قصد الموجب والغاية - الفرق بين وجوب الوضوء غيرياً ووجوبه بالنذر 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6131


ــ[429]ــ

ولا قصد الغاية التي اُمر لأجلها بالوضوء (1) ، وكذا لا يجب قصد الموجب (2) من بول أو نوم كما مرّ . نعم قصد الغاية معتبر في تحقق الامتثال ، بمعنى أنه لو قصدها يكون ممتثلاً للأمر الآتي من جهتها ، وإن لم يقصدها يكون أداء للمأمور  به لا امتثالاً (3) فالمقصود من عدم اعتبار قصد الغاية ، عدم اعتباره في الصحّة وإن كان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعالى بالتيمم إنما هي كون التيمم مطهراً . وعلى الجملة المكلف إذا أتى بذات الغسلتين والمسحتين مضافاً بهما إلى الله سبحانه فقد أتى بما هو شرط ومقدمة للصلاة .

   (1) قد علم الحال في ذلك مما بينّاه في سابقه ، وحاصله أن مقتضى إطلاقات الكتاب والسنّة وعدم اشتمال الأخبار الواردة في الوضوءات البيانية على اعتبار قصد الغاية عدم اعتبار ذلك في صحة الوضوء .

   وأمّا ما استدلّ به عليه من قوله عزّ من قائل : (إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا ... ) بدعوى دلالته على أن الوضوء لا بدّ أن يكون للتهيؤ والقيام إلى الصلاة فلو أتى به لا بقصد الصلاة بطل ، فهو أيضاً ضعيف ، وذلك لما عرفت من أن عبادية الوضوء غير مستفادة من الأمر الغيري أو الارشادي المتعلق به ، بل هي مستفادة من الأمر النفسي المتعلق بذات الوضوء من غير تقييده بقصد الغاية ، وعليه فلو أتى به بقيوده وشرائطه لوقع عبادة من دون حاجة إلى أن يقصد به الغاية . نعم امتثال هذا الأمر الغيري والاثابة به يتوقف على إتيانه بقصد الغاية ، وأمّا صحّته في نفسه فهي غير متوقفة على قصد الغاية بوجه .

    لا يعتبر قصد الموجب في الوضوء :

   (2) للاطلاقات وعدم دلالة أيّ دليل على اعتبار قصد الموجب ولو كان ضعيفاً فاعتبار قصد الموجب أضعف من اعتبار سابقيه .

   (3) لما أشرنا إليه في تضاعيف الكلام على المسائل المتقدِّمة من أن عبادية

ــ[430]ــ

الطهارات الثلاث غير ناشئة عن الأمر الغيري المتعلق بها ، بناء على أن المقدّمة واجبة بالوجوب الغيري ، بل إنما تنشأ عن أمرها النفسي ، فهي إذن عبادات جعلت مقدّمة للواجب ، فلا محالة تكون العبادية فيها في مرتبة متقدمة على أمرها الغيري ، وعليه إذا أتى بذات الوضوء وقصد به القربة والامتثال تتحقق به العبادة خارجاً كما تحققت المقدّمة ، وإن لم يقصد به أمرها الغيري أو لم يلتفت إليه أصلاً ، فان الأمر الغيري توصلي لا يحتاج سقوطه إلى قصد القربة ، كما لا يمكن أن يكون منشأ للعبادية ، ومع تحقق العبادة في الخارج تترتب عليها الطهارة ، لأنها من الأحكام المترتبة على الوضوء الصحيح الذي قصد به القرية .

   نعم ، هذا لا يكون موجباً لامتثال أمرها الغيري ، لعدم الاتيان بها بداعي الوجوب المقدمي ، هذا كله بناء على أن عبادية الطهارات الثلاث مستندة إلى أوامرها النفسية .

   وأما إذا قلنا إن عباديتها إنما نشأت عن الأوامر الغيرية المتعلقة بها بناء على أن مقدّمة الواجب واجبة ، فلا يكون الاتيان بها من دون قصد الأمر الغيري المتعلق بها محققاً للمأمور  به فضلاً عن أن يكون ذلك امتثالاً له ، وذلك لأن عباديتها حينئذ قد نشأت عن ذلك الأمر الغيري ، إذن لا بدّ في تحقق عباديتها من اتيانها بداعي ذلك الأمر الغيري ، فلو اُتي بها لا بقصده وداعيه لم تتحقق العبادة باتيانها بذاتها ، ومعه يقع الوضوء باطلاً فلا أداء ولا امتثال .

   ثم إن الاتيان بالوضوء بقصد أمره الغيري يستلزم الاتيان به بقصد غايته ، لأن الغرض من الأمر الغيري إنما هو التوصل إلى غايته المترتبة عليه ، فلو أتى به ولم يقصد باتيانه التوصل إلى غايته لم يقع الوضوء عبادة ، ولا سيما بناء على أن الواجب من المقدّمة حصّة خاصّة ، وهي المقدّمة الموصلة إلى ذي الغاية في الخارج ، فاذا أتى بأمره الغيري للتوصل به إلى غايته فقد تحقق كلا الأمرين من أداء المأمور  به والامتثـال هذا .

   ثم إن في المقام كلاماً وهو أنه بناء على أن عبادية الطهارات الثلاث ناشئة عن

ــ[431]ــ

أوامرها الغيرية فهل يجب أن يؤتى بها بقصد غاية معينة من غاياتها المترتبة عليها ، أو أن قصد جنس الغاية كاف في صحتها وإن لم يدر أن ما يختاره من الغايات بعد ذلك أي شيء ؟ فيجب أن يؤتى به بقصد قراءة القرآن خاصّة ، أو إذا أتى به للتوصل به إلى شيء من غاياته وإن لم يدر أنه سيختار القراءة أو الصلاة مثلاً كاف في صحتها ؟

   والصحيح كفاية قصد جنس الغاية من دون اعتبار قصد الغاية المعينة ، وذلك لأن للوضوء مثلاً أوامر غيرية من نواح شتى ، لأنه مأمور  به بالأمر الغيري الاستحبابي الناشئ من الأمر الاستحبابي النفسي المتعلق بالقراءة ، ومأمور  به بالأمر الغيري الوجوبي الناشئ من الأمر الوجوبي المتعلق بصلاة الظهر مثلاً أداء ، ومأمور  به بالأمر الغيري الوجوبي الناشئ عن الأمر الوجوبي المتعلق بصلاة الظهر قضاء وهكذا ، فاذا أتى بالوضوء وقصد التوصل به إلى غاية من غاياته من دون تعيين ، فهو وإن لم يدر أنه مأمور  به بالأمر الاستحبابي أو الوجوبي الأدائي أو الوجوبي القضائي ، إلاّ أنه محرز مطلوبيته على جميع التقادير ويعلم بأنه مأمور به قطعاً ، فاذا أتى به بداعي أمرها الغيري المحرز للتوصل به إلى شيء من غاياته فلا محالة يقع صحيحاً ، وقد مرّ أنه لا  دليل على اعتبار قصد الوجوب أو الاستحباب ، وتمييز المأمور  به من الوجوب والاستحباب ، كما لا تردّد فيما هو الغاية المترتبة عليه في الواقع لتعينها في علم الله سبحانه فلا إهمال في الواقع .

   ومن هنا يظهر الحال في مسألة اُخرى ، وهي ما إذا أتى بالوضوء بداعي التوصل به إلى القراءة مثلاً عازماً بأن لا يصلي به أو غير ملتفت إلى ذلك أصلاً ، ثم بعد الوضوء ندم وبدا له فبنى على أن يصلي بذلك الوضوء ولا يأتي بالقراءة ، فان وضوءه بناء على ما قدمناه صحيح ، لأنه قد أحرز تعلّق الأمر الغيري بما يأتي به من الوضوء وقد أتى به بهذا الداعي توصّلاً به إلى غاية معينة ، ومعه يقع وضوءه عبادة صحيحة لا محالة وغاية الأمر أنه أخطأ في التطبيق حيث تخيل أن الأمر الغيري المتعلق به هو الأمر الاستحبابي ، مع أنه بحسب الواقع هو الأمر الغيري الوجوبي والخطأ في التطبيق غير مضر بصحّة العبادة .

ــ[432]ــ

معتبراً في تحقّق الامتثال . نعم قد يكون الأداء موقوفاً على الامتثال فحينئذ لا يحصل الأداء أيضاً ، كما لو نذر أن يتوضّأ لغاية معينة فتوضّأ ولم يقصدها ، فانّه لا يكون ممتثلاً للأمر النذري ولا يكون أداء للمأمور به بالأمر النذري أيضاً وإن كان وضوءه صحيحاً ، لأن أداءه فرع قصده . نعم هو أداء للمأمور  به بالأمر الوضوئي (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   مضافاً إلى أن نيّة الوجوب والاستحباب مما لا اعتبار به كما مر ، وهذا المبنى أعني كون عبادية الوضوء ناشئة عن أمره الغيري وإن كان فاسداً بل لا أمر غـيري أصلاً لما بيّناه في بحث مقدّمة الواجب من انكار وجوبها شرعاً ، إلاّ أنه بناء عليه لا يعتبر في صحة الطهارات الثلاث قصد الغاية المعينة كما تقدّم .

    الفارق بين الوجوب الغيري والوجوب النذري :

   (1) أراد بذلك بيان الفارق بين الوجوب الغيري والوجـوب الناشئ من النذر حيث إنه إذا أتى بذات الوضوء مضافة بها إلى الله سبحانه فقد حصلت العبادة ، وكان هذا أداء للمقدّمة والواجب الغيري ، وإن لم يكن امتثالاً له بناء على ما هو الصحيح من أن عبادية الوضوء ناشئة عن أمره النفسي .

   وهذا بخلاف ما إذا نذر أن يأتي بالوضوء لغاية خاصة كالقراءة ، لأنه إذا أتى به غير قاصد لتلك الغاية المعينة لم يتحقق أداء الأمر النذري ولا امتثاله ، والوجه في ذلك كما أسلفناه سابقاً أن النذر قد تعلق بحصة خاصة من الوضوء وهو الوضوء المقيد بكونه للقراءة مثلاً دون طبيعي الوضوء ، فالمنذور شيء مقيد وأمر خاص ، فاذا أتى به لا لهذه الغاية لم يتحقق منه الوضوء المقيد بكونه للقراءة ومعه لا أداء ولا امتثال .

   نعم ، يكفي هذا في تحقق المقدمة وهو أداء للمأمور  به بالأمر الغيري ، وأما بالاضافة إلى الأمر النذري فليس باداء ولا بامتثال ، ونظيره ما إذا نذر أن يأتي بصلاة الظهر في المسجد وأتى بها في داره ، لأنه وإن كان أداء للأمر الصلاتي لعدم تقييده بمكان خاص

ــ[433]ــ

إلاّ أنه بالنسبة إلى الأمر النذري المتعلق بها ليس باداء ولا امتثال .

   وهذا ، أعني تقييد المتعلق هو الوجه فيما أفاده الماتن في المقام ، لا أنه إذا لم يقصد الغاية لم يف بنذره ، لأنّ أداء المنذور كاداء سائر ما على ذمّة المكلف من الديون إنما يكون بالقصد ، والوجه في عدم استناد الماتن إلى هذا الوجه هو أنه إنما يصدق فيما إذا كانت ذمّة المكلّف مشتغلة بعدّة من الواجبات يتوقّف تمييز بعضها عن بعضها الآخر على قصده ، نظير ما إذا كانت ذمّته مديونة بصلاة رباعية أدائية ورباعية اُخرى قضائية ، فان احتساب ما يأتي به عن إحداهما المعينة إنما يكون بقصد الأداء أو القضاء ، وأمّا إذا لم تشتغل ذمّته إلاّ بواجب واحد فلا يعتبر في سقوطه عن ذمّته قصده لذلك ، كما إذا نذر أن يصلي صلاة الليل في ليلة معينة وأتى بها في تلك الليلة غافلاً عن نذره ، فانه يوجب برء النذر لا محالة وإن لم يكن ناوياً للأمر النذري بوجه .

   فقياس المقام لاعطاء الدرهم المحتمل أن يكون أداء دين أو هبة أو عارية مع الفارق فلاحظ .

    هذا تمام كلامنا في هذا الجزء من الكتاب ويتلوه الجزء الخامس أوّله اشتراط الخلوص في الوضوء ، ولله الحمد أوّلاً وآخراً .

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net