السمعة وبطلان العبادة بها - الضمائم الراجحة والمباحة في العبادة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7893


ــ[36]ــ

   وأمّا السمعة (1) فإن كانت داعية على العمل أو كانت جزءاً من الداعي بطل وإلاّ فلا  كما في الرِّياء ، فإذا كان الداعي له على العمل هو القربة إلاّ أنه يفرح إذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يجيء من قبل الوسوسة في أن العمل مقرون بالعجب فهو باطل أو لا ثواب له ، وقد أمر عليه السلام بالمضي في العمل وعدم الاعتناء به ليخسأ الشيطان . هذا كله في العجب .

    الكلام في السّمعة

   (1) فلئن قلنا إنها مغايرة للرِّياء بحسب الموضوع والمعنى لأنه من الرؤية وهي غير السماع ، فلا إشكال في دخولها فيه بحسب حكمه ، وذلك لأن ما دلّ من الأخبار المعتبرة على حرمة الرِّياء وإبطاله العبادة بعينه تدلّ على إبطال السمعة لها ، كما ورد أن من عمل لي ولغيري فقد جعلته لغيري ، أو هو كمن عمل لغيري ، أو ما يشبهه من الألفاظ على ما تقدّم في رواية البرقي(1) . هذا مضافاً إلى ورود السمعة في روايتين معطوفة على الرِّياء :

   إحداهما : رواية محمّد بن عرفة قال «قال لي الرضا (عليه السلام) : ويحك يابن عرفة اعملوا لغير رياء ولا سمعة فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى ما عمل ، ويحك ما عمل أحد عملاً إلاّ رداه الله به إن خيراً فخيراً وإن شرّاً فشرّاً» (2) لكن هذه الرواية ضعيفة .

  ثانيتهما : معتبرة ابن القداح عن أبي عبدالله عن أبيه (عليهما السلام) قال «قال علي (عليه السلام) : اخشوا الله خشية ليست بتعذير ، واعملوا لله في غير رياء ولا سمعة فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى عمله يوم القيامة» (3) .  فالمتحصل : أن السمعة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ص 7 .

(2) الوسائل 1 : 66 / أبواب مقدّمة العبادات ب 11 ح 8 .

(3) الوسائل 1 : 66 / أبواب مقدّمة العبادات ب 11 ح 10 .

ــ[37]ــ

اطّلع عليه الناس من غير أن يكون داخلاً في قصده لا يكون باطلاً (1) لكن ينبغي للإنسان أن يكون ملتفتاً فإن الشيطان غرور وعدو مبين . وأمّا سائر الضمائم(2) فإن كانت راجحة كما إذا  كان قصده في الوضوء القربة وتعليم الغير ، فإن كان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كالرِّياء موجبة لبطلان العبادة .

   (1) نعم إذا كان آتياً بالعمل بداعي الأمر والقربة إلاّ أنه يسره سماع الغير عمله من غير أن يكون ذلك دخيلاً في عبادته ولو على نحو التأكيد بل مجرد التبعيـة القهرية غير أنه يفرح به ويدخله السرور بذلك ، فهو غير موجب لبطلان العبادة ، لأنها صدرت عن داع إلهي على الفرض وهو مستقل في داعويته ، وسماع الغير أو رؤيته إنما هو على نحو التبع ، وإن كان هذا أيضاً منافياً للعبادة أخلاقاً ، لأن الإنسان ينبغي أن يكون قاصداً بعمله لله من غير أن يكون نظره إلى غير الداعي الإلهي ولو على وجه التبع .

    الضّمائم وأقسامها وأحكامها

   (2) الضميمة ثلاثة أقسام ، لأنها تارة مباحة بالمعنى الأعم من الكراهة والإباحة المصطلح عليها ، واُخرى راجحة بالمعنى الأعم من الوجوب والاستحباب ، وثالثة محرمة غير الرِّياء ، كما إذا قصد بصلاته في مكان الإيذاء والهتك لإمام الجماعة خلفه أو غيره .

   أما إذا كانت مباحة أو راجحة فهي على أقسام أربعة : لأن الداعي للعبادة تارة يكون هو الداعي الإلهي القربي المستقل في دعوته وتكون الضميمة المباحة كالتبريد أو الراجحة كتعليم الغير الوضوء أو الصلاة تبعاً ، بمعنى عدم كونها دخيلة في العبادة ولو على وجه التأكيد ، فكما أنها غير مستقلّة في الداعوية كذلك ليست بجزء من الداعي ولا مؤكد له وإنما العبادة نشأت عن داع إلهي مستقل في الداعوية والضميمة مقصودة بالتبع ، ولا إشكال في صحّة العبادة في هذه الصورة لصدور العبادة عن

ــ[38]ــ

داعي القربة مستقلاًّ والضميمة تبعاً أو كانا مستقلين صحّ ، وإن كانت القربة تبعاً أو كان الداعي هو المجموع منهما بطل ، وإن كانت مباحة فالأقوى أنها أيضاً كذلك كضم التبرّد إلى القربة ، لكن الأحوط في صورة استقلالهما أيضاً الإعادة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الداعي المستقل في داعويته ، والضميمة المباحة أو الراجحة تبع ولا دخالة لها في صدور العبادة بوجه .

   واُخرى : ينعكس الأمر ويكون الداعي إلى العبادة هو الضميمة الأعم من المباحة والراجحة ولا يكون للداعي القربي مدخلية في صدورها إلاّ تبعاً . وهذه الصورة أيضاً مما لا إشكال في حكمها وهو بطلان العبادة ، لفقدها القربة المستقلة في الداعوية المعتبرة في صحّة العمل .

   وثالثة : يكون الداعي هو المجموع المركب من القربة والضميمة بحيث لو كانت إحداهما وحدها لم يأت بالعبادة وإنما أتى بها لاجتماعهما . والحكم في هذه الصورة هو البطلان ، لما قدمناه من أن العبادة يعتبر أن تكون صادرة عن داع قربي إلهي مستقل في داعويته وهو غير متحقق في المقام فالعبادة باطلة .

   ورابعة : يكون كل من القربة والضميمة داعياً مستقلاًّ في دعوته بحيث لو كانت هذه وحدها لأتى بالعبادة ، ولو كان الآخر وحده أيضاً لأتى بها ولكنهما اجتمعا معاً فالمتأخرون فصّلوا في هذه الصورة بين كون الضميمة راجحة كتعليم الوضوء أو الصلاة للغير فحكموا بصحّة العبادة حينئذ ، وبين كونها مباحة كما إذا قصد التبريد بالوضوء فذهبوا إلى بطلانها . ولا نرى نحن للتفرقة بينهما وجهاً محصلاً ، بل الصحيح صحّة العبادة في كلتا الصورتين بلا فرق في ذلك بين رجحان الضميمة وإباحتها .

   أما إذا كانت الضميمة راجحة فلأنا إن أخذنا اعتبار قصد التقرب في العبادة من الأدلّة الشرعيّة فهي لا دلالة لها على أزيد من اعتبار صدور العبادة عن الداعي القربي المستقل في داعويته ، والمفروض تحققه في المقام ، ولا يستفاد منها عدم اقترانه

ــ[39]ــ

بداع آخر مباح أو راجح . وإن أخذنا اعتباره من بناء العقلاء فالأمر أوضح وذلك لأن العقلاء إنما بنوا على أن يكون العمل صادراً بتحريك أمر المولى وإطاعته ولا بناء منهم على أن لا يكون معه أمر آخر يوجب الدعوة والبعث نحو العمل ، فلو أمر المولى عبده بأن يأتي له بالماء والعبد أتى به بدعوة من أمر سيِّده وكان له داع آخر مستقل أيضاً في هذا العمل وهو رفع وجع رأس المولى لعلمه بأنه لو شرب الماء ارتفع وجعه ، فهل ترى أن العقلاء يحكمون ببطلان طاعته ، ويمنعونه عن أن يضم إلى داعي إطاعته داعياً آخر وهو رفع الوجع مع أنه أيضاً أمر محبوب للمولى وقد صدرت إطاعته عن أمره الأوّل بالاستقلال .

   وأمّا إذا كانت الضميمة مباحة فلعين ما قدمناه ، من أن اعتبار قصد التقرب في العبادة إن كان من جهة أخذه من الأدلّة الشرعية فلا يستفاد منها إلاّ اعتبار أن يكون أمر المولى مستقلاً في داعويته نحو العمل ، ولا يستفاد منها اعتبار عدم انضمامه إلى أمر آخر مما له أيضاً داعوية مستقلّة نحو العمل . وكذا الحال فيما إذا أخذنا اعتباره من بناء العقلاء حيث لم يتحقق منهم البناء على أزيد من صدور العمل عن الداعي القربي المستقل في داعويته ، ولا بناء منهم على عدم حصول القربة فيما إذا انضمّ إليه أمر آخر مباح أيضاً مستقل في داعويته ، كما إذا قصد العبد في إطاعته لأمر المولى باتيانه بالماء تقوية بدنه من جهة أن الحركة مقوّية لعضلاته ، فعليه لا فرق في صحّة العبادة عند صدورها عن الداعي القربي المستقل في داعويته بين أن ينضم إليه داع آخر مستقل في داعويته راجح أم مباح ، وإنما يعتبر فيها أن تكون صادرة عن الداعي القربي المستقل وهو مفروض التحقق في المقام هذا .

   بل ذكرنا عدم تحقق جملة من العبادات الشرعية من الأشخاص المتعارفين ـ غير الأوحدي منهم ـ إلاّ مقترنة بداع آخر مباح أو راجح أيضاً مستقل في داعويتـه فترى أن المكلّف يصوم ولا يفطر في الشوارع والأسواق لداعي الأمر الإلهي الذي له استقلال في داعويته ، ومن هنا يترك الإفطار عند الخلوة ونزوله إلى السرداب أو دخوله داره مثلاً ، إلاّ أن لتركه الإفطار في تلك الأمكنة داعياً آخر أيضاً مستقلاًّ في




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net