الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام 

القسم : سيرة النبي (ص) وآله (ع)   ||   التاريخ : 2008 / 07 / 06   ||   القرّاء : 12218

    رابع أئمة أهل البيت الطاهر عليهم‏ السلام

مولده و وفاته عمره و مدفنه
    ولد في المدينة يوم الجمعة أو يوم الخميس أو يوم الأحد لتسع أو خمس أو سبع خلون من شعبان أو منتصف جمادى الثانية أو الأولى سنة 38 أو 37 أو 36 من الهجرة.
    و توفي بالمدينة يوم السبت في 12 من المحرم أو 18 أو 19 أو 22 أو 25 منه سنة95 أو 94 من الهجرة و له «55 سنة« أو «56» أو «57» أو «58» أو «59 و أشهر و أيام« بحسب اختلاف الأقوال و الروايات في تأريخ المولد و الوفاة عاش منها مع جده أمير المؤمنين عليه‏ السلام سنتان أو أكثر و معه {مع} عمه الحسن  12 سنة أو 10 سنين و مع أبيه الحسين  )23 أو 24 سنة و مع أبيه بعد عمه الحسن  10 سنين و بعد أبيه 34 أو 33 أو 35 سنة و هي مدة إمامته و هي بقية ملك يزيد بن معاوية و معاوية بن يزيد و مروان بن الحكم و عبد الملك بن مروان و توفي في ملك الوليد بن عبد الملك و دفن بالبقيع مع عمه الحسن بن علي في القبة التي فيها قبر العباس بن عبد المطلب .

أمه
    قيل اسمها شهربانو أو شهربانويه بنت يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن أبرويز بن أنوشيروان : و كان يزدجرد آخر ملوك الفرس .و قال المبرد : اسمها سلافة من ولد يزدجرد معروفة النسب من خيرات النساء ، و قيل خولة ، و قال ابن سعد في الطبقات : اسمها غزالة و قال المفيد : أمه شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى ، و يقال إن اسمها كان شهربانويه (اه) و الظاهر أن اسمها الأصلي كان كما ذكره المفيد ، ثم غير كما ذكره المبرد قيل أخذت في خلافة عمر .
    و رواه القطب الراوندي بسنده عن الباقر عليه‏ السلام و أنه أراد بيعها فنهاها علي و قال له: و لكن أعرض عليها ان تختار واحدا من المسلمين فزوجها به و احسب مهرها من عطائه من بيت المال، فاختارت الحسين بن علي، فأمره بحفظها و الإحسان إليها فولدت له خير أهل الأرض في زمانه. و قيل: إن أم زين العابدين عليه‏ السلام ماتت في نفاسها به، فكفلته بعض أمهات ولد أبيه، فنشأ لا يعرف أما غيرها، ثم علم أنها مولاته، و كان الناس يسمونها أمه، ثم زوجها فقال ناس: زوج أمه حتى أن بعض ملوك بني أمية أرسل اليه يعاتبه في ذلك، و لم تكن أمه إنما كانت حاضنته، و لم يكن أهل المدينة يرغبون في نكاح الجواري حتى ولد علي بن الحسين فرغبوا فيهن.
    هو الأكبر أم الأصغر؟
    المشهور أن أخاه شهيد كربلاء هو الأكبر و قيل إنه الأصغر .

كنيته و لقبه
    أبو محمد و أبو الحسن قيل و أبو بكر و  روى ابن سعد في الطبقات عن أبي جعفر أنه يكنى أبا الحسين قال و في غير هذا الحديث أنه كان يكنى أبا محمد .
    لقبه : له ألقاب كثيرة أشهرها: زين العابدين ، و سيد العابدين ، و السجاد ، و ذو الثفنات .

نقش خاتمه وشاعره وملوك عصره
    نقش خاتمه  : في الفصول الأربعة المهمة : و ما توفيقي إلا بالله. و قال الكفعمي : لكل غم حسبي الله. و  في حلية الأولياء عن الباقر عليه‏ السلام : القوة لله جميعا و في رواية عن الباقر عليه‏ السلام : العزة لله. و عن الصادق عليه‏ السلام الحمد لله العلي. و عن الكاظم عليه‏ السلام : خزي و شقي قاتل الحسين بن علي. و عن الرضا عليه‏ السلام إن الله بالغ أمره. و لعله كان له عدة خواتيم بهذه النقوش.
    شاعره:  الفرزدق و كثير عزة
    ملوك عصره : يزيد بن معاوية و معاوية بن يزيد و مروان بن الحكم و عبد الملك بن مروان و الوليد بن عبد الملك .

أولاده
    تناسل ولد الحسين من زين العابدين عليهما السلام قال المفيد في الإرشاد و ابن الصباغ في الفصول المهمة : كان له من الأولاد خمسة عشر ذكراً و أربع بنات و هم: محمد الباقر أمه فاطمة بنت الحسن السبط تكنى أم عبد الله . الحسن .الحسين الأكبر لم يعقبا أمهم أم ولد. زيد . عمر .أمهما أم ولد. الحسين الأصغر . عبيد الله . سليمان لم يعقب. علي .و هو أصغر ولده خديجة أمهما أم ولد. محمد الأصغر أمه أم ولد. فاطمة .علية . أم كلثوم أمهن أم ولد.
    و في الطبقات الكبير لمحمد بن سعد عد له عشرة ذكور و سبع بنات فقال: ولد علي الأصغر ابن حسين بن علي : الحسن بن علي درج.و الحسين الأكبر درج.و الحسين الأكبر درج.و محمد أبا جعفر الفقيه.و عبد الله و أمهم أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب .و عمر .و زيدا المقتول بالكوفة .و علي بن علي .و خديجة و أمهم أم ولد.و حسينا الأصغر ابن علي .و أم علي بنت علي و هي علية و أمهما أم ولد.و كلثم بنت علي .و سليمان لا عقب له و مليكة لأمهات أولاد.و القاسم .و أم الحسن و هي حسنة .و أم الحسين .و فاعمة {فاطمة} لأمهات أولاد.
    و في كشف الغمة : قيل كان له تسعة أولاد ذكور و لم يكن له أنثى و قال ابن الخشاب النحوي في مواليدأهل البيت أنه ولد له ثمانية بنين و لم يكن له أنثى، و هم: محمد الباقر، و زيد الشهيد بالكوفة ، و عبد الله ، و عبيد الله ، و الحسن ، و الحسين ، و علي ، و عمر . و قال ابن شهرآشوب في المناقب : أبناؤه ثلاثة عشر من أمهات الأولاد إلا اثنين، محمد الباقر، و عبد الله الباهر أمهما أم عبد الله بنت الحسن بن علي و أبو الحسين زيد الشهيد بالكوفة و عمر توأم و محمد الأصغر و عبد الرحمن و سليمان توأم و الحسن و الحسين و عبيد الله توأم و محمد الأصغر فرد و علي و هو أصغر ولده و خديجة فرد و يقال لم تكن له بنت و يقال ولدت له فاطمة و علية و أم كلثوم . و في عمدة الطالب : أعقب منهم محمد الباقر و عبد الله الباهر و زيد الشهيد و عمر الأشرف و الحسين الأصغر و علي الأصغر .

صفته في حليته و لباسه
    في طبقات ابن سعد الكبير قال أخبرنا الفضل بن دكن {دكين} حدثنا نضر بن أوس الطائي قال دخلت على علي بن الحسين و عليه سحق ملحفة حمراء و له جمة إلى المنكب مفروق و بسنده أن علي بن حسين كان يصبغ بالسواد و بسنده عن موسى بن أبي حبيب الطائفي قال رأيت علي بن حسين يخضب بالحناء و الكتم و رأيت نعلي علي بن الحسين مدورة الرأس ليس لها لسان . (أقول) الحناء إذا صبغ معها بالكتم كان اللون أسود فلا ينافي ما مر من أنه كان يصبغ بالسواد.و بسنده كان لعلي بن حسين كساء خز أصفر يلبسه يوم الجمعة.و بسنده رأيت على علي بن حسين كساء خز و جبة خز.
    و بسنده عن أبي جعفر قال أهديت لعلي بن حسين مستقة من العراق فكان يلبسها فإذا أراد أن يصلي نزعها (أقول) المستقة بضم الميم و سكون السين و ضم التاء أو فتحها فروة طويلة الكمين فارسي معرب و بسنده عن أبي جعفر قال كان لعلي بن حسين سبنجونة من ثعالب فكان يلبسها فإذا صلى نزعها.
     (أقول) في القاموس و تاج العروس (السبنجونة) بفتح السين و الموحدة و سكون النون {ص} {و} ضم الجيم في التهذيب : روي أن الحسن بن علي كانت له سبنجونة من جلود الثعالب كان إذا صلى لم يلبسها قال شمر سألت محمد بن بشار عنها فقال (فروة من الثعالب معرب آسمان كون {گون}) أي لون السماء و سألت أبا حاتم فقال كان يذهب إلى لون الخضرة آسمان جون (اه) و نزعها في الصلاة لعدم جواز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه في مذهب أهل البيت و كون الثعالب منه .
    و بسنده أن علي بن الحسين كان يشتري كساء الخز بخمسين دينارا فيشتو فيه ثم يبيعه و يتصدق بثمنه و يصيف في ثوبين من ثياب مصر أشمونيين بدينار و يلبس ما بين ذا و ذا من اللبوس و يقول: من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و يعتم و ينبذ له في السعن في العيدين بغير عكر و كان يدهن أو يتطيب بعد الغسل إذا أراد أن يحرم (اه) (و السعن) بالضم قربه صغيرة تقطع من نصفها و ينبذ فيها (و العكر) الدردي و هو ما خثر و رسب . قال أخبرنا محمد بن ربيعة حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند قال رأيت على علي بن الحسين قلنسوة بيضاء لاطئة.
    أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك و عبد الله بن مسلمة و إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس قالوا حدثنا عن محمد بن هلال قال رأيت علي بن الحسين بن علي يعتم بعمامة و يرخي عمامته خلف ظهره.قال ابن أبي أويس في حديثه شبرا أو فويقة فيما توخيت عمامة بيضاء .

صفته في أخلاقه و أطواره
    نقتبسها من مجموع الروايات الآتية و الماضية في مناقبه و غيرها و إن لزم بعض التكرير كان أفضل أهل زمانه و أعلمهم و أفقههم و أورعهم و أعبدهم و أكرمهم و أحلمهم و أصبرهم و أفصحهم ، و أحسنهم أخلاقا، و أكثرهم صدقة، و أرأفهم بالفقراء، و أنصحهم للمسلمين ، و كان معظما مهيبا عند القريب و البعيد و الولي و العدو، حتى إن يزيد بن معاوية لما أمر أن يبايعه أهل المدينة بعد وقعة الحرة على أنهم عبيد رق له لم يستثن من ذلك إلا علي بن الحسين ، فأمر أن يبايعه على أنه أخوه و ابن عمه.
    و كان يشبه جده أمير المؤمنين عليه‏ السلام في لباسه  )1( هذا قد ينافي ما يأتي من لبس زين العابدين عليه‏ السلام اللباس الفاخر و ما اشتهر من لبس أمير المؤمنين خشن اللباس و يمكن كون الشبه في اللباس من وجه آخر و الله أعلم. و فقهه و عبادته، و كان يحسن إلى من يسي‏ء إليه.كان هشام بن إسماعيل أمير المدينة يسي‏ء إليه و يؤذيه أذى شديدا فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس فمر به و سلم عليه و أمر خاصته أن لا يعرض له أحد، و كان له ابن عم يؤذيه فكان يجيئه و يعطيه الدنانير ليلا و هو متستر فيقول لكن علي بن الحسين لا يصلني لا جزاه الله خيرا، فيسمع و يصبر فلما مات انقطع عنه فعلم أنه هو الذي كان يصله، و لما طرد أهل المدينة بني أمية في وقعة الحرة ، أراد مروان بن الحكم أن يستودع أهله فلم يقبل أحد أن يكونوا عنده إلا علي بن الحسين فوضعهم مع عياله و أحسن إليهم مع عداوة مروان المعروفة له و لجميع بني هاشم و عال في وقعة الحرة أربعمائة امرأة من بني عبد مناف إلى ان تفرق جيش مسرف بن عقبة ، و كان يعول أهل بيوت كثيرة في المدينة لا يعرفون من يأتيهم برزقهم حتى مات، و كان يقول لمن يشتمه: إن كنت كما قلت فأسأل الله أن يغفر لي و إن لم أكن كما قلت فأسأل الله أن يغفر لك، و حج على ناقته عشرين حجة لم يضربها بسوط، و كان لا يضرب مملوكا بل يكتب ذنبه عنده حتى إذا كان آخر شهر رمضان جمعهم و قررهم بذنوبهم و طلب منهم أن يستغفروا له الله كما غفر لهم، ثم يعتقهم و يجزيهم بجوائز و ما استخدم خادما فوق حول كان إذا ملك عبدا أول السنة أو وسطها أعتقهم ليلة الفطر و استبدل سواهم كذلك كان يفعل حتى لحق بالله، و لقد كان يشتري السودان و ما به إليهم من حاجة يأتي بهم عرفات يسد بهم الفرج فإذا أفاض أعتقهم و أجازهم.و هو الذي علم الزهري كيف ينجو من الدم الذي أصابه و خلصه من ورطة الوقوع في القنوط.و كان لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه و يشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجونه و يقول أكره أن آخذ برسول الله ما لا أعطي مثله.
    و في كشف الغمة : كان لا يحب أن يعينه على طهوره أحد و كان يستقي الماء لطهوره و يخمره (أي يغطيه) قبل أن ينام فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم توضأ ثم يأخذ في صلاته و كان لا يدع صلاة الليل في السفر و الحضر، و كان يقضي ما فاته من صلاة نافلة النهار بالليل، و كان يقول لبنيه يا بني ليس هذا عليكم بواجب و لكن أحب لمن عود منكم نفسه عادة من الخير أن يدوم عليها و كان إذا أتاه السائل قال مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة، و كان إذا مشى لا تجاوز يده فخذه و لا يخطر بيده و عليه السكينة و الوقار (اه) و قال الصادق عليه‏ السلام كان إذا مشى كان الطير على رأسه  )1( قيل في تفسير كان الطير على رأسه ان الطير لا يقع إلا على شي‏ء ساكن. لا يسبق يمينه شماله (اه) .

مناقبه و فضائله
    في طبقات ابن سعد : قالوا كان علي بن الحسين ثقة مأمونا كثير الحديث عليا رفيعا ورعا (اه) . و في مرآة الجنان : مناقبه و محاسنه كثيرة شهيرة ، و حكى المبرد في الكامل أن رجلا من قريش قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب فقال لي يوما من أخوالك فقلت أمي فتاة و كأني نقصت من عينه (إلى أن قال) فأمهلت شيئا حتى جاء علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‏ السلام فسلم عليه ثم نهض فقلت يا عم من هذا؟قال: هذا الذي لا يسع مسلما أن يجهله هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، قلت من أمه؟قال فتاة قلت يا عم رأيتني نقصت من عينك لما علمت أني لأم ولد.
    و عن محاضرات الراغب و ابن الجوزي في مناقب عمر بن عبد العزيز : أنه قال عمر بن عبد العزيز يوما و قد قام من عنده علي بن الحسين عليهما السلام من أشرف الناس؟فقالوا أنتم، فقال كلا فإن أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفا من أحب الناس أن يكونوا منه و لم يحب أن يكون من أحد.
    و روى الصدوق في العلل بسنده عن سفيان بن عيينة قلت للزهري لقيت علي بن الحسين قال نعم لقيته و ما لقيت أحدا أفضل منه و الله ما علمت له صديقا في السر و لا عدوا في العلانية فقيل له و كيف ذلك قال لأني لم أر أحدا و إن كان يحبه إلا و هو لشدة معرفته بفضله يحسده و لا رأيت أحدا و إن كان يبغضه إلا و هو لشدة مداراته له يداريه.
    و نذكر من مناقبه أمورا حسبما يتسع لنا المجال:
     (أحدها العلم) قد عرفت قول المفيد أنه قد روى عنه الفقهاء من العلوم ما لا يحصى كثرة و حفظ عنه من المواعظ و الأدعية و فضائل القرآن و الحلال و الحرام و المغازي و الأيام ما هو مشهور بين العلماء.قال و لو قصدنا شرح ذلك لطال به الكتاب و تقضى به الزمان (اه) و في مناقب ابن شهرآشوب قلما يوجد كتاب زهد و موعظة لم يذكر فيه قال علي بن الحسين أو قال زين العابدين .
    و روى المفيد في الإرشاد بسنده عن عبد الله بن الحسين بن الحسن قال كانت أمي فاطمة بنت الحسين عليه‏ السلام تأمرني أن أجلس إلى خالي علي بن الحسين فما جلست إليه قط إلا قمت بخير قد أفدته أما خشية لله تحدث في قلبي لما أرى من خشيته لله أو علم قد استفدته منه.
    و  روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن الزهري دخلنا على علي بن الحسين ابن علي فقال يا زهري فيم كنتم.قلت: تذاكرنا فأجمع رأيي و رأي أصحابي على أنه ليس من الصوم شي‏ء واجب إلا شهر رمضان فقال: يا زهري ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجها عشرة منها واجبة كوجوب شهر رمضان، و عشرة منها حرام، و أربع عشرة خصلة صاحبها بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر،  )1( لا يخفى أنها عدت أولا أربعين ثم عشرة و عشرة و أربع عشرة فتكون أربعا و ثلاثين و مجموع ما ذكر منها ثلاثون او اثنان و ثلاثون و يمكن أن يكون اقتصر على العشرة الواجبة.و العشرة المحرمة بعد أيام التشريق ثلاثة لا واحدا لأنهما أهم و ذكر من المستحب و المكروه بعضه. و صوم النذر واجب، و صوم الاعتكاف واجب. قال قلت: فسرهن يا ابن رسول الله. قال: أما الواجب فصوم شهر رمضان و صيام شهرين متتابعين)يعني في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق)قال تعالى (و من قتل مؤمنا خطأ) »الآية«و صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين، لمن لم يجد إلا طعام قال الله عز و جل  (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم)  و صيام حلق الرأس قال الله تعالى  (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) »الآية«صاحبه بالخيار إن شاء صام ثلاثا و صوم دم المتعة، لمن لم يجد الهدي.قال الله تعالى:  (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) »الآية«، و صوم جزاء الصيد.قال الله عز و جل  (و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) »الآية«، و إنما يقوم ذلك الصيد قيمة ثم يفض ذلك الثمن على الحنطة، و أما الذي صاحبه بالخيار، فصوم يوم الإثنين و الخميس، و صوم ستة أيام من شوال بعد رمضان، و يوم عرفة ، و يوم عاشوراء كل ذلك صاحبه بالخيار، إن شاء صام، و إن شاء أفطر.
    و أما صوم الإذن، فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا باذن زوجها و كذلك العبد و الأمة و أما صوم الحرام، فصوم يوم الفطر و يوم الأضحى، و أيام التشريق ، و يوم الشك نهينا أن نصومه كرمضان، و صوم الوصال حرام، و صوم الصمت حرام و صوم نذر المعصية حرام، و صوم الدهر حرام و الضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه قال رسول الله صلى‏ الله ‏عليه‏ و آله : (من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم) و يؤمر الصبي بالصوم إذا لم يراهق تأنيسا، و ليس بفرض و كذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم وجد قوة في بدنه أمر بالإمساك، و ذلك تأديب من الله عز و جل، و ليس بفرض، و كذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أمر بالإمساك.و أما صوم الإباحة، فمن أكل و شرب ناسيا من غير عمد، فقد أبيح له ذلك و أجزأه عن صومه، و أما صوم المريض، و صوم المسافر فإن العامة اختلفت فيه.فقال بعضهم يصوم، و قال قوم لا يصوم و قال قوم إن شاء صام، و إن شاء فطر، و أما نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعا، فإن صام في السفر و المرض، فعليه القضاء، قال الله عز و جل  (فعدة من أيام أخر) .
     (ثانيهما) : الحلم و الصفح و مقابلة الإساءة بالإحسان) روى الكليني في الكافي بسنده عن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث أنه قال ما تجرعت من جرعة أحب إلي من جرعة غيظ لا أكافئ بها صاحبها.
    و في الإرشاد أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد حدثني جدي حدثني محمد بن جعفر و غيره قالوا وقف على علي بن الحسين رجل من أهل بيته فأسمعه و شتمه فلم يكلمه فلما انصرف قال لجلسائه قد سمعتم ما قال هذا الرجل و أنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا مني ردي عليه قال فقالوا له نفعل و لقد كنا نحب أن نقول له و نقول قال فأخذ نعليه و مشى و هو يقول  (و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين)  فعلمنا أنه لا يقول شيئا قال فخرج إلينا متوثبا للشر و هو لا يشك أنه إنما جاءه مكافيا له على بعض ما كان منه فقال له علي بن الحسين عليهما السلام يا أخي إنك كنت قد وقفت علي آنفا و قلت و قلت فإن كنت قد قلت ما في فأنا أستغفر الله منه و إن كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك قال فقبل الرجل بين عينيه و قال بل قلت فيك ما ليس فيك و أنا أحق به.
     (أخبرني) الحسن بن محمد عن جده قال حدثني شيخ من أهل اليمن قد أتت عليه »بضع و تسعون سنة« قال أخبرني به رجل يقال له عبد الله بن محمد قال سمعت عبد الرزاق يقول : جعلت جارية لعلي بن الحسين عليهما السلام تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه فرفع رأسه إليها فقالت له الجارية إن الله يقول و الكاظمين الغيظ قال قد كظمت غيظي قالت و العافين عن الناس قال لها عفا الله عنك قالت و الله يحب المحسنين قال اذهبي فأنت حرة لوجه الله عز و جل.و أخرجه البيهقي عن علي بن الحسين مثله. و في مناقب ابن شهرآشوب كسرت جارية له قصعة فيها طعام فأصفر وجهها فقال لها اذهبي فانت حرة لوجه الله.
    و في المناقب : روي أن علي بن الحسين دعا مملوكه مرتين فلم يجبه فلما أجابه في الثالثة قال له يا بني أ ما سمعت صوتي قال بلى قال فما لك لم تجبني قال أمنتك قال الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني. و في حياة الحيوان : كان إذا خرج من منزله قال اللهم إني أتصدق اليوم و أهب عرضي لمن يغتابني (اه) و كفى في حلمه إنه لما قال الشيخ الشامي: الحمد لله الذي أهلككم و قتلكم و أراح البلاد من رجالكم لم يجابهه زين العابدين بسب و لا شتم بل أجابه بلين الكلام و قال هل قرأت القرآن و ذكر الآيات الدالة على فضل أهل البيت فتاب و رجع بفضل حلم زين العابدين عليه‏ السلام و حكمته كما مر في السيرة الحسينية.
     (ثالثها) الشجاعة و قوة القلب و ثبات الجنان و جرأة النفس و أقوى دليل على ذلك قوله للطاغية عبيد الله بن زياد لما أمر به إلى القتل: أ بالقتل تهددني أما علمت أن القتل لنا عادة و كرامتنا الشهادة.و إنه لم يكلم أحدا ممن كان معه في الطريق من الكوفة إلى الشام بكلمة حتى بلغوا الشام و قال محفر بن ثعلبة ما قال فأجابه ما ولدت أم محفر أشر و ألأم، و قوله ليزيد و هو في سلطنته و ملكه و تسلطه يا ابن معاوية و هند و صخر لقد كان جدي علي بن أبي طالب في يوم بدر و أحد و الأحزاب في يده راية رسول الله صلى‏ الله ‏عليه‏ و آله‏و أبوك و جدك في أيديهما رايات الكفار و قوله ويلك يا يزيد إنك لو تدري ما ذا صنعت و ما الذي ارتكبت إذا لهربت في الجبال و افترشت الرماد فابشر بالخزي و الندامة.
     (رابعها) الكرم: في كشف الغمة عن كتاب نثر الدرر للآبي قال ابن الأعرابي لما وجه يزيد بن معاوية عسكره لاستباحة أهل المدينة ضم علي بن الحسين عليه‏ السلام إلى نفسه أربع مائة منافية (أي من بني عبد مناف ) و بعولهن إلى أن تفرق جيش مسرف بن عقبة قال و قد حكى عنه مثل ذلك عند إخراج ابن الزبير بني أمية من الحجاز .و عن الزمخشري في ربيع الأبرار أنه لما أرسل يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لقتال أهل المدينة و استباحتها كفل زين العابدين عليه‏ السلام أربعمائة امرأة مع أولادهن و حشمهن و ضمهن إلى عياله و قام بنفقتهن و إطعامهن إلى أن خرج جيش ابن عقبة من المدينة فأقسمت واحدة منهن أنها ما رأت في دار أبيها و أمها من الراحة و العيش الهني ما رأته في دار علي بن الحسين (اه) .
     (خامسها) كثرة صدقاته عليه‏ السلام)لا سيما في السر روي أنه كان لا يأكل الطعام حتى يبدأ فيتصدق بمثله، و روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن أبي حمزة الثمالي : كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به و يقول: إن صدقة السر تطفئ غضب الرب عز و جل. (و بسنده) عن شيبة بن نعامة : لما مات علي بن الحسين وجدوه يقوت مائة أهل البيت بالمدينة .
    و  روى أحمد بن حنبل و الصدوق في الخصال عن الباقر عليه‏ السلام  أن علي بن الحسين كان يعول مائة أهل بيت من فقراء المدينة في كل بيت جماعة. و في البحار : أنه كان إذا جنه الليل و هدأت العيون قام إلى منزله فجمع ما يبقى عن قوت أهله و جعله في جراب و رمى به على عاتقه و خرج إلى دور الفقراء و هو متلثم و يفرق عليهم و كثيرا ما كانوا قياما على أبوابهم ينتظرونه فإذا رأوه تباشروا به و قالوا جاء صاحب الجراب. و عن كتاب سوق العروس عن أبي عبد الله الدامغاني كان علي بن الحسين يتصدق بالسكر و اللوز فسئل عن ذلك فقرأ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون و كان يحبه.
     (سادسها) إعتاقه العبيد في سبيل الله) روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن سعيد بن مرجانة : عمد علي بن الحسين إلى عبد له كان عبد الله بن جعفر أعطاه به عشرة آلاف درهم أو ألف دينار فأعتقه.
    و  روى ابن طاوس في كتاب شهر رمضان المعروف بالإقبال بسنده عن الصادق عليه‏ السلام كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبدا له و لا أمة و كان إذا أذنب العبد و الأمة يكتب عنده أذنب فلان أذنبت فلانة يوم كذا و كذا، و لم يعاقبه فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم و جمعهم حوله ثم أظهر الكتاب ثم قال يا فلان فعلت كذا و كذا و لم أؤدبك أ تذكر ذلك؟ فيقول بلى يا ابن رسول الله. حتى يأتي على آخرهم و يقررهم جميعا ثم يقوم وسطهم و يقول ارفعوا أصواتكم و قولوا: يا علي بن الحسين إن ربك قد أحصى عليك كلما عملت كما أحصيت علينا كلما عملنا و لديه كتاب ينطق عليك بالحق لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها و تجد كلما عملت لديه حاضرا كما وجدنا كلما عملنا لديك حاضرا فاعف و اصفح يعف عنك المليك و يصفح فإنه يقول و ليعفوا و ليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم، و هو ينادي بذلك على نفسه و يلقنهم و ينادون معه و هو واقف بينهم يبكي و يقول :
     (ربنا إنك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا و قد عفونا عمن ظلمنا كما أمرت فاعف عنا فإنك أولى بذلك منا و من المأمورين، إلهي كرمت فأكرمني إذ كنت من سؤالك و جدت بالمعروف فاخلطني بأهل نوالك يا كريم) ثم يقبل عليهم فيقول قد عفوت عنكم فهل عفوتم عني ما كان مني إليكم من سوء ملكة فإني مليك سوء لئيم ظالم مملوك لمليك كريم جواد عادل محسن متفضل، فيقولون قد عفونا عنك يا سيدنا و ما أسأت فيقول لهم قولوا اللهم اعف عن علي بن الحسين كما عفا عنا و اعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرق فيقولون ذلك فيقول اللهم آمين رب العالمين اذهبوا فقد عفوت عنكم و أعتقت رقابكم رجاء للعفو عني و عتق رقبتي فإذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز تصونهم و تغنيهم عما في أيدي الناس، و ما من سنة إلا و كان يعتق فيها في آخر ليلة من شهر رمضان ما بين العشرين رأسا إلى أقل أو أكثر، و كان يقول إن الله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عند الإفطار سبعين ألف عتيق من النار كلا قد استوجب النار فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثلما أعتق في جميعه و إني لأحب أن يراني الله و قد أعتقت رقابا في ملكي في دار الدنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار، و ما أستخدم خادما فوق حول، كان إذا ملك عبدا في أول السنة أو في وسط السنة إذا كانت ليلة الفطر أعتق و استبدل سواهم في الحول الثاني ثم أعتق، كذلك كان يفعل حتى لحق بالله تعالى، و لقد كان يشتري السودان و ما به إليهم من حاجة يأتي بهم عرفات فيسد بهم تلك الفرج فإذا أفاض أمر بعتق رقابهم و جوائز لهم من المال.
     (سابعها) الفصاحة و البلاغة)و في خطبه بالكوفة و الشام و المدينة و غيرها المتقدمة في واقعة كربلاء أوضح دلالة و حسبك في ذلك بالصحيفة الكاملة و ما فيها من بديع المعاني و فصيح الألفاظ و بليغ التراكيب و جميل المحاورات و لطيف العبارات التي يعجز الفصحاء و البلغاء عن أمثالها و هي المعروفة بإنجيل آل محمد و تمام الكلام عليها عند ذكر مؤلفاته.
     (ثامنها) الورع فقد كان أورع أهل زمانه) روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن صالح بن حسان قال رجل لسعيد بن المسيب : ما رأيت أحدا أورع من فلان، قال: هل رأيت علي بن الحسين ؟قال لا، قال: ما رأيت أورع منه. و في مرآة الجنان : روي عن جماعة من السلف أنهم قالوا ما رأينا أورع من علي بن الحسين منهم سعيد بن المسيب .
     (تاسعها) كثرة بره بأمه) في مرآة الجنان : روي أن زين العابدين كان كثير البر بأمه فقيل له إنا نراك من أبر الناس بأمك و لسنا نراك تأكل معها في صحفة فقال أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها.
     (عاشرها) الرفق بالحيوان) روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن عمر بن ثابت : كان علي بن الحسين لا يضرب بعيره من المدينة إلى مكة .
    و روى المفيد في الإرشاد بسنده أنه حج مرة فالتأثت عليه الناقة في سيرها »أي أبطات« فأشار إليها بالقضيب ثم قال آه لو لا القصاص و رد يده عنها (و في رواية) إنه رفع القضيب و أشار إليها و قال لو لا خوف القصاص لفعلت. (و روي) أنه عليه‏ السلام حج على ناقة عشرين حجة فما قرعها بسوط.
     (حادي عشرها) الهيبة و العظمة في صدور الناس)قال عبد الملك بن مروان لما دخل عليه: و الله لقد امتلأ ثوبي أو قلبي منه خيفة.و قال مسرف بن عقبة لقد ملئ قلبي منه رعبا.و روى أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء بسنده عن ابن عائشة عن أبيه: حج هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة، فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه، و جاء علي بن الحسين فوقف له الناس و تنحوا حتى استلمه.قال: و نصب لهشام منبر فقعد عليه فقال له أهل الشام : من هذا يا أمير؟فقال لا أعرفه فقال الفرزدق : لكني أعرفه هذا علي بن الحسين :
هذا  ابن  خير  عباد  الله كلهم               هذا    التقي   النقي   الطاهر   العلم
‏هذا الذي تعرف البطحاء وطأته              و البيت   يعرفه  و  الحل   و   الحرم‏
يكاد   يمسكه   عرفان    راحته              ركن   الحطيم   إذا   ما  جاء  يستلم
‏إذا   رأته   قريش   قال  قائلها              إلى   مكارم    هذا    ينتهي    الكرم‏
إن عد أهل التقي كانوا  أئمتهم               أو قيل  من خير أهل الأرض قيل هم
‏هذا ابن فاطمة إن كنت  جاهله               بجده     أنبياء    الله    قد    ختموا
و ليس قولك من  هذا  بضائره               العرب  تعرف  ما أنكرت و العجم
‏يغضي حياء و يغضى من مهابته               فلا    يكلم    إلا    حين    يبتسم
    و روى المفيد في الإرشاد بسنده عن أبي جعفر محمد بن إسماعيل قال: حج علي بن الحسين عليهما السلام فاستجهر الناس و تشوفوا له و جعلوا يقولون من هذا من هذا تعظيما له و إجلالا لمرتبته و كان الفرزدق هناك فانشأ يقول:
‏هذا الذي تعرف البطحاء وطأته              و البيت   يعرفه  و  الحل   و   الحرم‏
هذا  ابن  خير  عباد  الله كلهم               هذا    التقي   النقي   الطاهر   العلم
يكاد   يمسكه   عرفان    راحته              ركن   الحطيم   إذا   ما  جاء  يستلم
‏يغضي حياء و يغضى من مهابته               فلا     يكلم    إلا     حين    يبتسم
‏أي  الخلائق  ليست في  رقابهم                لأولية     هذا     أو    له       نعم
‏من يعرف الله يعرف أولية  ذا                فالدين من  بيت   هذا   ناله   الأمم
‏إذا  رأته  قريش  قال  قائلها                 إلى   مكارم   هذا    ينتهي    الكرم

أخباره و أحواله
    روى البرقي في المحاسن أنه بلغ عبد الملك أن سيف رسول الله صلى‏ الله ‏عليه‏ و آله‏عند علي بن الحسين فبعث يستوهبه منه و يسأله الحاجة فأبى عليه فكتب إليه عبد الملك يهدده و أنه يقطع رزقه من بيت المال فأجابه عليه‏ السلام أما بعد فإن الله أمن {ضمن} للمتقين المخرج من حيث يكرهون و الرزق من حيث لا يحتسبون و قال جل ذكره إن الله لا يحب كل خوان فخور فانظر أينا أولى بهذه الآية.
    و  روى الراوندي في دعواته عن الباقر عليه‏ السلام أن علي بن الحسين قال مرضت مرضا شديدا فقال لي أبي ما تشتهي فقلت أشتهي أن أكون ممن لا أقترح على الله ربي ما يدبر لي فقال لي أحسنت ضاهيت إبراهيم الخليل عليه‏ السلام حيث قال له جبرئيل هل من حاجة فقال لا أقترح على ربي بل حسبي الله و نعم الوكيل.
    و  روى الصدوق في العيون بسنده عن الصادق عليه‏ السلام كان علي بن الحسين عليهما السلام لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه و يشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه فسافر مرة مع قوم فرآه رجل فعرفه و قال لهم هذا علي بن الحسين فوثبوا إليه فقبلوا يده و رجله و قالوا يا ابن رسول الله أردت أن تصلينا نار جهنم لو بدرت منا إليك يد أو لسان أما كنا قد هلكنا؟فقال إني سافرت مرة مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول الله صلى‏ الله ‏عليه‏ و آله ما لا أستحق فصار كتمان أمري أحب إلي.
    و في مناقب ابن شهرآشوب قيل له عليه‏ السلام إذا سافرت كتمت نفسك أهل الرفقة فقال أكره أن آخذ برسول الله صلى‏ الله ‏عليه‏ و آله ما لا أعطي مثله (اه) و هذه الرواية أقرب للصواب من رواية العيون .

أخباره المتعلقة بواقعة كربلاء
    و قد مر أكثرها في السيرة الحسينية فأغنى عن إعادتها هنا فلنذكر هنا ما لم يذكر هناك.
    كان عمره عليه‏ السلام يوم كربلاء «24 سنة« على الأكثر و «22 سنة« على الأقل.و قال محمد بن سعد في الطبقات كان علي بن الحسين مع أبيه يطوف كربلاء و عمره إذ ذاك »ثلاث و عشرون سنة« لكنه كان مريضا ملقى على فراشه و قد نهكته العلة و المرض (اه) و كان قد تزوج و ولد له الباقر فقد كان عمر الباقر يومئذ »أربع سنين« أو »ثلاث سنين« .
    و جملة من العلماء منهم المفيد يقولون إنه أكبر من أخيه علي شهيد كربلاء هو الأوسط و إنما قيل له الأكبر بالنسبة إلى أخيه الأصغر الذي هو أصغر منهما و قد فصلنا ذلك في ترجمة أخيه علي شهيد كربلاء .و كان زين العابدين عليه‏ السلام مريضا يوم كربلاء بالذرب فلذلك لم يجاهد و سلم من القتل و انحصر نسل رسول الله صلى‏ الله ‏عليه‏ و آله من فاطمة عليها السلام  من الحسينين فيه و في ذريته.و الظاهر أن القائل لأبيه و هما في الطريق إلى كربلاء أ لسنا على الحق هو علي الشهيد.
    فمن أخباره المتعلقة بواقعة كربلاء ما مر في السيرة الحسينية من قوله إني لجالس في تلك العشية التي قتل أبي في صبيحتها إلى آخر الخبر و هو الذي روى خطبة أبيه عليه‏ السلام لما جمع أصحابه ليلة عاشوراء المتضمنة الإذن لهم في الانصراف و ما أجابوه به و تقدمت و لما قتل الحسين عليه‏ السلام  أراد شمر قتل زين العابدين عليه‏ السلام و هو مريض فدفعه عنه حميد بن مسلم كما مر. و حمله عمر بن سعد مع من حمله من أهل البيت إلى الكوفة و قد نهكته العلة.

بكاؤه على أبيه عليه‏ السلام و أهل بيته
     في حلية الأولياء بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن جعفر بن محمد قال : سئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه: فقال: لا تلوموني فإن يعقوب فقد سبطا من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه و لم يعلم أنه مات و قد نظرت إلى أربعة عشرة رجلا من أهل بيتي قتلى في غزاة واحدة أ فترون حزنهم يذهب من قلبي. و  في مناقب ابن شهرآشوب عن الصادق عليه‏ السلام  بكى علي بن الحسين على أبيه عشرين سنة و ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف أن تكون من الهالكين قال إنما أشكو بثي و حزني إلى الله و أعلم من الله ما لا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة.
    و قال الصدوق في الخصال و لقد بكى على أبيه الحسين عليه‏ السلام عشرين سنة و ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال مولى له يا ابن رسول الله أما آن لحزنك أن ينقضي فقال له ويحك أن يعقوب النبي عليه‏ السلام كان له اثنا عشر ابنا فغيب الله عنه واحدا فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه و شاب رأسه من الحزن و احدودب ظهره من الغم و كان ابنه حيا في الدنيا و أنا نظرت إلى أبي و أخي و عمي و سبعة عشر رجلا من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني .

أخباره عليه‏ السلام المتعلقة بوقعة الحرة
    و كانت يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة 63 من الهجرة (و الحرة) بالفتح أرض ذات حجارة سوداء و الحرار كثير في الحجاز و كانت الوقعة في موضع يقال له حرة واقم نسبة إلى رجل و ذلك أن أهل المدينة وفدوا على يزيد بن معاوية بالشام فلما رأوا من أعماله و تهتكه و استهانته بالدين ما رأوا عزموا على خلعه فلما عادوا إلى المدينة أظهروا خلعه و أخرجوا عامله عليها عثمان بن محمد بن أبي سفيان و حصروا بني أمية في دار مروان ثم أخرجوهم من المدينة قال الطبري فوجه يزيد إليهم اثني عشر ألفا مع مسلم بن عقبة المري فإن هلك فالحصين بن نمير السكوني و قال له إذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا و أنظر علي بن الحسين فاكفف عنه و استوص به خيرا و ادن مجلسه فإنه لم يدخل في شي‏ء مما دخلوا فيه و علي لا يعلم بشي‏ء مما أوصى به يزيد بن معاوية.
    مسلم بن عقبة قال و قد كان علي بن الحسين لما خرج بنو أمية نحو الشام آوى اليه ثقل مروان بن الحكم و امرأته عائشة بنت عثمان بن عفان و قد كان مروان بن الحكم لما أخرج أهل المدينة عامل يزيد و بني أمية من المدينة كلم عبد الله بن عمر أن يغيب أهله عنده فأبى ابن عمر أن يفعل و كلم مروان علي بن الحسين و قال يا أبا الحسن إن لي رحما و حرمي تكون مع حرمك قال افعل فبعث بحرمه إلى علي بن الحسين فخرج بحرمه و حرم مروان حتى وضعهم بينبع ثم إن عائشة بنت عثمان زوجة مروان خرجت إلى الطائف فمرت بعلي بن الحسين و هو بمال له إلى جنب المدينة قد اعتزلها كراهية أن يشهد شيئا من أمرهم فأرسل زين العابدين ولده عبد الله معها إلى الطائف محافظة عليها فبقي معها حتى انتهت الوقعة فشكر له مروان ذلك (اه) و هذا منتهى مكارم الأخلاق و المجازاة على الإساءة بالإحسان و لا عجب إذا جاء الشي‏ء من معدنه:
ملكنا فكان العفو  منا  سجية              فلما ملكتم سال بالدم أبطح
‏و حسبكم هذا التفاوت بيننا               و كل إناء بالذي  فيه ينضح
    أما ما نقله الطبري في ذيل بعض رواياته من قوله و كان مروان شاكرا لعلي بن الحسين مع صداقة كانت بينهما قديمة فلا يكاد يصح و عداوة مروان لعلي بن الحسين و أهل بيته لا تحتاج إلى بيان فمتى كانت هذه الصداقة القديمة بين مروان و علي بن الحسين ؟أ يوم خرج لحرب جده علي بن أبي طالب مع أهل الجمل أم يوم حاربه بصفين مع معاوية أم يوم قال مروان للوليد في حق الحسين : إنه لا يبايع و لو كنت مكانك لضربت عنقه أم يوم قال له لئن فارقك الحسين الساعة و لم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم و بينه و لكن احبس الرجل فلا يخرج حتى يبايع أو تضرب عنقه و قول الحسين له ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت و الله و لؤمت، و قول مروان لما جي‏ء برأس الحسين عليه‏ السلام:
يا حبذا بردك في اليدين              و لونك  الأحمر  في   الخدين
‏كأنما   حف     بوردتين              شفيت نفسي من دم الحسين
    و الله لكأني أنظر إلى أيام عثمان .كل هذا من أسباب الصداقة بين مروان و علي بن الحسين !!كلا و لكنهم أهل بيت طبعوا على مكارم الأخلاق و جبلوا على الإحسان لمن أساء إليهم و العفو و الصفح عن أعدائهم سجايا خصهم الله بها و طبعهم عليها و ميزهم بها عن سائر الخلق و أخرجهم بها عن مجرى العادات.و زين العابدين عليه‏ السلام هو الذي كان يقول: لو أن قاتل الحسين عليه‏ السلام استودعني السيف الذي قتل به الحسين لرددته إليه.
    ثم إن جيش مسلم بن عقبة غلب على المدينة فأباحها مسلم ثلاثا و دعا الناس للبيعة على أنهم خول عبيد ليزيد بن معاوية يحكم في دمائهم و أموالهم و أهليهم ما شاء، ثم إن مروان أتى بعلي بن الحسين فأقبل علي يمشي بين مروان و ابنه عبد الملك يلتمس بهما عند مسلم الأمان فجاء حتى جلس عنده بينهما فدعا مروان بشراب  )1( المراد بالشراب هنا ما يتخذ من الثمار و الفواكه من الربوبات. ليتحرم بذلك من مسلم فأتى له بشراب فشرب منه مروان شيئا يسيرا ثم ناوله عليا ، فقال له مسلم : لا تشرب من شرابنا، فأمسك، فقال مسلم : إنك إنما جئت تمشي بين هؤلاء لتأمن عندي، و الله لو كان الأمر إليهما لقتلتك و لكن أمير المؤمنين أوصاني بك فذلك نافعك عندي فإن شئت فاشرب شرابك الذي في يدك و إن شئت دعونا بغيره قال هذه التي في كفي أريد فشربها ثم قال إلى هاهنا فأجلسه معه.
     (و في رواية) لما أتى بعلي بن الحسين إلى مسلم قال من هذا؟ قالوا علي بن الحسين ، قال مرحبا و أهلا ثم أجلسه على السرير و الطنفسة ثم قال إن أمير المؤمنين أوصاني بك قبلا و هو يقول إن هؤلاء الخبثاء شغلوني عنك و عن وصلتك ثم قال لعلي لعل أهلك فزعوا قال إي و الله فأمر بدابته فأسرجت ثم حمله فرده عليها (اه) و مر عند ذكر كرمه و سخائه أنه في وقعة الحرة ضم إليه أربعمائة امرأة منافية و بعولتهن إلى أن تفرق جيش مسلم بن عقبة (و في رواية) أربعمائة امرأة مع أولادهن.



 
 


السيرة الذاتية :

  • السيرة الذاتية لسماحة السيد الخوئي
  • صور سماحة السيد الخوئي
  • السيد الخوئي في كلمات العلماء

المؤسسة والمركز :

  • تعريف بمركز الإمام الخوئي في نيويورك
  • تعريف بمؤسسة الإمام الخوئي الخيرية
  • نشاطات المركز
  • إعلانات عن النشاطات والمناسبات

المواضيع والمقالات الدينية :

  • سيرة النبي (ص) وآله (ع)
     جديد القسم :



 تحديث الفيديو : تحديث تنسيق القسم الثالث والأخير من ملفات الفيديو العامة

 تحديث الفيديو : تحديث تنسيق القسم الثاني من ملفات الفيديو العامة

 تحديث الفيديو : تحديث تنسيق القسم الأول من ملفات الفيديو العامة

 تحديث الفيديو : تحديث تنسيق ملفات الفيديو لمقتطفات من حياة الإمام الخوئي قدس سره

 إضافة كتب : إضافة القسم الثامن من الكتب النصيّة في قسم المكتبة

 إضافة كتب : إضافة القسم السابع من الكتب النصيّة في قسم المكتبة

 إضافة كتب : إضافة القسم السادس من الكتب النصيّة في قسم المكتبة

 إضافة كتب : إضافة القسم الخامس من الكتب النصيّة في قسم المكتبة

 إضافة كتب : إضافة القسم الرابع من الكتب النصيّة في قسم المكتبة

 إضافة كتب : إضافة القسم الثالث من الكتب النصيّة في قسم المكتبة

     البحث في القسم :


  

     ملفات عشوائية :



 برنامج شهر رمضان المبارك لسنة 1430هـ

 تحديث الموقع : صفحة جديدة في قسم اللطميات للرادود يوسف الرومي

 صلاة عيد الفطر المبارك في مركز الامام الخوئي في نيويورك

 دروس صوتية : إضافة المجموعة الثالثة من الدورة الأصولية لدروس بحث الخارج

 إعلان عن رحلة العمرة لربيع عام 2014

 دروس صوتية : إضافة المجموعة الثانية من الدورة الأصولية لدروس بحث الخارج

 إضافة مجموعة لطميات جديدة ضمن الصوتيات

 دروس صوتية : إضافة المجموعة الرابعة من الدورة الأصولية لدروس بحث الخارج

 إضافة كتب : إضافة مجموعة كتب ثالثة بتنسيق PDF في قسم المكتبة

 الإمام علي بن ابي طالب عليهما السلام

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية لهذا القسم
  • أرشيف مواضيع هذا القسم
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - المؤلفات - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net