّم فقد علمنا بجواز ذلك الفرد من الأفراد المحرمة ، ولا يستلزم هذا ارتفاع الحرمة عن الفرد المحرم الآخر ، بل لا بدّ معه من الرجوع إلى عموم حرمة التصرّف في مال الغير كما عرفت .

   (1) كما قدّمناه (1) فلاحظ .

   (2) قد قيد شاهد الحال بالقطعي ، ولعلّه أراد منه مطلق الحجّة المعتبرة ، إذ لا وجه لتخصيصه ذلك بخصوص القطعي منها ، لوضوح أن الاطمئنان أيضاً حجّة عقلائية يعتمدون عليه في اُمورهم ومعاشهم ولا سيما في أمثال تصرّفات الضيوف للاطمئنان الخارجي برضى المضيف لهم .

   بل وكذلك الحال في القسمين السابقين أعني تصريح المالك بالاذن أو استكشافه بالفحوى ، فان مالكية الآذن قد تثبت بالبينة والأمارة الشرعية كاليد لا بالعلم الوجداني . وكذا تصريحه بالإذن فانّه قد يثبت بالبيِّنة وقد تثبت بالفحوى ، كما إذا رأينا أن من بيده المال قد أذن في إتلافه وعلمنا منه إذنه في الوضوء بطريق الأولوية القطعية ، مع أن مالكيته مستندة إلى اليد .

   وعلى الجملة تكفي في جواز التصرّفات في الأملاك الراجعة إلى الغير قيام شيء من الحجج المعتبرة على الإذن والرضا بتلك التصرّفات ولا اختصاص في ذلك للعلم .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 326 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net