حرمة العجب في العبادة - بطلان العبادة بالعجب المتأخّر 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6740


ــ[20]ــ

هنا ورد في بعض الأخبار(1) إنِّي أولى بحسناتك منك .

   فالمتحصل : أن المنشأ للعجب إنما هو الجهل ، بل قد يبلغ مرتبة يرى أن الله لا يستحق ما أتى به من العبادة ولذا يمنّ بها عليه ، نعوذ بالله منه ومن أمثاله ، وذلك لأنه لا يعلم بأنعمه ويرى أن نعمته تعالى لا تقضي إلاّ الإتيان بالفرائض فحسب ولم يعط ما يستحق به أكثر من الفرائض ، فيأتي بصلاة الليل ويمن بها على الله ، لاعتقاده عدم استحقاقه تعالى لها ، وأنها تفضل من العبد المسكين في حق الله جلّت عظمتـه فقد يتعجب عن عدم قضاء حاجته مع أنه أتى بما فوق ما يستحقه الله تعالى على عقيدته، وهذا يسمّى بالإدلال، وهو أعظم من المرتبة المتقدمة من العجب. وعن بعض علماء الأخلاق أن العجب نبات حبه الكفر . ولو أبدل الكفر بالجهل لكان أصح . ويؤيد ما ذكرناه ما يأتي من الكلام المحكي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فانتظره .

   الجهة الثالثة : قد اتضح مما ذكرناه في المقام أن العجب من الأوصاف النفسانية الخبيثة كالحسد وغيره من الأوصاف النفسانية التي تترتب عليها أفعال قبيحة ، وهي خارجة عن الأفعال التي تصدر عن المكلفين فلا حكم لها بوجه ، فهي غير محرمة ولا مباحة كالحسد ونحوه ، وما يعقل أن يتعلق به حكم شرعي أحد أمرين :

   أحدهما : أن يجب شرعاً إعمال عمل يمنع عن حدوث تلك الصفة في النفس ، وهو التفكّر في عظمة الله ونعمه وفيما يصدر منه من العمل وأنه لا يصدر منه باستقلاله .

   وثانيهما : أن يجب إعمال عمل يزيل تلك الصفة على تقدير حصولها في النفس ، كما إذا كبر وبلغ وهو معجب بعمله ، فيجب عليه أن يتفكر فيما ذكرناه حتى يزيل عن نفسه هذه الصفة .

   وهذان قابلان للوجوب شرعاً ، إلاّ أن الأخبار الواردة في المقام مما لا يستفاد منه وجوب التفكّر في الشريعة المقدّسة قبل حصول هذه الصفة أو بعده، ليمنع عن حدوثها أو يزيلها بعد تحققها . ويؤيد ما ذكرناه ما حكي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في الحديث القدسي ، اُصول الكافي 1 : 152 / 6 .

 
 

ــ[21]ــ

فالمتأخِّر منه لا يبطل العمل (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نهج البلاغة من أن إعجاب المرء بعمله أو بنفسه دليل على ضعف عقله(1) ، فهو أمر حاصل في النفس من قلّة العقل والجهل وغير قابل لأن يتعلّق به حكم شرعي بوجه .

   (1) هذه هي الجهة الرابعة من الكلام في العجب وحاصلها : أن العجب المتأخِّر هل يوجب بطلان العمل وإن قلنا بعدم حرمته ، وذلك لإمكان أن يكون حدوث هذا الأمر والصفة موجباً لبطلان العمل شرعاً ، أو لا يوجبه وإن أوجب حبط ثوابها ؟ وهي التي تعرض لها الماتن (قدس سره) وحكم بعدم بطلان العمل بالعجب المتأخر وهذا هو المشهور بين الأصحاب (قدس الله أسرارهم) بل ادعي عليه الإجماع .

   إلاّ أن المحقق الهمداني (قدس سره) نقل عن السيِّد المعاصر (قدس سره) ـ  والظاهر أنه السيِّد علي في كتابه البرهان  ـ بطلان العبادة بالعجب المتأخر فضلاً عن مقارنه مستدلاًّ عليه بظواهر الأخبار الواردة في الباب ، وقد أورد عليه باستحالة الشرط المتأخِّر وأن العمل بعد ما وقع مطابقاً للأمر وبعد ما حكم الشـارع عليه بالصحّة يستحيل أن ينقلب عمّا وقع عليه بحدوث ذلك الأمر المتأخِّر، وأمّا الإجازة في البيع الفضولي فلا نلتزم بكونها شرطاً متأخِّراً وإنما نلتزم هناك بالكشف الحكمي(2) .

  هذا ولكنّا ذكرنا في محلِّه أن الشرط المتأخِّر ممّا لا استحالة فيه ولا مانع من اشتراط العمل بأمر متأخِّر ، لأنّ مرجعه إلى تقيد العمل بأن يأتي بعده بأمر كذا فالواجب هو الحصّة الخاصة من العمل وهو الذي يتعقب بالشرط (3) ، فإذا أتى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواها الكليني (رحمه الله) أيضاً في الاُصول [ الكافي 1 : 27 / 31 ] بسنده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وفيه : إعجاب المرء بنفسه .  الوسائل 1 : 100 /  أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 6 .

(2) مصباح الفقيه (الطهارة) 121 : السطر 22 .

(3) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 308 .

ــ[22]ــ

بالعبادة ولم يتحقّق بعدها ذلك الشرط كشف هذا عن أن ما تحقّق لم تكن هي الحصّة الخاصّة المأمور بها فلا محالة تقع باطلة ، فالشرط المتأخر أمر ممكن .

   وإنّما الكلام في دلالة الدليل عليه في مقام الإثبات ، والصحيح أنه لا دليل على اشتراط العبادة بعدم العجب المتأخِّر ، لأن أكثر الأخبار الواردة في المقام كما تأتي في الجهة الخامسة إن شاء الله تعالى ضعيفة سنداً . على أنها قاصرة الدلالة على بطلان العبادة بالعجب ، فلا يمكن الاعتماد عليها في الأحكام الشرعية . على أنا لو فرضناها صحيحة من حيث الدلالة والسند أيضاً لم نكن نلتزم ببطلان العبادة بالعجب المتأخِّر وذلك للقطع بعدم كونه مبطلاً لها ، فلا مناص من تأويل تلك الأخبار وحملها على نفي الثواب ، وذلك لأن العجب ليس بأعظم من الكفر المتأخِّر ، فلو أنّ المكلّف كفر ثمّ أسلم لم تجب عليه إعادة أعماله السابقة فضلاً عن قضائها ، لأنه لا يوجب بطلان الأعمال المتقدِّمة فكيف بالعجب المتأخِّر ، ولا نحتمل أن يجب على من عمره سبعون سنة مثلاً وقد أتاه العجب في ذلك السن قضاء جميع أعماله السابقة شرعاً ، فلا بدّ من تأويل ما دلّ على بطلانها بالعجب لو فرضنا دلالة الأخبار الآتية عليه وتماميتها سنداً ودلالة .

   وأمّا ما ورد من أن سيّئة تسوءك خير عند الله من حسنة تعجبك (1) فمعناه أن السيّئة بعد الندم عليها ـ الذي هو المراد من قوله تسوءك ـ تتبدّل بالحسنة ، لأن التائب من ذنب كمن لا ذنب له ، والتوبة عبادة موجبة للتقرّب من الله تعالى . وأظن أن قوله تعالى : (فَأُوْلئِك يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنت ) (2) إنما فسرت بالتوبة بعد المعصية لأنها عبادة ونتيجتها حسنة ، وهذا بخلاف العبادة التي توجب العجب ، لأنه يذهب بثواب العبادة فلا يبقى فيها حسنة كما يبقى في التوبة بعد السيّئة ، ولا يستلزم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 105 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 22 ، وبمضمونها روايات اُخرى في نفس الباب .

(2) الفرقان 25 : 70 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net