الرِّياء في كيفيّة الإتيان بالعبادة - بطلان العبادة بالرّياء في جزء من أجزائها 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6896


ــ[10]ــ

وسواء  كان الرِّياء في أصل العمل (1) أو في كيفيّاته (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحكم بالفساد وإن لم نفرض لها دلالة على البطلان ، لما مرّ من أن الرِّياء وجه من وجوه العمل ، ومع حرمة العمل ومبغوضيته كيف يمكن التقرب به ، وكيف يمكن أن يكون المحرّم مصداقاً للواجب .

   فالمتحصل إلى هنا أن الصحيح هو ما ذهب إليه المشهور من بطلان العبادة بالرياء . هذا تمام الكلام في أصل حرمة الرِّياء وفي بطلان العبادة به . ويقع الكلام بعد ذلك في خصوصياته ، لأن الرِّياء قد يتحقق في أصل العمل واُخرى في كيفياته وثالثة في جزء من أجزائه ، وهو قد يكون جزءاً وجوبياً واُخرى استحبابيا .

   (1) كما إذا أتى بالصلاة أو بالوضوء أو بغيرهما من العبادات بداعي إراءتها للناس على تفصيل قد عرفت ، وعرفت الوجه في بطلانها .

    الرِّياء في كيفيّات العمل

   (2) الرِّياء في الكيفية مع إتيان أصل العمل بداعي الله سبحانه على قسمين ، لأن الكيفية المراءى فيها قد تكون متحدة الوجود مع العبادة خارجاً ، كما إذا صلّى في المسجد رياء وإن كان أصل الصلاة مستنداً إلى الداعي الإلهي ، إلاّ أن الحصّة الخاصّة من الصلاة أعني الصلاة في المسجد صادرة بداعي الرِّياء ، ونظيره ما إذا صلّى بوقار وإطالة رياء للنشاط الحاصل له عند رؤية الناس . واُخرى تكون موجوداً عليحدة ولا تتحد مع العبادة في الوجود ، وهذا كما إذا صام لله إلاّ أنه قرأ الأدعية في صيامه بداعي الرِّياء ، أو صلّى لله وتحنك رياء ، لأن التحنّك وقراءة الأدعية أمران آخران غير الصيام والصلاة .

   أمّا الرِّياء في الكيفيّة المتحدة مع العمل في الوجود فهو موجب لبطلان العـبادة لا محالة ، لأن الحصّة الخاصّة من العبادة أعني الموجود الخارجي قد صدرت عن داع

ــ[11]ــ

أو في أجزائه ((1)) (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلهي أعني داعي الرِّياء فهي محرمة ومبغوضة ، والمبغوض كيف يقع مقرّبـاً والمحرّم لا يمكن أن يقع مصداقاً للواجب فتبطل .

   وأما الرِّياء في الكيفية المنحازة عن أصل العمل فلا موجب لكونه مبطلاً للعبادة لأن المبغوض والمحرّم شيء والعبادة شيء آخر ، ولا تسرى حرمة أحدهما إلى الآخر ، ولا يمكن أن يقال إنه أمر قد أشرك فيه غيره سبحانه معه ، بل هما أمران أحدهما أتى به لله والآخر أتى به لغيره ولعله ظاهر .

    الرِّياء في أجزاء العمل

   (1) إذا أتى بجزء من أجزاء العمل العبادي بداعي الرِّياء فان اقتصر عليه فلا إشكال في بطلان عبادته ، لأن الجزء المأتي به رياء محكوم بالحرمة والبطلان فهو كالعدم وكأنه لم يأت به أصلاً ، والعبادة تقع باطلة فيما إذا نقص عنها جزؤها ، وأما إذا لم يقتصر عليه بل ندم ثمّ أتى به عن داع قربي إلهي فان كان العمل مما يبطل بزيادة جزئه عمداً كالصلاة فأيضاً يحكم ببطلان العبادة ، لأن السجدة المأتي بها رياء مثلاً أمر زائد أتى به عمداً ، والمفروض أن الزيادة العمدية موجبة لبطلان الصلاة ، وأما إذا لم يبطل العمل بالزيادة العمدية كما في الوضوء فان استلزم الإتيان بالجزء مرّة ثانية على وجه صحيح ـ كغسل اليد اليمنى مثلاً ـ البطـلان من شيء من النواحي كما إذا أوجب الإخلال بالموالاة المعتبرة في الوضوء بأن كان موجباً لجفاف الأعضاء المتقدِّمة فأيضاً لا بدّ من الحكم ببطلان العبادة .

   وأمّا إذا لم يقتصر على الجزء المأتي به رياءً بل أتى به ثانياً بقصد امتثال أمر الله سبحانه ، ولم يكن العمل ـ كالصلاة ـ مما يبطل بالزيادة عمداً ، ولم يستلزم البطلان من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في إطلاقه إشكال بل منع ، وكذلك الأجزاء المستحبّة .

ــ[12]ــ

ناحية اُخرى كالإخلال بالموالاة في الوضوء ، فهل يكون الرِّياء المتحقق في جزء منه كغسل اليد اليمنى مثلاً موجباً لبطلانه وإن ندم وأتى به مرّة اُخرى بداع قربي لأن الشيء لا ينقلب عما وقع عليه ، فالوضوء ممّا تحقق الرِّياء في أثنائه سواء ندم بعد ذلك وأتى بالجزء ثانياً أم لم يندم عليه ، أو أنه لا يوجب البطلان ؟ وجهان بل قولان .

   قد يقال ببطلان العمل بذلك تمسكاً بإطلاقات الأخبار الواردة في المقام ، لأنه يصدق أنه عمل لله ولغيره فهو لغيره ، أو كمن عمله لغيره (1) وهو مما أدخل فيه رضا أحد من الناس (2) إلى غير ذلك من الإطلاقات .

   إلاّ أنّ الصحيح عدم بطلان العبادة بذلك ، والوجه فيه أن الشركة إنما تتحقّق فيما إذا كان العمل واحداً وأتى به لله ولغيره ، فمثله يحسب من شريكه في العبادة ولا يحسب من الله لأنه خير شريك ، وأما مع التعدّد والإتيان ببعضه لله والاشتراك في بعضه فلا معنى للشركة فيما أتى به لله ، وإنما الشركة في ذلك الجزء الذي أتى به أوّلاً بداعي غيره تعالى فهو محسوب لذلك الغير ، فإذا لم يقتصر عليه بل أتى به ثانياً بداع قربي إلهي فيصدق حقيقة أنه عمل أتى به بأجمعه لله وبالداعي الإلهي القربي ، فحيث إن ما أتى به بداعي الله سبحانه من غسل الوجه والمسح وغسل اليد اليمنى ثانياً مثلاً مما لا اشتراك فيه فلا موجب لاحتسابه للغير الذي هو مضمون رواية البرقي (3) وهي العمدة في المقام ، وكذلك الحال في بقيّة الأخبار ، لأنّ إتيان العمل له ولغيره إنما يتحقق مع وحدة العمل حتى يقع فيه الاشتراك ، وأمّا مع التعدّد وكون بعضه خالصاً له تعالى فلا معنى للاشتراك في ذلك البعض فلا موجب لبطلانه ، وإنما الباطل هو الجزء الذي أتى به اشتراكا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا مضمون صحيحة هشام بن سالم التي رواها البرقي وتقدّمت في ص 7 .

(2) هذه الجملة وردت في رواية زرارة وحمران عن أبي جعفر (عليه السلام) ، الوسائل 1: 67 / أبواب مقدّمة العبادات  ب11 ح11.

(3) المتقدّمة في ص 7 .

ــ[13]ــ

   وأمّا ما في بعض الروايات من قوله (عليه السلام) : «لو أن عبداً عمل عملاً يطلب به وجه الله والدار الآخرة وأدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركاً» (1) فليس معناه أن الرِّياء إذا تحقق في أثناء العمل وفي جزء منه يحكم ببطلانه لإشراك فاعله ، وبعبارة اُخرى إذا كانت العبادة ظرفاً للرياء يحكم ببطلانها ، بل معناه أن العمل بتمامه إذا صدر عن داع ريائي يحكم ببطلانه ، وذلك لأنه لا معنى لإدخال رضا الغير في عمل نفسه ، إذ الرضا من الأفعال القلبية القائمة بالغير فكيف يدخل ذلك في عمل شخص آخر ، فلا معنى له إلاّ كون رضا الغير مما له مدخلية في عمله وهو عبارة اُخرى عن إتيان العبادة بداعي رضا الغير ، وقد عرفت أن العمل إذا صدر بداعي إراءته للغير أو رضائه يحكم ببطلانه وفساده . وأين هذا عما نحن فيه ، أعني ما إذا أتى بجميع أجزاء العمل بداعي الله سبحانه إلاّ في جزء من أجزائه ثمّ ندم وأتى به مرّة اُخرى على وجه صحيح ، فالرواية لا دلالة لها على البطلان في مفروض المسألة ، هذا كلّه .

   ثمّ لو تنزّلنا عن ذلك وبنينا على المسامحة العرفية بأن قلنا إنّ الوضوء عمل مركّب فهو شيء واحد عرفاً ، وقد تحقق الرِّياء في ذلك الأمر الواحد ـ مع أن العرف لا يراه شيئاً واحداً ـ أيضاً لا نحكم ببطلانه ، وذلك لأن الباطل أو المحرّم إنما هو مجموع العمل بما هو مجموع ، وأما إذا قسمناه وأخذنا بالمقدار الذي صدر منه عن الداعي الإلهي فهو ليس شيئاً وقع الرِّياء في أثنائه .

   وبالجملة : العرف لا يحكم إلاّ بوقوع الرِّياء في مجموع العمل لا في جميع أجزائه ، فما صدر من المجموع بالداعي الصحيح مما لا إشكال في صحّته . هذا كله في الجزء الوجوبي ، ومنه يظهر الحال في الجزء المستحب .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهو ما رواه الحلبي عن زرارة وحمران عن أبي جعفر (عليه السلام) المروي في الوسائل 1 : 67 / أبواب مقدّمة العبادات ب 11 ح 11 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net