حكم التوضؤ من الأنهار الكبيرة - حكم التوضؤ من حوض المسجد ونحوه 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7074


ــ[330]ــ

   [ 546 ] مسألة 7 : يجوز الوضوء والشرب ((1)) من الأنهار الكبار سواء كانت قنوات أو منشقة من شط ، وإن لم يعلم رضى المالكين ، بل وإن كان فيهم الصغار والمجانين ، نعم مع نهيهم يشكل الجواز (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   حكم التوضؤ من الأنهار الكبار :

   (1) قد أسلفنا حكم التوضؤ من المياه المملوكة غير الكبيرة ، وأما المياه الكبيرة المملوكة للغير فقد أفتى الماتن (قدس سره) بجواز التوضؤ والشرب من الأنهار الكبيرة وإن لم يعلم برضى ملاّكها ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب (قدس الله أسرارهم) .

   بل قد ذهب بعضهم إلى جواز التصرف فيها حتى مع منع المالك عن تصرف الغير في مياهه ، وكذلك التصرف في الأراضي الوسيعة بالتوضؤ فيها أو الجلوس والنوم عليها . وتبعهم الماتن في بعض أقسام الأراضي كالأراضي المتسعة جداً . والكلام في مدرك ذلك ، والعمدة فيه هي السيرة القطعية المستمرة على ما يأتي تقريبها .

   وقد يستدل عليه بانصراف أدلة حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه عن مثل الصلاة والجلوس والنوم ونحوها من التصرفات غير المضرة لمالك المال ، وكذلك الوضوء فيما إذا صبّ ماءه على النهر المملوك لمالك الماء بحيث نعلم عدم تضرره إلاّ بمقدار يسير لا يعتنى به عند العقلاء ، أعني الرطوبات الباقية على يديه أو وجهه ، ومن هنا جاز الاستظلال بجدار الغير أو الاستضاءة بنوره أو ناره .

   ويندفع بأن الاستظلال بجدار الغير أو الاستضاءة بنوره وإن كانا مباحين إلاّ أن الوجه في إباحتهما عدم كونهما تصرفاً في جدار الغير أو مصباحه مثلاً ، وليس الوجه فيه هو انصراف أدلة حرمة التصرف عن مثله ، حيث لا موجب للانصراف بعد صدق التصرّف على مثل الصلاة في أرض الغير أو الوضوء بمائه مع عموم قوله في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر أ نّه يعتبر في الجواز عدم العلم بكراهة المالك وعدم كونه من المجانين أو الصغار وأن لا  تكون الأنهار تحت تصرّف الغاصب والأحوط عدم التصرف مع الظنّ بالكراهة .

ــ[331]ــ

موثقة سماعة المتقدِّم «لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفسه» .

   واُخرى يتوهّم عدم شمول أدلّة حرمة التصرّف لمثل الوضوء من الأنهار الكبيرة من جهة معارضتها بما دلّ على مطهرية الماء وطهارته وعدم انفعاله إلاّ بالتغيّر ، نظراً إلى أن مقتضى إطلاق تلك الأدلة أو عمومها حصول الطهارة بالتوضؤ من مياه الغير .

   ويتوجه عليه : أ نّا لا ننكر طهورية الماء وعدم انفعاله إلاّ بالتغيّر ، وإنما ننكر مطهريته عند كونه ملك الغير من جهة العنوان الثانوي وهو كونه تصرّفاً في مال الغير من دون إذنه ، وعليه فالأدلّة المذكورة أجنبية عما نحن بصدده وغير معارضة للأدلّة الدالّة على حرمة التصرّف في مال الغير من دون رضاه .

   نعم ، حكي عن المجلسي (1) والكاشاني (2) (قدس سرهما) الاستدلال على ذلك بما ورد في بعض الروايات من أن الناس في ثلاثة شرع سواء ، الماء والنار والكلاء ومقتضاها جواز التوضؤ والشرب من المياه المملوكة للغير وإن لم يرض به ملاكها .

   والجواب عن ذلك : أن الرواية لا بدّ من حملها على المياه التي هي من المباحات غير الداخلة في حيازة أحد وكذا في النار والكلاء ، وإلاّ فظاهرها جواز التصرّف في تلك الاُمور الثلاثة مطلقاً حتى فيما إذا حازها أحد وجعلها في إناء مثلاً ، أو كان التصرّف فيها مستلزماً لتضرّر ملاّكها كشق نهر مملوك لغيره ونحو ذلك ، مع أنه على خلاف الضرورة وخلاف ما بنى عليه العقلاء ، فان الاشتراك في الأموال المذكورة على خلاف الأديان وخلاف الضرورة في ديننا ، وهو من أظهر أنحاء الظلم والعدوان والتعدي لأموال الناس بلا مسوّغ ، فكيف يؤخذ مال الغير من دون إذنه بدعوى أنه ماء أو نار أو كلاء .

   وحمل الرواية على خصوص الأنهار الكبار يستلزم تخصيص الأكثر المستهجن ، إذن لا مناص من حملها على الماء أو الكلاء أو النار التي هي من المباحات الأصلية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ملاذ الأخيار 11 : 233 .

(2) حكى عنه في المستمسك 2 : 433 .

ــ[332]ــ

غير الداخلة في حيازة أحد ، أو على كراهة المنع عن فضل الماء أو الكلاء كما ورد في بعض الروايات(1) ولعلّه من جملة الحقوق المستحبة ، فيستحب أن لا يمنع فضل الاُمور المذكورة فلاحظ .

   هذا مع أ نّا لم نقف على الرواية المذكورة بتلك الألفاظ لا من طرقنا ولا من طرق العامة ، والموجودة في رواياتنا إنما هي رواية الشيخ (قدس سره) باسناده عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن أبي الحسن (عليه السلام) قال «سألته عن ماء الوادي فقال : إن المسلمين شركاء في الماء والنار والكلاء»(2) ورواها الصدوق (قدس سره) أيضاً باسناده عن محمد بن سنان(3) ولكنّها أيضاً ضعيفة السند بمحمد بن سنان وغير قابلة للاستدلال بها في محل الكلام .

   وورد أيضاً عن ابن عباس أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : «الناس شركاء في ثلاث النار والماء والكلاء»(4) ولكنها أيضاً ضعيفة السند بالارسال .

   وعلى تقدير تماميتها من حيث السند لا بدّ من حملها على المحملين اللذين قدمنا ذكرهما آنفاً ، والمراد بالنار في الرواية إما أصلها وهو الحطب فتكون الرواية دالة على كراهة المنع عن فضل الحطب أيضاً ، أو تبقى على ظاهرها فيحكم بكراهة المنع عن فضل النار نفسها ، وكيف كان لا يمكن الاستدلال بهذه الرواية في المقام .

   والمتحصل : عدم امكان الاستدلال على هذا الحكم بشيء من الاُمور المتقدِّمة .

   فالعمدة هي السيرة القطعية المستمرّة ، حيث إن الناس يتصرّفون في الأراضي الوسيعة بمثل الاستراحة والتغذي أو الصلاة ، وفي الأنهار الكبيرة بالشرب والاغتسال والتوضؤ كما هو المشاهد في الماشين إلى زيارة الحسين (عليه السلام) راجلاً . ولم يرد ردع عن ذلك كما عرفت ، فلو كان ذلك من التصرفات المحرمة لردعوا عن ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25 : 419 / أبواب احياء الموات  ب 7 .

(2) الوسائل 25 : 417 / أبواب احياء الموات ب 5 ح 1 ، التهذيب 7 : 146 / 648 .

(3) الفقيه 3 : 150 / 662 .

(4) المستدرك 17 : 114 / أبواب احياء الموا ب 4 ح 2 .

ــ[333]ــ

لا  محالة . وعلى هذا فان أحرزنا جريان السيرة على ذلك في مورد فلا بدّ من أن نحكم بجواز التوضؤ والصلاة أيضاً كبقية التصرفات فيه ، وأما مع الشك في قيامها في مورد كما إذا كان المالك صغيراً أو مجنوناً أو منع الغير عن التصرف في مائه ونهره، فلا  مناص من الحكم بحرمة التصرفات الواقعة فيه لعدم قيام السيرة فيها على الجواز .

   والحاصل : أن حرمة التصرف في أموال الناس وأملاكهم مما قد أطبقت عليه الأديان ـ كما قيل ـ وهو الصحيح المحقق في محله ، لأن التصرف في أموال الناس من دون إذنهم ظلم وعدوان ، وعليه جرت سيرة المتدينين وبناء العقلاء ، بل هو من ضروريات الدين الحنيف ، مضافاً إلى الأخبار الدالة على عدم جواز التصرف في مال الغير إلاّ بطيبة نفسه .

   إذن لا بدّ في جواز التصرّف في أموال الغير من العلم برضى المالك وإذنه . نعم إذا أذن المالك الحقيقي وهو الشارع في التصرّف في مال الغير ـ  كما في حق المارّة مثلاً  ـ أيضاً يجوز التصرّف فيه ، سواء رضي به المالك الصوري أم لم يرض به بل منع عنه وإلاّ فمقتضى ما قدّمناه حرمة التصرّفات في أموال الغير وعدم جوازه .

   والمخصّص لتلك الأدلّة ليس دليلاً لفظياً ـ على ما قدّمناه ـ  ليتمسّك بعمومه أو اطلاقه ، وإنما هو السيرة القطعية الجارية على التصرف في مثل الأنهار الكبار والأراضي المتسعة ، حيث لا يرون ذلك منافياً للعدالة بل يتصرفون فيها تصرف الملاك في أملاكهم ، ولم يردع عنها الشارع كما مرّ ، وهي دليل لبي يقتصر فيها بالمقدار المتيقن أعني موارد العلم بقيام السيرة . ففي كل مورد علمنا بقيامها فيه فهو ، وأما إذا شككنا في تحقّقها وعدمه فمقتضى العمومات والاطلاق وإطباق الأديان والعقلاء هو حرمة التصرّف وعدم جوازه كما مرّ .

   والمقدار الذي يتيقن بقيام السيرة فيه على الجواز إنما هو الأنهار الكبيرة والأراضي المتسعة ، فيما إذا كانت بيد ملاّكها وكانوا متمكِّنين من التصرّف فيها ويسمع إذنهم وإجازتهم فيه ولم يظهر منهم عدم الرضا به ، وأما إذا فرضنا أن المالك صغير أو مجنون بحيث لو أذن في التصرّف في أمواله لم يسمع منه ذلك فضلاً عما إذا لم يأذن ، ولا يتمكّن

ــ[334]ــ

   وإذا غصبها غاصب أيضاً يبقى جواز التصرّف لغيره ما دامت جارية في مجراها الأوّل ، بل يمكن بقاؤه مطلقاً (1) .

   وأمّا للغاصب فلا يجوز (2) وكذا لأتباعه من زوجته وأولاده وضيوفه (3)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وليّه من الاذن فيه ، لأن إذنه في التصرّف في أموال الصغار إنما يعتبر في الاُمور الراجعة إلى مصلحة الصغير أو المجنون بمراعاة غبطتهما ، ولا مصلحة في الاذن في تصرف الناس في أنهارهما أو أراضيهما كما لا يخفى .

   وكذلك الحال فيما إذا أحرزنا أن المالك بخيل لا يرضى بالتصرّف في أمواله فلا علم لنا بتحقق السيرة وقيامها على الجواز ، ومع عدم إحراز السيرة لا يمكن الحكم بجواز التصرّف من الوضوء والاغتسال والصلاة فيما يرجع إليهما . وكذا الحال فيما إذا ظن كراهة المالك ، وهذا لا لأن الظن حجّة يعتمد عليها لدى الشرع ، بل من جهة أنه يولد التردّد والشك في تحقق السيرة ومع عدم إحرازها لا يمكن الحكم بالجواز .

   نعم ، إذا شككنا في أن المالك صغير أو مجنون أو كاره للتصرف في مائه أو أرضه ، لم يكن مانع من التصرّف بالوضوء والصلاة وأمثالهما وقتئذ من جهة قيام السيرة عليه مع الشك في ذلك .

    اغتصاب الأنهار الكبيرة غير مغيّر لحكمها :

   (1) ولكنك قد عرفت عدم جواز التصرف فيما إذا لم يكن الماء تحت يد المالك ، لأن القدر المتيقن من السيرة الجارية على الجواز إنما هو ما كان الماء أو الأرض تحت يد مالكيهما ، وأما إذا كان خارجاً عن يده وكان في يد الغاصب فلا علم بثبوت السيرة وجريانها على التصرّف فيهما بالتوضؤ أو الصلاة ونحوهما ، ولعل الوجه في عدم جريان السيرة حينئذ أن التصرف في الماء وهو في يد الغاصب تأييد عملي له .

   (2) لحرمة التصرّف في مال الغير من دون إذنه ورضاه ، وعدم تحقق السيرة على تصرّف الغاصب فيما غصبه بالتوضؤ أو الصلاة .

   (3) لعين ما قدّمناه في التعليقة المتقدمة .

ــ[335]ــ

وكلّ من يتصرّف فيها بتبعيته ، وكذلك الأراضي الوسيعة (1) يجوز التوضؤ فيها كغيره من بعض التصرّفات ، كالجلوس والنوم ونحوهما ما لم ينه المالك (2) ولم يعلم كراهته ، بل مع الظن (3) أيضاً الأحوط الترك . ولكن في بعض أقسامها يمكن أن يقال ليس للمالك النهي أيضاً .

   [ 547 ] مسألة 8 : الحياض الواقعة في المساجد والمدارس إذا لم يعلم كيفية وقفها من اختصاصها بمن يصلي فيها أو الطلاّب الساكنين فيها ، أو عدم اختصاصها ، لا يجوز لغيرهم التوضؤ منها إلاّ مع جريان العادة بوضوء كل من يريد مع عدم منع من أحد ، فان ذلك يكشف عن عموم الاذن . وكذا الحال في غير المساجد والمدارس كالخانات ونحوها  (4) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لقيام السيرة على التصرف فيها بمثل الصلاة والاستراحة عليها كما تقدّم .

   (2) لعدم قيام السيرة على جواز التصرف في الأنهار الكبار والأراضي المتسعة عند نهي المالك عن التصرّف في ماله ، ولا أقل من الشك في ذلك وهو كاف في الحكم بحرمة التصرف وعدم الجواز .

   (3) لا لاعتبار الظن وحجيته ، بل لإيراثه الشك في تحقق السيرة كما مرّ .

    حكم التوضّؤ من حياض المساجد ونحوها :

   (4) قد تعرّضنا (1) لتفصيل هذه المسألة في التكلّم على أحكام التخلِّي عند تعرّض الماتن للتخلِّي في أرض الغير ، وذكرنا هناك أن عموم الوقف وخصوصه إنما يتبعان جعله على وجه العموم أو الخصوص حال الوقف وإنشائه .

   فإذا شككنا في ذلك فمقتضى أصالة عدم جعله ولحاظه على وجه العموم عدم جواز تصرّف غير المخصوصين من سكنة المدارس أو المصلين في المسجد ونحوهما ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في شرح العروة  4 : 349 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net