12 ـ اشتراط النيّة في الوضوء \ أدلّة عباديّة الوضوء 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6258


ــ[405]ــ

   الثاني عشر : النيّة (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قول (عليه السلام) في الصحيحة والموثقة «حتى يبس وضوءك» أو «فيجف وضوئي» أن ماء الوضوء إنما يجف في مورد أمر فيه بغسله ، لا أنه يجف الماء الموجود في موضع لا يجب غسله ، لأنه إما ليس بماء الوضوء أو أنه ليس في مورد الأمر بالغسل وموضـعه ومع جفاف ماء الوضوء في مورده يتبعض الوضوء بمقتضى تطبيقه (عليه السلام) الكبرى «فان الوضوء لا يبعض» على مورد الجفاف المستند إلى التأخير .

    اشتراط النيّة في الوضوء :

   (1) لا خلاف يعتد به في المسألة ، وإنما الكلام في وجه امتياز الوضوء من بقيّة مقدّمات الصـلاة بكونه عبادة يعتبر فيه قصد الامتثال والاتيان به بداعي أمر الله سبحانه وإطاعته ، بخلاف غيره من المقدمات كتطهير الثوب والبدن ونحوهما .

    الوجوه المستدل بها على عبادية الوضوء :

   يمكن أن يستدل على ذلك بعدة وجوه :

   منها : الاجماع والارتكاز المتشرعي الثابت في أذهان المتشرعة الثابت من لدن تشريع الوضوء إلى يومنا هذا ، حيث إن كبيرهم وصغيرهم يعتقدون أن الوضوء أمر قربي عبادي ، وهذا كاشف عن أن ذلك وصلهم يداً بيد وتلقاه الخلف عن السلف والولد عن والده إلى زمان الأئمة (عليهم السلام) .

   ويؤكده ما ورد من أن الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلت الطهور وثلث الركوع وثلث السجود (1) .

   وما ورد من أن الوضوء من الصلاة ، كما تقدّم في رواية النوفلي عن عليّ (عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 366 / أبواب الوضوء ب 1 ح 8 ، 6 : 310 / أبواب الركوع ب 9 ح 1 ، 389 / أبواب السجود ب 28 ح 2 .

ــ[406]ــ

السلام) عن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أنه قال : «خصلتان لا اُحبّ أن يشاركني فيها أحد : وضوئي فانّه من صلاتي ...» (1) وذلك لأنه لا معنى لجعل الوضوء ثلثاً من الصلاة إلاّ فيما هو أظهر آثارها وهو العبادية واعتبار قصد القربة فيها ، كما أنه لا وجه لكونه من الصلاة إلاّ من جهة كونه عبادة ، بل مقتضى هذه الروايات أنه يترتب على الوضوء كل أثر يترتب على الصلاة ، بل كل شرط يعتبر فيها ، إلاّ ما علمنا بعدم اعتباره في الوضوء كالطمأنينة واستقبال القبلة ونحوها . وعلى تقدير المناقشة في ذلك ففي الارتكاز المتشرعي غنى وكفاية كما مرّ .

   ومنها : ان الأصل في كل واجب أن يكون عبادياً لا يسقط إلاّ بقصد القربة والامتثال ، وذلك من جهة أن تحصيل غرض المولى واجب عقلي على المـكلفين وحيث إنّا نحتمل أن يكون لقصد الأمر والتقرب مدخلية في حصوله فوجب الاتيان بالعمل بقصد القربة والامتثال تحصيلاً للجزم بحصول الغرض ، هذا .

   وقد أجبنا عن ذلك في محلِّه (2) بأ نّا إن بنينا على إمكان أخذ قصد التقرب والامتثال في متعلق الأمر الأوّل كما بنينا عليه في محلِّه ، أو في متعلق الأمر الثاني على نحو نتيجة التقييد كما ذكره المحقق النائيني (قدس سره) (3) فلا مانع من أن ندفع احتمال مدخلية قصد الأمر في حصول الغرض باطلاق الدليل .

   وأمّا إذا بنينا على اسـتحالة ذلك وعدم امكان أخذ قصد القربة في متعلق الأمر فلنا أن ندفع احتمال مدخلية ذلك بالبراءة العقلية لقبح العقاب من دون بيان ، وذلك لأ نّا إذا قلنا بالاستحالة فالمستحيل إنما هو أخذ قصد التقرب والامتثال في متعلق الأمر والتكليف ، وأما بيان أن قصد التقرب مما له مدخلية في حصول الغرض ولو بالجملة الخبرية بعد الأمر فهو من الامكان بمكان ، فاذا كان المولى في مقام البيان ولم يبين ذلك بوجه مع التمكن والقدرة من بيانه وتوضيحه فلا يستحق العبد لوماً ولا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 478 / أبواب الوضوء ب 47 ح 3 .

(2) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 165 .

(3) أجود التقريرات  1 : 116 .

ــ[407]ــ

عقاباً على مخالفته ، لأنه من العقاب من دون بيان وهو أمر قبيح .

   ومنها : قوله عزّ من قائل : (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول ) (1) بدعوى أن الاطاعة لا تتحقق إلاّ بقصد الأمر والامتثال ، ولا تصدق مع الاتيان بذات العمل مجرداً عن ذلك ، فمقتضى الآية المباركة أن الاطاعة وقصد القربة والامتثال واجبة في كل واجب إلاّ ما خرج بالدليل ، هذا .

   والانصاف أن الآية المباركة لا دلالة لها على المدعى ، لأن الاستدلال بها يتوقف على أمرين :

   أحدهما : إثبات أن الأمر بالاطاعة أمر مولوي وليس إرشاداً إلى ما استقل به العقل من وجوب طاعة المولى سبحانه ، لأنه إذا كان إرشادياً لم يترتب عليه إلاّ ما  كان يترتب على نفس الاتيان بالواجبات الشرعية في نفسها ، فلا بدّ من لحاظ أن الأمر بها هل يقتضى التعبدية حتى يكون طاعته بالاتيان بها متقرباً إلى الله سـبحانه أو أنه لا يقتضي التعبدية فلا يعتبر في إطاعته سوى الاتيان بها بذاتها .

   وثانيهما : إثبات أنه أمر غيري وليست الاطاعة واجبة بالوجوب النفسي ، وهذا بعد إثبات أن الأمر بها أمر مولوي ، فيثبت أن الأمر بها من باب المقدمة ، لأن قصد الأمر والتقرب جزء من الواجبات ، فان الأمر الغيري لا يعقل إلاّ في الشرائط والأجزاء ، ولأجله أمر بها بالأمر المولوي الغيري ، وهو يدلّنا على أن قصد التقرّب جزء معتبر في التكاليف فيتقيد به إطلاق أدلة الواجبات ، وأما إذا كانت الطاعة واجبة بالوجوب النفسي فهي إذن من إحدى الواجبات الشرعية وفي عرضها ، فلا دلالة لها على اعتبار قصد التقرب في الواجبات ، وأ نّى للمستدل باثباتهما ، وذلك لأن الأمر بالطاعة فيها إرشاد إلى ما استقل به العقل من لزوم طاعة المولى جلت عظمته ، ومعه لا يترتّب عليه إلاّ ما يترتّب على نفس الأمر بالواجبات ، ولولا هذا الأمر بالطاعة أيضاً ، كنّا نلتزم بوجوب الطاعة للمولى سبحانه بمعنى لزوم الاتيان بالواجبات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النور 24 : 54 .

ــ[408]ــ

فلا  دلالة له على اعتبار قصد القربة بوجه فيكون وجوده كعدمه ، وليس المورد مما يقبل الأمر المولوي كما أشرنا إليه في محله .

   ومما يدلّنا على أن الأمر بالاطاعة إرشاد إلى ما استقل به العقل ، أن الآية المباركة كما تقتضي لزوم طاعة الله سبحانه في الواجبات ـ بناء على أن الأمر فيها مولوي ـ كذلك تقتضي وجوب طاعته في المحرمات ، وذلك لعدم انحصار الطاعة بالاتيان بالواجبات ، ومن البديهي أن الطاعة في المحرمات إنما تتحقق بمجرد تركها والتجنب عنها ، ولا يتوقف حصول الطاعة في المحرمات على قصد التقرب والامتثال .

   كما أن الظاهر من كل أمر أنه أمر نفسي فحمله على الغيرية يحتاج إلى دليل ، فالأمر بالطاعة على تقدير تسليم أنه أمر مولوي ظاهر في أن الطاعة واجبة بالوجوب النفسي لا الغيري ، فلا دلالة له على أن قصد القربة جزء أو شرط للواجبات ، ومعه لا يمكن أن يستدل بالآية المباركة على أن الأصل في كل واجب هو التعبدية إلاّ ما خرج بالدليل .

   ومما يؤيد ما ذكرناه : أن الواجبات التوصلية أكثر من التعبديات في الشريعة المقدسة بكثير ، فعلى تقدير دلالة الآية المباركة على اعتبار قصد التقرب في كل واجب يلزم تخصيص الأكثر المستهجن ، حيث يخرج عنها مثل رد السلام والانفاق على الزوجة ودفن الميت وكفنه ورد الدين وغيرها من الواجبات ، وما يبقى تحتها إلاّ التعبديات وما يشك في أنه تعبدي أو توصلي .

   ومنها : قوله عزّ من قائل : (وما اُمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدّين حُنفاء ... ) (1) والاستدلال بهذه الآية المباركة كسابقتها أيضا غير تام ، حيث يتوقف على أن تكون العبادة متعلقة للأمر لا غاية له ، بأن يكون اللاّم بمعنى الباء ، أي إلاّ بعبادة الله مخلصين له الدين ، وعليه تنحصر الأوامر الواردة في الدين بالأوامر المتعلقة بالعبادات ، فكل ما تعلق به أمر فهو عبادة لا محالة لا يسقط أمره إلاّ بقصد الطاعة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البيّنة 98 : 5 .

ــ[409]ــ

والامتثال ، ودون إثبات ذلك خرط القتاد ، وذلك لأن ظاهر الآية المباركة أن العبادة غاية لأوامر الله سبحانه كما أنها غاية لخلقه على ما صرح به في قوله عزّ من قائل : (وما خلقت الجن والانس إلاّ ليعبدون ) (1) .

   إذن العبادة هي الغاية القصوى لكل من التكوين والتشريع ، حيث إنه سبحانه خلقهم وأرسل إليهم رسله بعد ذلك ليعبدوه والعبادة موجبة لاستكمال النفوس ، فالغاية لكل من التكوين والتشريع هو استكمال النفس بالعبادة ، وعليه فلا دلالة للآية المباركة على اعتبار قصد التقرب في الواجبات إلاّ ما خرج بالدليل .

   ثم إن الآية المباركة إنما تعرّضت لخصوص الصلاة والزكاة حيث قال عزّ من قائل : (وما اُمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدّين حُنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيّمة )(2) إشارة إلى الكمال النفسي وما فيه المصلحة العامة للمكلّفين لأن الصلاة فارقة بين الكفر والإسلام ، والزكاة فيها مصلحة عامة ومن إعاشة الفقراء بامداد غيرهم ، فكأن الآية والله العالم قد بينت أنهم اُمروا لغاية استكمال النفس وما فيه المصالح العامّة ، وأن أحدهما غير منفك عن الآخر ، ومن هنا لا نذكر مورداً ذكر فيه الأمر بالصلاة من دون اقترانها بالزكاة ، هذا .

   ثم لو تنازلنا عن ذلك وبنينا على أن اللاّم بمعنى الباء والعبادة متعلقة للأوامر لا أنها غاية لها ، فأيضاً لا يمكن الاستدلال بها على هذا المدعى ، وذلك لأنها إنما تدل على أن العبادة لا بدّ أن تكون منحصرة بالله سبحانه ولا عبادة لغيره من الأوثان ونحوها وهذا لقرينية صدرها ، حيث ورد في المشركين وأهل الكتاب : (وما تفرّق الذين اُوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءتهم البيِّنة )(3) أي وما تفرق أهل الكتاب ، ولم يعبد بعضهم عزيراً بدعوى أنه ابن الله ، وبعضهم قال عيسى ابن الله إلاّ من بعدما جاءتهم البيِّنة . وقال قبل ذلك : (لم يكن الّذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكِّين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الذاريات 51 : 56 .

(2) البيّنة 98 : 5 .

(3) البيِّنة 98 : 4 .

ــ[410]ــ

حتى تأتيهم البيّنة ، رسول من الله يتلوا صحفاً مطهّرة )(1) فصدر الآية المباركة إنما ورد في المشركين وأهل الكتاب الذين عبدوا غير الله سبحانه من الوثن والعزير أو عيسى بن مريم ، مع أنهم إنما اُمروا ليعبدوا الله خاصة .

   فالآية المباركة بصدد بيان انحصار المعبود بالله العظيم ، وأن عبادة غيره أمر غير جائز ، وأين هذا من اعتبار قصد التقرب والامتثال في الواجبات . فالآية أجنبية عما نحن بصدده بالكلية ، هذا كله فيما استدلّ به على هذا الأصل من الآيات المباركة .
ـــــــــــــــ

(1) البيّنة 98 : 4 ، 1 ، 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net