الرِّياء \ حرمة الرِّياء في العبادة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7362

 

ــ[1]ــ

   الثالث عشر :  الخلوص ، فلو ضمّ إليه الرِّياء بطل ، سواء كانت القربة مستقلّة والرِّياء تبعاً أو بالعكس أو كان كلاهما مستقلاًّ  (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حرمة الرِّياء في الشريعة المقدّسة

  (1) لا ينبغي الإشكال في حرمة الرِّياء في الشريعة المقدّسة ، ويكفي في حرمته الأخبار المسـتفيضة ، بل البالغة حدّ التـواتر(1) وفي بعضها «إن كل رياء شرك» (2) مضافاً إلى الآيات الكتابيّة التي ذمّ الله تعالى فيها المرائي في عمله ، فقد قال تعالى : (فَوَيْلٌّ لِلْمُصَلّيِنَ ا لَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ا لَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ وَيَمْنَعُونَ ا لْماعُونَ )(3) وقال : (وَا لَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَـهُمْ رِئَآءَ النَّاسِ ) (4) وقال : (كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ النَّاسِ )(5) وقال : (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَرِهم بَطَرَاً وَرِئَآءَ النَّاسِ )(6) إلى غير ذلك مما ورد في ذمّ الرِّياء ، بل حرمة الرِّياء من جملة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهي كثيرة جدّاً البالغة نحواً من أربعين رواية ، راجع الوسائل 1 : 59 / أبواب مقدّمة العبادات ب 8 ، 11 ، 12 وغيرها من الموارد .

(2) كرواية يزيد بن خليفة.  الوسائل 1 : 70 / أبواب مقدّمة العبادات ب 12 ح 2 ، والروايات المذكورة فيها هذه الجملة وإن كانت متعدِّدة إلاّ أنّ كلّها ضعيفة ، نعم ورد في موثقة مسعدة بن زياد :  «فاتّقوا الله في الرِّياء فانّه الشِّرك بالله... »  الوسائل 1 : 69 /  أبواب مقدّمة العبادات ب 11 ح 16 .

(3) الماعون 107 : 4 ـ 7 .

(4) النساء 4 : 38 .

(5) البقرة 2 : 264 .

(6) الأنفال 8 : 47 .

ــ[2]ــ

الضروريات وممّا لا ينبغي الاشكال فيه .

   إلاّ أن الكلام في موضوعه وأن المحرّم من الرِّياء أي شيء فنقول : إن الرِّياء وإن كان بمفهومه اللغوي يعمّ العبادات وغيرها لأنه بمعنى إتيان العمل بداعي إراءته لغيره إلاّ أنه لا دليل على حرمته في غير العبادات ، فاذا أتى بعمل بداعي أن يعرف الناس كماله وقوّته كما إذا رفع حجراً ثقيلاً ليعرف الناس قوّة بدنه وعضلاته لم يرتكب محرماً بوجه ، وذلك لأنّ المستفاد من الأخبار الواردة في حرمة الرِّياء أن حرمته من جهة أنه شرك وإشراك ، والشرك إنّما يتحقق في العبادات ، وأمّا إذا أتى بعمل لأن يرى الناس كمال صنعه ومعرفته فهو لا يكون مشركاً بالله بوجه ، وكيف كان فلا شك في عدم حرمة الإتيان بالعمل غير العبادي رياء ، نعم لا إشكال في حسن ترك الرِّياء في جميع الأفعال الصادرة من المكلّف حتى في غير العبادات بأن يأتي بجميع أعماله لله ، إلاّ أنه على تقدير تحققه في غير المعصومين قليل غايته ، وإنما المحرّم هو أن يعبد المكلّف الله سبحانه ليريه للناس .

   ثمّ إنّ المحرّم إنّما هو الرِّياء في العبادة بما أ نّها عبادة ، وأما إذا أتى بالعبادة لله سبحانه إلاّ أنه قصد فيها الرِّياء لا من حيث العبادة بل من جهة اُخرى ، كما إذا أجهر فيها بداعي إعلامه للغير أنه في الدار ، أو قصد ذلك في قيامه في الصلاة ليراه غيره في الدار لئلاّ يتوحّش عن الانفراد ، لأنه أيضاً إتيان للعمل بداعي أن يريه غيره إلاّ أنه ليس رياء في العبادة حقيقة ، وإنما هو رياء في شيء آخر مقارن للعبادة ، فلا إشكال في عدم بطلان العبادة بذلك لأنه لم يشرك في عبادته بل أتى بها خالصاً لوجهه الكريم ، فالرياء المحرّم هو الإتيان بالعبادة بداعي أن يري عبادته للغير .

   ثمّ إنّه إذا أتى بالعبادة امتثالاً لأمر الله سبحانه من غير أن يكون لرؤية غيره مدخلية في عبادته ولو بتأكد داعيه إلاّ أنه يعلم أن غيره يرى عبادته وهو يسره فالظاهر صحّة عبادته ، وذلك لفرض عدم مدخلية رؤية الغير في عبادته وإنما محركه نحو العمل هو الامتثال وطاعة ربّه ، ورؤية الغير من الآثار المترتبة على عمله العبادي قهراً من غير أن يكون لها مدخلية فيه ولو بالتأكّد ، كما هو الحال في الصلاة في أماكن

ــ[3]ــ

الاجتماع كالمساجد، أو في مكان مكشوف وإن كان ذلك موجباً لسروره وفرحه، ومجرّد السرور برؤية الغير وحبّه ظهور عمله لدى الغير أمر اتفاقي غير مبطل للعبادة ، لعدم صدورها إلاّ بالداعي الإلهي ، فإن مثله خارج عن الرِّياء خروجاً تخصّصيّاً موضوعياً لأنّ الرِّياء بمفهومه اللّغـوي والعرفي لا يشمل مثله حيث يعتبر في مفهومه أن تكون لرؤية الغير مدخلية في عمله، ومع فرض عدم دخالتها في العمل لا يصدق عليه الرِّياء.

   ثمّ لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا صدق الرِّياء عليه فهو خارج عن الرِّياء المبغوض المحرّم قطعاً ، وذلك بقرينة ما حمل عليه ـ أي على الرِّياء ـ في رواياته ، حيث حمل عليه عنوان الشرك ، وورد أن كل رياء شرك ، وهذا المحمول قرينة على أن الرِّياء المحرّم المبغـوض إنّما هو الرِّياء الذي يكون شركاً ، وبما أنّ مفروض المسألة عدم الاشراك في العبادة بوجه لعدم مدخلية رؤية الغير فيها على الفرض ، فهو من الرِّياء غير المحرّم شرعاً ، هذا  كلّه .

   مضافاً إلى صحيحة زرارة أو حسنته باعتبار إبراهيم بن هاشم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «سألته عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه إنسان فيسره ذلك ، قال : لا بأس ، ما من أحد إلاّ وهو يحب أن يظهر له في الناس الخير ، إذا لم يكن صنع ذلك لذلك»(1) ، وقوله : «ما من أحد» محمول على الغالب في عامّة الناس .

  وأمّا ما ورد في موثقة النوفلي عن السكوني وكذا في غيرها من أنّ للمرائي علامات ثلاث : ينشط إذا رأى الناس ، ويكسل إذا كان وحده ، ويحب أن يحمد في جميع اُموره(2) فهو غير معارض للصحيحة أو الحسنة بوجه ، وذلك لا لأجل ضعفها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المروية في الوسائل 1 : 75 / أبواب مقدّمة العبادات ب 15 ح 1 .

(2) المروية في الوسائل 1 : 73 / أبواب مقدّمة العبادات ب 13 ح 1 . وهذه الرواية وإن عبر عنها في كلام غير واحد بالخبر ، الدال على ضعفها لوجود النوفلي وهو حسين بن يزيد في سندها ولم يرد فيه توثيق في كتب الرجال ، إلاّ أنه بناء على ما أفاده سيِّدنا الاُستاذ (دام ظله) من وثاقة كل من وقع في أسانيد كتاب كامل الزيارات أو تفسير القمي ، وكان السند الواقع فيه متصلاً بالمعصوم (عليه السلام) لشهادة ابن قولويه وعلي بن إبراهيم (رضوان الله عليهما) بذلك فالرواية موثقة لوجود النوفلي في أسناد الكتابين .

ــ[4]ــ

من جهة حسين بن زياد النوفلي ، لما قرّرنا في محلِّه من أن الرجل موثق(1) ، بل لأجل أنها قاصرة الدلالة على بطلان العبادة بمجرّد السرور بظهور العمل لدى الغير ، وذلك لأنّ النشاط عند رؤية الناس يستلزم التغير في كيفية العمل لا محالة بتحسين تجويده أو باطالة ركوعه وسجوده ونحوهما ، ولا إشكال في أنه رياء وإتيان بالعبادة بداعي غيره تعالى، وهذا بخلاف مفروض الكلام من أنه يأتي بالعبادة بداعي أمر الله فحسب إلاّ أنه يسره رؤية الغير لعمله من غير أن تكون لرؤية الغير مدخلية في عبادته ، نعم هذا غير مناسب للمتقين إلاّ أنه مطلب آخر . على أن سرور العامل بمشاهدة غيره عمله أمر جبلي طبعي في غير المعصومين (عليهم السلام) وجماعة قليلين ، فكيف يمكن الحكم بحرمته وأن الغالب بل الجميع يرتكبون المحرّم في عباداتهم . فالمتحصل أن الرِّياء المحرّم إنما هو مختص بالعبادة فيما إذا كان لرؤية الغير مدخلية فيها بما هي عبادة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net