فصل العفو عن بعض النجاسات: الدم الأقل من الدرهم 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌4   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7874

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 292‌

[الثاني الدم الأقل من الدرهم]

______________________________
«الثاني» مما يعفى عنه في الصلاة:

الدم الأقلّ من الدرهم.

الدماء الثلاثة.

دم نجس العين و الميتة و غير المأكول.

حكم الدم المتفرق في البدن، أو اللباس.

حدّ سعة الدرهم، أخمص الراحة.

عقد الإبهام، عقد الوسطى، عقد السبابة.

تفشّي الدم من أحد طرفي الثوب إلى لآخر.

وصول الرطوبة إلى الدم.

الشك في أنّ لدم من المستثنيات أو لا.

الشك في أنّ الدم أقلّ من الدرهم أو لا.

حكم المتنجس بالدم.

حكم زوال عين الدم.

وقوع دمين على محلّ واحد.

الدم الغليظ.

وقوع نجس آخر على الدم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 293‌

«الثاني» مما يعفى عنه في الصلاة: الدم الأقل من الدرهم (1)

______________________________
(1)
الدم الأقل من الدرهم يقع الكلام في ذلك من جهات:

«الأولى» في المقدار المعفو عنه. لا إشكال و لا خلاف «1» في عدم العفو عما زاد عليه و العفو عما دونه نصا و فتوى «2» و إنّما الكلام في المقدار المساوي له- بحيث لا يزيد و لا ينقص أصلا- و إحراز هذا الفرد و إن كان نادرا لأنّ الغالب زيادته أو نقصانه عنه بقليل إلّا أنّه مع ذلك وقع الكلام بينهم في حكمه.

حكم الدم المساوي للدرهم ذهب المشهور «3» إلى القول بعدم العفو عن قدر الدرهم، بل عن الخلاف «4» دعوى الإجماع على عدم العفو، خلافا للمرتضى و سلّار حيث‌

______________________________
(1) الحدائق ج 5 ص 306، و الجواهر ج 6 ص 107.

(2) و قد أشار في الجواهر- ج 6 ص 108- 109- إلى خلاف حسن بن أبي عقيل العماني في أصل العفو عن المقدار المخصوص، ثم رده بأنّه مخالف للإجماع بقسميه، و للنصوص المستفيضة. و لكنّ الفقيه الهمداني قد منع استظهار خلاف العماني من عبارته المحكية عنه. فراجع مصباح الفقيه كتاب الطهارة الصفحة 588- 589.

(3) الحدائق ج 5 ص 306 و 310 و الجواهر ج 6 ص 110.

(4) ج 1 ص 177 م 220 من كتاب الصلاة لكن في صحة نسبة الدعوى المذكورة إليه إشكال أشار إليه في الجواهر- ج 6 ص 110 و ص 112، 113- لدلالة ذيل كلامه على إرادته العفو عن مقدار الدرهم.

ثم أنّه حكى في الخلاف عن الشافعي القول بعدم العفو عن جميع النجاسات قليلة كانت أو كثيرة إلّا دم البق و البراغيث. و عن أبي حنيفة العفو عن مقدار الدرهم من جميع النجاسات، و عن مالك و أحمد التفصيل بين المتفاحش و غيره من الدم فلا يعفى في الأوّل و يعفى في الثاني.

و لاحظ أيضا كتاب الفقه على المذاهب الأربعة- ج 1 ص 20 الطبعة الخامسة- في تفصيل المذاهب.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 294‌

..........

______________________________
أنّهما ذهبا إلى العفو عنه كالأقل.

فلا بدّ من النظر في روايات المقام، و هي مختلفة الدّلالة من هذه الجهة حتّى أنّها صارت سببا لوقوع الإشكال و اختلاف الأقوال في محل البحث.

فبعضها تدل على عدم العفو عن مقدار الدرهم ك:

صحيحة إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «في الدّم يكون في الثّوب إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، و إن كان أكثر من قدر الدرهم- و كان رآه فلم يغسل حتّى صلّى- فليعد صلاته، و إن لم يكن رآه حتّى صلّى فلا يعيد الصلاة» «1».

فإنّ مفهوم قوله عليه السّلام في صدر الرواية «إن كان أقل من قدر الدّرهم فلا يعيد.» أنّه إن لم يكن أقل من الدرهم يعيد الصلاة، سواء كان بمقدار الدّرهم أو أكثر، فيكون قوله عليه السّلام «و إن كان أكثر من قدر الدرهم.» بيانا لمفهوم الصدر فيكون المراد أنّه تجب إعادة الصلاة لو كان الدّم بمقدار الدرهم أو أكثر، فإنّ الظاهر أنّ صدر الكلام هو موضوع الحكم منطوقا و مفهوما، فيحمل عليه الذيل، فيكون المتحصل من هذه الرواية هو العفو عما دون الدّرهم، و أما المساوي له و الزائد فلا يعفى عنه، هذا.

و لو نوقش في ذلك بدعوى: أنّ مفهوم الذيل هو العفو عن مقدار‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1026 في الباب 20 من أبواب النجاسات، الحديث: 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 295‌

..........

______________________________
الدّرهم، لأنّ منطوقه أنّه إذا كان أكثر منه يعيد الصلاة فمفهومه أنّه إذا لم يكن أكثر منه لا يعيد، و هو أعم من المساوي و الأقل، فتقع المعارضة بين الصدر و الذيل.

أجبنا عن ذلك بأنّ المقدار المساوي للدّرهم حيث أنّه فرد نادر- لا يمكن تحصيل العلم به غالبا- فلا يبعد دعوى إهمال الرواية بالنسبة إليه رأسا، فلا يدخل في شي‌ء من المفهومين- لا مفهوم الصدر و لا مفهوم الذيل- فلا بدّ حينئذ في معرفة حكمه من الرجوع إلى دليل آخر و ليس إلّا عمومات المنع عن مطلق النجاسات فلا يعفى عنه.

و لو سلم تعرض الرواية له، و دخوله في المفهوم وقعت المعارضة بالنسبة إليه بين المفهومين، فتكون الرواية مجملة من هذه الجهة، لاستحالة إرادته في كليهما فيسقطان بالمعارضة، لأنّها بالإطلاق لا العموم، كي يرجع إلى المرجحات السنديّة، فبعد التساقط يكون المرجع عمومات المنع عن مطلق الدّم أو النجس في الصلاة، لأنّ المعارضة بينهما يكون بالإطلاق.

فتحصل: أنّه على جميع التقادير الثلاثة- كون الذيل بيانا لمفهوم الصدر، أو إهمال الرواية، أو إجمالها بالنسبة إلى المساوي للدرهم- يكون حكمه عدم العفو.

و بعضها يدل على العفو عن مقدار الدّرهم و أنّ الممنوع إنّما هو الزائد عليه ك‍:

صحيح محمّد بن مسلم- مضمرا- في رواية الكليني- و مسندا- إلى أبي جعفر عليه السّلام في رواية الصدوق قال: «قلت له: الدّم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة؟ قال: إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ في غيره، و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك، و لا إعادة عليك ما لم يزد‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 296‌

..........

______________________________
على مقدار الدّرهم، و ما كان أقل من ذلك فليس بشي‌ء، رأيته قبل أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدّرهم فضيّعت غسله، و صلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه»
«1».

فإنّ إطلاق قوله عليه السّلام: «ما لم يزد على مقدار الدرهم» يشمل نفس الدرهم، لأنّه لا يزيد على مقدار الدرهم، كما يشمل الأقل منه، فحينئذ تدل على العفو عن نفس الدّرهم، و يكون قوله عليه السّلام في الذيل: «و هو أكثر من مقدار الدرهم» بيانا لمفهوم الصدر الظاهر في أنّه الموضوع للحكم، و عليه يكون المشار إليه بقوله عليه السّلام «و ما كان أقل من ذلك» هو الزائد على مقدار الدرهم، و الأقل من الزائد يعم المساوي و الأنقص.

و حينئذ تقع المعارضة بينها و بين صدر صحيحة الجعفي في مقدار الدرهم- بناء على شمول مفهومه لمقداره- و حيث أنّ المعارضة بينهما تكون بالإطلاق، لا العموم يسقطان بالمعارضة، و يرجع إلى عمومات المنع أيضا.

و لو سلّم ثبوت المفهوم للذيل أيضا و دلالته على العفو عن المساوي جرى فيها ما ذكرناه في صحيحة الجعفي من المعارضة بين الصدر و الذيل أيضا، فبعد المعارضة يكون المرجع أيضا عمومات المنع، فتصبح هذه أيضا كالرواية المتقدمة إمّا مهملة لحكم المساوي، أو مجملة بالنسبة إليه، و على كل تقدير فهي معارضة لصدر تلك- كما أشرنا- إلّا أن يجمع بينهما كما احتمله في الجواهر «2» بحمل قوله عليه السّلام: «و هو أكثر من مقدار الدرهم» على مقدار الدرهم و ما زاد نحو قوله تعالى فَإِنْ كُنَّ نِسٰاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ «3» لأنّ المراد‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1026 في الباب: 20 من أبواب النجاسات، الحديث: 6.

(2) ج 6 ص 111.

(3) النساء 4: 11.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 297‌

سواء كان في البدن أو اللباس (1)

______________________________
اثنتين فما فوق لمعهودية نحو هذا الاستعمال، فترجع الإشارة في قوله عليه السّلام: «ما كان أقل من ذلك» إلى نفس الدرهم، فيكون المراد من قوله عليه السّلام: «ما لم يزد على مقدار الدرهم» خصوص ما كان أقل منه دون الأعم منه، و من المساوي.

و كيف كان فلو لم يتم هذا المجمع فالمرجع بعد التساقط بالمعارضة عمومات المنع، هذا مضافا إلى التصريح بالمنع عن مقدار الدرهم في:

صحيحة ابن أبي يعفور- في حديث- قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يكون في ثوبه نقط الدّم لا يعلم به، ثمّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي، ثمّ يذكر بعد ما صلّى أ يعيد صلاته؟ قال: يغسله و لا يعيد صلاته، إلّا أن يكون مقدار الدّرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة» «1».

و يمكن جعلها شاهد جمع بين الروايات المتعارضة.

فتحصل: أنّ الأقوى هو العفو عن خصوص ما كان أقل من الدّرهم، فلا يعفى عن المساوي، و الأكثر.

(1) عدم الفرق بين البدن و اللباس في العفو الجهة الثانية مما يبحث عنه في المقام: هو عدم اختصاص العفو بالثوب- و إن كان موردا للنصوص- بل يعم البدن أيضا على المشهور شهرة عظيمة حتّى أنّه قال في الحدائق «2»: «و ظاهر كلمة الأصحاب الاتفاق على ضم البدن إليه يعني إلى الثوب- أيضا» بل ادعى الإجماع في‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1026 في الباب: 20 من أبواب النجاسات، الحديث: 1.

(2) ج 5 ص 308.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 298‌

..........

______________________________
كلمات
«1» جمع من الأصحاب صريحا أو ظاهرا على عدم الفرق بينهما في العفو، و لم ينقل الخلاف في ذلك من أحد.

فعليه يكون تخصيص الثوب بالذكر في الرّوايات لأجل غلبة إصابة النجاسات- و منها الدّم- له لأنّه الساتر للبدن إلّا دم القروح و الجروح فإنّه يصيب البدن ابتداء، أو لكونه موردا للسؤال في النصوص، فالمستفاد منها بعد التأمل هو سلب مانعيّة الدّم في الصلاة لو كان أقل من الدّرهم سواء أ كان في الثوب أو في البدن- كما فهمه الأصحاب من دون خلاف يعرف «2».

و أما رواية مثنّي بن عبد السلام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له:

إنّي حككت جلدي فخرج منه دم؟ فقال: إنّ اجتمع قدر حمّصة فاغسله و إلّا فلا» «3».

فقد يستدل «4» بها على العفو في البدن أيضا بتقريب أنّ المراد بقدر الحمّصة قدرها وزنا لا سعة و هي تقرب من سعة الدرهم.

أو يفصّل بها بين الثوب و البدن فيلتزم بالعفو عما دون الدرهم في الثوب، و عما دون الحمّصة في البدن.

______________________________
(1) لاحظ الجواهر ج 6 ص 107 و الحدائق ج 5 ص 308.

(2) نعم في الحدائق- ج 5 ص 308- و عن الرياض و كشف اللثام التشكيك في التعميم و لكنّه في غير محله، كما أشار في الجواهر ج 6 ص 108.

(3) وسائل الشيعة ج 2 ص 1026 في الباب: 20 من أبواب النجاسات، الحديث: 5.

(4) كما في المدارك ص 105 في الأمر الأوّل من الأمور التي ذيل بها البحث في المقام، و حكاه عنه في الحدائق- ج 5 ص 308- أيضا، و مال إلى تأييد الحكم بها في الجواهر- ج 6 ص 108- و حكي عن الرياض: «احتمال قراءتها بالخاء المعجمة و هو سعة ما انخفض من راحة الكف، كما عن بعض الأجلة تقدير الدرهم به سعة، لكن قال: أنّه يتوقف على القرينة لهذه النسخة و هي مفقودة».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 299‌

..........

______________________________
و لكن يردها أوّلا ضعف سندها ب‍ «مثنى بن عبد السّلام» فإنّه لم يثبت وثاقته.

و ثانيا ضعف دلالتها لظهورها في عدم نجاسة ما دون الحمّصة من الدّم، لا العفو عنه في الصّلاة، و ذلك لما مرّ غير مرّة من أنّ نجاسة شي‌ء إنّما يستكشف من الأمر بغسله، و إلّا فلا دليل على نجاسته و حيث أنّه نفى وجوب الغسل عما دون الحمّصة في الرواية بقوله عليه السّلام: «و إلّا فلا» يستفاد منها عدم نجاسته لعدم تقييده بحال الصلاة، و هذا مما لم يقل به أحد.

نعم نسب إلى الصدوق القول بذلك، و لكنّه لم يثبت فتواه به، لاحتمال إرادته العفو في الصّلاة، كما تقدّم في بحث نجاسة الدم. «1»

و كيف كان فلا يمكن الاعتماد على هذه الرواية لا في التفصيل بين الثوب و البدن- على النحو المتقدّم- و لا في الاستدلال بها على العفو عما دون الدرهم في البدن- بالتقريب المذكور- لأنّ وزن الحمّصة من الدّم يزيد على سعة الدرهم بكثير، فإذا لا عامل بظاهر الرواية فهي مطروحة عند الجميع لا مجال لتوهم «2» انجبار ضعفها بالعمل بعد التأويل المذكور أو غيره إلّا أن يقال «3» بتحقق العمل بها في أصل العفو عن البدن في الجملة دون التحديد بما دون الحمّصة- الّذي هو مخالف للفتاوى و النصوص المتقدمة- و لكن يدفعه أنّه لم يثبت استنادهم إليها بهذا المقدار أيضا، لوجود روايات معتبرة في المقام تدل على العفو عما دون الدّرهم- كما سبق- فلا جابر لضعفها بوجه.

______________________________
(1) ج 3 من كتابنا الصفحة: 28- 29.

(2) إشارة إلى ما في الجواهر ج 6 ص 108.

(3) إشارة إلى ما ذكره الفقيه الهمداني «قده» في كتاب الطهارة من مصباح الفقيه ص 589.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 300‌

من نفسه أو غيره (1)

______________________________
فالعمدة في التعميم هو الإجماع و الاستظهار من نفس الروايات المتقدمة.

(1) عدم الفرق بين دم نفسه و دم غيره الجهة الثالثة من الجهات الّتي يبحث عنها في المقام: هو أنّ المشهور بين الأصحاب عدم الفرق في العفو بين أن يكون الدّم من نفسه أو من غيره بل ادّعي «1» حصول الإجماع على ذلك و يدل عليه إطلاق الروايات المتقدمة.

و لكن خالف في ذلك صاحب الحدائق «قده» «2» حيث أنّه ألحق دم الغير بدم الحيض في وجوب إزالة قليله و كثيره، و ذلك ل‍:

مرفوعة البرقي عن الصادق عليه السّلام قال: «دمك أنظف من دم غيرك، إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس، و إن كان دم غيرك قليلا أو كثيرا فأغسله» «3».

فإنّها تدل على عدم العفو عن دم الغير مطلقا و إن كان أقل من الدرهم.

ثمّ قال: «و لم أقف على من تنبّه و نبّه على هذا الكلام إلّا الأمين الأسترآبادي فإنّه ذكره و اختاره و إلى هذه الرواية أشار أيضا في كتاب الفقه الرضوي «4» فقال: «و أروي أنّ دمك ليس مثل دم غيرك».

______________________________
(1) الجواهر ج 6 ص 222.

(2) ج 5 ص 328.

(3) وسائل الشيعة ج 2 ص 1028 في الباب: 21 من أبواب النجاسات، الحديث: 2.

(4) البحار ج 80 ص 87. الحديث: 6 طبعة الإسلامية.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 301‌

عدا الدماء الثلاثة (1) من الحيض و النفاس و الاستحاضة.

______________________________
و يدفعه: أنّ الرواية المذكورة ضعيفة بالإرسال و الهجر، إذ لا عامل بها من الأصحاب- كما يظهر من عبارة الحدائق نفسه أيضا- فلا مجال لتوهم انجبار ضعفها بالعمل فإنّه ممنوع صغرى، مضافا إلى منعه عندنا كبرى أيضا.

نعم لا بأس بدلالتها على عدم العفو عن دم الغير و إن كان قليلا «1».

(1) فيما استثنى من الدم المعفو عنه الجهة الرابعة: فيما استثنى من الدّم المعفو عنه و هي دماء «أحدها» الدماء الثلاثة «ثانيها» دم نجس العين «ثالثها» دم الميتة «رابعها» دم غير المأكول مما عدا الإنسان، و يأتي الكلام على كلّ واحد منها.

الدماء الثلاثة أما الدماء الثلاثة- الحيض و النفاس و الاستحاضة-: فالمشهور في الأوّل منها عدم العفو بل لم ينقل الخلاف فيه من أحد من الأصحاب «2» بل‌

______________________________
(1) و لا يخفى إنّ النسبة بينها و بين روايات العفو عما دون الدرهم العموم من وجه، لأنّ الدم القليل يعم ما دون الدرهم و غيره، كما أنّ ما دون الدرهم يعم دم نفسه و دم غيره، و فيقع التعارض بينهما فيما دون الدرهم إذا كان من دم الغير، و حيث أنّ التعارض يكون بالإطلاق يتساقطان، فلا بدّ من الرجوع إلى عمومات المنع عن مطلق النجس في الصلاة، و تكون النتيجة هو ما ذهب إليه صاحب الحدائق «قده» من عدم العفو عن دم الغير و لو كان أقل من الدرهم. نعم لو قلنا بلزوم الرجوع إلى المرجحات السندية حتّى في التعارض بالإطلاق كان الترجيح مع أخبار العفو للشهرة و شذوذ مرفوعة البرقي إلّا أنّ السيد الأستاذ دام ظله لا يلتزم بذلك- كما أشرنا في الشرح فيما تقدم- فإذا ينحصر دفع مقالة الحدائق بضعف مستنده سندا، أو يقال بحكومة أخبار العفو على غيرها من الأخبار الدالة على وجوب الغسل في أقسام الدماء لأنّها ناظرة إليها، فتأمل.

(2) الحدائق ج 5 ص 325.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 302‌

..........

______________________________
في الخلاف
«1» و عن غيره «2» دعوى الإجماع صريحا أو ظاهرا على استثنائه.

و أما دم النفاس و الاستحاضة فألحقا بدم الحيض في حكاية الإجماع على عدم العفو عنهما في الخلاف «3» بل في غيره أيضا «4».

______________________________
(1) ج 1 ص 177 م 220.

(2) الجواهر ج 6 ص 119.

(3) ج 1 ص 177 م 220.

(4) قال في الجواهر- ج 6 ص 120- «و يلحق به- يعني بدم الحيض- دم الاستحاضة و النفاس بلا خلاف فيه عندنا كما في السرائر، بل في الخلاف و الغنية الإجماع عليه، كظاهر نسبته إلى الأصحاب من غيرهما، بل قد يشعر به أيضا نسبة الخلاف إلى أحمد في التذكرة.».

نعم قال المحقق الهمداني «قده»- في كتاب الطهارة من مصباح الفقيه ص 592-: «إنّ نسبة المحقق في محكي المعتبر و النافع إلحاقهما بدم الحيض إلى الشيخ يشعر بعدم كون المسألة من المسلمات.

إلى أن قال: و لذا قوى في الحدائق دخولهما في عموم أخبار العفو».

قال في الحدائق ج 5 ص 326: «و بالجملة فالحكم باستثناء دم الحيض من البين مما لا إشكال فيه، و إنّما الإشكال فيما ألحق به- يعنى دم الاستحاضة و النفاس- إلى أن قال في ص 328: و الذي يقرب عندي في هذا المقام أما بالنسبة إلى دم الاستحاضة و النفاس فالظاهر دخولهما في عموم أخبار العفو.».

و فصل المحقق الهمداني بين دم النفاس و الاستحاضة حيث إنّه جزم بعدم العفو في الأوّل بدعوى أنّه كدم الحيض حكما بل موضوعا، و تردد في الثاني حيث لم يجزم بتحقق إجماع فيه على عدم العفو و لا دليل آخر.

فالمتحصل أنّ الأقوال في الدماء الثلاثة أربعة «أحدها» عدم العفو عن الثلاثة- كما هو المشهور المدعى عليه الإجماع عن بعض و جنح إليه في الجواهر- ج 6 ص 120- «ثانيها» عدم العفو عن خصوص دم الحيض و العفو عن الآخرين- كما ذهب إليه صاحب الحدائق على ما أشرنا آنفا- «ثالثها» عدم العفو عن دم الحيض و النفاس و العفو عن الاستحاضة- كما مال إليه المحقق الهمداني «قده- «رابعها» العفو عن الثلاثة كما هو الصحيح لعدم دليل يعتمد عليه في شي‌ء منها و قد مال إليه السيد الأستاذ دام ظله كما أشار إلى ذلك في تعليقته على المتن بقوله «على الأحوط في الاستحاضة، بل في النفاس و الحيض أيضا» و ذلك للخروج عن خلاف المشهور المدعى عليه الإجماع.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 303‌

..........

______________________________
و كيف كان فيستدل على عدم العفو عن دم الحيض ب‍:

رواية أبي بصير «لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره «1» غير دم الحيض، فإنّ قليله و كثيره في الثوب إن رآه أو لم يره سواء» «2».

فإنّها تدل على وجوب إعادة الصلاة عن دم الحيض و إن كان قليلا أقل من الدّرهم.

و أما دم الاستحاضة، و النفاس فاستدل على إلحاق الأوّل بالحيض بأنّه مشتق من الحيض «3» و على إلحاق الثاني به بأنّه حيض محتبس يخرج بالولادة، و بأنّهما يوجبان الغسل، كالحيض فيستكشف أنّهما من النجاسات المغلظة كالحيض فيجري عليهما حكمه في عدم العفو في الصّلاة أيضا «4».

أقول في هذا الاستثناء نظر في أصله و في الملحق به أما أصله- أعني دم الحيض- فلضعف رواية أبي بصير- الّتي هي المستند في استثناءه- سندا ب‍:

«أبي سعيد المكاري» «5» في طريقها، فإنّه واقفي لم يوثق، بل له مكالمة مع الرضا عليه السّلام رواها الكشي «6» بحيث لو صحت لدلت على أنّه كان معاندا و‌

______________________________
(1) و في بعض النسخ «لم تبصره» و في بعضها بدون «لم» أي لقلته أو كان جاهلا ثم علم.

لاحظ فروع الكافي ج 3 ص 405.

(2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1028 في الباب: 21 من أبواب النجاسات، الحديث: 1.

(3) كما عن ذكري الشهيد- المستمسك ج 10 ص 566، الطبعة الرابعة- و في الحدائق- ج 5 ص 328.

(4) كما عن المعتبر- الحدائق ج 5 ص 326.

(5) و هو هاشم بن حيان، و قيل هشام. و الأوّل هو الصواب- جامع الرواة ج 2 ص 310 و 389.

(6) و قد أشار السيد الأستاذ دام ظله في معجم رجال الحديث- ج 5 ص 183- إلى ضعفها و قد وردت هذه الرواية و غيرها في شأن ابنه الحسين- كما سنشير في التعليقة الآتية- دون أبي سعيد نفسه، و كيف كان فلم يثبت وثاقته.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 304‌

..........

______________________________
متعصبا في وقفه، حيث أنّه أساء الأدب معه عليه السّلام قائلا له عليه السّلام: «فتحت بابك للناس و قعدت للناس تفتيهم و لم يكن أبوك يفعل هذا» فقال له الإمام عليه السّلام:

«ليس عليّ من هارون بأس.» ثمّ دعا الإمام عليه و قال له «أطفأ اللّه نور قلبك و أدخل اللّه الفقر بيتك.» فخرج من عنده فنزل به من الفقر و البلاء اللّه به عليم «1» نعم ابنه الحسين أو (الحسن) ثقة و ثقة النجاشي «2» و إن كان واقفيا أيضا بحيث كان هو و أبوه وجهين في الواقفة. و قد يستشكل «3» في سندها بأنّها موقوفة لأنّ أبا بصير لم يروها عن المعصوم عليه السّلام و أجيب بأنّ عمل الأصحاب بها كاف في الحجيّة، أو أنّ نقل الكافي و التهذيب لها مما يأبى ذلك لبعد نقلهما رواية عن غير الإمام عليه السّلام فنقلهما تكون قرينة على ثبوت الإسناد إليه عليه السّلام. و لكن هذا الجواب لا يجدي شيئا أمّا عمل الأصحاب فلا يكون جابرا لضعف السند لا سيما في الرواية المقطوعة و أما نقل الكليني و الشيخ لها في كتابيهما فغايته أنّه اجتهاد منهما في صحة النسبة إلى المعصوم و‌

______________________________
(1) كذا في تنقيح المقال ج 3 ص 287، و لكن في قاموس الرجال ج 9 ص 286- 287 نبه على أنّ نسبة نقل هذه الرواية إلى الكشي في شأن أبي سعيد المكاري خبط لأنّه رواها في شأن ابن أبي سعيد المكاري يعني الحسين بن أبي سعيد دون الأب، و كذا يظهر ذلك مما ذكره السيد الأستاذ دام ظله في معجم رجال الحديث- ج 5 ص 182- في ترجمة حسين بن أبي سعيد، و على كل تقدير فأبو سعيد لم يكن ثقة سواء كانت الرواية في شأنه أو شأن ابنه.

(2) معجم رجال الحديث ج 5 ص 183.

(3) هذا الاشكال و جوابه محكي عن المحقق في المعتبر و كذا في المدارك و عن المعالم- الحدائق ج 5 ص 325 و 326-

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 305‌

..........

______________________________
هو لا يكون حجة على الغير.

و الصحيح في الجواب عن هذا الإشكال هو أنّ الرواية المذكورة و إن كانت مقطوعة في بعض نسخ التهذيب «1» إلّا أنّها مروية في الكافي «2» و بعض آخر من نسخ التهذيب «3» مسندة إلى أبي عبد اللّه أو أبي جعفر صلوات اللّه عليهما- كما في الوسائل- فلا محذور من هذه الجهة.

إلّا أنّها ضعيفة ب‍ «أبي سعيد المكاري»- كما ذكرنا- سواء أ كانت مسندة أو موقوفة على أبي بصير فلا يسعنا الاعتماد عليها في استثناء دم الحيض عن عمومات العفو.

و أما دم الاستحاضة فإلحاقه بدم الحيض بدعوى اشتقاقه منه، أو إيجابه للغسل كالحيض فيلحق به في عدم العفو أيضا أشبه شي‌ء بالقياس، و بناء الأحكام الشرعيّة على مثل هذه التعليلات العليلة مجازفة محضة، كما نبّه على ذلك صاحب الحدائق «4» فإنّ الاشتقاق اللفظي لا يجدي في ترتب الأحكام الشرعيّة لا سيما مع كونهما مختلفين موضوعا و حكما- و إن اشتركا في بعض الأحكام بدليل خاص كوجوب الغسل، و تبديل القطنة و نحوهما- فقد ورد في الحديث «5» «أنّ دم الاستحاضة و الحيض ليس يخرجان من مكان واحد إنّ دم الاستحاضة بارد و إنّ دم الحيض حارّ» و اشتراكهما في‌

______________________________
(1) ج 1 ص 257 الحديث 745 ع 32 خ الطبعة الإسلامية و قد أشير في هذه الطبعة إلى اختلاف النسخ فلاحظ.

(2) فروع الكافي ج 3 ص 405 الحديث: 3- الطبعة الإسلامية.

(3) ج 1 ص 257 الحديث 745 ع 32 خ الطبعة الإسلامية و قد أشير في هذه الطبعة إلى اختلاف النسخ فلاحظ.

(4) ج 5 ص 328.

(5) وسائل الشيعة ج 2 ص 537 في الباب 3 من أبواب الحيض، الحديث: 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 306‌

أو من نجس العين (1)

______________________________
إيجاب الغسل لا يوجب الاشتراك في عدم العفو في الصّلاة.

و أما دم النفاس فلو سلّم أنّه حيض محتبس لم يشمله دليل الاستثناء لاختصاصه بالحيض غير المحتبس و إسراء حكمه إلى المحتبس يكون قياسا لا نقول به.

فتحصل من جميع ما ذكرناه: أنّه لا دليل يعتمد عليه في استثناء دم الحيض عما عفي عنه من الدماء فضلا عن الاستحاضة و النفاس و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط «1» بالاجتناب عنها لا سيما دم الحيض خروجا عن خلاف المشهور المحكي عليه الإجماع.

(1) دم نجس العين حكي «2» عن بعض القدماء و عن غير واحد من المتأخرين إلحاق دم الكلب و الخنزير بل مطلق نجس العين- أعم منهما و من الكافر-

______________________________
(1) و من هنا جاء في تعليقته دام ظله- على قول المصنف «قده» «عدا الدماء الثلاثة»- (على الأحوط في الاستحاضة بل في النفاس و الحيض أيضا).

(2) الحدائق ج 5 ص 327 و الجواهر ج 6 ص 121 و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 539.

و قد خالف في هذا الاستثناء أشد المخالفة الحلي في سرائره- ج 1 كتاب الطهارة ص 35- معترضا على الراوندي أشد اعتراض حيث قال: «و قد ذكر بعض أصحابنا المتأخرين من الأعاجم و هو الراوندي المكني بالقطب أنّ دم الكلب و الخنزير لا يجوز الصلاة في قليله و لا كثيره مثل دم الحيض.

قال: لأنّه دم نجس العين. و هذا خطأ عظيم و زلل فاحش لأنّ هذا هدم- خرق خ- لإجماع أصحابنا.» فكأنّه «قده» يدعى الإجماع على شمول العفو له أيضا كسائر الدماء، و لكن ثبوت إجماع تعبدي في أمثال المقام ممنوع، بل المسألة محل نظر و إشكال، و قد قام الدليل على صحة الاستثناء، و عدم العفو عنه- كما يظهر من الشرح.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 307‌

..........

______________________________
بدم الحيض في الاستثناء عن العفو و إن كان أقل من الدرهم.

و يستدل له بوجوه لا يخلو بعضها عن المناقشة.

أحدها: انصراف إطلاق روايات العفو عن دم نجس العين لندرة الابتلاء به، إذ هي منصرفة إلى الأفراد الشائعة المعتادة المتكثرة الوقوع من دم المسلم، أو الحيوانات الّتي يتعارف ذبحها، أو نحو ذلك دون الفروض النادرة الّتي ربما لا تقع في مدة العمر و لو مرة واحدة «1» فيبقى دم نجس العين تحت عمومات الإزالة.

و فيه: أنّ ندرة الابتلاء بفرد إنّما تمنع عن اختصاص المطلق به لا شموله له، و إلّا لزم عدم العفو عن دم أغلب الحيوانات المحللة الأكل الّتي لم يتعارف ذبحها، أو لم يتمكن منها لكونها و حشية من الطيور أو غيرها، فإنّ الابتلاء بدم أمثالها نادرة أيضا، و هذا مما لم يلتزم به أحد، فالعبرة بصدق الدم و لو كان الابتلاء ببعض أفراده نادرا.

ثانيها: أنّ المعفو عنه إنّما هو الدّم لا الملاقي لنجس العين، و الدم الخارج من الكلب و الخنزير و الكافر يلاقي أجسامها فتتضاعف نجاسته، و يكتسب بملاقاة الأجسام النجسة نجاسة أخرى غير نجاسة الدم، و تلك لم يعف عنها، كما لو أصاب الدّم المعفو عنه نجاسة غير الدّم، فإنّه يجب إزالته مطلقا «2».

و فيه: أنّ دم نجس العين هو أيضا من أجزاءه و لا يعقل انفعال أجزاء نجس واحد بعضها ببعض لوحدة ملاك النجاسة في الجميع فكما لا‌

______________________________
(1) ذكر هذا الوجه، و اعتمد عليه في الحدائق- ج 5 ص 328.

(2) و قد حكي هذا الوجه عن المحقق في المعتبر، و العلامة في المختلف- الحدائق ج 5 ص 326- 327.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 308‌

..........

______________________________
ينفعل أجزاء البول أو الغائط أو الدّم بعضها ببعض كذلك لا ينفعل دم الكلب- مثلا- بملاقاة لحمه أو عظمه أو غيرهما من أجزاءه لأنّ الكلب بمجموع أجزائه نجس واحد، فلا يكتسب دم الكلب بملاقاة لحمه- مثلا- نجاسة عرضيّة كي يتوهم عدم العفو عنه من هذه الجهة، فحاله حال الدّم الأقل من الدرهم إذا انفصل عن الدّم الكثير، و لا يقاس ذلك بملاقاته لنجس آخر كالبول- مثلا- لتعدد العنوان في المثال دون المقام. و إن شئت فقل: إنّ عنواني الدم و الملاقي لنجس العين و إن كانا عنوانين صادقين على دم واحد، إلّا أنّه لا أثر للثاني في اشتداد النجاسة، أو المانعيّة عن الصلاة، لعدم انفعال الأجزاء المتماثلة بعضها ببعض كما ذكرنا، و عدم ورود دليل على مانعيّة عنوان الملاقي للنجس، و إنّما المانع هو نفس عناوين النجاسات، كالدم و البول و غيرهما، فلا يقاس المقام بملاقاة الدم لنجس آخر كالبول و نحوه.

ثالثها: صدق عنوان ما لا يؤكل لحمه على دم نجس العين و هو عنوان مستقل في المانعيّة «1» و إن لم يكن من أجزائه النجسة و دليل العفو إنّما يدل على العفو عن الدم الأقل من الدّرهم من حيث النجاسة دون حيثيّة كونه من أجزاء ما لا يحل أكله، فإذا اجتمع عنوانان على شي‌ء واحد، فالعفو عن أحدهما لا يلازم العفو عن الآخر «2».

و فيه: أنّه أخص من المدّعى، لعدم صدق محرم الأكل على الإنسان، لانصرافه عنه، و من هنا تصح الصلاة في شعره أو غيره من أجزائه الطاهرة،

______________________________
(1) كما دل عليه موثق ابن بكير الآتي في البحث عن استثناء دم غير المأكول المروي في الوسائل ج 3 ص 250 في الباب 2 من أبواب لباس المصلي. الحديث: 1.

(2) أشار إلى هذا الوجه في الجواهر- ج 6 ص 121.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 309‌

..........

______________________________
و لا سيما إذا كانت من نفس المصلّي- كما سيأتي في محله إن شاء اللّه تعالى- فهذا الوجه لو تم فإنّما يتم في الكلب و الخنزير دون الكافر.

رابعها: صدق عنوان نجس العين على دمه، و دليل العفو إنّما يدل على العفو عنه من حيث أنّه دم لا من حيث أنّه جزء من نجس العين، و هذان عنوانان مستقلان في المانعيّة، و العفو عن أحدهما لا يلازم العفو عن الآخر إذا تصادقا على محل واحد فدم الكلب- مثلا- يعفى عنه من حيث أنّه دم، و لا يعفى عنه من حيث كونه جزء من الكلب، فالعفو عنه بلحاظ حيثيّة لا ينافي المنع عنه بلحاظ حيثيّة أخرى، فيكون المقام نظير وقوع نقطة من البول على الدّم- الأقل من الدّرهم- فإنّه لا يعفى عن مثله لمانعيّة البول في نفسه «1».

أقول: لو تم عموم في أخبار العفو- بحيث كانت دالة على العفو عن عموم أفراد الدّم الأقل من الدّرهم سواء كان من طاهر العين أو نجسها بدعوى «2» أنّها مسوقة لبيان الحكم الفعلي الثابت لمصاديق الدم و جزئياته المتحققة في الخارج دون صرف الطبيعة من حيث هي مع قطع النظر عن عوارضها المشخصة- لم يتم هذا الوجه لاستثناء دم نجس العين أيضا، لشمول أخبار العفو له كسائر الدماء.

و لكن الظاهر عدم ثبوت إطلاق لها من هذه الجهة، بل القدر المتيقن منها هو العفو عن الدم- الأقل من الدرهم- من حيث أنّه دم فلو كانت فيه جهة أخرى مانعة عن الصلاة لزم العمل بدليلها، و يلتزم بعدم العفو من ناحيتها.

______________________________
(1) أشار إلى هذا الوجه الفقيه الهمداني «قده» في مصباح الفقيه كتاب الطهارة- ص 593- و لكنّه لم يرتضه.

(2) ادعاها الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه كتاب الطهارة- ص 593-

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 310‌

أو الميتة (1).

______________________________
توضيحه: أنّ المحتملات في أخبار العفو ثلاثة «أحدها» ما ذكرناه من العفو عن الدم من حيث أنّه دم لا غير «ثانيها» العفو عنه من حيث أنّه نجس و إن صدق عليه عنوان آخر من النجاسات و كان نجسا من جهتين، كما إذا كان دم الكلب «ثالثها» العفو عنه مطلقا و لو صدق عليه عنوان آخر من الموانع غير النجاسات، ككونه جزء من غير المأكول، و دم الكلب- مثلا- يكون مجمعا للعناوين الثلاثة.

و هل يعمّه أخبار العفو بلحاظ جميع عناوينه الثلاثة أو بلحاظ العنوان الأوّل فقط أو هو مع الثاني؟ لا ينبغي التأمل في عدم إطلاقها بلحاظ الجميع، و إلّا فكيف يمكن الالتزام بمانعيّة أجزاء ما لا يؤكل لحمه و إن كانت طاهرة، و عدم مانعيّة دمه و إن كان نجسا، بل القدر المتيقن منها هو العفو عن الدّم من حيث كونه دما فلا تعمّه لو صدق عليه عنوان آخر من النجاسات.

و مما يؤكد ذلك استبعاد العفو عن دم نجس العين لو كان أقل من الدّرهم، و لا يعفى عن سائر فضلاته كبصاقه و لعاب فمه و غير ذلك منه، و إن كان أقل منه.

فتحصل: أنّ الأقوى شمول أخبار مانعيّة الدّم لدم نجس العين، لعدم ثبوت إطلاق في الدّليل المخصص- أعني به أخبار العفو عما دون الدّرهم منه.

(1) دم الميتة قد ظهر وجه استثنائه مما ذكرناه في دم نجس العين. و حاصله:

هو أنّ القدر المتيقن من أخبار العفو هو العفو عن الدم بما هو دم، و ذلك لا ينافي صدق عنوان من الموانع عليه سواء كان من عناوين النجاسات- كالميتة- أو غيرها، فإنّ العفو عن الأوّل لا يلازم العفو عن الثاني، هذا و‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 311‌

أو غير المأكول (1)

______________________________
لا سيما لو قلنا بأنّ حمل الميتة بما هي ميتة يكون مانعا عن الصلاة- و إن كانت طاهرة- كما في غير المأكول، إذ جهة المنع حينئذ لا تختص باللبس، أو النجاسة، فيكون وجه المنع أظهر إلّا أنّ الظاهر عدم ثبوت المانعيّة من هذه الجهة، كما سيأتي
«1» إن شاء اللّه تعالى.

(1) دم غير المأكول كما هو خيرة كاشف الغطاء «2» خلافا للمشهور بل لم ينقل فيه خلاف يعتد به «3» و الظاهر هو عدم العفو- كما في المتن- و ذلك لما ذكرناه في دم نجس العين و الميتة من أنّ القدر المتيقن من أدلة العفو هو العفو عن مانعيّة الدم بما هو دم، و لا إطلاق فيها يعم سائر الموانع لو صدقت على الدم، لأنّ تلك العناوين- ككونه جزء أو فضلة من غير المأكول- تقتضي المانعيّة مستقلة و أدلة العفو لا تقتضي إلّا العفو عن نجاسة الدم بما هو دم، و لا معارضة بين المقتضي و اللّامقتضي.

و عنوان غير المأكول بما هو يكون مانعا عن الصلاة حملا أو لبسا، و إن لم يكن نجسا كما تدل عليه:

______________________________
(1) في كتاب الصلاة في فصل شرائط لباس المصلّي (المسألة 11) فإنّ المصنف «قده» قد منع عن استصحاب أجزاء الميتة في الصلاة، و إن لم يكن ملبوسا إلّا أنّ السيد الأستاذ دام ظله ذكر في تعليقته: إنّ هذا المنع مبني على الاحتياط و للصحة وجه وجيه.

(2) الجواهر ج 6 ص 121- 122 و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 594 و هما أيضا رجحا العفو عن دم غير المأكول.

(3) الجواهر ج 6 ص 121- 122 و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 594 و هما أيضا رجحا العفو عن دم غير المأكول.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 312‌

..........

______________________________
موثقة ابن بكير قال: «سأل زرارة أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر، فأخرج كتابا زعم أنّه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أنّ الصّلاة في وبر كلّ شي‌ء حرام أكله فالصّلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي‌ء منه فاسدة، لا تقبل تلك الصّلاة حتّى يصلّي في غيره مما أحلّ اللّه أكله»
«1».

فإنّها تدل على مانعيّة ما لا يؤكل لحمه- بأجزائه و فضلاته- في نفسه و لو لم يكن نجس العين أو ملبوسا حال الصّلاة كالصّلاة في روثة لصدق الصّلاة فيه و إن كان محمولا غير موجب لنجاسة الثوب أو البدن، فدليل العفو عن الدّم من حيث مانعيّة النجاسة لا يعارض الموثقة بوجه، لأنّ العفو إنّما هو عن مانعيّة النجاسة الدمويّة لا مطلق المانع، إذ لا نظر لدليله إلى مانع آخر.

و لو سلّم وجود الإطلاق فيه من هذه الجهة أيضا، وقعت المعارضة بينه و بين الموثقة الدالّة على مانعيّة ما لا يؤكل لحمه بالعموم من وجه، دلالة الموثقة على مانعيّة ما لا يؤكل لحمه دما كان أو غيره، و دلالته دليل العفو عن الدم الأقل من الدّرهم سواء كان مما يؤكل لحمه أو غيره و تقدم الموثقة لدلالتها على مانعيّة ما لا يؤكل بالعموم لقوله عليه السّلام فيها: «و كلّ شي‌ء منه.»‌

إذ عمومه يعمّ جميع أفراد أجزائه و يقدم العموم على الإطلاق كما حقق في محلّه.

و لو سلّم أنّ شمول الموثقة لأفراد الإجزاء أيضا يكون بالإطلاق- و العموم ناظر إلى الأجزاء و الفضلات الّتي لها نحو استقلال و عنوان في العرف كاللحم، و العظم، و الشحم، و الدم، و نحوها فمثل هذه الأشياء بعناوينها‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 3 ص 250 في الباب 2 من أبواب لباس المصلي، الحديث: 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 313‌

..........

______________________________
الإجماليّة أفراد للعام، فاستفادة عدم جواز الصّلاة في اللحم القليل، أو الدم القليل مثلا من هذه الرواية إنّما هي بالإطلاق لا العموم- كما قيل
«1».

كان مقتضى القاعدة التساقط و الرجوع إلى عموم ما دل على مانعيّة مطلق النجس، أو خصوص الدم، لابتلاء دليل العفو عما دون الدّرهم بالمعارض في دم غير المأكول.

و من الغريب ما ذكره «2» المحقق الهمداني «قده» في المقام من دعوى: أنّ الموثقة لا تشمل الدم رأسا حتّى تكون حاكمة على روايات العفو، أو معارضة لها، و ذلك لضعف ظهورها في إرادة الدم من عموم «كلّ شي‌ء» بل عدم ظهورها فيه، فإنّ سياقها يشهد بأنّ المراد بعموم «كلّ شي‌ء» هو الأشياء الّتي يكون المنع من الصلاة فيها ناشى‌ء من حرمة الأكل بحيث لو كان حلال الأكل لكانت الصّلاة فيها جائزة، فمثل الدم و المني خارج مما أريد بهذا العام، لأنّ الصلاة فيهما غير جائزة، و لو كانا من حلال الأكل، لنجاستهما، و هذا بخلاف الصوف و الوبر و الشعر و اللبن و الروث و البول من حلال الأكل، فإنّ الصّلاة فيها جائزة بخلاف المحرم أكله.

و بعبارة واضحة: لا تكون الموثقة ناظرة إلى ما هو مشترك المنع في المحرم و المحلل أكله لأجل النجاسة- كالدم و المني- نفيا و إثباتا، لأنّ المقابلة بينهما لا تقتضي الفرق في المانعيّة بين ما يكون نجسا منهما، فإذا تبقى أدلة العفو عما دون الدرهم من الدم بلا معارض، و إطلاقها يشمل دم غير المأكول.

وجه الغرابة: أنّ المقابلة بينهما لا تقتضي خروج الدم عن مورد‌

______________________________
(1) قاله الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 594.

(2) في مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 594. نقلنا مضمون كلامه.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 314‌

..........

______________________________
الموثقة، و إلّا لزم القول بجواز الصلاة في الدّم الطاهر مما لا يحل أكله، كالمختلف في ذبيحته بناء على طهارته منها، أو القول بالمنع فيه، و الجواز في دمه النجس إذا كان أقل من الدرهم، و شي‌ء منهما لا يمكن الالتزام به بل يلزم القول بجواز الصّلاة في دمه النجس أيضا إذا كان محمولا، أو فيما لا تتم فيه الصلاة، لعدم المانعيّة من جهة النجاسة حينئذ، و هذا أيضا مما لا يحتمل الالتزام به، لأنّ ما لا يحل أكله مانع عن الصلاة حملا و لبسا مطلقا بجميع أجزائه و فضلاته الطاهرة أو النجسة.

توضيح المقام: أنّ في دم غير المأكول جهتين مانعتين عن الصلاة «إحداهما» نجاسته، و «الثانية» كونه جزء من غير المأكول، و لكلّ منها مانعيّة مستقلة لا ترتبط بالأخرى، و الموثقة تشمله بلحاظ الجهة الثانية- و إن كان طاهرا- دون الجهة الأولى.

و من هنا نلتزم بمانعيّة دمه الطاهر كالمتخلف في ذبيحته- بناء على القول بطهارته- لأنّ المانعيّة حينئذ ليست من جهة النجاسة، بل من جهة كونه جزء من غير المأكول، و لا نقول بمانعيّته إذا كان من المأكول، لعدم النجاسة، و كذلك الحال في الدم المحمول منه، أو فيما لا تتم فيه الصّلاة، فلو قلنا بخروج الدّم عن عموم الموثقة لزم القول بجواز الصلاة في الدماء المذكورة منه، و هذا مما لا يلتزم به متفقة فضلا عن فقيه مثله. و كيف يمكن القول بمنع الصّلاة في سائر أجزاء غير المأكول و إن كانت طاهرة غير ملبوسة، كالصلاة في شعره و وبره و القول بجواز الصلاة في دمه النجس إذا كان أقل من الدرهم و لو كان في اللباس بدعوى: عموم أدلة العفو، فإنّه مما لا نحتمله، أو القول بمنع الصّلاة في دمه الطاهر و لو كان أقل من الدّرهم، لعموم الموثقة، و الجواز في دمه النجس إذا كان أقل منه، فإنّ شيئا من ذلك لا يمكن القول به.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 315‌

مما عدا الإنسان (1) على الأحوط بل لا يخلو عن قوة.

______________________________
فتحصل: أنّ الأظهر عدم العفو عن دم غير المأكول إما لعدم معارضة روايات العفو لموثقة ابن بكير، لدلالتها على العفو من حيث النجاسة، فلا تنافي ثبوت المنع من جهة أخرى، أو لزوم تقديم الموثقة لو سلّم المعارضة للزوم تقديم العام على المطلق، و لو سلّم ثبوت المعارضة و استقرارها بدعوى: أنّ التعارض بالإطلاق في الطرفين كان المرجع بعد تساقطهما عمومات أدلة مانعيّة النجاسة، أو الدم.

و ظهر بما ذكرناه أنّه كان الأولى بالمصنف «قده» الجزم باستثناء دم غير المأكول من الدم المعفو، و الاحتياط في الدماء الثلاثة، لأقوائية دليل استثنائه بالإضافة إليها «1» كما عرفت مع أنّه «قده» قد عكس الأمر حيث أتى به «بل» الإضرابية معقبا بقوله «على الأحوط» في دم غير المأكول مشيرا بذلك إلى نحو تردّد منه في استثنائه، بخلاف ما سبقه من الدّماء الثلاثة، و دم نجس العين و الميتة، مع أنّ هذه أولى بالتردد «2».

(1) لانصراف ما دل على مانعيّة أجزاء غير المأكول كالموثقة المتقدمة «3» عن الإنسان. و سيأتي توضيحه في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

______________________________
(1) تقدم الإشارة إلى ذلك في تعليقته دام ظله على المتن في الصفحة: 306.

(2) و لعل وجه جزم المصنف «قده» باستثناء الدماء الثلاثة دعوى الإجماع عليه من جمع- كما تقدم- و هذا بخلاف دم غير المأكول، فإنّه قد ادعى الشهرة، بل الإجماع على العفو عنه كما تقدم الإشارة إلى ذلك في الصفحة 311 و راجع أيضا كتاب الجواهر ج 6 ص 121- 122 و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 594 تجد الدعاوي المذكورة من مدّعيها.

(3) في الصفحة: 311.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 316‌

و إذا كان متفرقا في البدن أو اللباس أو فيهما و كان المجموع بقدر الدرهم فالأحوط عدم العفو (1).

______________________________
(1)
الدم المتفرق إذا كان في الثوب أو البدن نقط من الدم متفرقة و بلغ المجموع بمقدار الدرهم فهل يعفى عنه بلحاظ أنّ كل نقطة تكون أقل من الدرهم، أو لا يعفى بلحاظ أنّ المجموع يبلغ الدّرهم أو أكثر.

فعلى الأوّل يعتبر في المنع أمران «أحدهما» أن يكون الدم بمقدار الدّرهم أو أكثر «ثانيهما» أن يكون مجتمعا بالفعل، فتكون العبرة في المنع هو وجود واحد من الدم إذا بلغ بمقدار الدّرهم و ما زاد.

و على الثاني يكفي في المنع أمر واحد و هو كون الدم بمقدار الدرهم سواء كان مجتمعا أو متفرقا، لترتب الحكم على طبيعيّة من دون دخل لوصف الاجتماع. ذهب إلى كلّ من الاحتمالين فريق من الأعلام «1» و منشأ الاختلاف هو اختلافهم في الاستظهار من روايات العفو، فعليه لا بدّ من‌

______________________________
(1) ذهب إلى القول باعتبار الاجتماع الفعلي في المانعية، في المبسوط و السرائر و النافع و المدارك و الحدائق و الذخيرة و التلخيص و الكفاية و الأردبيلي و ابن سعيد، و في الذكرى: أنّه المشهور.

و إلى القول بكفاية الاجتماع التقديري، المراسم و الوسيلة و المنتهى و المختلف و القواعد و كشف الغطاء و البيان و الذكرى و التنقيح و جمع آخرون حتّى أنّه نسب إلى الشهرة أو إلى أكثر المتأخرين- الجواهر ج 6 ص 125، 126 و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 594- و اختار الأوّل كفاية الاجتماع التقديري، و مال الثاني إلى القول باعتبار الاجتماع الفعلي و إن لم يثق باستظهاره من الروايات بحيث يرفع اليد به عن عمومات المنع راجعه- في الصفحة 595.

و هناك قول ثالث: و هو التفصيل بين المتفاحش و غيره فيمنع في الأوّل دون الثاني.

و في الحدائق- ج 5 ص 319- «إنّهم اختلفوا في المراد بالمتفاحش- مع الاعتراف بأنّه يريد به نص- فبعض قدره بالشبر، و بعض بما يفحش في القلب، و عن أبي حنيفة أنّه ربع الثوب» و كيف كان فلا عبرة به، بعد فرض عدم ورود دليل فيه.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 317‌

..........

______________________________
ملاحظتها من هذه الجهة أيضا، كي يتضح الحال، و الأظهر هو عدم اعتبار الاجتماع في المنع إذا بلغ المجموع بمقدار الدرهم، فالاجتماع التقديري كالفعلي كافّ في المانعيّة.

فنقول من الروايات.

صحيحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن دم البراغيث يكون في الثوب، هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال: لا، و ان كثر فلا بأس أيضا بشبهه من الرّعاف ينضحه و لا يغسله» «1».

و قد يتوهم دلالة هذه الرواية على اعتبار الاجتماع في المانعيّة.

بدعوى: أنّ مقتضى إطلاق قوله عليه السّلام «فلا بأس أيضا بشبهه من الرّعاف» هو عدم البأس بنقط دم الرعاف و لو بلغ المجموع بمقدار الدّرهم و ما زاد، كما هو الحال في دم البراغيث.

و يندفع أوّلا: أنّها منصرفة عما إذا بلغ دم الرعاف بمقدار الدّرهم، لأنّ مقتضى التشبيه بدم البراغيث هو عدم بلوغه إلى هذا الحدّ، لعدم بلوغ دمها في المتعارف مهما بلغ من الكثرة إلى الحد المذكور، فيكون المشبّه- أعني دم الرعاف- أيضا كذلك.

و ثانيا: لو سلم الإطلاق في هذه الصحيحة و فرض إمكان بلوغ دم البراغيث من الكثرة بمقدار الدّرهم وقعت المعارضة بينها، و بين ما دل على المنع عن مقدار الدّرهم و إن كان متفرقا.

كصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة «2» لما فيها من قوله عليه السّلام: «و إذا‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1026 في الباب: 20 من أبواب النجاسات، الحديث: 7.

(2) في الصفحة: 295.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 318‌

..........

______________________________
كنت قد رأيته، و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله و صلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه».

فإنّ مقتضى إطلاق قوله عليه السّلام: «و هو أكثر من مقدار الدّرهم» شموله لما إذا كان مجموع الدماء المتفرقة بهذا المقدار، إذ لم يقيد فيها بالاجتماع.

و مثلها صحيحة الجعفي «1» لما فيها «و إن كان أكثر من مقدار الدّرهم و كان رآه فلم يغسل حتّى صلّى فليعد صلاته».

و حيث أنّ المعارضة بينهما تكون بالإطلاق تسقطان بالمعارضة لما حققناه في محلّه من عدم الرجوع إلى المرجحات السنديّة في مثله، و بعد التساقط يرجع إلى عموم المنع عن النجس في الصلاة، أو الروايات الدالّة على مانعيّة الدّم لعدم ثبوت المخصص في الدّم المتفرق إذا بلغ مجموعه الدّرهم أو أكثر، و القدر المتيقن في الخروج إنّما هو ما كان أقل من الدرهم مجتمعا أو متفرقا.

ثمّ إنّ هناك روايتين استدل بهما لكلّ من الطرفين.

الأولى: صحيحة ابن أبي يعفور (في حديث) قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرّجل يكون في ثوبه نقط الدّم لا يعلم به ثمّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي ثمّ يذكر بعد ما صلّى أ يعيد صلاته؟ قال: يغسله و لا يعيد صلاته إلّا أن يكون مقدار الدّرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصّلاة» «2».

الثانية: مرسلة جميل عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام: أنّهما قالا: «لا بأس أن يصلّي الرّجل في الثوب و فيه الدّم‌

______________________________
(1) المتقدمة في الصفحة: 294.

(2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1026 في الباب 20 من أبواب النجاسات، الحديث: 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 319‌

..........

______________________________
متفرقا شبه النضح، و إن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدّرهم»
«1».

و لا فرق بينهما إلّا في التقديم و التأخير بين قوله عليه السّلام «مجتمعا» و «قدر الدرهم» و لكن لا يعتمد على الثانية، لضعفها بالإرسال، فالعمدة هي الأولى.

و المحتملات في قوله عليه السّلام فيها: «إلّا أن يكون مقدار الدّرهم مجتمعا» أربعة.

أحدها: أن يكون قوله «مجتمعا» خبرا ليكون، و اسمه مقدار الدرهم مرفوعا، فتدل حينئذ على اعتبار الاجتماع في المانعيّة، فالدّم المتفرق لا تعاد الصّلاة منه، و إن بلغ المجموع بمقدار الدّرهم.

ثانيها: أن يكون «مجتمعا» خبرا بعد خبر- نظير قولنا الرمان حلو حامض- و الخبر الأوّل هو مقدار الدّرهم منصوبا و اسم يكون هو الضمير العائد إلى الدم، و هذا كسابقه يقتضي دلالة الرواية على اعتبار وصف الاجتماع الفعلي دون التقديري، لدلالتها حينئذ على اعتبار أمرين «أحدهما» كون الدم بمقدار الدرهم «ثانيهما» كونه مجتمعا، لأنّ المعنى حينئذ: أن يكون الدم مقدار الدرهم و مجتمعا.

ثالثها: أن يكون قوله «مجتمعا» حالا عن مقدار الدّرهم، فيكون المعنى حينئذ: إلّا أنّ يكون الدّم المتحقق في ضمن النقط المفروضة في الثوب مقدار الدرهم حال كون هذا المقدار مجتمعا، بأن يكون بعض النقط أو جميعا بمقدار سعة الدرهم فما زاد، و على هذا التقدير تدل أيضا على اعتبار الاجتماع الفعلي.

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1026 في الباب 20 من أبواب النجاسات، الحديث: 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 320‌

..........

______________________________
رابعها: أن يكون حالا أيضا و لكن عن ضمير راجع إلى الدّم فيكون المعنى حينئذ، إلّا أن يكون الدّم حال كونه مجتمعا- أي لو اجتمع- مقدار الدّرهم، فتدل على كفاية فرض الاجتماع و لو لم يكن مجتمعا بالفعل، لرجوع الضمير إلى طبيعي الدّم بلحاظ تحققه في الأفراد المفروضة في الثوب، و هي نقط الدم.

و هذا الاحتمال الأخير هو أظهر الاحتمالات، لأنّه على الاحتمالات الثلاثة الأوّل يكون الاستثناء منقطعا، لأنّ المستثنى منه في كلتا الروايتين لا يكون مقدار الدّرهم فيهما مجتمعا بالفعل، لأنّ مفروض السؤال في الأولى هي نقط الدم و في الثانية شبه النضح، فيكون استثناء مقدار الدرهم المجتمع بالفعل من النقط، و شبه النضح منقطعا لا محالة، لعدم بلوغ النقطة الواحدة بمقدار الدرهم، و على الأخير يكون متصلا، لأنّ فرض الاجتماع بمقدار الدرهم لا ينافي مفروض السؤال، و من الظاهر أولوية الاستثناء المتصل من المنقطع، فحينئذ تدل الرواية على كفاية الاجتماع التقديري في المانعيّة، نعم لا بدّ من حمل الاجتماع على التقدير و الفرض، فيتصرف في ظاهر «مجتمعا» بحمله على إرادة فرض الاجتماع، و لا محذور فيه بعد وجود القرينة على ذلك، و هي كون مفروض السؤال نقط الدّم أو شبه النضح، إذ لا يكون مفروضه بمقدار الدرهم إلّا مع فرض الاجتماع دون الاجتماع الفعلي، و لعلّ هذا هو مراد من قال «1» باحتمال كونه من الحال المقدرة لا المحققة.

و لو منع عن الظهور المذكور كانت الاحتمالات متساوية فتكون الرواية مجملة، و من المخصص المجمل الدائر أمره بين الأقل و الأكثر، و مقتضى‌

______________________________
(1) كما عن المختلف- الحدائق ج 5 ص 316.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 321‌

..........

______________________________
القاعدة فيه هو الأخذ بالقدر المتيقن في التخصيص، و هو الأقل، و يرجع في الزائد إلى عموم العام للشك في التخصيص الزائد، و في المقام يرجع إلى العمومات الدّالّة على مانعية مطلق النجس في الصلاة، أو خصوص الدّم و ذلك ك‍:

صحيحة زرارة قال: «قلت له أصاب ثوبي دم رعاف، أو غيره، أو شي‌ء من مني فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء، فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت أنّ بثوبي شيئا و صلّيت، ثمّ إنّي ذكرت بعد ذلك قال: تعيد الصلاة و تغسله.» «1».

فإنّها تدل على بطلان الصّلاة، إذا كانت مع الدم، بل مطلق النجس، لدلالتها على وجوب الإعادة حينئذ، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون الدم بمقدار الدرهم أو أقلّ أو أكثر.

و لا ينافيها ما دلت على وجوب الإتمام لو علم بالنجاسة أثناء الصلاة للزوم حملها على صورة عدم العلم بوقوع الأجزاء السابقة في النجس، لاحتمال حدوثها في الأثناء، و ذلك ك‍:

موثقة داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرّجل يصلّي فأبصر في ثوبه دما قال: يتمّ» «2».

و مقتضى إطلاقها و إن كان عدم الفرق بين النجاسة السابقة و الحادثة في الأثناء بحيث كان مقتضى الجمع بينها، و بين صحيحة زرارة هو التفصيل بين صورتي العلم بالنجاسة قبل الصلاة و العلم بها في الأثناء، فتجب‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1063 في الباب 42 من أبواب النجاسات، الحديث: 2.

(2) وسائل الشيعة ج 2 ص 1065 في الباب 44 من أبواب النجاسات، الحديث: 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 322‌

..........

______________________________
الإعادة في الأولى كما هو مقتضى الصحيحة، و لا تجب في الثانية كما هو مدلول الموثقة، و إن كان أصل النجاسة سابقا على الصلاة، فتصح الصلاة في الصورة الثانية مطلقا سواء أ كانت النجاسة سابقة على الصلاة أو حدثت في الأثناء.

و لكنّ ذيل صحيحة زرارة المتقدّمة تدل على وجوب الإعادة لو كانت النجاسة سابقة على الصّلاة، و لو علم بها في الأثناء، فيقيد بها إطلاق الموثقة جمعا بين المطلق و المقيد.

قال: «إن رأيته في ثوبي و أنا في الصّلاة؟ قال: تنقض الصّلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته، و إن لم تشك ثمّ رأيته رطبا قطعت و غسلته، ثمّ بنيت على الصّلاة، لأنّك لا تدري لعلّه شي‌ء أوقع عليك، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبدا» «1».

فيتحصل من الجمع بين الصحيحة و الموثقة: أنّه لو وقع شي‌ء من الصّلاة في النجس بطلت سواء أعلم بها قبل الصّلاة و نسي و صلّى فيه، أو علم بها في الأثناء. و أما إذا لم يقع شي‌ء منها في النجس إما علما أو تعبدا بمقتضى الاستصحاب بحيث احتمل وقوع النجس عليه في الأثناء صحّت و تجب إزالته لبقية الصّلاة من دون مناف، و مقتضى إطلاق الصحيحة عدم الفرق في المانعيّة بين كون الدّم بقدر الدّرهم أو أقل أو أكثر مجتمعا كان أو متفرقا، و القدر المتيقن في الخروج هو ما كان أقل من الدّرهم، فلا بدّ من الأخذ بإطلاق المنع في غيره.

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1065 في الباب 44 من أبواب النجاسات، الحديث: 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 323‌

..........

______________________________
تتمة: كان الكلام في الدّم المتفرق في الثوب الواحد، و أما المتفرق في الثياب المتعددة، أو فيها و في البدن فهل الحكم فيها كذلك بمعنى تقدير جمع ما فيها أو لكل واحد من الثياب، و البدن حكم بانفراده، فلا يضم أحدهما إلى الآخر، و لا إلى البدن. ذهب إلى الأوّل بعض الأصحاب «1» و الصحيح هو الثاني لظهور الروايات «2» في أنّ مورد السؤال و الجواب فيها هو الثوب الواحد، لا الثياب المتعددة و لا الجنس الشامل لها فتدل الروايات على العفو عن كل ثوب كان الدم فيه أقل من الدرهم لأنّه يصدق على كل واحد منها أنّه ثوب يكون الدّم فيه أقل من الدّرهم، فلا بأس بالصلاة فيه، فضم بعض الأثواب إلى بعض و ملاحظة التقدير بالنسبة إلى الجميع بدعوى «3» إرادة جنس الثوب الشامل لمطلق الثياب الذي لبسه المصلّى مما لا شاهد عليه، بل في الروايات ما يدل على خلافه «4» فلا يقاس المقام- أعنى الثياب المتعددة أو الثوب و البدن- على الثوب الواحد إذا كان مجموع الدم المتفرق فيه بمقدار‌

______________________________
(1) كالمحقق في جامع المقاصد و الشهيد الثاني في المسالك و صاحب الجواهر، راجعه في ج 6 ص 128 و كذا صاحب الحدائق ج 5 ص 319- 320.

(2) وسائل الشيعة ج 2 ص 1026 في الباب 20 من أبواب النجاسات، لا سيما صحيح محمد بن مسلم. الحديث 6 في نفس الباب حيث أنّه عليه السّلام قد فصل في الجواب بين ما إذا كان عليه ثوب طاهر غير المتنجس بالدم فيطرح المتنجس و يتم الصلاة في الطاهر و إن لم يكن عليه ثوب غيره فيمضي في صلاته ما لم يزد الدم على مقدار الدرهم. فراجع.

(3) كما ادعاها في الحدائق ج 5 ص 320 تأييدا لما حكاه عن الشهيد الثاني في الروض من كفاية الضم.

(4) كصحيح محمد بن مسلم راجع الوسائل ج 2 ص 1026 في الباب 20 من أبواب النجاسات، الحديث 6 كما أشرنا في التعليقة آنفا.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 324‌

و المناط سعة الدرهم لا وزنه (1) وحده سعة أخمص الراحة (2)

______________________________
الدرهم، لاختلاف الموضوع في الموردين.

و أظهر من ذلك هو ما إذا كان التفرق في الثوب و البدن، لظهور التعدد فيهما، و لا أكثر من أن يكون البدن بحكم ثوب مستقل، فله حكم بانفراده، فإذا كان الدّم فيه أقل من الدّرهم يعفى عنه في الصلاة، لأنّه ملحق بالثوب في العفو، و إن لم يرد فيه نص معتبر كما سبق «1».

(1) سعة الدرهم و لا سمكه، لأنّ إرادة السعة هو الظاهر من التقدير في أمثال المقام من بيان أحكام النجاسات- العارضة للثوب و البدن- لأجل الصلاة أو غيرها بل من المقطوع به عدم إرادة الوزن أو السمك، لعدم إمكان وزن الدم المتفشي على الثوب أو البدن، أو تقدير سمكه، فلا يصح التقدير إلّا بسعة الدّرهم. هذا مضافا إلى عدم الخلاف في ذلك «2».

(2) تحديد سعة الدرهم قد اشتملت الأخبار المتقدمة على تحديد الدم المعفو عنه في الصلاة ب‍ «أقل من الدرهم» من غير بيان في شي‌ء منها «3» لتعيين الدرهم‌

______________________________
(1) في الصفحة: 297.

(2) الجواهر ج 6 ص 116.

(3) نعم في فقه الرضا تعيينه بالوافي قال: «إن أصاب ثوبك دم فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن مقدار درهم واف، و الوافي ما يكون وزنه درهما و ثلثا، و ما كان دون الدرهم الوافي فلا يجب عليك غسله، و لا بأس بالصلاة فيه»- جامع الأحاديث ج 1 ص 55 و المستدرك الباب 15 من أبواب النجاسات، الحديث: 1- إلّا أنّه لم يثبت كونه رواية، و لا استناده إلى الرضا عليه السّلام و لكن مع ذلك قد اعتمد عليه، و على الإجماعات المحكية في تعيين الدرهم في الحدائق- ج 5 ص 332 و 333- و كذا في الجواهر- ج 6 ص 114 و 116- مع أنّ الشائع في زمن الصادقين- ع- كان غيره كما يأتي في الشرح.

ثم أنّ المراد من أن وزن الدرهم الوافي درهم و ثلث هو أنّ وزنه درهم إسلامي و ثلث، لأنّ الدرهم الإسلامي كان وزنه ستة دوانيق، فيكون ثلثه درهمين، فيكون المجموع ثمانية دوانيق، و هي وزن الدرهم الوافي الذي كان في زمن الجاهلية، و بقي في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و استمر إلى زمن عبد الملك الذي ضرب الدراهم الإسلامية على ستة دوانيق.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 325‌

..........

______________________________
مع أنّها كانت مختلفة
«1» و لا لسعته فهي مجملة تعيينا و سعة.

فنقول: لا بدّ من البحث في مقامين «الأوّل» في تعيين المراد من الدّرهم في الروايات «الثاني» في تحديد سعته.

أما المقام الأوّل: فأكثر الأصحاب قد عيّنوه بالدّرهم الوافي «2» بل ادّعي «3» الإجماع على أنّه المراد من الدّرهم في الروايات، و عن الفاضلين‌

______________________________
(1) قال في مجمع البحرين: «إنّه كانت الدراهم في الجاهلية مختلفة، فكان بعضها خفافا و هي الطبرية، و بعضها ثقالا، كل درهم ثمانية دوانيق، و كانت تسمى العبدية، و قيل البغلية، نسبت إلى ملك يقال له رأس البغل، فجمع الخفيف و الثقيل، و جعلا درهمين متساويين، فجاء كل درهم ستة دوانيق، و يقال أنّ عمر هو الذي فعل ذلك، لأنّه لما أراد جباية الخراج طلب بالوزن الثقيل، فصعب على الرعية، فجمع بين الوزنين و استخرجوا هذا الوزن»- مجمع البحرين كتاب الميم باب ما أوّله الدال.

و يأتي في التعليقة ص 327- 328 أنّ عمر قد جرى في الضرب على السكة الكسروية، و أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة و السّلام هو الذي ضرب أوّل سكة إسلامية، ثم تبعه على ذلك عبد الملك.

(2) سمي بذلك لكبره و سعته، كما يشير إلى ذلك ما في الخلاف- ج 1 ص 177 م 220- «و الدرهم هو البغلي الواسع» و ما في الجواهر- ج 6 ص 113- عن الجامع «و قد عفي عن دم دون سعة الدرهم الكبير.».

(3) كما عن الانتصار و الخلاف و الغنية- الجواهر ج 6 ص 113- و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 590 و في الحدائق- ج 5 ص 331- دعوى ظهور كلام الأصحاب في الاتفاق على أنّ المراد بالدرهم في الأخبار المذكورة هو الدرهم الوافي الذي وزنه درهم و ثلث.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 326‌

..........

______________________________
و من تأخر عنهما
«1» تقييده بالبغلي «2»- بإسكان الغين و تخفيف اللام، أو فتحه و تشديد اللام- و عن كشف الحق نسبة إرادة البغلي إلى مذهب الإمامية «3». و هذا يؤيد بل يعيّن اتحاد الوافي و البغلي «4» لدعوى الإجماع من كل من الطرفين على ما فسّره به، و عن أكثر كتب المتأخرين التصريح بأنّ المعفو هو الدرهم الوافي، و يسمى بالبغلي «5» و وزنه ثمانية دوانيق «6» و كان هناك درهم آخر يسمى ب‍ «الطبري» «7» وزنه أربعة دوانيق و كان‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌4، ص: 326

______________________________
(1) مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 590.

(2) و قد ذكروا في وجه تسميته بذلك وجوها «أحدها» ما ذكره ابن إدريس في السرائر:

من «أنّ الدرهم البغلي منسوب إلى مدينة قديمة يقال لها «بغل» قريبة من بابل بينها و بينها قريب من فرسخ، متصلة ببلدة الجامعين.» «ثانيها» ما في السرائر أيضا عن بعض من عاصره، من أنّه منسوب إلى ابن أبي البغل رجل من كبار أهل الكوفة اتخذ هذا الموضع قديما، و ضرب هذا الدرهم الواسع، فنسب إليه الدرهم البغلي، و لكنّ ردّه: بأنّ هذا غير صحيح، لأنّ الدراهم البغلية كانت في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله قبل الكوفة- السرائر ص 35 و الحدائق ج 5 ص 329 و الجواهر ج 6 ص 115. «ثالثها» ما في مجمع البحرين من نسبته إلى ملك يقال له رأس البغل- كما تقدم في التعليقة ص 295.

و راجع أيضا كتاب النقود الإسلامية في التعاليق على شذور العقود للمقريزي- ص 47- 49- و كتاب العقد المنير للسيد المازندراني ص 111- 113 و ص 149 و 144.

(3) الجواهر ج 6 ص 113.

(4) لاحظ كتاب العقد المنير ص أيضا 144.

(5) الجواهر ج 6 ص 113.

(6) الدوانيق جمع دانق معرب «دانه» و الدانق وزنه ثمان حبات من أوسط حب الشعير كما نصت على ذلك كتب الفريقين- النقود الإسلامية ص 97.

(7) قيل في وجه تسميته بذلك: أنّه كان يضرب في طبرستان و قيل إنّه منسوب إلى طبرية من بلاد الشام حيث كانت معظم تجارة العرب مع الدولة الرومانية من تلك المدينة، أو كان يضرب في تلك المدينة- النقود الإسلامية ص 48.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 327‌

..........

______________________________
الوافي و الطبري من الدراهم غير الإسلامية
«1» ثم جمع بينهما و اتخذ منهما درهم وسط على وزن ستة دوانيق، و استقر أمر الإسلام عليه، و شاع في زمن عبد الملك بن مروان «2».

______________________________
(1) و لا ينافي ذلك تجديد عمر لضرب الدرهم في زمن خلافته سنة 18 من الهجرة كما ذكره المقريزي في شذور العقود- ص 7 ط عام 1387 في النجف الأشرف- لأنّه ضربه بسكة كسروية و نقشها، و كانت تسمى بالكسروية قبل الإسلام، و بالبغلية بعدها- كما يأتي عن الشهيد في الذكرى.

(2) قال الشهيد في الذكرى: «عفي عن الدم في الثوب و البدن عما نقص عن سعة الدرهم الوافي، و هو البغلي بإسكان الغين، و هو منسوب إلى رأس البغل ضربه للثاني في ولايته بسكة كسروية، و زنته ثمانية دوانيق و البغلية كانت تسمى قبل الإسلام الكسروية، فحدث لها هذا الاسم في الإسلام، و الوزن بحاله، و جرت في المعاملة مع الطبرية، و هي أربعة دوانيق، فلما كان زمن عبد الملك جمع بينهما و اتخذ الدرهم منهما و استقر أمر الإسلام على ستة دوانيق.» الحدائق ج 5 ص 329، و النقود الإسلامية ص 12- 13 ط- النجف الأشرف عام 1387.

و لا بأس بذكر ما عثرنا عليه مما حرر في ضرب الدراهم و الدنانير الإسلامية و غيرها توضيحا للحال.

فنقول لا بأس بالإشارة إلى أمور:

«الأوّل» في أوّل من أمر بضرب السكة في الإسلام.

لا يخفى أنّه قد اشتهر، بل كان من المسلم عند جماعة أنّ أوّل من ضرب السكة في الإسلام هو عبد الملك بن مروان خامس خلفاء الأمويين، و لكنّ الحفريات كشف عن سكوك إسلامية أقدم من زمانه، و كذا صرح بذلك جمع من الباحثين المحققين في النقود الإسلامية، من المتقدمين و المتأخرين.

قال المقريزي- المتوفى سنة 845 في رسالته (شذور العقود)- ما محصله: أنّه قد جرى أمر الإسلام في بداية الأمر على المعاملة بالدراهم و الدنانير الفارسية و الرومية و كان ذلك في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و استمر الأمر على ذلك إلى زمن عمر بن الخطاب، فأمر بضرب السكة في الإسلام سنة 18 من الهجرة في البصرة، لكن على نقش الكسروية، و يظهر منه: أنّه أمر بتصغير الدرهم عما كانت عليها من الوزن قبل الإسلام، إلّا أنّه زاد فيها نقوش إسلامية ففي بعضها «الحمد للّه» و في بعضها «محمد رسول اللّه» و في بعضها «لا إله إلّا اللّه» فلما بويع عثمان ضرب في خلافته دراهم نقشها «اللّه أكبر» فلما تولى الأمر معاوية ضرب الدراهم السود الناقصة على ستة دوانيق سنة 41 ه فهؤلاء قد استمروا على النقوش الكسروية- أعني تصوير الملك و بيت النار و غيرها- (لاحظ كتاب النقود الإسلامية ط النجف الأشرف عام 1387 ص 7- 10 و العقد المنير للسيد المازندراني ص 40- 43 و حياة الحيوان للدميري ج 1.

ص 62 ط- سنة 1382 و التمدن في الإسلام ج 1 ص 98 و مجلة المقتطف ج 49 ص 58).

«الثاني» في أوّل من أمر بضرب السكة الإسلامية.

ثم إنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام لما أراد محو آثار الشرك، و شعائر المجوسية و النصرانية عن السكك الإسلامية بالمرة أمر بضرب الدراهم الإسلامية من دون نقوش كسروية، أو غيرها في سنة 40 ه كما جاء ذلك في دائرة المعارف البريطانية- ج 17 ص 904 ط 23 أو 13- أو سنة 37 و 38 و 39 كما عن تاريخ جودت باشا- ص 276 في مجلة المقتطف ج 49 ص 58.

(لاحظ العقد المنير ص 43- 48 و النقود الإسلامية ص 62- 64 و هدية الأحباب للمحدث القمي ص 111 و أعيان الشيعة ج 3 ص 599 الطبعة الأولي).

و هو عليه السّلام الجدير بذلك، فإنّه أعلم الأمة بصلاحها و فسادها، و أولى الناس بإقامة الأمت و العوج، و سد الثلم، فما اشتهر من أنّ عبد الملك هو أوّل من صنع ذلك غير صحيح.

«الثالث» في أوّل من أمر بضرب السكة الإسلامية بصورة رسمية عامة.

ثم أنّه مع ذلك بقيت الدراهم و الدنانير غير الإسلامية جارية في أيدي المسلمين أيضا لمسيس الحاجة إليها، و استمر الأمر على ذلك إلى زمن عبد الملك، و صعب عليه ذلك لعلّة ذكرها الدّميري في حياة الحيوان ج 1 ص 62- 64 ط عام 1383 في أحوال عبد الملك عن البيهقي في المحاسن- و هي أنّ ملك الروم هدده بنقش شتم النبي صلّى اللّه عليه و آله و الإساءة إليه صلّى اللّه عليه و آله على الدراهم و الدنانير الرومية التي يؤتى بها إلى البلاد الإسلامية من الروم، و ذلك لما منع عبد الملك من طراز القراطيس التي كانت تطرز بمصر بالطراز الرومية، إذ كانت تطرز عليها «أبا و ابنا و روحا»، و القراطيس هي برد تجعل ستورا و ثيابا أو صحف من الفلز تصنع منها الأواني- كما في أقرب الموارد- فشق على عبد الملك وجود الشعارات النصرانية على الأواني و الثياب و الستور في بلاد المسلمين، فمنع عنها أشد المنع فلما عرف منه ملك الروم ذلك هدده في كتاب كتبه إليه بما ذكرناه من أنّه سينقش شتم النبي صلّى اللّه عليه و آله على الدراهم و الدنانير التي تضرب في بلاد الروم، مقابلة بالمثل، فاستشار عبد الملك أعوانه و أصحابه في ذلك فلم يجدوا له مخلصا، فالتجأ إلى الإمام زين العابدين عليه السّلام و في نقل آخر إلى الإمام الباقر عليه السّلام في ذلك، و أشخصه من المدينة إلى الشام مكرما، فأشار إليه الإمام عليه السّلام بأن يأمر الناس بالإعراض عن السكك الرومية بالمرة، و المعاقبة على العملة بها، و أن يضرب السكك الإسلامية بصورة عامة في جميع البلاد، فأبطل عبد الملك النقود الكسروية و القيصرية و أماطها عن سوق المسلمين، فضرب الدنانير لأوّل مرة بسكة الإسلام سنة 74 ه‍- فنقش عليها طبقا لما نقش علي بن أبي طالب عليه السّلام على الدراهم بسورة التوحيد و رسالة النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و كذا ضرب الدراهم. و قال بعض أرباب السير: و كان ذلك سنة 76 ه كما عن ابن أثير و الطبري في حوادث تلك السنة.

(لاحظ حياة الحيوان للدميري ج 1 ص 62- 64 ط عام 1383 و العقد المنير للسيد المازندراني ص 49- 50 و ص 69- 76).

و سيأتيك- إن شاء اللّه تعالى- صور الدراهم و الدنانير المضروبة في الإسلام و قبله في آخر الكتاب.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 329‌

..........

______________________________
فتحصل مما ذكرناه أنّ الدراهم كانت على ثلاثة أنواع «الوافي»- المسمى بالبغلي- و «الطبري» و هذان كانا قبل الإسلام و استمرا إلى ما بعده و «الدرهم الإسلامي» المتوسط بينهما، و لكن لم يرد في شي‌ء من الروايات المتقدمة تفسير الدّرهم المعفو عنه بأحد المذكورات.

نعم حملها المشهور على الدّرهم «الوافي» بقرينة الإجماعات المحكيّة «1» المتقدمة المعتضدة بالشهرة بين القدماء المؤيدة بالفقه الرضوي «2».

و لكن لا يمكن الركون إلى شي‌ء منها لعدم حجيتها و قد يقال «3»

______________________________
(1) مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 591 و الحدائق ج 5 ص 331- 332 و الجواهر ج 6 ص 114.

(2) المتقدم في تعليقة الصفحة: 324.

(3) المدارك ص 104، و حكاه عنه في الحدائق ج 5 ص 333، و الجواهر ج 6 ص 114- 115 و تبعه في المستمسك- ج 1 ص 568- الطبعة الرابعة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 330‌

..........

______________________________
بلزوم حمل الدّرهم في نصوص المقام على الشائع المتعارف في زمن الصادقين عليهما السّلام و هو «الدّرهم الإسلامي» المضروب في زمن عبد الملك
«1» الذي كان وزنه ستة دوانيق متوسطا بين «الوافي» و «الطبري» لأنّ الشّياع قرينة التعيين، و فيه:

أوّلا: أنّه لم يعلم هجر بقيّة الدراهم في زمانهما عليهما السّلام و لا سيما في زمن الإمام الباقر عليه السّلام المحكي عنه عليه السّلام بعض روايات المقام، فلعلّها كانت مستعملة في المعاملات أيضا، على أنّ تركها فيها لا ينافي بقاءها فيما بأيدي الناس في الجملة، و معروفية التحديد بها.

و ثانيا: أنّ تعيين الدرهم في ذلك بقرينة الشياع لا يجدي في تحديد سعته، إذ اتخاذ وزنه وسطا بين الدراهم غير الإسلامية لا يلازم كون سعته أيضا وسطا بينها لاحتمال أن يكون سعته بمقدار الدراهم السابقة على الإسلام، و إن كان وزنه أقل منها فالشياع لا يجدي شيئا أيضا «2».

و أما احتمال إرادة جميع الدراهم الموجودة في عصر صدور الروايات فغير صحيح، لأنّ لازمه الحكم بالعفو عن مقدار دم معين باعتبار أنّه أقل من بعضها، و عدم العفو عنه باعتبار أنّه أكثر من بعضها الآخر، و هذا من التناقض بمكان.

______________________________
(1) كان موته سنة ست و ثمانين من الهجرة و كان قد ضرب الدرهم الإسلامي في سنة 74 كما تقدم في التعليقة ص 329 و كان وفاة الإمام أبي جعفر عليه السّلام سنة 114 و وفاة الإمام الصادق عليه السّلام سنة 148 فكانت الدراهم الإسلامية مضروبة قبل وفاة الباقر عليه السّلام ب‍ 38 سنة، و قبل وفاة الصادق عليه السّلام ب‍ 62 سنة، و هذا المقدار كافّ في تحقق الشياع لا سيما بملاحظة منع عبد الملك عن المعاملة بالدراهم غير الإسلامية- كما تقدم في تعليقة ص 328- 329.

(2) لاحظ صور الدراهم في آخر الكتاب.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 331‌

..........

______________________________
نعم لو أريد طبيعيّها لزم الحمل على أقل المتعارف منها، كما ذكرنا نظيره في أخبار تحديد الكر بالأشبار، فإنّ لازمه الاكتفاء بأقل المتعارف، و هذا لا ينافي كون الروايات في مقام التحديد- كما هو واضح- لأنّ التحديد يكون بالدّراهم المتعارفة.

نعم إرادة طبيعيّ الدّرهم على نحو القضيّة الحقيقية بحيث يكون موضوع الحكم كل ما صدق عليه عنوان الدّرهم و لو لم يكن موجودا في عصر ورود الروايات و حدث بعد ذلك كبيرا كان أو صغيرا كما في بقية القضايا الحقيقية- كما في قولنا الخمر حرام- حيث ثبتت الحرمة على طبيعي الخمر الموجود في كل عصر و زمان.

خلاف الظاهر لورودها في مقام التحديد فلا بدّ و أن يراد درهم معيّن كان موجودا في عصرهم عليهم السّلام و لم يعلم المراد منه فهي مجملة من هذه الجهة.

و أما المقام الثاني- و هو في تحديد سعة الدرهم المعفو عنه- فقد اختلفت كلماتهم فيه.

أحدها: تحديدها بسعة أخمص الرّاحة- و هو ما انحفض من باطن الكف- نسب ذلك إلى أكثر عبائر الأصحاب و صرح به ابن إدريس.

ثانيها: تحديدها بعقد الإبهام الأعلى من اليد كما عن الإسكافي.

ثالثها: تحديدها بعقد الوسطى- كما عن بعض «1».

رابعها: تحديدها بعقد السبابة- كما حكاه في المتن عن بعض «2».

______________________________
(1) في الجواهر ج 6 ص 118 إنّه لم يعرف قائله.

(2) و هذا كسابقه لم يعرف قائله فيما لاحظناه.

و عن ابن أبي عقيل أنّه قدر الدم المعفو عنه بسعة الدينار من غير تعرض لكونه تحديد السعة الدرهم المعفو بالدينار- كما لعلّه يظهر من عبارة التذكرة في الفصل الثاني في أحكام النجاسات ج 1 ص 8 في الفرع الثاني حيث قال: «الثاني: الدرهم البغلي هو المضروب من درهم و ثلث منسوب إلى قرية بالجامعين و ابن أبي عقيل قدره بسعة الدينار و ابن الجنيد بأنملة الإبهام» أو لكون المناط في العفو عنده سعة الدينار كما يظهر من خبر علي بن جعفر- المروي في الوسائل ج 2 ص 1026 في الباب 20 من أبواب النجاسات، الحديث 8- و لعلّه من عبارته المحكية في الجواهر- ج 6 ص 108، 109.

و لا يخفى أنّ سعة الدنانير أيضا كانت مختلفة، فإنّ سعة بعضها تبلغ (25 مم) تقرب من سعة الدرهم المضروب في زمن عبد الملك- كما تأتى صورها في آخر الكتاب و لعلّه يشير إلى ذلك ما ذكره في الوسائل في ذيل رواية عليّ بن جعفر. فلاحظ.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 332‌

..........

______________________________
و الأخير أقل التحديدات المذكورة، و لكن لم يثبت مستند لشي‌ء منها، لا من جهة كونها تحديد لسعة الدرهم الوافي- لا سيما مع عدم تعرض غير الأوّل لكونه تحديدا لسعته أوسعه غيره- و لا من جهة كونها تحديدا لسعة الدّرهم المعفو عنه، و لو كان غير الوافي.

نعم الظاهر أنّ من حدّدها بسعة أخمص الراحة قد استند إلى ما ذكره ابن إدريس في السرائر «1» من أنّه قد شاهد درهما من الدراهم التي كانت‌

______________________________
(1) قال فيه: «فهذا الدم- أعني التاسع من الدماء- نجس، إلّا أنّ الشارع عفي عن ثوب و بدن أصابه منه دون سعة «الدرهم الوافي» و هو المضروب من درهم و ثلث، و بعضهم يقولون دون قدر «الدرهم البغلي»، و هو منسوب إلى مدينة قديمة يقال لها «بغل» قريبة من بابل بينها و بينها قريب من فرسخ متصلة ببلدة الجامعين تجد فيها الحفرة و الغسالون دراهم واسعة شاهدت درهما من تلك الدراهم، و هذا الدرهم أوسع من الدينار المضروب بمدينة السّلام المعتاد تقرب سعته من سعة أخمص الراحة، و قال بعض من عاصرته ممن له علم بإخبار الناس و الأنساب: إنّ المدينة و الدراهم منسوبة إلى ابن أبي البغل رجل من كبار أهل الكوفة اتخذ هذا الموضع قديما و ضرب هذا الدرهم الواسع، فنسب إليه الدرهم البغلي، و هذا غير صحيح، لأنّ الدرهم البغلي كانت في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و قبل الكوفة» السرائر ص 35، الحدائق ج 5 ص 329، الجواهر ج 6 ص 115.

و الظاهر أنّ قوله «و بعضهم يقولون دون الدرهم البغلي» من باب الترديد في العبارة لا المعنى أي بعضهم يسمى هذا الدرهم بالوافي و بعضهم بالبغلي، فإنّه قد اعتمد على البغلي، و حدّده بما ذكره من سعة أخمص الراحة، كما عرفت من عبارته.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 333‌

..........

______________________________
تجدها الحفرة في بلدة قديمة يقال لها «بغل» قريبة من بابل كانت سعتها تقرب من سعة أخمص الراحة، و فيه:

أوّلا: إنّ مقتضى ذلك هو التحديد بما يقرب من سعة الأخمص لا مساويا لها.

و ثانيا: إنّ قول الحلّي أو غيره إنّما يقبل في أمثال المقام من باب الشهادة التي يعتبر فيها العدد فلا وجه للاعتماد على قوله منفردا، إذ باب الشهادة غير باب النقل و الرواية حيث نكتفي فيه بالعدل الواحد، بل الثقة.

و ثالثا: إنّ تعيين الدّرهم البغلي فيما رآه من الدّرهم الذي استخرجه الحفرة من تلك البلدة القديمة اجتهاد منه لا يمكن الاعتماد عليه، إذ لعلّ الدرهم البغلي غيره: لأنّهم اختلفوا في وجه تسميته بذلك، فبعضهم نسبه إلى المكان أعني تلك البلدة القريبة من بابل كالحلّي، و بعضهم ينسبونه إلى رجل من كبار أهل الكوفة يسمى ابن أبي البغل، و بعضهم ينسبونه إلى ملك يسمّى رأس البغل، فمع هذا الاختلاف كيف يمكن الوثوق بما ذكره من أنّ الدرهم البغلي هو ما كان في تلك البلدة التي يعثر الحفارون على دراهم فيها؟ إذ لعلّ البغلي غير تلك.

و على الجملة لو حصل لنا القطع أو الاطمئنان بما ذكره من مشاهدته درهما كانت سعته يقرب من سعة أخمص الراحة لم يحصل لنا الاطمئنان بأنّه‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 334‌

..........

______________________________
الدرهم البغلي المعفو عنه، فهذا التحديد لم يستند إلى سند معتبر، و كذا التحديدات الأخر.

و لعلّ هذا الاختلاف في التحديد قد نشأ من الاختلاف في ضرب الدراهم و لو من ضارب واحد، و قد شهد كل بما رآه، لأنّ الدّراهم كانت تسكّها الصّاغة بآلات يدويّة لم تكن منضبطة دقيقة- كمكائن الضرب الحديثة في هذه العصور- و من هنا كانت القرانات الإيرانية على ما شاهدناها فيما قرب من عصرنا أيضا مختلفة السعة.

فتحصل من جميع ما ذكرناه، أنّه لم يثبت لدينا تحديد لسعة الدرهم على وجه الدقّة و الضبط بحيث يمكننا الاعتماد عليه.

فعليه لا بدّ من العمل بالقواعد العامة، و مقتضاها في المقام هو المنع عن كل دم إلّا ما علم خروجه عن العموم تمسكا بعمومات المنع و الأخذ بالقدر المتيقن في التخصيص بالمجمل الدائر أمره بين الأقل و الأكثر، و أقل التقديرات هو الأخير- كما في المتن- و هو عقد السبابة «1» فلا بدّ من الاقتصار عليه في العفو دون الزائد، و تحديد الدّراهم بالأوزان لا يجدينا‌

______________________________
(1) لاحظ في آخر الكتاب صور الدراهم- التي كانت في عصر ورود الروايات و التي كانت سابقة عليها- فإنّ أقل ما فيها سعة كان قطرها (25 مم) و هو الدرهم المضروب في عصر عبد الملك بن مروان سنة 76 ه و قد سبق وجود هذا الدرهم الشائع بين المسلمين وفاة الإمام الباقر عليه السّلام ب‍ 38 سنة و وفاة الإمام الصادق عليه السّلام ب‍ 62 سنة- كما ذكرنا في التعليقة ص 330- و لا مانع من حمل الروايات عليه و لو من باب القدر المتيقن في التخصيص، لأنّه أصغر الدراهم.

و أما الدراهم المضروبة في الجاهلية و في عصر الخلفاء السابقين على عبد الملك كانت سعتها (30 مم) كما تلاحظ في الصور الآتية في آخر الكتاب للدراهم المضروبة قبل الإسلام و المضروبة سنة 41 ه و ما بعدها، فلو كان التحديد بعقد السبابة- كما في المتن- بلحاظ الطول كان مناسبا لأصغر الدراهم، و أما بلحاظ عرض العقد فيقل منه بكثير، فلاحظ.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 335‌

و لما حده بعضهم بسعة عقد الإبهام من اليد (1) و آخر بعقد الوسطى و آخر بعقد السبابة (2) فالأحوط الاقتصار على الأقل (3) و هو الأخير.

[ (مسألة 1): إذا تفشّي من أحد طرفي الثوب إلى الآخر فدم واحد]

(مسألة 1): إذا تفشّي من أحد طرفي الثوب إلى الآخر فدم واحد، و المناط في ملاحظة الدرهم أوسع الطرفين. نعم لو كان الثوب طبقات فتفشّى من طبقة إلى أخرى، فالظاهر التعدد، و إن كانتا من قبيل الطهارة و

______________________________
شيئا، لأنّ الدّراهم المضروبة في زمن عبد الملك الشائعة بين المسلمين في عصر ورود الروايات و إن كان وزنها وسطا بين الدراهم السابقة عليها، و كانت ستة دوانيق، و لكن يمكن أن لا تكون سعتها أيضا كذلك.

(1) كما عن ابن جنيد الإسكافي- على ما تقدم «1».

(2) لم يعرف قائلهما «2» كما أنّه لم يعلم أنّ هذه التقادير الثلاثة كانت للدرهم الوافي- المسمّى بالبغلي- لاحتمال أن يكون غرضهم تحديد الدّرهم المعفو عنه، لعدم تعرضهم لذكر البغلي أو الوافي، فيمكن أن يكون منشأ اختلافهم في التحديد اختلافهم في تفسير الدّرهم المعفو عنه بالبغلي أو غيره، و كيف كان فمقتضى القاعدة هو الاقتصار على أقل التحديدات- كما ذكرنا آنفا.

(3) لإجمال المخصص الدائر أمره بين الأقل و الأكثر فيؤخذ بعموم المنع، إلّا في المقدار المتيقن في الترخيص و هو الأقل- كما تقدّم- و الإجماعات المحكيّة لا تصلح لتعيين الدّرهم في الوافي، كما ذهب إليه المشهور، كما أنّ شياع غيره في عصر ورود الروايات لا تصلح قرينة على الحمل، لما ذكرناه من عدم معلوميّة هجر الوافي حينذاك، فراجع ما تقدم «3».

______________________________
(1) كما تقدم في الصفحة: 331- 332.

(2) كما تقدم في الصفحة: 331- 332.

(3) في الصفحة: 329- 330.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 336‌

البطانة. كما أنّه لو وصل إلى الطرف الآخر دم آخر لا بالتفشّي يحكم عليه بالتعدد و إن لم يكن طبقتين (1) وصول رطوبة خارجية إلى الدم.

______________________________
(1) تعرض المصنف «قده» في هذه المسألة لفروع.

أحدها: أنّه لو تفشّي الدّم من أحد طرفي الثوب إلى الآخر كان ذلك دما واحدا، و هذا ظاهر لأنّ الدّم من الأجسام له سطحان أحدهما فوق الثوب، و هو المرئي دائما، و أما الآخر فيرى إن كان الثوب رقيقا و تفشّي من الطرف الآخر، و قد لا يرى كما إذا كان ثخينا فيبقى في باطن الثوب لم يتفشّ إلى الطرف الآخر فما عن بعضهم «1» من القول بالتعدد في صورة التفشّي لا وجه له.

نعم كانت العبرة في العفو و عدمه بأوسع الطرفين، لصدق سعة الدم بهذا المقدار، فإذا كان بمقدار الدرهم أو أكثر تجب إزالته، و إلّا فلا.

الفرع الثاني: أن يتفشّى الدم إلى الطرف الآخر في ثوب ذي طبقات، و لو كانت من قبيل الظاهرة و البطانة، أو كان الثوب محشوا بالقطن و نحوه، ففي مثله يعد دمان لصدق التعدد- عرفا- الذي هو المعيار في أمثال المقام، فلو كان المجموع بمقدار الدرهم أو أكثر تجب إزالته- بناء على ما هو الصحيح من كفاية الاجتماع التقديري كما تقدم «2».

الفرع الثالث: أن يصل إلى كل من الطرفين دم غير ما يصل إلى الطرف الآخر حكم المصنف «قده» فيه بالتعدد، و إن لم يكن الثوب طبقتين.

و لكن لا يتم هذا على إطلاقه، بل ينبغي الفرق بين ما إذا لم يتصل أحد الدمين بالآخر، و بين ما إذا اتصل أحدهما بالآخر، ففي الأوّل يحكم بالتعدد، لصدقه عرفا كما إذا كان الثوب ثخينا، أو مانعا عن السراية من أحد‌

______________________________
(1) كما عن الذكرى و البيان- الجواهر ج 6 ص 125.

(2) في الصفحة: 316.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 337‌

[ (مسألة 2) الدم الأقل إذا وصل إليه رطوبة من الخارج]

(مسألة 2) الدم الأقل إذا وصل إليه رطوبة من الخارج فصار المجموع بقدر الدرهم، أو أزيد لا إشكال في عدم العفو عنه. و إن لم يبلغ الدرهم فإن لم يتنجس بها شي‌ء من المحل بأن لم تتعد عن محل الدم، فالظاهر بقاء العفو، و إن تعدى عنه، و لكن لم يكن المجموع بقدر الدرهم ففيه إشكال و الأحوط عدم العفو (1).

______________________________
طرفيه إلى الآخر كال‍ «نايلون» المصنوع في عصرنا الحاضر، و أما في الثاني فالحكم بالتعدد مشكل، لصدق الوحدة عرفا، بل حقيقة، لأنّ الاتصال مساوق للوحدة، فيكون من قبيل وقوع قطرة من الدّم على الأخرى، و تنجس الثوب بمجموعهما، فإنّهما بعد الامتزاج تعدان دما واحدا
«1».

(1) وصول رطوبة خارجية إلى الدم المذكور في هذه المسألة أيضا فروع.

أحدها: أن تصل رطوبة خارجية إلى الدم- الذي أقل من الدرهم- فيصير المجموع بقدر الدرهم و ما زاد، و لا إشكال في عدم العفو في هذه الصورة- كما في المتن- لاختصاص أدلة العفو بالمتنجس بالدم دون غيره- كالماء المتنجس بالدم.

و دعوى: أنّ الفرع لا يزيد على الأصل، فإذا كانت الرطوبة متنجسة بالدّم الذي على الثوب لا بنجاسة خارجيّة- و كانت طاهرة في نفسها- يشملها دليل العفو، لأنّ المتنجس بالدم يكون بحكم الدم.

ممنوعة في نفسها بأوضح منع، لأنّها قياس ظاهر، مع أنّها لا تفيد في خصوص الفرع، لبلوغ المجموع بمقدار الدرهم و ما زاد.

______________________________
(1) و من هنا جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده» «يحكم عليه بالتعدد» (بشرط أن لا يتصل أحد الدمين بالآخر، و إلّا فالحكم بالتعدد لا يخلو من إشكال).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 338‌

..........

______________________________
الفرع الثاني: هو مفروض الفرع السابق مع فرض عدم بلوغ المجمع بقدر الدرهم، و عدم تنجس شي‌ء زائد من الثوب بالرطوبة العارضة بأن لم تتعد عن محلّ الدم، و هذا يكون على نحوين.

أحدهما: فرض زوال الرطوبة- بعد عروضها- باليبوسة بعد ذلك، و لا ينبغي الإشكال في العفو حينئذ، لعدم تنجس الثوب إلّا بالدّم المعفو، إذ الرطوبة المتنجسة به لا تصلح لتنجيس الثوب ثانيا مع فرض تنجس نفس المحلّ بالدم، و أما نفس الرطوبة المتنجسة فالمفروض زوالها.

ثانيهما: فرض بقاء الرطوبة العارضة على الدّم، و صحّة الصلاة في هذا الفرض تبتني على جواز حمل النجس أو المتنجس في الصلاة، و يأتي- إن شاء اللّه تعالى- أنّ الأقوى جوازه لأنّ مانعية الرطوبة حينئذ لو تمت لكانت من هذه الجهة، لعدم تنجس الثوب بها- كما ذكرنا آنفا- فالأصح في كلا الفرضين صحة الصلاة في الثوب المذكور.

الفرع الثالث: هو مفروض الفرع الثاني مع فرض تعدي الرطوبة عن محلّ الدّم بحيث تنجس الثوب بتلك الرطوبة، و لكن لم يبلغ المجموع بقدر الدرهم، و قد استشكل الصنف «قده» في ذلك و احتاط بعدم العفو، و الأظهر هو ذلك، و لا ينبغي التأمل في العدم، لما ذكرناه آنفا من اختصاص دليل العفو بالدم، و إجراء حكمه على المتنجس به قياس ظاهر، و استحسان لا يحسن عندنا بوجه، فإذا فرض تعدي الرطوبة عن الدّم، و تنجس الثوب بها لا يعفى عنها، و إن يبلغ المجموع بقدر الدرهم «1».

______________________________
(1) و من هنا جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده» «و الأحوط عدم العفو» (بل الأظهر ذلك).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 339‌

[ (مسألة 3): إذا علم كون الدم أقل من الدرهم و شك في أنّه من المستثنيات أم لا]

(مسألة 3): إذا علم كون الدم أقل من الدرهم و شك في أنّه من المستثنيات أم لا، يبني على العفو (1)

______________________________
(1)
شبهة موضوعية للدم المذكور في هذه المسألة فرعان.

الأوّل: في شبهة موضوعية للدم المستثنى من الدم المعفو- بمعنى أنّه علم أنّ الدم أقل من الدرهم، و لكن شك في أنّه من المستثنيات، كالحيض و نحوه أم لا- و فيه يبني على العفو- كما في المتن.

و يمكن الاستدلال له بوجوه لا يخلو بعضها عن الإشكال.

أحدها: التمسك بعموم أدلة العفو للشك في تخصيصه في الفرض.

و فيه: أنّ التحقيق- كما ذكرنا في محله- عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للخاص، لتعنون العام بعد التخصيص و لو بالمنفصل بعدم ذاك الخاص، فيكون موضوعه في المقام كل دم أقل من الدّرهم لم يكن بحيض و نحوه، فما لم يحرز تمام الموضوع لا يصح التمسك بالعموم.

ثانيها: ما ذكره المحقق الهمداني «قده» «1» من استصحاب جواز الصلاة في الثوب، لأنّه قبل إصابة هذا الدم المشكوك له كانت الصلاة فيه جائزة، فيستصحب الجواز إلى ما بعد الإصابة.

و فيه منع ظاهر، أما أوّلا: فللشك، بل القطع بعدم بقاء الموضوع، و ذلك لأنّ موضوع جواز الصلاة إنّما كان هو الثوب الطاهر لا ذات الثوب، و قد ارتفعت الطهارة بعروض الدم. و بعبارة أخرى: إنّ مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع في المقام إنّما هو دخل الطهارة في جواز الصلاة في الثوب، و المفروض ارتفاعها و لا حالة سابقة للثوب المتنجس بالدم المشكوك.

______________________________
(1) مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 596.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 340‌

..........

______________________________
و أما ثانيا: فلأنّ الاستصحاب المذكور- علي تقدير تماميته- إنّما هو أصل حكمي لا مجال له مع جريان أصل موضوعي حاكم عليه، و إن كانا متوافقين في النتيجة، و في المقام حيث يجري استصحاب عدم كون الدم من المستثنيات- كما هو الصحيح على ما يأتي في الوجه الثالث- لا مجال لجريان استصحاب جواز الصلاة في الثوب المذكور.

ثم إنّه «قده» قد أتبع كلامه بما هو أشكل مما تقدم حيث قال «1» «و لو لم يكن للثوب حالة سابقة معلومة أو منع من استصحابها مانع- كما لو كان من أطراف الشبهة المحصورة- وجبت إزالة الدم المشكوك لقاعدة الاشتغال».

إذ يرد عليه: أنّ المرجع في أمثال المقام- من الشبهات الموضوعية- إنّما هي البراءة لا قاعدة الاشتغال، و ذلك بعد البناء على أمرين «أحدهما»:

انحلال المانعية بعدد أفراد المانع- كما اعترف به «قده» أيضا في البحث عن اللباس المشكوك فيه في الصلاة- فإنّه إذا نهى المولى عن لبس شي‌ء في الصلاة، كغير المأكول أو الثوب المتنجس بالبول أو المني أو الدّم تنحل المانعية بعدد أفراد ذلك المانع، فيقيد الصلاة بعدم كل فرد منه «ثانيهما» جريان البراءة في الأقل و الأكثر و حيث أنّه في المقام يشك في تقيد الصلاة بعدم لبس الثوب المتنجس بالدم المشكوك فيه زائدا على ما علم تقيد الصلاة بتركه يجري فيه أصالة البراءة دون قاعدة الاشتغال بمقتضى الأمرين المذكورين، إلّا أن يكون الثوب طرفا للعلم الإجمالي، فلا يجري أصالة البراءة، للمعارضة- كما هو الحال في جميع موارد العلم الإجمالي.

______________________________
(1) مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 596.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 341‌

و أما إذا شك في أنّه بقدر الدرهم أو أقل فالأحوط عدم العفو (1)

______________________________
ثالثها: استصحاب عدم كون الدم من المستثنيات- كالحيض و نحوه- عدما أزليّا، لما بنينا عليه من صحة جريان الاستصحاب في الأعدام الأزليّة في أمثال المقام، فإنّ اتصاف الدم بكونه دم حيض كأصل الدّم أمر حادث مسبوق بالعدم فإذا وجد ذات الدّم و شك في اتصافه بكونه حيضا مثلا لا مانع من إجراء استصحاب عدم اتصافه به، كاستصحاب عدم القرشية في المرأة المشكوك كونها قرشية، و به ينقح موضوع عموم العفو، لأنّه عبارة عن كل دم ليس بحيض، أو غيره من المستثنيات، لأنّه بعد تقييد عموم العفو بعدمها يكون موضوع العموم هو كل دم ليس بذاك الخاص، فالدم المشكوك فيه دم بالوجدان، و ليس بذاك الخاص بالأصل، و به يتم موضوع عموم العفو بضم الوجدان إلى الأصل، فيحكم بجواز الصلاة فيه و العفو عنه.

هذا تمام الكلام في الفرع الأوّل و يأتي الكلام في الفرع الثاني.

(1) شبهة أخرى موضوعية للدم «الفرع الثاني» المذكور في هذه المسألة هو في شبهة موضوعية لأصل الدم المعفو بمعنى أنّه يشك في أنّ الدم أقل من الدرهم أو لا احتاط المصنف «قده» بعدم العفو بل هو الأظهر «1» و ليس الوجه فيه هو التمسك بعموم المنع عن لبس مطلق النجس أو المتنجس بالدم في الصلاة، كي يورد عليه بأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية بعد العلم بتخصيصه. و الشك في صدق الخاص عليه- كما ذكرنا في الفرع السابق.

______________________________
(1) كما جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده» «فالأحوط عدم العفو» (بل هو الأظهر).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 342‌

..........

______________________________
بل الوجه فيه هو ما ذكرناه في ذاك الفرع من استصحاب العدم الأزلي للخاص، ففي هذا الفرع يستصحب عدم كون الدّم أقل من الدرهم، و به ينقح موضوع عموم المانعيّة، لأنّه كل دم ليس بأقل من الدّرهم، لأنّ الخارج عن عموم مانعيّة الدم هو الدّم الأقل من الدرهم الذي هو عنوان وجودي، و هو المعفو عنه بمقتضى أدلة العفو عن الأقل من الدرهم، فيقيد عموم المنع بعدمه- أى ما لا يكون بأقل من الدرهم- فبضم الوجدان إلى الأصل يتم موضوع عموم المنع، لأنّ الدم المشكوك دم بالوجدان، و ليس بأقل من الدّرهم بالأصل، نعم لو كان التخصيص بأمر عدمي- بحيث كان موضوع العفو أمرا عدميّا، و هو ما لا يكون بمقدار الدرهم و ما زاد- كان موضوع عموم المنع مقيدا بنقيضه- أي الأمر الوجودي، و هو ما كان بقدر الدرهم و ما زاد- فإذا شك في دم أنّه بمقدار الدرهم كان مقتضى الاستصحاب عدمه، و به يثبت موضوع العفو دون المنع، على العكس من الفرض الأوّل.

و على الجملة: العفو عن الدّم المشكوك كونه بقدر الدرهم و عدمه يدوران مدار أنّ العنوان المعفو عنه الخارج عن عموم المنع هل هو أمر عدمي- و هو ما لا يكون بقدر الدرهم- أو أمر وجودي- و هو ما كان أقل من الدّرهم- إذ على الأوّل يكون مقتضى استصحاب العدم الأزلي ثبوت موضوع العفو بخلاف الثاني، إذ مقتضى تخصيص عموم المنع بكل منهما تقيد العام بنقيضه، و بذلك يفترق نتيجة الأصل المذكور، فلاحظ.

هذا، و لكن المستفاد من روايات العفو هو الثاني- أعني كون المعفو أمرا وجوديا، و هو ما كان أقل من الدرهم- كما يؤيده فهم الأصحاب، فإنّهم قد استثنوا من الدّم ما كان أقل من الدّرهم حيث عبّروا بأمر وجودي طبقا لما يظهر من الروايات فيكون المانع مقيدا بأمر عدمي لا محالة- و هو‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 343‌

..........

______________________________
عدم الخاص المعفو عنه.

و لا يخفى أنّ روايات العفو و إن كانت مختلفة التعبير لكن بعضها كالصريح في ما ذكرنا، و ذلك ك‍:

صحيحة الجعفي «1» لقوله عليه السّلام في صدرها: «إنّ كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة» فإنّه قد استثنى من الدّم الذي يكون في الثوب ما كان أقل من الدرهم، فالباقي تحت عموم المنع يكون مقيدا بأمر عدمي لا محالة- أي ما ليس بقدر الدرهم- و عليه يحمل قوله عليه السّلام بعد ذلك: «و إن كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه فلم يغسل حتّى صلّى فليعد صلاته» لأنّ الظاهر أنّ العناية إنّما هو بصدر الكلام بحيث يكون الذيل محمولا عليه، و إن أبيت فهي مشتملة على كلا التعبيرين، و تكون مجملة من هذه الجهة. و ك‍:

صحيحة محمّد بن مسلم «2» لقوله عليه السّلام فيها: «و ما كان أقل من ذلك فليس بشي‌ء» فإنّه كصحيحة الجعفي في الدلالة على المطلوب، نعم قوله عليه السّلام قبل ذلك: «و لا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم» يدل على أنّ المانع مقيد بأمر وجودي، و هو ما زاد على الدرهم، لدلالته على أنّ المعفو ما ليس بقدر الدرهم، و هو أمر عدمي يقيد عموم المنع بنقيضه، فهي أيضا مجملة، أو يكون حالها حال:

صحيحة ابن أبي يعفور «3» الدالة على أنّ الممنوع هو أمر وجودي، و هو ما كان بمقدار الدرهم لقوله عليه السّلام فيها: «يغسله و لا يعيد صلاته إلّا أنّ يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله، و يعيد الصلاة».

______________________________
(1) المتقدمة في الصفحة: 294.

(2) المتقدمة في الصفحة: 295- 296.

(3) المتقدمة في الصفحة: 297.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 344‌

إلّا أن يكون مسبوقا بالأقلية و شك في زيادته (1).

______________________________
فالإنصاف أنّ لسان الروايات الواردة في المانعية مختلفة، لأنّ ظاهر بعضها تقيد المانع بأمر وجودي، و بعضها الآخر تقيده بأمر عدمي، أو مجملة، لورود كلا التعبيرين فيها، و لكن مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي تقيد المانعية بأمر عدمي، لأنّ المانع هو الدّم و يناسبه خروج ما كان أقل من الدرهم، و هذا هو الذي فهمه الأصحاب من الروايات في المقام، حيث أنّهم استثنوا من الدّم ما كان أقل من الدرهم فالممنوع هو ما ليس بأقل، و عند الشك يمكن إجراء استصحاب العدم الأزلي لإثباته- كما عرفت- و هذا أمر يحتاج إلى التفقه في الأخبار.

و إن أبيت إلّا عن إجمال النصوص و عدم اتضاح الأمر فلا يجدي الاستصحاب المذكور شيئا لا لإثبات المانع، و لا المعفو عنه، لعدم إحراز شي‌ء من الموضوعين، فلا بدّ إذا من الرجوع إلى أصالة البراءة عن مانعيّة الدم المشكوك- كما ذكرنا في الفرع الأوّل في هذه المسألة- و لا مجرى لاستصحاب جواز الصلاة، و لا لقاعدة الاشتغال كما زعم المحقق الهمداني- كما عرفت في ذاك الفرع أيضا- فإذا يتحد الفرعان في الحكم بالعفو عن الدّم المشكوك، فلا يفرق بين أن يكون المشكوك من المستثنيات، أو المستثنى منه.

(1) لاستصحاب عدم الزيادة أو كونه أقل من الدّرهم. و ذلك كما إذا وقع على الثوب قطرة من الدم كانت أقل من الدرهم ثمّ شك في وقوع قطرة أخرى عليه، و هكذا الكلام في عكس ذلك، بأنّ كان الدم أكثر من الدّرهم ثمّ شك في عروض القلة- و لو بالقص من الثوب- فيستصحب الكثرة، و هذا واضح.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 345‌

[ (مسألة 4) المتنجس بالدم ليس كالدم في العفو عنه]

(مسألة 4) المتنجس بالدم ليس كالدم في العفو عنه إذا كان أقل من الدرهم (1).

[ (مسألة 5) الدم الأقل إذا أزيل عينه]

(مسألة 5) الدم الأقل إذا أزيل عينه فالظاهر بقاء حكمه (2).

______________________________
(1)
المتنجس بالدم لاختصاص الدليل بالدم، فلا يمكن التعدي منه إلى المتنجس به.

و دعوى الأوّلية في العفو- كما عن بعض «1» لأنّ الفرع لا يزيد على الأصل غير مسموعة، كما تقدم «2» فإنّها قاعدة استحسانية، لا دليل على اعتبارها.

(2) حكم زوال عين الدم كما عن المدارك و غيره و هو الصحيح و ليس الوجه فيه استصحاب العفو عنه الثابت له حال وجود الدم كي يورد عليه «3» بأنّه من الاستصحاب التعليقي، أو أنّه لا يجوز الرجوع إليه مع عموم المنع، لأنّه من موارد دوران الأمر بين الرجوع إلى العام أو استصحاب حكم المخصص، و التحقيق الرجوع إلى العام مع كون التخصيص من أوّل الأمر- كما في المقام- و إن كان يندفع الأوّل بأن الاستصحاب تنجيزي لا تعليقي، لأنّ المستصحب هو جواز الصلاة في الثوب جوازا فعليّا، بمعنى عدم تقيد الصلاة بعدم هذا الثوب، فإنّ المانعية كما تكون فعليّة، كذلك عدمها، و ليس المستصحب صحة الصلاة لو صلّى في الثوب المذكور، كي يقال بأنّه تعليقي.

______________________________
(1) كما عن الذكرى و روض الجنان و المعالم و المدارك- المستمسك ج 1 ص 577 الطبعة الرابعة.

(2) في الصفحة: 337.

(3) المستمسك ج 1 ص 578 الطبعة الرابعة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 346‌

[ (مسألة 6) الدم الأقل إذا وقع عليه دم آخر أقل و لم يتعدّ عنه]

(مسألة 6) الدم الأقل إذا وقع عليه دم آخر أقل و لم يتعدّ عنه، أو تعدّى و كان المجموع أقل لم يزل حكم العفو عنه (1).

[ (مسألة 7) الدم الغليظ الذي سعته أقل عفو]

(مسألة 7) الدم الغليظ الذي سعته أقل عفو، و إن كان بحيث لو كان رقيقا صار بقدره أو أكثر (2).

______________________________
بل الوجه في الصحة هو أمران آخران.

أحدهما: الأولوية القطعية- بمقتضى الفهم العرفي من دليل العفو- لأنّا لا نحتمل أن يكون بقاء عين الدّم شرطا في العفو، لأنّ المستفاد من دليله في المقام هو عدم مانعيّة الدم الأقل من الدرهم في الصلاة، لا شرطيّة عين الدم في العفو كما هو واضح جدا، فنقطع بأولوية العفو عند زوال العين.

ثانيهما: إطلاق صحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة «1» الشامل لصورة زوال العين و عدمه، لأنّ المفروض فيها هو ثوب تكون فيه نقط الدم قبل الصلاة لا يعلم به ثمّ يعلم بذلك فينسى أن يغسله فيصلّي ثمّ يتذكر بعد الصلاة، حيث قال فيها: «الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به، ثمّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي.» فأجابه الإمام عليه السّلام بأنّه لا يعيد الصلاة إلّا إذا كان الدّم بمقدار الدّرهم مجتمعا، و هذا من دون تفصيل بين زوال العين قبل الصلاة بيبوسة و نحوها، و عدمه، و ترك الاستفصال دليل العموم.

نعم لا مجال للتمسك بروايات قد فرض فيها وجود الدم في الثوب حال الصلاة، كصحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة «2» و نحوها، فلاحظ.

(1) لأنّ العبرة بسعة الدّرهم لا بوزنه كما تقدم «3» فيشمله الإطلاق.

(2) لأنّ العبرة بالسعة الفعلية، لا الأعم من التقديرية، لظهور‌

______________________________
(1) في الصفحة: 297.

(2) في الصفحة: 295- 296.

(3) في الصفحة: 324.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 347‌

[ (مسألة 8): إذا وقعت نجاسة أخرى كقطرة من البول- مثلا- على الدم الأقل]

(مسألة 8): إذا وقعت نجاسة أخرى كقطرة من البول- مثلا- على الدم الأقل بحيث لم تتعد عنه إلى المحل الطاهر، و لم يصلّ إلى الثوب أيضا هل يبقى العفو أم لا إشكال، فلا يترك الاحتياط (1).

______________________________
الروايات في الأوّل، فلو كان الدم غليظا بحيث لو كان رقيقا لصار بقدر الدرهم يعفى عنه، لعدم السعة الفعليّة.

(1) وقوع نجاسة أخرى على الدم توضيح المقال هو أنّه لو وقعت نجاسة أخرى- كالبول- على الدم المعفو عنه كان لها صور ثلاث.

«الأولى» حصول التوسعة بذلك بمقدار الدرهم و ما زاد بحيث تتسع النجاسة الطارئة، و تصير بمقدار الدرهم أو أكثر، و لا إشكال في عدم العفو حينئذ، و وجهه ظاهر، لعدم شمول دليل العفو لغير الدم من سائر النجاسات، فتبقى تحت عموم المنع.

«الصورة الثانية» عدم حصول التوسعة عن الأقل من الدم، و لكن مع فرض نفوذ النجاسة الثانية- كالبول- إلى الثوب و في هذه الصورة الأقرب عدم العفو أيضا لإطلاق أدلّة مانعيّة البول، أو غيره من النجاسات، لأنّ موضوعها إصابة النجس للثوب من دون فرق بين تنجسه به و عدمه، و الإصابة متحققة على الفرض، فلا يبتني الحكم بعدم العفو على تنجس الدم بالنجاسة الطارئة كي يبتني على تنجس المتنجس لفساد المبنى، فإنّ المتنجس بالدم لا يتنجس بالبول ثانيا و إن حكم عليه بلزوم ترتيب آثار النجاسة الثانية لو كان لها آثار خاصة كتعدد الغسل في الثوب الملاقي للبول إذا غسل بغير الماء الجاري- كما تقدم في تلك المسألة- و هاتان الصورتان خارجتان عن مفروض كلام المصنف «قده».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 348‌

..........

______________________________
«الصورة الثالثة» هي مفروض الصورة الثانية مع فرض عدم نفوذ النجاسة الثانية إلى الثوب- كما إذا فرضنا أنّ الدم كان غليظا بحيث صار مانعا عن وصول البول إلى الثوب، و هذه الصورة هي مفروض المتن، و لها صورتان «إحداهما» فرض زوال النجاسة الثانية باليبوسة، و فيها لا ينبغي الإشكال في جواز الصلاة في الثوب، لأنّ المفروض عدم وصولها إلى الثوب، لمانعيّة الدّم عنه و نفس النجس لا يتنجس ثانيا، فلا يتنجس الدم بالنجاسة الطارية عليه، و أما نفس النجاسة الطارئة فالمفروض زوالها، فلا منع حتّى من ناحية حمل النجس في الصلاة، و أمّا الدم فالمفروض أنّه أقل من الدرهم و يعفي عنه «ثانيتهما» فرض بقاء عين النجاسة الطارئة على الدم، و الحكم بجواز الصلاة في الثوب حينئذ و عدمه يبتنيان على جواز حمل النجس في الصلاة و عدمه، و التحقيق جوازه
«1» كما سيأتي.

و في حكم هذه الصورة الصورة السابقة بناء على القول بتنجس الدم بالبول- مثلا- لدخولهما تحت عموم مانعيّة حمل المتنجس في الصلاة، فلا يفرق بين فرض يبوسة النجاسة الطارئة و عدمها، لأنّه على الأوّل تكون المانعية بلحاظ حمل النجس، و على الثاني بلحاظ حمل المتنجس.

______________________________
(1) فما جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده»- «إشكال فلا يترك الاحتياط»- من أنّ (الأظهر عدم بقاء العفو) مبنى على مانعيّة حمل النجس في الصلاة بدعوى صدق الصلاة في النجس، و سيأتي الكلام عليه.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net