المانع الثاني القتل‌ 

الكتاب : محاضرات في المواريث   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5755

محاضرات في المواريث؛ ص: 193

المانع الثاني القتل

لا شك و لا ريب و لا خلاف في أن القتل- في الجملة- مانع من الإرث.

و إنّما الكلام في بعض خصوصياته:

إذا فرضنا أن أحدا قتل مورّثه عن ظلم و عدوان و تعدّ لا شك و لا ريب في أنّه لا يرث لبعض الإطلاقات كقوله عليه السّلام: «القاتل لا يرث» «1» و هذا قاتل لمورثه فهو لا يرث.

و للتصريح بذلك في جملة من الروايات: منها صحيحة علي بن الجهم ففيها أن رجلا قتل امّه، قال عليه السّلام: «يقتل و لا يرث منها و لا أظن أن قتله بها كفارة لذنبه» «2» هذه الصحيحة موردها القتل ظلما و عدوانا ففي مثل ذلك لا يرث.

و تفصيل الكلام في المقام هو:

أنّ الفعل الواقع على المقتول الذي يترتب عليه القتل: قد لا يكون هذا الفعل مقصودا أصلا، و لكنه تحقق في الخارج اتفاقا بغير قصد.

و قد يفرض أنّ ذات الفعل مقصود، و في مثل ذلك:

______________________________
(1) الوسائل 26: 30، باب 7 من أبواب موانع الإرث ح 1 و 5 و 6.

(2) الوسائل 26: 30، باب 7 من أبواب موانع الإرث ح 2 إلّا أن الراوي ابن رئاب لا علي بن الجهم و لم يذكر للرواية سند آخر.

محاضرات في المواريث، ص: 194‌

إمّا أن يكون القتل أيضا مقصودا.

أو أن الفعل مما يترتب عليه القتل عادة و لو فرضنا أنّه لم يكن قاصدا للقتل.

أو لا يكون كذلك يعني لم يقصد به القتل، و ليس الفعل مما يترتب عليه القتل عادة، و لكن اتفق أنّه قتل به.

فهذه أقسام ثلاثة:

أمّا القسم الأوّل: و هو ما إذا لم يكن الفعل الواقع على المقتول مقصودا و لكن وقع عليه اتفاقا- و هو المسمى عندهم بالخطإ المحض- كما إذا رمى طائرا بحجر فوقع على رأس إنسان فقتله و مات، فهذا ليس مقصودا للرامي، بل كان مقصوده رمي الطائر.

ففي مثل ذلك تترتب الدية على العاقلة- على ما هو المشهور بينهم.

و أمّا القسم الثاني: و هو ما إذا كان القتل مقصودا أو أن الفعل مما يترتب عليه القتل عادة- و إن لم يكن قاصدا للقتل- كما إذا ألقاه من شاهق أو ضربه بسيف على رأسه و أمثال ذلك مما يكون ترتب القتل عليه أمرا عاديا.

فهذا داخل في القتل العمدي و حكمه القصاص ابتداء و يمكن التراضي مع ولي المقتول بالدية أو بما هو أقل من الدية أو أكثر حسب التراضي بينهما.

و أمّا القسم الثالث: و هو ما إذا كان الفعل بذاته مقصودا و لكن ترتب القتل عليه غير مقصود، و ليس الفعل مما يترتب عليه القتل عادة، كما إذا ضربه بعصى مثلا بقصد التأديب و الضرب بالعصى لا يوجب القتل عادة، و لكن اتفق موته بهذه الضربة. فهذا يسمّى عندهم بالخطإ الشبيه بالعمد، و في مثل ذلك تكون الدية على نفس القاتل دون العاقلة، فيؤدي الدية من ماله.

محاضرات في المواريث، ص: 195‌

و أمّا القصاص فلا يثبت لأنّه لم يكن قاصدا للقتل، و لم يكن الفعل مما يترتب عليه القتل عادة.

أمّا القسم الأوّل: و هو الخطأ المحض فهو لا يمنع من الإرث بل القاتل يرث كغيره من الورثة، و المخالف في ذلك شاذ، و ما دل على أن القاتل لا يرث و إن كان قتله خطأ روايتان ضعيفتان «1» لا يمكن الاستدلال بهما على شي‌ء، فالقاتل خطأ كغير القاتل من الورثة.

أمّا القسم الثاني: و هو القاتل العمدي فهو لا يرث على ما تقدّم.

و أمّا القسم الثالث: و هو القسم الثاني من الخطأ: و هو ما يكون شبيها بالعمد فهو محل خلاف و كلام بينهم:

فذهب جماعة إلى أنّه مانع من الإرث كالعمد.

و ذهب آخرون إلى أنّه لا يمنع، بل القاتل يرث كما في الخطأ المحض، و هذا هو الصحيح:

فإن تقسيم الخطأ إلى قسمين إنّما هو باعتبار الدية و إلّا فلا واسطة بين المخطئ و المتعمّد، فالخطأ شامل لكليهما مجرد تسميته بشبيه العمد لا يوجب جريان حكم العمد عليه، فقوله عليه السّلام: «إن كان خطأ فهو يرثه» «2» أعم من أن يكون الخطأ من القسم الأوّل أو من القسم الثاني، فالخطأ في مقابل العمد. إمّا أن يكون القاتل قاصدا للقتل أو لم يكن قاصدا فإذا لم يكن قاصدا للقتل فهو مخطئ لا محالة، و المشهور بينهم أن القاتل خطأ يرث. فمجرد أنّه تجب عليه الدية و أنّه هو المكلف‌

______________________________
(1) الوسائل 26: 32 و ما بعدها باب 9 من أبواب موانع الإرث، ح 3 و 4.

(2) الوسائل 26: 31 و ما بعدها باب 9 من أبواب موانع الإرث، ح 1 و 2.

محاضرات في المواريث، ص: 196‌

بدفع الدية في مقابل الخطأ المحض لا يوجب هذا تقييدا في أحكام الإرث.

و أمّا الروايتان فحملهما على الخطأ الشبيه بالعمد حمل بغير موجب على أنّهما ضعيفتان و غير قابلتين للاستدلال بهما.

إذن ما ذهب إليه المحققون من عدم الفرق بين أقسام الخطأ هذا هو الصحيح.

يبقى الكلام فيما إذا كان القتل عمدا و لكن لم يكن بتعدّ و ظلم، بل كان قتلا بحق كما إذا كان القتل من جهة الدفاع عن النفس، أو عن العرض، أو عن المال المحترم، فقتل أباه أو أخاه، أو عمه أو ابن عمه، أو غير هؤلاء بحيث لو لا القتل لكان وارثا له، و لكن كان قتله قتلا بحق، فهل يكون هذا وارثا؟ أو أنّه لا فرق في القتل العمدي بين الحقّ و غيره؟

المشهور و المعروف بل المتسالم عليه بينهم اختصاص الحكم بالقتل ظلما، و أمّا إذا كان القتل بحقّ و لا سيما إذا كان واجبا كالدفاع عن النفس باعتبار أنّه واجب، لا مجرد الجواز كما في القصاص، أو فرضنا أن هناك حربا بين أهل البغي و أهل الإيمان، فالمورّث في الطائفة الباغية و الوارث في طائفة أهل الإيمان فقتل مورثه فهو قتل بحق.

المعروف و المشهور بل المتسالم عليه بينهم، و الظاهر أنه لا خلاف في المسألة أن المنع عن الإرث مختص بالقتل ظلما و لا يعمّ القتل بحق.

و هذا هو الصحيح، فإنّ المقابلة في الروايات: إن كان عمدا لا يرث، و إن كان خطأ يرث ظاهر في أن الفرق هو العذر و عدم العذر من كان معذورا و كان خطأ فلا يمنع و من كان غير معذور و كان متعمدا و قاصدا فهو لا يرث، فإذا كان الحكم ثابتا مع أن المبغوضية الواقعية موجودة في قتل الخطأ غايته أن الحكم غير منجّز في حقّه‌

محاضرات في المواريث، ص: 197‌

و مرفوع من جهة الخطأ ففيما إذا لم تكن المبغوضية ثابتة في الواقع، بل كان الفعل محبوبا و مرغوبا، بل واجبا في بعض الأوقات لا يكون شاملا للحكم بعدم الإرث بطريق أولى.

و بمناسبة الحكم و الموضوع بحسب الفهم العرفي أيضا يقتضى ذلك، فإنّه يقال من جهة عدم تعجيل الوارث في أخذ الإرث كما إذا كان فقيرا محتاجا إلى المال و مورّثه غني يقتله و يستعجل في أخذ إرثه، فجعل منع القتل من الإرث مانعا عن ارتكاب هذه الجريمة. فالمناسبة أيضا تقتضي ذلك.

نعم صحيحة أبي عبيدة «1» التي ذكرناها الآن و صحيحة الحلبي «2» كان موردهما القتل ظلما، و الظاهر هو اتحاد الروايات في الحكم و إلّا لم يكن وجه للتقييد بذلك، بل كان الحكم ثابتا لمطلق القتل.

إذا ما ذكره المشهور من اختصاص الحكم بالقتل العدواني هذا هو الصحيح.

و قد وردت رواية رواها الشيخ الصدوق و الشيخ الطوسي قدّس سرّه و لكن سندها ضعيف «3»، في تلك الرواية علل عدم الإرث (لأنه ليس بحقّ) أو عكسه (يرث لأنّه بحقّ) و لكن الرواية لضعفها لا يمكن الاستدلال بها فتكون مؤيّدة.

ثمّ إنّه لا فرق في القتل العمدي بين أن يكون القاتل واحدا و المقتول متعددا، أو العكس، فلو فرضنا أن شخصا واحدا قتل اثنين و هو وارث لهما معا كما لو فرضنا أخوة ليس لهم وارث آخر من أب أو أمّ و كلّ منهم وارث للآخر، فقتل أحد‌

______________________________
(1) الوسائل 26: 30 باب 7 من أبواب موانع الإرث، ح 2.

(2) الوسائل 26: 30 باب 7 من أبواب موانع الإرث، ح 4.

(3) الوسائل 26: 41 باب 13 من أبواب موانع الإرث، ح 1.

محاضرات في المواريث، ص: 198‌

الأخوة اثنين من أخوته فهو لا يرثهما فلا يفرّق بين الواحد و الأكثر فكما أن قاتل الواحد لا يرثه فإن قاتل الأثنين لا يرثهما و هكذا. و هذا ظاهر.

كما أنّه لو فرضنا أن اثنين قتلا واحدا، ولدين اشتركا في قتل أبيهما، أيضا كلّ منهما قاتل فيمنع من إرث المقتول لأن القتل حقيقي، و لا فرق في منع القاتل من الإرث بين أن يكون قاتلا بالاشتراك أو أن يكون قاتلا بالانفراد فكما يجوز الاقتصاص منهما معا غاية الأمر لا بدّ لولي الدم من أن يدفع نصف الدية إلى ورثتهم- و هذا حكم آخر- فإذا اشتركا في قتل واحد و كان كلّ منهما قاتلا له لا يرث هذا و لا ذاك، لأنّ كلا منهما قاتل، فلا فرق بين أن يكون القاتل واحدا و المقتول متعددا، و بين أن يكون القاتل متعددا و المقتول واحدا.

ففي كلّ مورد صدق القتل حقيقة يمنع القاتل من الإرث بمقتضى إطلاق الأدلّة.

يبقى الكلام في دية الخطأ المحض:

قلنا إن دية الخطأ المحض على العاقلة، فهل المقصود من ذلك أنّها ثابتة في ذمتهم؟

لا يراد بذلك أن الدية ثابتة في ذمتهم فليسوا مدينين بالدية بل هو تكليف محض، و الدية على الجاني نفسه فهي ثابتة في ذمته- كما بينا ذلك في بحث الديات «1»- فلا فرق هنا بين الشبيه بالعمد و بين الخطأ المحض في أن الدية في كلا الموردين إنّما هي على الجاني و في ذمته. غايته أنّها في الخطأ المحض تحمل على العاقلة يجب عليهم تفريغ ذمة القاتل من هذا الدين، فهي بالنسبة إلى العاقلة تكليف محض بينما‌

______________________________
(1) راجع مباني تكملة المنهاج 2: 554 و ما بعدها.

محاضرات في المواريث، ص: 199‌

هي بالنسبة إلى الجاني وضع كما تدل عليه الآية المباركة وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلىٰ أَهْلِهِ «1» فكما أن الكفارة واجبة على نفس الجاني كذلك الدية مترتبة عليه و في ذمته، و قد دلت على ذلك عدّة من الروايات تعرضنا لها في كتاب الديات و هي واضحة الدلالة بل بعضها صريحة في ذلك و هو أن الدية على نفس الجاني:

سئل الإمام عليه السّلام عن رجل قتل في الأشهر الحرم خطأ فقال عليه السّلام: «عليه الدية، و عليه صوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم» «2» و غير ذلك من الروايات المعتبرة الدالة على أن الدية على نفس الجاني و إن كان يجب على العاقلة تفريغ ذمته من هذا الدين، فهذا مجرد تكليف.

فلو فرضنا أنّه لا عاقلة له، أو أن عاقلته فقراء لا يتمكنون من دفع شي‌ء، أو أنّهم لا يدفعون عصيانا أو غير ذلك، فالقاتل يجب عليه دفع الدية من ماله و لا يسقط عنه وجوب الدية، و تمام الكلام في محله «3».

______________________________
(1) النساء: 92.

(2) الوسائل 29: 204 باب 3 من أبواب ديانت النفس، ح 4.

(3) راجع مباني تكملة المنهاج 2: 554، و ما بعدها مسألة 420.

محاضرات في المواريث، ص: 200‌

القاتل خطأ هل يرث من الدية أم لا؟

كان كلامنا في مانعية القتل عن الإرث، و قلنا إن القاتل لا يرث المقتول إذا كان القتل عمدا و ظلما، و أمّا إذا كان القتل خطأ فهو لا يمنع من الإرث سواء كان خطأ محضا أم كان شبيه عمد، فالقاتل يرث المقتول مطلقا.

إلّا أنّه وقع الكلام في أن عدم المنع من إرث القاتل خطأ هل يختص بما تركه الميت؟ أم أنّه يشمل الدية أيضا فهو كما يرث من التركة يرث من الدية أيضا؟

فيه كلام بين الأعلام:

اختار الشيخ المفيد قدّس سرّه «1» أن القاتل خطأ و إن كان يرث إلّا أنّه لا يرث من الدية.

و حسّنه المحقّق قدّس سرّه «2» إلّا أنّه اختار أنّه يرث و قال: هو أشبه. و قوّى صاحب الجواهر قدّس سرّه «3» قول المفيد و أنّه لا يرث من الدية.

و على كلّ حال فقد ذهب إلى كلّ من القولين جمع من الفقهاء.

و ما ذكره المحقّق مبني على أن الروايات الواردة في المقام متعارضة باعتبار أن‌

______________________________
(1) راجع الجواهر 39: 37- 38.

(2) شرائع الإسلام 4: 8.

(3) راجع الجواهر 39: 38.

محاضرات في المواريث، ص: 201‌

جملة منها دلت على أن القاتل إذا كان قتله خطأ يرث، «1»، و هذا بإطلاقه شامل للدية و غير الدية.

كما أن ما دل على أن القاتل لا يرث من الدية من الروايات المعتبرة «2» يشمل بإطلاقه القتل العمدي و القتل الخطئي، فبينهما عموم من وجه بالنسبة إلى الدية:

مقتضى الإطلاق في الأوّل أنّه يرث، و مقتضى الإطلاق في الثاني أنه لا يرث.

فإذا تعارضت الروايات بعضها دل على الإرث، و البعض الآخر دل على عدم الإرث فالمرجع هو إطلاق الآية الكريمة و أن الابن أو الأب أو الأخ أو غير ذلك من الأرحام يرث وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ* فيكون المرجع هو إطلاق الكتاب أو عمومه.

و لذلك قال المحقّق قدّس سرّه «3»: إن القول الأوّل- يعني القول بأن القاتل خطأ يرث حتّى من الدية- هو الأشبه.

إلّا أنّ الظاهر أن ما ذكره صاحب الجواهر قدّس سرّه و غيره من المحققين من عدم الإرث من الدية هو الصحيح.

و الوجه في ذلك: أنّا لو كنا نحن و لم يكن شي‌ء من الروايات مقتضاه أن الدية لا تكون إرثا للميت فإن الآية بل الآيات المباركة إنّما هي واردة فيما تركه الميت، فالإرث إنّما يكون فيما تركه الميت: إن ترك شيئا فللوالدين كذا و للبنت كذا و غيرهم من الأولاد .. و هكذا. الإرث إنّما يكون بالنسبة إلى ما تركه.

______________________________
(1) راجع الوسائل 26: 33 باب 9 من أبواب موانع الإرث.

(2) راجع الوسائل 26: 38 و ما بعدها باب 11 و 12 من أبواب موانع الإرث.

(3) شرايع الإسلام 4: 8.

محاضرات في المواريث، ص: 202‌

و ليست الدية مما تركه الميت، بل الدية إنّما تجب بعد تحقّق القتل و موت المقتول، فلم يكن الميت مالكا للدية حال حياته لتكون داخلة في ما تركه، و إنّما التزمنا بأن الدية حكمها حكم مال الميت يقضى منها ديونه و يعمل بوصيّته و الباقي يكون للورثة إنّما التزمنا بذلك للروايات الواردة في المقام «1»، و إلّا لو كنا نحن و الآية المباركة لا نحكم بأن الدية تكون في ملك الميت و تنتقل منه إلى ورثته، بل ابتداء تكون ملكا للورثة من دون توسيط الميت من جهة ظاهر الآية المباركة و الروايات وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلىٰ أَهْلِهِ «2».

فالدية من الابتداء تعطى إلى الورثة لا أن تنتقل إليهم من الميت، و إنّما التزمنا بذلك من جهة الروايات و أن ديون الميت تعطى من الدية و كذلك وصاياه تخرج من الدية و الباقي يكون للورثة.

إذا لا يمكن بعد الالتزام بتعارض الروايات أن يقال إن المرجع هو الآية المباركة، بل الصحيح أن يقال: إن هاتين الطائفتين اللتين أشرنا إليهما دلت طائفة على أن القاتل خطأ يرث و مقتضى إطلاقها أنّه يرث من الدية و من أصل المال بمقتضى الروايات الدالة على أن الدية في حكم التركة، و الآية قاصرة الشمول، فلو كنا نحن و هذه الطائفة فقط لالتزمنا بأن القاتل خطأ يرث حتّى من الدية.

و مقتضى إطلاق الطائفة الثانية- و هي أن القاتل لا يرث من الدية- أن القاتل خطأ أيضا لا يرث من الدية، فهذه الروايات مطلقة بالنسبة إلى القاتل العمدي و الخطئي.

______________________________
(1) راجع الوسائل 26: 35 و ما بعدها باب 10 من أبواب موانع الإرث.

(2) النساء: 92.

محاضرات في المواريث، ص: 203‌

فبالنسبة إلى القتل الخطئي تكون الطائفتان متعارضتين بالعموم من وجه، فيكون هذا المورد- يعني الدية في القتل الخطئي- مشمولا لكلتا الطائفتين: مقتضى الطائفة الاولى أنّه يرث، و مقتضى الطائفة الثانية أنه لا يرث.

إلّا أنّ الترجيح مع الطائفة الثانية، و ذلك لأن التقييد بالقتل العمدي و إن كان أمرا ممكنا إلّا أنّه بعيد جدا باعتبار أن الموضوع هو الدية فيعلم أنّ الدية لها خصوصية، و إلّا فما معنى قوله عليه السّلام: «القاتل لا يرث من الدية» «1» فإذا كان القتل عمديا فهو كما لا يرث من الدية لا يرث من أصل المال أيضا.

فالتقييد بالدية يظهر أن فيه خصوصية كأن إرثه من أصل المال مفروغ عنه و إنّما منع من الدية خاصة، فبعيد جدا أن تقيد هذه الروايات بالقتل العمدي، لأنّه ينافي التقييد بالدية في كلام الإمام عليه السّلام و يؤخذ بالإطلاق و أن القاتل مطلقا عمدا كان أو خطأ لا يرث من الدية فتقيّد الطائفة الاولى بأنّه يرث يعني يرث من أصل المال، فالمعارضة و إن كانت بالعموم من وجه إلّا أنّ هنا مرجّحا لتقييد الطائفة الثانية بالطائفة الاولى- يعني يؤخذ بإطلاق الطائفة الثانية و يقيّد به إطلاق الطائفة الاولى. هذه ناحية.

و من ناحية ثانية أنّه لا يبعد أن يقال إنّه على فرض تعارض الطائفتين و عدم إمكان تقديم إحداهما على الاخرى فالمرجع هو إطلاق قوله تعالى وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلىٰ أَهْلِهِ مقتضى هذه الآية المباركة أن كلّ من يكون قاتلا خطأ فيجب‌

______________________________
(1) لو كانت هذه العبارة موجودة لتم ما ذكره قدّس سرّه من التوجيه إلّا أنّ الموجود في عدّة من النصوص هكذا:

«المرأة ترث من دية زوجها و هو يرث من ديتها ما لم يقتل أحدهما الآخر» فإرث الدية في هذه الروايات محصور فيما إذا كان القاتل غير الزوجين و القتل مطلق يشمل العمد و الخطأ فلا يتم التوجيه الذي ذكره قدّس سرّه و للتأكد راجع الوسائل 26: 32 باب 8 من أبواب موانع الإرث.

محاضرات في المواريث، ص: 204‌

عليه أمران: الكفارة تحرير رقبة مؤمنة، و دية مسلّمة إلى أهله، و قد ذكرنا قبل ذلك أن الدية ثابتة في ذمة نفس القاتل- و إن كان في فرض الخطأ المحض يجب تفريغ ذمته على العاقلة يعني أن الحكم بالنسبة إلى العاقلة تكليف محض، و الوضع إنّما هو على القاتل نفسه- فإذا قلنا بأن القاتل يرث حتّى من الدية لا بدّ من تقييد الآية المباركة و تخصيصها بغير القتل الخطئي، لأنّه لا معنى لدفع الدية إذا كان هو الوارث. فلنفرض أن الأب قتل ولده خطأ أو العكس الولد قتل أباه خطأ و ليس هنا أي وارث غيره، كيف يمكن أن يقال إنّه تجب عليه الدية وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلىٰ أَهْلِهِ فيكون المعنى أنّه يسلّم الدية إلى نفسه، ليس لهذا معنى صحيح.

و كذلك إذا كان معه وارث آخر بالنسبة إلى بعض الدية أيضا الكلام هو الكلام.

فلو فرضنا أن للقاتل أخا فمعناه أنّه يجب عليه نصف الدية لأنّ النصف الآخر هو يرثه، و هذا تخصيص في الآية المباركة ظاهر الآية المباركة أن الدية يجب تسليمها إلى أهله بالنسبة إلى أي قاتل كان سواء كان منحصرا أم لم يكن، و سواء كان وارثا أم لم يكن، تقييد القاتل بغير الوارث و تخصيص الحكم به تقييد بلا موجب، و على فرض المعارضة المرجع عمومات وجوب الدية حتّى إذا كان القاتل وارثا، بل كان وارثا منحصرا.

فحينئذ ما قواه صاحب الجواهر قدّس سرّه و غيره من المحققين من أنّه لا يرث من الدية و إن كان وارثا من أصل المال هو الصحيح.

خلاصة البحث:

قلنا إن القاتل إذا كان متعمّدا فهو لا يرث إذا كان قتله ظلما.

محاضرات في المواريث، ص: 205‌

و أمّا إذا كان قتله خطأ بقسميه: المحض و الشبيه بالعمد فلا مانع من إرثه مما تركه الميت، و أمّا بالنسبة إلى الدية فقد تقدّم الكلام فيه و أن الظاهر أنّه لا يرث كما اختاره الشيخ المفيد قدّس سرّه و جماعة من المحققين.

هذا بالنسبة إلى نفس القاتل فيفرض كالعدم.

و أمّا إذا فرضنا أن في طبقة القاتل من يرث الميت أو في طبقة متأخرة عنه كما إذا فرضنا أخوين أحدهما قتل والده، أو فرضنا أن للميت ولدا و ولد ولد من غير هذا القاتل، طبعا القتل يمنع من إرث القاتل من الدية فهو بحكم العدم، ففي الصورة الاولى ينتقل المال إلى أخيه، و في الصورة الثانية ينتقل إلى ابن أخيه.

و هذا واضح لا يحتاج إلى دليل خاص مقتضى أن الإرث للأقرب و المفروض أن القاتل قد سقط و فرض كالعدم فغيره سواء كان في طبقته أو في طبقة متأخرة عنه يكون هو الوارث.

يبقى الكلام في ما إذا كانت الطبقة المتأخرة تنتسب إلى المقتول عن طريق القاتل، كما إذا فرضنا أنه ولد القاتل، فالقتل منع أباه من الإرث فهل يسري هذا المنع إلى الابن أيضا باعتبار أنّ إرثه إنّما هو من جهة تقرّبه بهذا القاتل، و فرضنا أن القاتل سقط فهل يكون المتقرّب به أيضا ساقطا أم لا؟

لا ينبغي الإشكال في عدم السقوط أيضا لما تقدم من إطلاقات أدلّة الإرث و أن الأقرب إلى الميت هو الوارث، خرج القاتل بالدليل و أنّه ممنوع من الإرث، و أمّا بالنسبة إلى من يتقرب به فلم يدل دليل على الحجب فيكون وارثا. هذا.

مضافا إلى صحيحتين في هذا المقام قد دلتا على هذا الحكم ففي إحداهما أن‌

محاضرات في المواريث، ص: 206‌

الرجل إذا قتل والده فهو لا يرثه و لكن إذا كان له ابن فهو يرث جدّه «1».

و في الاخرى لا يرث الرجل إذا قتل ولده أو والده و لكن يكون الميراث لورثة القاتل «2».

فابن الابن يرث جدّه في المقام مع وجود أبيه، و الحكم مما لا إشكال فيه، و لو فرضنا أن الصحيحة لم تكن أيضا كان الأمر كذلك بمقتضى إطلاقات أدلّة الإرث.

هذا كله بالنسبة إلى التركة.

و أمّا بالنسبة إلى الدية التي تكلّمنا فيها في الجملة:

أمّا في القتل العمدي فالدية غير ثابتة، و الثابت هو القصاص و إنّما ينتقل الحكم إلى الدية لوجود ما يقتضي ذلك: كما إذا رضي ولي المقتول بأن يتنازل عن حقّه في القصاص و يرضى بالدية فيأخذ من القاتل مقدار الدية أو أقل أو أكثر حسب اتفاقهما و تراضيهما فليس له مقدّر محدود.

و قد ينتقل إلى الدية لعدم التمكن من القصاص، أو لعدم ثبوت القصاص من الأوّل، كما إذا قتل الوالد ولده فإنّه لا يقاد الوالد بولده، و إنّما يجب عليه دفع الدية، فالأب مستثنى من دليل القصاص.

و كذلك إذا قتل المسلم ذمّيا لا يقتل المسلم بالكافر أيضا فينتقل الأمر إلى الدية.

أو فرضنا أنّه لا يتمكن من القصاص لفرار القاتل و لم يمكن الاقتصاص منه، فتؤخذ الدية من أمواله.

______________________________
(1) الوسائل 26: 40 باب 12 من أبواب موانع الإرث، ح 1.

(2) الوسائل 26: 40 باب 12 من أبواب موانع الإرث، ح 2.

محاضرات في المواريث، ص: 207‌

فالثابت أوّلا و بالأصالة هو القصاص، و إنّما ينتقل إلى الدية للعوارض التي ذكرناها.

و أمّا بالنسبة إلى القتل الخطئي بكلا قسميه: فالثابت من الأوّل هو الدية، قال تعالى وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلىٰ أَهْلِهِ و كذلك الروايات دلّت على ذلك، فتجب الدية على نفس القاتل في كليهما إلّا أن الفرق بينهما في أنّه في الخطأ المحض يجب على العاقلة تفريغ ذمة القاتل، فلو فرضنا أنّه لا عاقلة له، أو فرضنا أنّهم لا يتمكنون من دفع الدية لفقرهم، أو أنّهم لا يدفعوها عصيانا ففي جميع ذلك تكون ثابتة في ذمة القاتل و يجب عليه دفعها من كيسه، فهي بالنسبة إلى العاقلة تكليف محض.

فلو فرضنا أنّه في صورتي الخطأ لم يكن للقاتل مال كما إذا كان شبيها بالعمد و كان القاتل عاجزا عن دفع الدية، أو كان من الخطأ المحض و لم تؤدّ العاقلة عنه و هو عاجز عن دفع الدية، ففي هذه الصورة على من تكون الدية؟

في هذه الصورة تكون الدية على الإمام عليه السّلام لا بما هو شخص بل بما هو إمام يعني لا يجب عليه أن يؤدّي الدية من ماله الشخصي، و إنّما يؤدّي من بيت المال على ما صرح به في بعض الروايات المعتبرة و إن لم يكن نص في خصوص المقام يعني لم يرد في الخطأ بكلا قسميه شي‌ء من ذلك لا نص قوي و لا ضعيف، إلّا أنّه لا شك في أنّه لا بدّ من دفع الدية من بيت المال، و ذلك لورود صحيحتين في غير المقام يستفاد منهما حكم المقام:

إحدى الصحيحتين وردت في الأعمى و أنّه إذا قتل أحدا لا قصاص عليه [1]،

______________________________
[1] الموجود في الوسائل 29: 89 باب 35 من أبواب القصاص في النفس رواية واحدة و ليس فيها (قتل)

محاضرات في المواريث، ص: 208‌

فهو مستثنى من القصاص كالأب.

فينتقل الأمر إلى الدية و هو في حكم الخطأ فكما أن عمد الصبي خطأ كذلك عمد الأعمى خطأ أيضا فينتقل الأمر إلى الدية.

سئل الإمام عليه السّلام عن أعمى قتل رجلا و ليس له مال، فأجاب عليه السّلام: «أنّه من بيت المال فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم» فلا يذهب مال المسلم هدرا، بل لا بدّ من القصاص أو من الدية، فإن لم تكن دية فعلى الإمام أن يؤدي الدية لأن دم المسلم لا يبطل.

و الصحيحة الثانية «1» واردة في هرب القاتل إذا هرب و لم يمكن الاقتصاص منه، قال عليه السّلام: «تؤخذ الدية من ماله، فإن لم يكن له مال فمن الأقربين إليه، فإن لم يكن للأقربين مال أو لم يكن له أقرباء فعلى الإمام، فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم».

ففي هاتين الصحيحتين وردت هذه الجملة: «فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم» فهي بمنزلة الكبرى الكلّية و أنّه في أي مورد لا يبطل دم امرئ مسلم، فإذا أدّى الجاني خطأ الدية أو عاقلته فهو، و إلّا فعلى الإمام إذا لا يبطل دم امرئ مسلم، فمن هذا التعليل في هاتين الصحيحتين و بيان الكبرى الكلّية يظهر حكم المقام أيضا.

______________________________
و إنّما الموجود (فقأ عين شخص) عن أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن أعمى فقأ عين صحيح، فقال: «إن عمد الأعمى مثل الخطأ هذا فيه الدية في ماله، فإن لم يكن له مال فالدية على الإمام و لا يبطل حقّ امرئ مسلم».

______________________________
(1) الوسائل 29: 395 باب 4 من أبواب العاقلة، ح 1.

محاضرات في المواريث، ص: 209‌

الكلام في مقدار الدية

أمّا بالنسبة إلى مقدار دية قتل النفس المحترمة فديتها على ما هو المعروف و المشهور، بل لم ينقل الخلاف عن أحد و أرسلوا الحكم إرسال المسلمات أنّها على ما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج «1» و غيرها: الدية ماءة من الإبل، أو مائتان من البقر، أو ألف شاة، أو ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم- كلّ دينار بعشرة دراهم- أو مائتا حلة من حلل اليمن.

الدية أحد هذه الأمور و لا إشكال في ذلك باعتبار صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و غيرها، فإنّه و إن كان المذكور فيها أن ماءة من الإبل تجب على أصحاب الإبل و مائتان من البقر على أصحاب البقر، و ألف شاة على أرباب الشياه، و بالنسبة إلى من يملك الورق ألف دينار أو عشرة آلاف درهم، و بالنسبة إلى أهل اليمن مائتا حلة.

لكن لا شكّ في عدم اختصاص الحكم بمن يكون مالكا لأحد هذه الأمور يعني من يملك الإبل يجب أن يدفع من الإبل فإن هذا من جهة التخيير و عدم الزام القاتل بأن يحصل مالا آخر، فإذا فرضنا أنّه يملك غنما لا يجب عليه تحصيل البقر، أو‌

______________________________
(1) الوسائل 29: 193 باب 1 من أبواب ديات النفس، ح 1.

محاضرات في المواريث، ص: 210‌

تحصيل الإبل، بل يكفي أن يدفع ألف شاة كلّ عشرة ببعير، و ليس هذا من باب الاختصاص و الاختلاف بالنسبة إلى الأشخاص بمعنى أنّ بعضهم يجب عليه الإبل و البعض الآخر يجب عليه البقر و هكذا، بل هو من باب التخيير.

إذا يكون القاتل خطأ بكلا قسميه مخيرا بين هذه الأمور و ليس لولي المقتول إلزامه بأحدها، و وجهه واضح فإن ولي المقتول لا يملك إلّا الجامع بين هذه الأمور الستة و لا يملك الخصوصية، فليس له إلزام القاتل تطبيق هذا الجامع على فرد معين، بل يكون القاتل مخيرا كما في سائر موارد ملك الكلي، كلّ من عليه كلي يكون مخيرا في دفع أي فرد شاء، كما إذا باع صاعا من صبرة فالاختيار بيد البائع يطبّق الصاع على أي فرد شاء من الصبرة.

و في المقام أيضا الذي يملكه ولي المقتول على القاتل إنّما هو الجامع بين هذه الأمور فيكون التطبيق بيد القاتل و ليس لولي المقتول إجباره على أحدها المعين.

و بين هذه الأفراد فرق كبير من حيث المالية، فألف شاة إذا فرضنا أن كلّ شاة ستيّن دينارا فيكون المجموع ستين ألف دينار، و أمّا إذا حسبنا بالدراهم يكون ما يقرب من خمسة آلاف دينار، لأن كلّ عشرة دراهم خمسة مثاقيل و ربع بالمثقال الصيرفي، فتكون عشرة آلاف درهم خمسة آلاف و مائتان و خمسين مثقالا صيرفيا.

و هكذا بالنسبة إلى الذهب ألف مثقال من الذهب القيمة تكون غالية جدا، و المراد بالمثقال- على ما ورد في غير واحد من الروايات- هو المثقال الشرعي الذي يساوي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي يعني كلّ مثقال شرعي يكون ثمانية‌

محاضرات في المواريث، ص: 211‌

عشر حبّة، فإنّ المثقال الصيرفي أربع و عشرين حبّة، فألف مثقال يكون سبعمائة و خمسين مثقالا صيرفيا فتكون القيمة زائدة لا محالة.

فكيف ما كان الاختيار بيد القاتل و له دفع أي فرد شاء من هذه الأفراد.

هذا كلّه بالنسبة إلى قتل الرجل.

و أمّا إذا كان المقتول امرأة:

إذا كان المقتول امرأة فتنصّف الدية- على ما صرّح به في غير واحد من الروايات [1]- من غير خلاف في المسألة، فدية النفس في المرأة نصف دية الرجل، فتكون خمسمائة مثقال من الذهب، أو خمسة آلاف درهم، أو خمسين من الإبل ..

و هكذا، فديتها نصف دية الرجل و الاختيار أيضا بيد القاتل يختار أي فرد شاء.

هذا بالنسبة إلى دية النفس.

______________________________
[1] دلّت على ذلك الروايات المستفيضة و فيها الصحاح نذكر منها على سبيل المثال صحيحة عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال عليه السّلام: «دية المرأة نصف دية الرجل». الوسائل 29: 205، باب 5 من أبواب ديات النفس ح 1، و في نفس المصدر: 80 باب 33 من أبواب قصاص النفس ح 1، عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في رجل قتل امرأته [امرأة] متعمّدا، قال عليه السّلام: «إن شاء أهلها أن يقتلوه قتلوه، و يؤدّوا إلى أهله نصف الدّية، و إن شاءوا أخذوا نصف الدّية خمسة آلاف درهم» و غيرها ممّا دلّ على ذلك، و من أراد المزيد من التحقيق فليراجع مباني تكلمة المنهاج ج 2، ص: 254.

محاضرات في المواريث، ص: 212‌

الكلام في قتل الجنين خطأ

إذا فرضنا أن المقتول بعد جنين و لم تلج فيه الروح فلا تكون ديته دية النفس، بل ذكروا لذلك مراتب طبقا للآية المباركة فقالوا: إن الجنين قد يكون نطفة، و قد يكون علقة، و قد يكون مضغة، و قد يصير عظما، و قد يكسوا العظم لحما- على ما هو مذكور في الآية المباركة- وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ مِنْ سُلٰالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنٰاهُ نُطْفَةً فِي قَرٰارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظٰاماً فَكَسَوْنَا الْعِظٰامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبٰارَكَ اللّٰهُ أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ «1» فتلج فيه الروح فيكون إنسانا كاملا ذكرا أو انثى، فلو فرضنا أنّ أحدا ارتكب خطأ فأسقط جنينا هي ديته؟

المتسالم عليه بين الفقهاء، و لم ينسب الخلاف إلّا إلى العمّاني أنّه في هذه المراتب الخمسة تكون الدية في المرتبة الاولى: عشرون دينارا، و في الثانية أربعون، و في الثالثة ستون، و في الرابعة ثمانون، و في الخامسة ماءة، و بعد المرتبة الخامسة و هي (إن شاء خلق آخر) دية كاملة باعتبار أنّه إنسان حي، فقد قتل نفسا فعليه الدية الكاملة.

______________________________
(1) المؤمنون: 12- 14.

محاضرات في المواريث، ص: 213‌

يدلنا على ذلك معتبرة ظريف «1» فقد جاء في هذه المعتبرة أن الدية قبل أن يكون إنسانا و قبل أن يكون داخلا تحت قوله سبحانه ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ الدية ماءة و تقسّم على خمسة أجزاء باعتبار المراتب المتقدّمة لكلّ مرتبة عشرون دينارا فإذا أسقط الجنين في المرتبة الاولى حال كونه نطفة الدية عشرون دينارا ..

و هكذا إلى آخر المراحل.

هذا ما ذكر في معتبرة ظريف و هو متسالم عليه بين الفقهاء و قد نسب إلى العماني أنّه إذا كان في المرتبة الخامسة و هي ما إذا كسى العظم لحما فديته دية كاملة، كما فيما إذا ولجته الروح، فلا فرق بين ولوج الروح و ما قبل ولوج الروح في ذلك، و أمّا ما قبله فالحال كما ذكرناه.

و استدل على ذلك بروايتين صحيحتين:

ففي إحداهما بعد ما ذكر الإمام عليه السّلام أنّه في النطفة عشرون، و في العلقة أربعون، و في المضغة ستّون، قال: «و إذا كان عظما فعليه الدية» «2» و الظاهر من قوله: «عليه الدية» الدية الكاملة.

______________________________
(1) ففي الوسائل 29: 312 باب 19 من أبواب ديات الأعضاء، ح 1. عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: «جعل دية الجنين ماءة دينار، و جعل مني الرجل إلى أن يكون جنينا خمسة أجزاء، فإذا كان جنينا قبل أن تلجه الروح ماءة دينار، و ذلك أن اللّه عزّ و جلّ خلق الإنسان من سلالة و هي النطفة فهذا جزء، ثمّ علقة فهو جزءان، ثمّ مضغة فهو ثلاثة أجزاء، ثمّ عظما فهو أربعة أجزاء، ثمّ يكسا لحما فحينئذ تمّ جنينا فكملت له خمسة أجزاء ماءة دينار، و المائة دينار خمسة أجزاء، فجعل للنطفة خمس المائة عشرين دينارا، و للعلقة خمسي المائة أربعين دينارا، و للمضغة ثلاثة أخماس المائة ستين دينارا، و للعظم أربعة أخماس المائة ثمانين دينارا، فإذا كسى اللحم كانت له ماءة كاملة، فإذا نشأ فيه خلق آخر و هو الروح فهو حينئذ نفس بألف دينار كاملة إن كان ذكرا و إن كان أنثى فخمسماءة دينار ..».

(2) الوسائل 29: 313 باب 19 من أبواب ديات الأعضاء، ح 2.

محاضرات في المواريث، ص: 214‌

و في الصحيحة الثانية: فرض أنّه كسى لحما فإذا كان عظما و كسى لحما فعليه دية كاملة «1».

طبعا إطلاق الصحيحة الاولى يقيّد بالثانية يعني إذا كان عظما و كسى لحما تكون عليه الدية كاملة، و أفتى بمضمونها العماني.

و لكن هذا لا يمكن أمّا أوّلا: فلإمكان حمل ذلك على ما إذا ولجته الروح، فيقال إذا كسى لحما و ولجته الروح يعني نقيد الإطلاق في هذه الصحيحة بولوج الروح على ما دلّت عليه معتبرة ظريف، فتكون معتبرة ظريف مقيدة لهاتين الصحيحتين فيرتفع التنافي.

و لو فرضنا أن هذا لم يكن جمعا عرفيا و التزمنا بأن الصحيحتين معارضتان لمعتبرة ظريف أيضا النتيجة ذلك، و ذلك لأن الأمر دائر بين الأقل و الأكثر، غايته سقوط الروايتين من جهة المعارضة، فيدور الأمر بين أن تكون الدية ماءة دينار كما صرح به في معتبرة ظريف، أو أن تكون الدية كاملة على ما دلت عليه هاتان الروايتان، فيكون الأمر دائرا بين الأقل و الأكثر، المتيقّن هو المائة دينار و الزائد عليه ينفي بأصالة البراءة.

فالنتيجة: أن ما ذهب إليه المشهور من أن الدية ماءة دينار هو الصحيح.

يقع الكلام فيما يعارض معتبرة ظريف:

و المعارضة من جهات:

______________________________
(1) الوسائل 29: 314 باب 19 من أبواب ديات الأعضاء، ح 4 عبارة الرواية هكذا: فقلت: فيضربها فتطرحه و قد صار له عظم، فقال: «عليه الدية كاملة» و في ذيل الرواية: فقال: «إذا كان عظما شقّ له السمع و البصر و رتّبت جوارحه، فإذا كان كذلك فإنّ فيه الدية كاملة».

محاضرات في المواريث، ص: 215‌

الجهة الأولى: إن المعارضة كانت في المرتبة الخامسة على ما دلت عليه معتبرة ظريف و تسالم عليه الفقهاء أنّ الدية فيها ماءة دينار، و لكن العماني خالف في ذلك- كما ذكرنا- و قلنا إن هذا يستفاد من بعض الصحاح و قد تقدّم الكلام فيها.

الجهة الثانية من المعارضة: أن هذه المعتبرة دلّت على أن الدية فيها دية النفس، فإذا كان ذكرا فألف دينار و إذا كانت أنثى فخمسماءة دينار، أو غير ذلك- على ما تقدّم دية الانثى نصف دية الذكر- و يعارضها في هذه الجهة صحيحة علي بن الجهم و الحلبي «1»، ففي هذه الصحيحة أنّه قتل رجل امرأة خطأ و هي على رأس الولد في حالة المخاض، أجاب عليه السّلام بأنّه عليه خمسة آلاف درهم و هذا مطابق لما في بقية الروايات، لأن المقتول امرأة و المرأة ديتها نصف دية الرجل فتكون خمسة آلاف درهم.

و أمّا بالنسبة إلى دية الجنين فذكر عليه السّلام أن عليه دية الجنين لأن المفروض أنه مات معها ذكر أن فيه أربعين دينارا، أو وصيف أو وصيفة- يعني عبدا أو أمة- فهو مخير بين هذه الأمور الثلاثة: أربعين دينارا أو وصيفا أو وصيفة حمل الشيخ قدّس سرّه هذه الرواية على حالة العلقة و المضغة و هو بعيد، بل لا يحتمل، لأنّه فرض فيها أن المرأة على رأس الولد و هي في حالة المخاض.

كيف يمكن حملها على العلقة أو على المضغة و المفروض أنّها في حال الولادة فقتلت خطأ؟! فعلى القاتل ديتان: دية نفس المرأة، و دية نفس ما في بطنها.

______________________________
(1) الوسائل 29: 320 باب 20 من أبواب ديات الأعضاء، ح 6. عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن رجل قتل امرأة خطأ و هي على رأس ولدها تمخض، فقال: «خمسة آلاف درهم، و عليه دية الذي في بطنها وصيف أو وصيفة أو أربعون دينارا» إلّا أن المذكور في سند الرواية ليس (علي بن الجهم) بل المذكور:

(عن أبي عبيدة و الحلبي).

محاضرات في المواريث، ص: 216‌

فإذا هذه الرواية تعارض ما تسالم عليه الأصحاب و الذي دلّت عليه معتبرة ظريف من أن الدية دية كاملة، فإذا كان مورد الرواية ما ولجته الروح حيث أنّه كان في شرف الولادة لا يمكن الالتزام بهذه الرواية لأنّه لم يقل بمضمونها أحد لا من الخاصّة و لا من العامّة.

كيف يمكن أن يقال إن الإنسان الكامل الذي هو في شرف الولادة ديته أربعون دينارا- يعني أقل من المضغة- أو وصيفا أو وصيفة؟! هذا مقطوع البطلان جزما فتسقط هذه الرواية و لا بدّ من رد علمها إلى أهله. حتّى من العامّة لم يقل أحد منهم بذلك لنقول بحملها على التقية.

الجهة الثالثة من المعارضة: فقد دلت معتبرة ظريف على أن دية العلقة و المضغة أربعين دينارا و ستّين دينارا حتّى يكون عظاما فتكون ثمانين.

و قد دلت جملة من الروايات على أن الدية وصيف أو وصيفة (غرّة عبد أو أمة) أحد هذه الأمور هو الدية:

منها: ما رواه داود بن فرقد في الصحيح أن امرأة ألقت ما في بطنها بضرب رجل إياها فاسقطت، فاستعدت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فشكت عنده، فقال الرجل: إنّه لم يهل و لم يصح و مثله يطل- أي يكون دمه هدرا- فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «اسكت سجّاعة عليك غرّة وصيف أو وصيفة» «1» فحكم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأن الدية أحد هذين الأمرين.

فتكون هذه الرواية معارضة لما دلّ على أن الدية أربعون دينارا أو ستّون دينارا.

و منها: معتبرة السكوني «2» فيها أيضا أنّه إذا قتلت امرأة فدية الجنين غرّة‌

______________________________
(1) الوسائل 29: 319 باب 20 من أبواب ديات الأعضاء، ح 2.

(2) الوسائل 29: 319 باب 20 من أبواب ديات الأعضاء، ح 3.

محاضرات في المواريث، ص: 217‌

وصيف أو وصيفة.

و منها: صحيحة سليمان بن خالد «1» أيضا ورد فيها ذلك: أن أحدا ضرب امرأة فألقت ما في بطنها ميتا فشكت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال زوجها: إنّه فعل كذا و ألقى ما في بطنها، فقال الضارب: إنّه لم يصح و لم يهل و ما استبش و مثله يطل، فأجاب صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما تقدّم: إنّك رجل سجّاعة فقضى فيه رقبة.

فهذه الروايات تعارض ما تقدّم من أن الدية أربعون أو ستّون دينارا.

فلو كانت هذه الروايات واردة في خصوص العلقة و المضغة لأمكن القول بأن المعارضة بين هذه الصحاح و معتبرة ظريف معارضة من جهة الإطلاق، فإن كلا منهما ظاهر في الوجوب المطلق و الإطلاق يقتضى الوجوب التعييني، فيجمع بينهما برفع اليد عن ظاهر كل منهما بنص الآخر، فتكون النتيجة التخيير بين أربعين و غرّة، أو بين ستّين و غرة، لأنّ مقتضى معتبرة ظريف أنّ الواجب هو أربعون دينارا أو ستّون دينارا على التعيين. و مقتضى هذه الصحاح الواجب هو غرّة على التعيين. فيرفع اليد عن ظهور كل منهما بنص الآخر، فينتج أن الواجب هو التخيير.

و لكن لا يمكن الالتزام بذلك، فإن مورد هذه الصحاح ليس خصوص العلقة و المضغة بل هو مطلق الجنين و لا سيما التعبير بقوله: (و ألقته ميتا) فإن كلمة (ميت) ظاهرة فيما كان ولجته الروح، فالروايات تكون مطلقة من هذه الجهة أنّه ألقت ما في بطنها بالضرب ليس مقيدا بخصوص العلقة أو المضغة- و إن كان الشيخ قدّس سرّه حمل هذه الروايات على ذلك إلّا أنّه لا موجب لهذا الحمل أصلا- فإذا كانت الروايات‌

______________________________
(1) الوسائل 29: 319 باب 20 من أبواب ديات الأعضاء، ح 4.

محاضرات في المواريث، ص: 218‌

مطلقة معناه أن الجنين سواء ولجت فيه الروح أم لم تلج فيه الروح إذا أسقط و كان ميتا فديته غرّة على الإطلاق.

و هذا لم يقل به أحد منّا، و إنّما نسب إلى العامّة فتكون الروايات معارضة لمعتبرة ظريف، و مع المعارضة تحمل على التقية، فمعتبرة ظريف تبقى بلا معارض.

خلاصة ما تقدّم:

فالمتحصّل مما ذكرناه أن ما ذكره المشهور من المراتب و أن الدية بحسب المراتب، و بعد ولوج الروح تكون الدية كاملة هو الصحيح.

و ليس شي‌ء من هذه الروايات قابل لرفع اليد بها عن معتبرة ظريف، و لا سيّما أن الحكم متسالم عليه و لم ينسب الخلاف إلّا إلى العماني و قد تقدّم الكلام فيه.

إشكال و دفع

تحرير الإشكال:

تقدّم الكلام في دية الجنين و أنّها على خمس مراتب: ففي المرتبة الاولى عشرون دينارا، و في الثانية أربعون، و في الثالثة ستّون، و بعده ثمانون، و في المرتبة الخامسة التي يكسى العظم لحما و يشق فيه السمع و البصر و يتشكل الإنسان بصورته الكاملة قبل ولوج الروح ففيه ماءة دينار، و قد دل على ذلك معتبرة ظريف و تكلمنا في ما يعارض ذلك.

و المحقّق القمّي قدّس سرّه ذكر ذلك و أشكل على المشهور بأنّهم لم يفرقوا في المسألة الخامسة بين الذكر و الانثى، فذكروا أن الدية ماءة دينار و هذا لا ينطبق على ما هو‌

محاضرات في المواريث، ص: 219‌

المقرّر من أن دية الانثى نصف دية الذكر، فعليه لا بدّ من التفصيل بأن يقال في المرتبة الخامسة التي شكل فيها الإنسان و صار ذا عظم و لحم و شق له السمع و البصر: إن كان ذكرا ففيه ماءة، و إن كان انثى ففيه خمسون، لأن للأنثى نصف ما للذكر.

و استشهد على ذلك بما يستفاد من معتبرة ظريف من أنّه إذا قتلت المرأة و لم يعلم ما في بطنها أذكر هو أم انثى فيقدّر تارة ذكرا و يقدّر تارة انثى- كما في إرث الخنثى على ما نتكلّم فيه- ففي هذا دلالة على أن دية الذكر ضعف دية الانثى [1]، فلا يصح إطلاق القول بأن الدية ماءة دينار.

و أيضا ورد في هذه المعتبرة أنّه إذا ورد جرح على الجنين يكون الجرح على حساب المائة، هنا أيضا لا بدّ من ملاحظة الذكورية و الانوثية، فإن كان ذكرا فيكون بالنسبة إلى المائة، و إن كان انثى فيكون بالنسبة إلى الخمسين.

دفع الإشكال:

و لكن ما ذكره قدّس سرّه لا يمكن المساعدة عليه بوجه فإن الميزان الكلي في أنّ (دية الانثى نصف دية الذكر) إنّما هو بالنسبة إلى ما فوق الثلث، فإذا بلغت الدية الثلث تكون دية الانثى نصف دية الذكر، و أمّا قبل الثلث فلا، قال عليه السّلام: «المرأة تعاقل الرجل إلى الثلث فإذا بلغت الثلث فدية المرأة نصف دية الرجل» [2] و إنّما ثبت هذا‌

______________________________
[1] فقد جاء في معتبرة ظريف: «و إن قتلت امرأة و هي حبلى متمّ فلم يسقط ولدها و لم يعلم أذكر هو أو انثى، و لم يعلم أبعدها مات أم قبلها فديته نصفان: نصف دية الذكر و نصف دية الانثى، و دية المرأة كاملة بعد ذلك، و ذلك ستة أجزاء من الجنين .. و قضى في دية جراح الجنين من حساب المائة على ما يكون من جراح الذكر و الانثى ..». راجع الوسائل 29: 312 و ما بعدها باب 19 من أبواب ديات الأعضاء، ح 1.

[2] قال أبان بن تغلب: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة كم فيها؟ قال:

محاضرات في المواريث، ص: 220‌

فيما إذا تجاوزت الدية الثلث.

و في المقام حيث أن الدية ماءة و هي عشر الدية لأن الدية الكاملة ألف دينار، فالمائة تكون عشرا و لا مانع من اشتراك الذكر و الانثى في هذا المقدار. فكلّ منهما يأخذ المائة من دون فرق بينهما.

هذا بالنسبة إلى الكبرى الكلية.

و أمّا بالنسبة إلى معتبرة ظريف أيضا يظهر ذلك منها بوضوح، فإنّه عليه السّلام ذكر مراتب الدية: عشرون، أربعون، ستّون، ثمانون، ماءة، ثمّ ذكر بعد ذلك أنّه إذا ولجت فيه الروح ففيه الدية كاملة، فإن كان ذكرا فديته ألف، و إن كان انثى فديتها خمسمائة، فذكر التنصيف بعد ولوج الروح لا قبله فمقتضى الإطلاق في هذه المعتبرة أنّه قبل ولوج الروح الدية ماءة بلا فرق بين الذكر و الانثى.

ثمّ ذكر عليه السّلام أنّه إذا قتلت المرأة و في بطنها جنين لا يعلم أنّه ذكر أم أنثى فتكون الدية نصف دية الذكر و نصف دية الانثى، فذكر هذا بعد ما ذكر أن دية الرجل ألف و دية الانثى خمسمائة، فالمفروض في المعتبرة أنّه ولجت فيه الروح، فإن كان الذي ولجت فيه الروح علم أنّه ذكر فديته دية الذكر، و إن علم أنّه أنثى فالدية دية الانثى، و إن لم يعلم و شكّ في أنّه من أيهما فالدية تكون نصف دية الذكر و نصف دية الانثى.

______________________________
«عشرة من الإبل»، قلت: قطع اثنين؟ قال: «عشرون»، قلت: قطع ثلاثا؟ قال: «ثلاثون»، قلت: قطع أربعا؟ قال: «عشرون»، قلت: سبحان اللّه يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون، و يقطع أربعا فيكون عليه عشرون؟! إن هذا كان يبلغنا و نحن بالعراق فنبرأ ممن قاله، و نقول: الذي جاء به شيطان، فقال: «مهلا يا أبان هذا حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف، يا أبان إنّك أخذتني بالقياس، و السنّة إذا قيست محق الدين».

راجع الوسائل 29: 352 باب 44، من أبواب ديات الأعضاء، ح 1.

محاضرات في المواريث، ص: 221‌

فليست هذه الجملة ناظرة إلى ما قبل ولوج الروح، بل هي ناظرة إلى ما بعد ولوج الروح.

و كذلك قوله عليه السّلام فإذا جرح فبنسبة المائة أيضا مطلق بين الذكر و الانثى، الجنين في بطن أمّه بعد ما تشكل بشكل إنسان و قبل أن تلج فيه الروح جرح فحساب الجرح يكون بحساب المائة، فإذا قطعت منه يد واحدة فديته نصف المائة، و إذا كانت اليدان فتمام المائة لأن لكلّ يد نصف و هكذا بالنسبة إلى بقية الأعضاء، فتلاحظ نسبة ذلك العضو إلى البدن و يعطى بنسبة المائة، و هذا أيضا مطلق يشمل الذكر و الانثى.

النتيجة:

إذا الصحيح ما ذهب إليه المشهور من عدم الفرق بين الذكر و الانثى قبل ولوج الروح، الدية ماءة سواء كان ذكرا أم كان انثى لا يفرق بينهما.

و هذا أيضا مطابق لغير ما نحن فيه من الروايات من أن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية، فإذا تجاوز الثلث رجعت إلى النصف فتكون دية المرأة نصف دية الرجل و أمّا قبل ذلك فلا.

محاضرات في المواريث، ص: 222‌

الكلام في تحقيق مراتب الجنين من حيث المدة الزمنية لكل منها

ثمّ إنّه وقع البحث في تحديد هذه المراتب من حيث الزمان فأي مقدار من الزمان يكون الجنين نطفة، و أي مقدار يكون فيه علقة .. و هكذا.

الوارد في الروايات المعتبرة في المقام كمعتبرة ابن فضّال «1»، و صحيحتين لزرارة «2» أن المدة أربعون يوما، فأربعون يوما يكون نطفة، و أربعون يوما علقة، و أربعون مضغة، ففي أواخر المضغة أو أواسطها يشرع في العظام، ثمّ يكسو لحما بعد ثلاث أربعينات- يعني أربعة أشهر- و بعد ذلك تلج فيه الروح فيكون خلقا آخر فَتَبٰارَكَ اللّٰهُ أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ هذا هو الذي دلّت عليه هذه الروايات المعتبرة.

إذا إلى أربعين يوما الدية عشرون دينارا، ثمّ إلى أربعين يوما بعد ذلك الذي يكون فيه علقة الدية أربعون و هكذا إلى أن ينتهي إلى المرتبة الخامسة.

و نسب إلى ابن إدريس قدّس سرّه أنّه جعل المراتب عشرين عشرين، و هذا لم يدل‌

______________________________
(1) الكافي 6: 13، باب 6 من أبواب العقيقة، ح 3.

(2) الكافي 6: 13 و 16، باب 6 من أبواب العقيقة، ح 4 و 7.

محاضرات في المواريث، ص: 223‌

عليه أي رواية لا ضعيفة و لا قوية، بل لعل ذلك خلاف الوجدان- على ما نقل عن الأطباء- لا يكون بعد العشرين علقة أو بعد الأربعين مضغة.

إذا المتبع هي الروايات المتقدّمة.

نعم هناك رواية واحدة معتبرة عن البزنطي «1» ذكر فيها أنّه يكون نطفة ثلاثين يوما، و يكون علقة ثلاثين يوما، و يكون مضغة ثلاثين يوما، ثمّ بعد ذلك تكون مخلقة و غير مخلقة أيضا ثلاثين يوما، فأربع ثلاثينات أيضا أربعة أشهر، و بعد ذلك تلج فيه الروح.

هذه الرواية لا بدّ من رد علمها إلى أهله فإنّها مخالفة لظاهر الآية المباركة:

فَإِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ «2» يعني تام الخلقة و غير تام الخلقة، فالمخلقة و غير المخلقة من صفات المضغة، يعني بعد ما يكون مضغة فحينئذ تارة يكون مخلقة- أي تام الخلقة- و اخرى غير تام الخلقة، لا أنّ المخلقة و غير المخلقة قسيم للمضغة كما في هذه الرواية، يقول ثلاثين يوما مضغة، ثمّ تكون مخلقة و غير مخلقة، فهذه الرواية تطرح لمخالفتها للآية المباركة.

و مع قطع النظر عن ذلك لو فرضنا المعارضة بينها و بين الروايات المتقدّمة يعني معتبرة ابن فضّال و صحيحتي زرارة فبما أن الأمر دائر بين الأقل و الأكثر فبالنسبة إلى الزائد يرجع إلى البراءة، فبعد ثلاثين يوما إلى أربعين يوما مقتضى صحيحتي زرارة أن الدية عشرون لأنّه في حالة النطفة تكون الدية عشرين دينارا و مقتضى‌

______________________________
(1) الوسائل 7: 142 باب 64 من أبواب الدعاء، ح 4.

(2) الحجّ: 5.

محاضرات في المواريث، ص: 224‌

هذه الصحيحة أن الدية أربعين دينارا لأنّه علقة، فالأمر دائر بين العشرين و الأربعين، فبالنسبة إلى الزائد أصالة البراءة محكمة، و هكذا بالنسبة إلى بقية المراتب، فكلما يشك في أن الدية زائدة أو غير زائدة، يؤخذ بالقدر المتيقّن و الزيادة تدفع بأصالة البراءة.

محاضرات في المواريث، ص: 225‌

الكلام في مصرف الدية

المعروف و المشهور بين الفقهاء أن الدية تكون بمنزلة تركة الميت، فتخرج منها ديونه و وصاياه، ثمّ تقسّم بين الورثة فحكمها حكم التركة من جهة تقدّم الدين و الوصية على الإرث، فما بقي يوزع على الورثة على تفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالى.

لا إشكال في هذه المسألة بحسب النص و الفتوى فقد وردت في المقام عدّة نصوص:

بعضها وردت في دية القتل الخطئي بالخصوص «1»، و أن الرجل إذا قتل خطأ فتخرج ديونه من ديته.

و بعضها الآخر وردت في القتل على الإطلاق «2»، عن الرجل يقتل، و الإمام عليه السّلام لم يستفصل أن القتل كان عمدا أم كان خطأ، أيضا حكم فيها بأنّه يخرج منها الدين.

و بعض الروايات كمعتبرة إسحاق بن عمّار ظاهرة في القتل العمدي، قال: «إذا قبلت دية العمد فصارت مالا فهي ميراث كسائر الأموال» «3» فهي دالة على أنّه في‌

______________________________
(1) راجع الوسائل 19: 285 باب 14 في أحكام الوصايا، ح 1 و 2.

(2) الوسائل 26: 286 باب 14 في أحكام الوصايا ح 3 و 26: 35 باب 10 من أبواب موانع الإرث.

(3) الوسائل 26: 41 الباب 14 من أبواب موانع الإرث ح 1.

محاضرات في المواريث، ص: 226‌

القتل عمدا إذا رضي بالدية و عفى عن القصاص يخرج منها الديون و يعمل فيها بوصيته.

إذا فالقتل بجميع أقسامه من الخطأ بقسميه و العمد كله يستفاد حكمه من هذه الروايات.

و نسب صاحب الجواهر قدّس سرّه «1» الخلاف إلى بعضهم في موردين و ذكر أنّه اجتهاد في مقابل النص- و الأمر كما ذكره قدّس سرّه-:

فنسب إلى بعضهم المنع من إخراج الديون و الوصايا في القتل العمدي بالخصوص، باعتبار أن في القتل العمدي حقّ القصاص للولي و ليس حقّ القصاص للميت، فليس هذا من باب ما تركه الميت، و الدية بدل عن حقّ القصاص، و بما أن حقّ القصاص للولي و الوارث، فالدية أيضا للولي و الوارث و لا يخرج منها الديون و لا الوصايا لأنّها أجنبية عن الميت. هذا.

و لم يذكر من القائل بل نسبه إلى بعضهم.

و نسبة اخرى إلى بعضهم المنع من إخراج الديون و الوصايا مطلقا حتّى في القتل الخطئي باعتبار أنّه غير داخل فيما تركه الميت، بل الدية تنتقل إلى الوارث ابتداء، فلا يشملها ما دل على إخراج الديون و الوصايا كما ذكر في الآية المباركة:

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ* فإن الميت لم يكن مالكا للدية حال حياته و بعد موته لا يملك، فالدية تنتقل رأسا إلى الوارث و لا تدخل في تركة الميت.

لو كنا نحن و القاعدة و لم يرد نص في المقام لالتزمنا بذلك و قلنا لا تخرج ديون الميت و لا وصاياه من الدية باعتبار أنّه لم يملك هذا المال حال حياته، و كذلك نلتزم‌

______________________________
(1) الجواهر 39: 45.

محاضرات في المواريث، ص: 227‌

بأن حقّ القصاص بما أنّه للولي فبدله أيضا يكون للولي، فلا يكون داخلا فيما تركه الميت.

إلّا أنّ النصوص كافية و وافية و مقتضى هذه النصوص- و لو تنزيلا- يعامل مع الدية معاملة التركة، فكأن الميت كان مالكا لهذا المال حال حياته. هذا من ناحية.

و من ناحية ثانية أن ما ذكر من الوجه لعدم الانتقال إلى الميت إمّا مطلقا أو في خصوص العمد باعتبار أن حقّ القصاص للوارث لا يمكن المساعدة عليه في نفسه- حتّى مع قطع النظر عن الروايات الواردة في المقام- و ذلك لأن الظاهر من الأدلّة أن الدية إنّما هي ملك الميت و لو ملكه بعد الموت أيضا داخل في ما ترك، مات و له مال لا يتمكّن من التصرف فيه ينتقل إلى ورثته.

المستفاد من الروايات أن الدية ملك الميت و تنتقل منه إلى وارثه، لا أنّها تنتقل إلى الوارث ابتداء إمّا في الخطأ أو في خصوص القتل العمدي.

و يستفاد هذا من عدّة روايات:

منها: ما دل على أنّ القتل العمدي إذا لم يمكن القصاص و لو من جهة فرار القاتل ينتقل الأمر إلى الدية، فإن كان له مال تؤخذ الدية من ماله، و إن لم يكن له مال تؤخذ من الأقرب فالأقرب ممّن ينتمون إليه، فإن لم يكن له قريب يؤخذ من بيت المال معللا بأن دم المسلم لا يذهب هدرا «1»، يستفاد من هذه الرواية أن الدية حتّى في القتل العمدي ليست بدلا عن القصاص، بل هي بدل عن الدم باعتبار أن دم المؤمن لا يذهب هدرا، فللدم بدلان: البدل الأوّل هو القصاص، فإن أمكن‌

______________________________
(1) الوسائل 29: 395 باب 4 من أبواب العاقلة، ح 1 و 3.

محاضرات في المواريث، ص: 228‌

فهو، و إلّا فينتقل إلى البدل الثاني و هو الدية، فالدية بدل عن النفس، لا بدل عن حقّ القصاص.

إذا يكون هذا راجعا إلى الميت، لأنّ النفس كانت نفسا له فالبدل أيضا يكون له فينتقل منه إلى ورثته.

و يؤكّد ذلك أن حقّ القصاص مختص بالرجال من طرف الأب فقط، و ليس ثابتا لكلّ وارث، بل هو ثابت لخصوص العصبة كالأعمام و أبناء الأعمام، و الأب و الابن و الأخوة من الأب و أمثال ذلك.

فلا يثبت حقّ القصاص للنساء على الإطلاق و في الرجال أيضا الزوج ليس له حقّ القصاص.

إذا حقّ القصاص ثابت لطائفة خاصة من الورثة مع أن الدية تنتقل إلى جميع الورثة بلا إشكال، فيستكشف من هذا بوضوح أن الدية ليست بدلا عن حقّ القصاص و لو كانت بدلا عن حقّ القصاص لاختصّت بمن له هذا الحقّ مع أنّه ليس كذلك، الزوج و النساء كلّهم يرثون من الدية مع أنّ حقّ القصاص مختصّ بطائفة خاصة فلو كانت الدية بدلا عن حقّ القصاص و لم تكن بدلا عن النفس- كما هو الظاهر من الرواية التي ذكرناها- كيف يمكن أن نلتزم بتقسيم الدية على جميع الورثة مع أنّ حقّ القصاص لم يكن لجميعهم. هذا.

و أيضا يستفاد ذلك من بعض الروايات المعتبرة «1» من أن الوارث لو عفى عن الدية حتّى في دية القتل العمدي عفى عن القصاص و عفى عن الدية يكون ضامنا‌

______________________________
(1) راجع الوسائل 29: 123 باب 59 من أبواب القصاص في النفس، ح 1 و 18: 364 باب 24 من أبواب الدين و القرض، ح 1.

محاضرات في المواريث، ص: 229‌

للميت إذا كان مدينا، فلو فرضنا أن المقتول مدين ليس للوارث أن يتنازل عن حقّ القصاص و عن الدية معا، فلو تنازل و عفى عن القصاص و عن الدية يكون بالنسبة إلى الدية ضامنا، فيستكشف من هذا أن الدية ملك للميت و مال الميت ينتقل منه إلى الوارث، و إلّا فما معنى الضمان لو كانت الدية حقّ الوارث و قد فرضنا أنّه عفى عما هو ملك له.

فالضمان لا يتصوّر إلّا بأن يكون مالا للميت فينتقل منه إليهم، فلو كان دين طبعا لا ينتقل إلى الوارث لأن الإرث إنّما هو بعد الدين مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ*.

فيستفاد من هذه الروايات أن الدية إنّما هي للميت و تنتقل منه إلى وارثه.

و لا مانع من ملك الميت حيث أنّ الملكية أمر اعتباري- كما ذكرنا غير مرة- فلا مانع من فرض أن يكون الميت مالكا، كما هو الحال فيما إذا نصب شبكة لصيد السمك و مات و بعد موته دخلت سمكة في شبكته يعتبر هذا ملكا للميت، و بعده ينتقل إلى الورثة، فالملكية أمر اعتباري يكون قائما بالحي و بالميت، بل يكون قائما بالجمادات أيضا كملك المسجد يقف شيئا للمسجد فيكون المسجد مالكا أو غير ذلك، و تمام الكلام في محله.

إذا فالصحيح الدية تعتبر ملكا للميت على جميع التقادير في القتل العمدي و الخطئي بقسميه و منه تنتقل إلى ورثته.

نعم في القتل العمدي لا يجب على الولي أخذ الدية فلهم حقّ القصاص- و لو فرضنا أن المقتول مدين- فإن الدية إنّما هي في مرتبة متأخرة، و الثابت في القتل العمدي هو القصاص، فلو اقتص الوارث و لم يقبل الدية لا يضمن شيئا للغرماء.

محاضرات في المواريث، ص: 230‌

الكلام في الإبراء

لو فرضنا أن أحدا جرح شخصا فسرى الجرح إلى أن مات- و كان هذا عمديا أو غير عمدي لا فرق من هذه الجهة- و المجروح حال حياته أبرأ الجارح من الدية، فهل يكون هذا الإبراء نافذا؟ فإذا مات بعد ذلك لا يجب على الجاني أداء شي‌ء من الدية للورثة؟

أو أن هذا الإبراء لا أثر له، فلا تسقط الدية عن ذمة الجاني بإبراء المجروح له حال حياته؟

الصحيح أنّها لا تسقط بالإبراء، و الوجه في ذلك: أن الدية إنّما هي بعد الموت سواء كان القتل عمدا أم كان خطأ، فالدية موضوعها القتل فقبل القتل لا موضوع للدية، فهذا الإبراء لما لم يجب و لا أثر له.

فإذا قال: إذا جرحتني فمتّ، أو قتلتني فمتّ فأنت بري‌ء لا أثر لهذا الإبراء، إبراء لأمر لم يحدث و الذمة فارغة منه، و إنّما يحدث بعد ذلك، فقد أبرأه في زمان لم يكن مالكا لذلك فلا أثر لهذا الإبراء، و يجب على القاتل أن يؤدّي الدية لأنّها إنّما تثبت في ذمته بعد موت المقتول، و هذا الإبراء اسقاط لما لم يجب.

ثمّ إنّه في المقام لا يفرق في الوارث بين السببي و النسبي فكما أن الوارث النسبي‌

محاضرات في المواريث، ص: 231‌

يرث من الدية كذلك الوارث السببي كالزوجية مثلا، فالزوج يرث من دية زوجته، و الزوجة ترث من دية زوجها،- و إن كانا لا يرثان من حقّ القصاص شيئا كما تقدّم الكلام فيه- النساء مطلقا ليس لهن حقّ القصاص، و الزوج أيضا ليس له حقّ القصاص، حقّ القصاص خاص بالعصبة، و أمّا بالنسبة إلى إرث الدية فلا فرق بينهم الجميع يرثون لإطلاق الأدلّة بأن الدية في حكم مال المقتول.

نعم وردت هنا نصوص خاصة من جملتها أن أمير المؤمنين عليه السّلام قضى بأن الأخوة و الأخوات من الأمّ لا يرثون من الدية «1»، فإرث الدية خاص بالمتقربين إلى المقتول من جهة الأب فلا يرث الأخوة و الأخوات من الأمّ.

و هذه الروايات موردها (الأخوة و الأخوات) إلّا أن الفقهاء- كما في عبارة المحقّق قدّس سرّه «2» عمّموا هذا الحكم لكلّ متقرب بالأمّ كالجد من الأمّ أو الخال لا يرثون من الدية.

و الوجه في ذلك: أمّا بالنسبة إلى الجد و الجدّة فقد ورد في غير واحد من الروايات «3»- كما سيجي‌ء الكلام في ذلك في الطبقة الثانية من الإرث- أن الجدّ و الجدّة بمنزلة الأخ و الأخت فحكم الأخ و الأخت جار في الجدّ و الجدّة، ففي كلّ مورد كان الأخ و الأخت وارثين كان الجد و الجدة أيضا وارثين، و في كلّ مورد لا‌

______________________________
(1) راجع الوسائل 26: 36 باب 10 من أبواب موانع الإرث فمن جملة ما ورد في ذلك الباب رواية عبد اللّه بن سنان قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام: أن الدية يرثها الورثة إلّا الأخوة و الأخوات من الأمّ فإنّهم لا يرثون من الدية شيئا».

(2) شرائع الإسلام 4: 8.

(3) راجع الوسائل 26: 164 باب 6 من أبواب ميراث الأخوة و الأجداد فقد روى عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن أخ لأب و جدّ قال: «المال بينهما سواء» و روى بريد بن معاوية عن أحدهما عليهما السّلام: «أن الجدّة مع الأخوة من الأب مثل واحد من الأخوة».

محاضرات في المواريث، ص: 232‌

يكون كذلك لا يكون كذلك فحكمهما حكم واحد.

و أمّا بالنسبة إلى الخال فإذا كان الأخ و الأخت من الأمّ لا يرثان فالمنتسب بهما بطريق أولى، الخال إنّما ينتسب إلى الميت من جهة أنّه أخ أمّه، فإذا كان الأخ بلا واسطة لا يرث فكيف يرث من كان مع الواسطة فهو بطريق أولى لا يرث.

يعني بمناسبة الحكم و الموضوع نقول: أن الحكم لا يختص بخصوص الأخوة و الأخوات، بل هو عامّ لكلّ من يتقرب بالأمّ سواء كان خالا أو خالة، أو جدّا أو جدّة من طرف الأم كلّ هؤلاء لا يرثون.

إذا فالإرث مختص بالمتقربين بالأب أو بالأبوين، و أمّا خصوص المتقربين بالأمّ فليس لهم إرث من الدية.

هل يجب على الولي أن يسقط حقه من القصاص ليفي الديون من الدية؟

ثمّ إنّه تقدّم الكلام في أن المقتول إذا كان مدينا و فرضنا أن الولي عفا عن القصاص و رضي بالدية، فالدين يخرج من أصل ماله و من الدية أيضا، و كذلك وصاياه، و أنّه ليس للولي أن يتنازل عن الدية عند وجود دين على ذمّة المقتول، فإذا عفى عن الدية كان ضامنا للغرماء.

و الكلام هنا فيما إذا كان مدينا و قتل ظلما فهل يجب على الولي أن يسقط حقّه من القصاص، و أن يتراضى مع القاتل على الدية ليؤدي دين الميت منها أم لا يجب عليه ذلك و له حقّ القصاص؟

محاضرات في المواريث، ص: 233‌

قيل بالوجوب نظرا إلى أن الميت مدين فيجب تفريغ ذمته مع الإمكان، إذ أنّه يمكن للولي أن يسقط حقّه من القصاص و يرضى بالدية فيفي الدين منها.

و لكنه لا دليل على ذلك إنّما يجب أداء دين الميت بما يملكه فعلا، و لا يجب تحصيل المال للميت لأداء دينه.

الولي يسقط حقّه من القصاص و يرضى بالدية ليحصل المال للميت فيفي دينه يحتاج إلى دليل يقيّد إطلاق قوله سبحانه وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً «1» إطلاقه شامل لما إذا كان الميت مدينا و ما إذا لم يكن مدينا و كذلك الروايات.

فالظاهر هو جواز القصاص و عدم وجوب التنازل عن حقّه و قبول الدية.

______________________________
(1) الأسراء: 33.

محاضرات في المواريث، ص: 234‌

الكلام في القتل المجازي فهل يلحق بالقتل الحقيقي فيكون مانعا من الإرث؟ أم أنّه لا يمنع من الإرث؟

ذكرنا أن من موانع الإرث القتل العمدي إذا كان ظلما و عدوانا، و أمّا الخطئي ففيه كلام تقدّم.

و هذا يختص بما إذا صدق عليه القاتل صدقا حقيقيا بلا عناية.

و أمّا إذا صدق عليه القاتل مجازا لا حقيقة فلا يمنع ذلك من الإرث و إن كان الفعل محرما و معاقبا عليه، بل يكون عليه جزاء أيضا.

فإذا فرضنا أن الإنسان قتل غيره بالمباشرة بذبح أو خنق أو إلقاء من شاهق و غير ذلك من أسباب القتل، فهو قاتل حقيقة.

و كذلك إذا قتله بالتسبيب، كما إذا كتّف يديه و ألقاه إلى السباع فافترسته فهو قاتل حقيقة، لأنّ السباع ليس لهن اختيار و عقل فهو القاتل، و كذلك فيما إذا أمر صبيا غير مميّز بأن أعطاه سكينا و أمره بذبح شخص آخر أو بشقّ بطنه ففعل الطفل ذلك فالآمر هو القاتل حقيقة، لأن الصبي كالآلة، فالنسبة حقيقة بلا مجاز إلى الآمر، و كذا إذا أمر المجنون أو أغرى الحيوان كما إذا أغرى الكلب بأن يفترس‌

محاضرات في المواريث، ص: 235‌

أحدا فقتله، القتل ينسب إليه لا محالة، فإن الحيوان أو الصبي غير المميّز أو المجنون لا إرادة لهم حقيقة، و الفعل فعل الآمر. ففي مثل هذه الصور يكون ممنوعا من الإرث لأنّه قاتل حقيقة و القاتل لا يرث.

و أمّا إذا صدر القتل من فاعل مختار غير هذا الشخص و إنّما هو أمره به، أمر شخصا ليقتل زيدا، فقال: أقتله، فامتثل المأمور فقتله، فالقتل و إن كان ينسب إلى الآمر فيقال: إن الآمر قتله كما هو الحال في السلاطين و غيرهم من الآمرين ينسب القتل إليهم و لكن النسبة مجازية. المباشر للقتل شخص آخر و هذا آمر، ففي مثل ذلك لا يكون ممنوعا من الإرث لأنّه ليس بقاتل حقيقة.

فلو فرضنا أن الابن أمر شخصا بقتل والده فقتله لا مانع من إرث الابن لأنّه ليس بقاتل حقيقة، و إنّما القاتل هو المباشر، و القتل المجازي ليس موضوعا للحكم.

نعم هو مؤاخذ بذلك لأن التسبيب إلى قتل الغير محرم لا محالة و حكمه- كما نطقت به الروايات المعتبرة «1»- أن الآمر يحبس إلى أن يموت فحكمه الحبس الأبدي، و إلّا فليس بممنوع عن الإرث لأنّه ليس بقاتل حقيقة.

نعم هناك رواية معتبرة «2» و قد عمل بها جماعة و لا مانع من العمل بها أن المولى و العبد مستثنى من ذلك، فلو فرضنا أن المولى أمر عبده بقتل أحد فقتله العبد يكون القاتل هو المولى الآمر، و إن كان العبد عاقلا مختارا ثبت هذا بتعبّد شرعي‌

______________________________
(1) راجع الوسائل 29: 45 باب 13 من أبواب قصاص النفس، ح 1، فقد روى زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل أمر رجلا بقتل رجل [فقتله] فقال: «يقتل به الذي قتله، و يحبس الآمر بقتله في الحبس حتّى يموت».

(2) الوسائل 29: 47 باب 14 من أبواب قصاص النفس، ح 1. روى إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا فقتله قال: فقال: «يقتل السيّد به».

محاضرات في المواريث، ص: 236‌

ففي هذه الرواية قال عليه السّلام: «إنّ العبد بمنزلة السيف و السوط فهو آلة للمولى فكأنّه قتله بسيفه».

و لا مانع من العمل بهذه الرواية في موردها فنستثني من الآمر هذه الصورة، فإذا كان الآمر هو المولى يكون القاتل حقيقة هو المولى، فيقتص منه و يمنع من الإرث أيضا.

و لكن المشهور لم يفرقوا بين المولى و غيره، و قالوا بأن الآمر لا يقتص منه لأنّه ليس بقاتل حقيقة، و إنّما القاتل هو المأمور، و تمام الكلام في محلّه.

محاضرات في المواريث، ص: 237‌

الكلام في حقّ القصاص و التحقيق في من هو ولي الدم

أمّا الكلام في حقّ القصاص:

فلولي المقتول أن يقتصّ من القاتل فيقتله، و له أن يرضى بالدية- و لكن مع رضى القاتل- و له أن يعفو عن القصاص و الدية معا، فهو حقّ له.

فلو فرضنا أنّه عفى بشرط المال و لكن الجاني لم يقبل بدفع المال، فلا يسقط حقّ القصاص، و لا تجب الدية:

أمّا أنّه لم يسقط القصاص فواضح، فإنّه عفى بشرط المال، و الجاني لم يعط المال.

و أمّا أنّه لا تجب الدية لأنّ الدية إنّما تجب بالتراضي و إذا لم يرض الجاني فالدية لا تثبت.

فإذا فرضنا أن المقتول ظلما لا وارث مسلم له إلّا الإمام فالولي إذا كان غير مسلم الإمام يعرض عليه الإسلام فإن قبل فهو الولي، و إن لم يقبل فالولي هو الإمام.

و في فرض كون الإمام هو الولي فليس له أن يعفو مجّانا بل إمّا أن يقتص و إمّا أن يأخذ الدية فتكون الدية لبيت مال المسلمين، و يدلّنا على ذلك صحيحة أبي‌

محاضرات في المواريث، ص: 238‌

ولّاد الحنّاط «1» ففي هذه الصحيحة صرّح بأن الإمام مخيّر بين أمرين: بين أن يقتله قصاصا، و بين أن يأخذ الدية منه و يضعها في بيت مال المسلمين، لأن جنايته على بيت مال المسلمين، فلو فرضنا أنّه كان جانيا و لم يكن له مال فيجب على الإمام أن يؤدي من بيت مال المسلمين، فكما أن جنايته في بيت المال ديته أيضا توضع في بيت المال، و ليس للإمام العفو مجانا بلا دية.

فهذه الصحيحة واضحة الدلالة على الحكم، و الظاهر أنّه لا إشكال في المسألة، و أن الإمام ليس حاله حال الولي، الولي إنّما يأخذ الدية لنفسه لا للمسلمين، فله أن يعفو بلا مال، و أمّا الإمام فليس له أن يعفو بلا مال، بل إمّا أن يقتصّ، و إمّا أن يأخذ الدية فيضعها في بيت المال فليس له العفو مجانا.

التحقيق في من هو ولي الدم:

ثمّ إن حقّ القصاص هو حقّ لكلّ من هو ولي للميت يثبت لجميعهم و لكلّ واحد منهم، فلو فرضنا أن أحد الورثة عفى لا يسقط حقّ الباقين في القصاص.

و هذه المسألة محل خلاف شديد بينهم، فقد قال بكلّ من القولين جماعة كثيرون، و ادعيت الشهرة على كلّ من القولين، بل ادعي الإجماع على ذلك.

______________________________
(1) الوسائل 29: 124 باب 60 من أبواب القصاص في النفس، ح 1. عن أبي ولّاد الحناط قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مسلم قتل رجلا مسلما [عمدا] فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّا أولياء من أهل الذمة من قرابته، فقال: «على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته [دينه] الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليّه يدفع القاتل إليه فإن شاء قتل و إن شاء عفى، و إن شاء أخذ الدية، فإن لم يسلم أحد كان الإمام ولي أمره، فإن شاء قتل، و إن شاء أخذ الدية فجعلها في بيت مال المسلمين لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين»، قلت: فإن عفى عنه الإمام قال: فقال: «إنّما هو حقّ جميع المسلمين و إنّما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية، و ليس له أن يعفو».

محاضرات في المواريث، ص: 239‌

فالوجه الأوّل: هو أن إسقاط البعض حقّه من القصاص لا يوجب سقوطه بالنسبة إلى الآخرين.

و الوجه الثاني: هو السقوط بإسقاط البعض.

و كيف ما كان فلكلّ من القولين قائل:

و قد ذهب إلى القول الأوّل الشيخ قدّس سرّه و جماعة من المتقدّمين و المتأخرين.

و ذهب إلى القول الثاني العلّامة و الشهيدان و جماعة اخرى كالأردبيلي و الفاضل المقداد و غيرهما كالكاشاني.

و عليه فالمتبع هو الدليل:

أمّا بالنسبة إلى الآية المباركة وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً فَلٰا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ «1».

هذه الآية المباركة محتملاتها ثلاثة:

1- أن يكون المراد بالولي هو مجموع الوارث، يعني جعلنا لمجموع الورثة الذين يرثون المال جعلنا لهم سلطانا، فيكون حقّ القصاص قائما بالمجموع، كما أن حقّ الخيار فيما إذا مات المورث يكون قائما بالمجموع، زيد باع داره لعمرو مع الخيار و مات، طبعا ينتقل حقّ الخيار إلى الوارث، و هكذا حقّ الشفعة و غيره من الحقوق.

فيكون هذا الحقّ قائما بمجموع الوارث، و يكون المجموع قائمين مقام الميت.

هذا احتمال من الاحتمالات في حقّ القصاص.

2- و يحتمل أن يكون المراد بالولي هو الجامع لطبيعي الولي بما هو طبيعي، كما‌

______________________________
(1) الأسراء: 33.

محاضرات في المواريث، ص: 240‌

في ملك الخمس و الزكاة- على ما تقدّم- و قلنا إن المالك هو طبيعي الفقير أو طبيعي السيّد مثلا لا المجموع و لا كلّ واحد منهم.

3- و يحتمل أن يكون المراد هو الطبيعي على نحو الانحلال، يعني أن يكون المراد كلّ واحد منهم فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ أي كلّ من صدق عليه أنّه ولي الميت و وارث الميت فقد جعلنا له سلطانا، فالحقّ قائم بكل واحد واحد منهم بلا توقّف على ثبوته للآخر يعني لا يتوقف ثبوت الحقّ لهذا على ثبوته للآخر، بل كلّ واحد منهم ولي و له حقّ القصاص.

الظاهر من الآية المباركة هو المحتمل الأخير، لأن الحكم طبعا ينحل بانحلال موضوعه وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً كلّ من يصدق عليه أنّه ولي للميت و وارث للميت فقد جعلنا له سلطانا فكلّ فرد من أفراد الموضوع يكون هذا الحكم ثابتا له.

و أمّا احتمال أن يكون المراد بالولي هو الطبيعي و أن يكون إسقاط واحد منهم موجبا لسقوط حقّ الجميع، أو أن يكون ثابتا للمجموع بما هو مجموع أيضا يكون إسقاط واحد منهم موجبا لسقوط حقّ الجميع، لأنّ الحقّ واحد و ثابت للمجموع، فإذا فرضنا أنّ أحد الورثة أسقط حقّه يسقط حقّ الباقين لا محالة.

هذا بعيد في نفسه و مناف لحكمة جعل القصاص، فإن جعل القصاص إنّما هو من جهة حفظ الحياة وَ لَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ يٰا أُولِي الْأَلْبٰابِ «1».

إذا فرضنا أنّه قائم بالمجموع أو أنّه قائم بالطبيعي فللقاتل أن يتوصّل إلى دفع القصاص عن نفسه بإغراء بعض الورثة و إرضائهم بإعطاء مال أو بغير مال فيعفو‌

______________________________
(1) البقرة: 179.

محاضرات في المواريث، ص: 241‌

هذا الواحد فيسقط حقّ القصاص، و هذا بعيد عن حكمة جعل القصاص، فالظاهر من الآية المباركة أنّ الحقّ مجعول لكلّ واحد، و لا يقاس ذلك بالخيار و غير الخيار من الحقوق الموروثة، فإن الخيار واحد كان قائما بواحد فينتقل إلى المجموع لا محالة لا لكلّ واحد، إذ لم يكن المجعول خيارات متعدّدة، بل كان خيارا واحدا قائما بالميت و بموته انتقل إلى ورثته فبطبيعة الحال يكون قائما بالمجموع.

و في المقام السلطة مجعولة ابتداء للولي فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً و ليس منتقلا من الميت، بل هو مجعول من قبل اللّه سبحانه و موضوعه هو الولي فينحل لا محالة.

هذا ما يقتضيه ظاهر الآية المباركة.

و يدل على ذلك صريحا صحيحة أبي ولّاد الحنّاط «1» دلّت على أنّ إسقاط الحقّ من البعض لا يوجب السقوط من الآخرين، ففي هذه الصحيحة يسأل الإمام عن رجل قتل و له أب و ابن و أمّ، الأب عفى و أسقط حقّه، و الأمّ تطالب بالدية، و الولد يريد القصاص، فقال عليه السّلام: للابن أن يقتل قاتل أبيه و لكن يؤدي الدية إلى الأمّ بمقدار ما تستحقه و هو السدس، فإن الأمّ لم تسقط حقّها و إنّما تطالب بالدية فتعطى حقّها، و كذلك الأب حيث أنّه أسقط حقّه لا يعطى الدية، و لكن تعطى الدية إلى ورثة الجاني فإن المفروض أن حقّ الأب قد سقط.

فحقّ القصاص لم يسقط بإسقاط الأب حقّه عن الجاني و للابن أن يقتص‌

______________________________
(1) الوسائل 29: 113 باب 52 من أبواب القصاص في النفس، عن أبي ولّاد الحنّاط قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قتل و له أمّ و أب و ابن فقال الابن: أنا أريد أن أقتل قاتل أبي، و قال الأب: أنا أريد أن أعفو، و قالت الأمّ: أنا أريد أن آخذ الدية قال: فقال عليه السّلام: «فليعط الابن أمّ المقتول السدس من الدية، و يعطي ورثة القاتل السدس من الدية حقّ الأب الذي عفى، و ليقتله».

محاضرات في المواريث، ص: 242‌

و لكن بشرط إعطاء الدية مقدار حصّة الأب لورثة الجاني لأنّه عفى عنه.

فهذه الصحيحة صريحة في أنّ إسقاط البعض حقّه لا يوجب سقوط حقوق الآخرين، و لكن الآخر إذا أعمل حقّه و اقتص لا بدّ له من إعطاء الدية بمقدار ما عفي عنه فإنّه لا يستحق ذلك.

هذا ما يستفاد من هذه الصحيحة.

و بإزاء هذه الصحيحة عدّة روايات قد دلّت على السقوط صريحا «1» و أنّه إذا اسقط بعض الورثة يسقط حقّ الآخرين أيضا.

إلّا أنّ هذه الروايات المعارضة لصحيحة أبي ولّاد بما أنّها موافقة للعامّة فتحمل على التقية.

فما ذهب إليه الشيخ و جماعة من المتقدّمين و المتأخّرين من أنّ حقّ القصاص ثابت لكلّ واحد، و أنّ عفو البعض لا يوجب سقوط حقّ الآخرين هذا هو الصحيح، لموافقته لظاهر القرآن الكريم، و الروايات المعارضة موافقة للعامّة فتحمل على التقية.

ثمّ إن محل كلامنا إنّما هو فيما إذا ثبت حقّ القصاص للولي ابتداء كما إذا قتل رجل و له أولاد متعدّدون فلكلّ واحد منهم حقّ القصاص من قاتل أبيه على ما تقدّم.

و أمّا إذا كان الحقّ مجعولا للميت و انتقل بالإرث إلى الوارث كما إذا فرضنا أن‌

______________________________
(1) راجع الوسائل 29: 115 باب 54 من أبواب القصاص في النفس، ح 1 ففي حديث عبد الرحمن قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجلان قتلا رجلا عمدا و له وليّان، فعفى أحد الوليّين، قال: فقال عليه السّلام: «إذا عفى بعض الأولياء درئ عنهما القتل و طرح عنهما من الدية بقدر حصّة من عفى ..».

محاضرات في المواريث، ص: 243‌

الأب قد قطعت يده ظلما فله حقّ القصاص و قبل أن يقتص مات بسبب آخر- كما إذا سقط من شاهق مثلا أو غرق في البحر أو غير ذلك- لا بالسراية، بعد الموت طبعا ينتقل هذا الحقّ إلى ورثته، ففي هذا الفرض لا يكون الحقّ ثابتا لكلّ واحد واحد منهم لأنّ الحقّ واحد فيكون قائما بالمجموع- كما في الخيار.

فما ذكرناه من الانحلال و أن الحقّ يكون ثابتا لكلّ واحد إنّما هو فيما إذا كان الحقّ مجعولا لهم ابتداء، أمّا إذا كان بالإرث فيكون قائما بالمجموع، لأن حقّ القصاص واحد للميت و هذا الواحد لا يمكن أن يكون لعدّة أشخاص على نحو الاستقلال فلا محالة يكون قائما بالمجموع، فإذا أسقطه واحد يسقط حقّ الجميع.

كما أنّه لا يجوز لأحدهم الاقتصاص بدون إذن الآخرين لأن الحقّ واحد مجعول للمجموع.

ثمّ إنّه إذا سقط حقّ القصاص بإسقاط البعض فإنّه لا يسقط حقّهم من الدية فلهم المطالبة بالدية من الجاني فإنّ دم المسلم لا يذهب هدرا.

محاضرات في المواريث، ص: 244‌

الكلام في قتل مهدور الدم شرعا

لا إشكال في أنّه في بعض الموارد يجوز القتل بدون حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي فقد استثنيت عدّة موارد:

منها: سبّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من سمع أحدا يسبّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جاز له قتله.

و منها: الدفاع عن النفس أو العرض أو المال فيجوز القتل دفاعا عن هذه الثلاثة.

ففي هذه الموارد و غيرها ممّا يكون القتل فيها سائغا لا يترتب على القتل قصاص و لا دية و لا كفّارة.

ففي بعض روايات الدفاع عن المال قال الإمام عليه السّلام: «أقتله و عليّ ضمانه» «1» و هذا لا إشكال فيه و لا كلام.

إنّما الكلام فيما إذا كان الشخص مهدور الدم و لكن لا بالنسبة إلى القاتل، بل هو في نفسه حكمه القتل شرعا، كما في بعض موارد الزنا و في اللواط و نحوهما مما يكون الشخص حكمه القتل شرعا فهو مهدور الدم و للحاكم أن يقتله حدّا.

______________________________
(1) الوسائل 28: 384 باب 5 من أبواب الدفاع. فعن وهب عن جعفر عن أبيه عليه السّلام أنّه قال: «إذا دخل عليك رجل يريد أهلك و مالك فابدره بالضربة إن استطعت، فإن اللّص محارب للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فما تبعك منه من شي‌ء فهو عليّ».

محاضرات في المواريث، ص: 245‌

ففي مثل هذه الموارد إذا قتله شخص بغير إذن الحاكم كما إذا كان لائطا و حكمه القتل شرعا، فقتله بدون مراجعة الحاكم فهل يثبت القصاص في مثل هذه الصورة؟ أو الدية مع التراضي؟ أم أنّه لا دية و لا قصاص و لا كفّارة؟

ذهب جماعة إلى أنّه يعتبر في جواز القصاص أن يكون المقتول محقون الدم، و أمّا إذا كان مهدور الدم لسبب من الأسباب فليس فيه قصاص و لا دية و لا كفّارة.

استدلوا على ذلك برواية رواها الشيخ قدّس سرّه و كذلك الشيخ الصدوق قدّس سرّه: فالشيخ رواها بسنده عن أحمد بن النضر عن الحصين بن عمرو- و في نسخة الوسائل الحسين بن عمرو، و هذا غلط، بل هو الحصين بالصاد- عن يحيى بن سعيد بن المسيب عن أبيه- أو بلا واسطة أبيه على اختلاف: فرواها الشيخ عن سعيد بن المسيب عن أبيه، و الصدوق رواها عن سعيد بن المسيب من دون ذكر أبيه- أن ابن أبي الكشين رأى رجلا يزني بزوجته فقتله «1»، فرفع ذلك إلى معاوية فكتب معاوية إلى أبي موسى الأشعري أن يسأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام عن حكم هذه المسألة، فلقي أبو موسى الأشعري أمير المؤمنين عليه السّلام فسأله فقال: «إن أقام بيّنة أربعة شهود على ما يدّعيه فهو، و إلّا دفع برمته» لا يقبل قوله أصلا فهو قاتل إذا لم تكن له حجّة شرعية.

استدلّوا بهذه الرواية على أن الزاني إذا قتل و أقيمت البيّنة على ذلك يسقط‌

______________________________
(1) الوسائل 29: 135 باب 69 من أبواب القصاص في النفس، ح 2. عن سعيد بن المسيب أن معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري: إن ابن أبي الجسرين وجد رجلا مع امرأته فقتله، فاسأل لي عليّا عن هذا، قال أبو موسى الأشعري فلقيت عليّا عليه السّلام فسألته- إلى أن قال:- فقال: «أنا أبو الحسن إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد و إلّا دفع برمته».

محاضرات في المواريث، ص: 246‌

القصاص و الدية و الكفارة.

و استندوا إلى هذه الرواية أيضا في اعتبار أن يكون محقون الدم لثبوت حقّ القصاص، فإذا كان مهدور الدم- كما في الزاني بزوجته الذي هو مورد السؤال في هذه الرواية- فيسقط القصاص و الدية و الكفارة إن أقام أربعة شهود على ما يدعيه، و إلّا فيدفع برمته.

فالدفع برمته و إلغاء قوله مشروط بعدم إقامة البيّنة، و أمّا إذا أقام بيّنة فليس عليه أي شي‌ء.

هذه الرواية التي استدلوا بها على هذا الحكم ضعيفة سندا من جهات: إحدى الجهات أنّ (أحمد بن النضر) من معاصري الإمام الرضا عليه السّلام يروي عنه إبراهيم بن هاشم، و يروي عنه أبو عبد اللّه البرقي، بل يروي عنه أحمد بن أبي عبد اللّه أيضا فالرجل من أصحاب الإمام الرضا عليه السّلام كيف يمكن أن يروي عن الحصين بن عمرو الذي هو من أصحاب الإمام السجاد عليه السّلام؟

رواية أحمد بن النضر عن الحصين بن عمرو أمر غير ممكن عادة لبعد الطبقة، فالرواية مرسلة و غير قابلة للاعتماد عليها.

و قانيا: إن الحصين بن عمرو بنفسه لم يوثق فالرواية ضعيفة من هذه الجهة.

و ثالثا: يحيى بن سعيد بن المسيب أيضا لم يوثق و هو واقع في سندها إمّا أنّه يروي هو بنفسه كما في رواية الصدوق، أو أنّه يروي عن أبيه كما في رواية الشيخ.

فالرواية ضعيفة من جهات و لا يمكن الاعتماد عليها.

و روى هذه الرواية بعينها صاحب الجواهر «1» قدّس سرّه عن داود بن فرقد و ذكر أن‌

______________________________
(1) الجواهر 41: 369، و ما بعدها.

محاضرات في المواريث، ص: 247‌

الرواية صحيحة سندا.

و هذا اشتباه من قلمه الشريف لم ترد رواية عن داود بن فرقد في هذا الموضوع، و هو موضوع كتاب معاوية.

نعم له رواية في قتل الرجل زوجته إذا رآها يزني بها أحد «1» و لكنّه أجنبي عن هذا الموضوع.

إذا الرواية منحصرة بهذه الرواية التي هي ضعيفة من جهات و غير قابلة للاعتماد عليها.

و مع التنزّل عن ذلك لو فرضنا أن الرواية كانت صحيحة و فرضنا أن داود بن فرقد له رواية في هذا الموضوع و السند صحيح فهي بحسب الدلالة قاصرة، فإن موردها خصوص قتل الرجل الزاني بزوجته إذا رآه، و هذه مسألة اخرى خارجة عن محل كلامنا.

فهذه المسألة محل خلاف أنّه هل يجوز للزوج إذا رأى أحدا يزني بزوجته أن يقتلهما، أو أن يقتل الزاني فقط؟

ذهب إلى ذلك جماعة و استدلّوا بعدّة روايات، و قد ناقشنا في ذلك في محله، و هو ليس محل كلامنا ثبت أم لم يثبت.

كلامنا في اعتبار كون المقتول مهدور الدم، فإذا كان زانيا أو لائطا فهو مهدور الدم هل يثبت القصاص بقتله؟ هذه هي الكبرى الكلّية التي نتكلّم فيها.

و مورد هذه الرواية خصوص الزوج الذي رأى رجلا يزني بزوجته، فلو قلنا نقتصر على موردها فنقول يجوز للزوج إذا رأى أحدا يزني بزوجته أن يقتله أو‌

______________________________
(1) الوسائل 28: 14 باب 2 من أبواب مقدّمات الحدود، ح 1.

محاضرات في المواريث، ص: 248‌

يقتلهما كما ذكره جماعة، و ذكر الشهيد قدّس سرّه «1» رواية مرسلة «2» تدلّ على جواز قتلهما معا فتلك مسألة خارجة عن محل كلامنا.

الّذي نحن فيه أنّه هل يثبت القصاص أو الدية أو الكفّارة في من قتل من هو مهدور الدم لكن لا بالإضافة إلى القاتل، بل هو مهدور الدم في نفسه؟ كما إذا كان مرتدا فطريا، أو كان لائطا فهو مهدور الدم، و لكن ليس لكل أحد قتله، فإذا قتله من دون إذن الحاكم كان ظلما و عدوانا فيدخل تحت قوله تعالى وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً.

فلا ملازمة بين كون الشخص مهدور الدم و جواز قتله بالنسبة إلى كلّ أحد، فجواز القتل إنّما ثبت للحاكم و لولي الأمر، لا أنّه يجوز لكلّ أحد قتل ذلك.

فليس هنا دليل ينفي القصاص أو الدية أو الكفارة عن القاتل في مثل هذه الموارد.

______________________________
(1) الروضة البهية 9: 120 و ما بعدها.

(2) الوسائل 28: 149 باب 45 من أبواب حدّ الزنا ح 2 محمّد بن مكّي الشهيد في (الدروس) قال: روي أن من رأى زوجته تزني فله قتلهما.

محاضرات في المواريث، ص: 249‌

بقي الكلام في الاعتداء على الميت

فإنّ حال الميت حال الحي «حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا» «1» فكما أن الجناية على الحي توجب الدية الجناية على الميت أيضا توجب الدية.

فلو فرضنا أنّه قطع رأس ميت بحيث لو كان حيا لمات بذلك تثبت فيه الدية كاملة، أو فرضنا أنّه شقّ بطنه أو غير ذلك مما يوجب القتل لو كان حيا فإنّه يوجب الدية الكاملة.

و لكن دية الميت تمتاز عن دية الحي فإن ديته دية الجنين يعني ماءة دينار كما في الجنين قبل ولوج الروح باعتبار أن الميت أيضا قد زهقت روحه فهما في حكم واحد على ما نطقت به الروايات «2».

و الفرق بين هذه الدية و دية الحي: أن دية الحي الذي يقتل تنتقل إلى الوارث بعد ديونه و وصاياه، و أمّا هذه الدية فلا تنتقل إلى الورثة، بل بمقتضى النص الصريح تصرف في جهات الخير بالنسبة إلى الميت «3».

و هل تقضى منها ديونه؟

______________________________
(1) الوسائل 29: 325 و ما بعدها باب 24 من أبواب ديات الأعضاء، ح 2 و 4 و 5.

(2) الوسائل 29: 325 باب 24 من أبواب ديات الأعضاء، ح 1.

(3) الوسائل 29: 325 باب 24 من أبواب ديات الأعضاء، ح 2.

محاضرات في المواريث، ص: 250‌

استشكل بعضهم في ذلك باعتبار أن إخراج الديون إنّما كان واردا في دية الحي، و لم يرد مثل ذلك في دية الميت ففيه إشكال.

لكن الظاهر أنّه لا مجال للإشكال، لأن هذه الدية تصرف في وجوه البر بالنسبة إلى الميت، و أي وجه أبرّ من تفريغ ذمته و أداء ديونه؟! فكما يمكن أن يصلّى و يصام عنه، أو يزار أو يقرأ القرآن أو يحجّ عنه و غير ذلك من القرب، فإن تفريغ ذمته من الدين أولى من جميع ذلك، و لا سيما أن في بعض هذه الروايات إن هذه الدية إنّما هي للميت خاصة ملكه، فإذا كانت ملكه لا بدّ من أداء دينه منها.

فالإشكال في أداء الدين- كما عن بعضهم- لا نعرف له وجها صحيحا.

نعم لم يرد فيه نصّ خاصّ، إلّا أنّه ورد أن هذه الدية تصرف في وجوه البرّ بالنسبة إلى الميت، و أداء الدين من وجوه البرّ أيضا بلا إشكال.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net